مشاهدة النسخة كاملة : الشهيد القسامي النتشة .. اخترق حصون الصهاينة وقاد المعركة في أحلك الظروف



قابض على الجمر
05-08-2008, 21:15
شخصية وادعة، بسيطة، لا يمكن معها أن تكتشف أن حاملها هو قائد "كتائب الشهيد عز الدين القسام"، الجناح العسكري لحركة "حماس" في جنوب الضفة الغربية. كان يمر من جانبك بلا ضوضاء دون أن يلفت الانتباه، هادئ الطبع تعلو ملامحه سكينة وهدوء قلما تجدها في شخص آخر.

شهاب الدين عبد العزيز النتشة، مر من شوارع كثيرة عبر محطة هي من أقسى المحطات فمن هو هذا الذي أعاد المجد والسؤدد إلى حواري الخليل.


مولده ونشأته

ولد الشهيد القسامي شهاب الدين النتشة لعائلة بسيطة متدينة على بعد أمتار قليلة من مسجد الأنصار وسط مدينة الخليل، تلقى تعليمه الأساسي والثانوي في مدارسها وحصل على معدل بتقدير جيد، التحق بجامعة القدس المفتوحة ولسوء الظروف والأحوال التي تزامنت مع الاجتياحات الصهيونية للمدينة عام 2002 لم يكمل دراسته والتحق بأحد المصانع ليشارك في إعالة أسرته الكبيرة، وبقي يعمل في صمت إلى أن اكتشف أمره في شهر شباط (فبراير) 2008م حيث أصبح مطلوباً للاحتلال بعد أن اتضح مسؤوليته عن عملية "ديمونا" التي قتلت فيها عالمة ذرة صهيونية وزوجها وأصيب العشرات بجروح.


أربك أسطورة "الشاباك"

بتاريخ 4/2/2008م استفاق جهاز "الشاباك" الصهيوني على عملية نوعية نفذها القساميان شادي زغير ومحمد الحرباوي بالقرب من مفاعل ديمونا الصهيوني، حيث أدرك هذا الجهاز أن عقلا مدبراً من مدينة الخليل هو الذي وقف وراء العملية، وقد غلب هذا الظن كافة التكهنات التي أشارت إلى أن الاستشهاديان جاءا من قطاع غزة، وقبل أن تصدر التكهنات هنا وهناك اتجهت بوصلة الشاباك إلى مدينة الخليل وفرضت حصاراً على المدينة بحثاً عن مدبري العملية، والتي جاءت بعد تصريحات صهيونية فلسطينية بأنهم أنهوا المقاومة وشلوا حركتها في الضفة الغربية.

وبالرغم من أن العملية اخترقت تحصينات الاحتلال ومن بينها الجدار العازل إلا أنها أضافت إنجازاً كبيراً للمقاومة التي تركزت عملياتها شمال فلسطين وليس جنوبها، على اعتبار أن الجنوب هو الأكثر أمناً وأماناً، هذا ناهيك عن الموقع الاستراتيجي للعملية فمن يصل إلى ديمونا يكون قد حقق إنجازاً كبيراً فكيف بمن دخلها محزما بالمتفجرات.

وبعد وقت من وقوع الانفجار في السوق التجاري في ديمونا لم يستطع الشاباك التحديد الفوري لنوع العملية حيث تناقلت وسائل الإعلام خبراً بأنه ربما كان حادثاً عادياً ناتجاً عن انفجار في اسطوانات غاز.


سليلة المقاومة

ومنذ الإعلان عن العملية أدرك الشاباك أن أيادي خليلية وراء العملية، لأن الخليل هي الأقرب إلى موقع الحدث ولأن مدينة الخليل دوماً تتحرك في الظروف الصعبة، ولأن الرصاصة الأولى والأخيرة تصنع في الخليل، هكذا كانت تجربة الشاباك مع القسام وحربه الطويلة.

وبعد إعلان "كتائب القسام" بشكل رسمي عن العملية؛ برز حجم التحدي بين الشاباك و"كتائب القسام" ومن هنا بدأ الشاباك حملة كبيرة لاكتشاف المخططين للعملية وبأسرع وقت ممكن.


المطلوب رقم واحد

بالتأكيد أن المطلوب رقم واحد كان معتقلاً سابقاً لدى سلطات الاحتلال وبالرغم من أن الفترة التي قضاها في سجون الاحتلال لم تتجاوز العشرة أشهر إلا أنها فترة كافية كي يخرج منها شهاب الدين ناقماً على المحتلين وأعوانهم، كما أنه كان يصوم الاثنين والخميس هادئاً هدوء ما قبل العاصفة لم يقصد الشهرة ولم يعمل لها.

منذ تاريخ 6/2/2008 أخبر شهاب الدين والديه انه سينتقل إلى العمل في مدينة رام الله وبعدها اختفى نهائياً عن الأنظار، وتقول والدته أم عزات أنها لم تشاهده ولم تسمع صوته منذ ذلك الحين غير أنها فهمت القصة من خلال المداهمات المتكررة للاحتلال لمنزل العائلة في شارع السلام وقد حرص الجنود على أن يداهموا المنزل في أوقات متقاربة ويطالبون العائلة بتسليم شهاب، مهددين بقتله إذا لم يسلم نفسه.

وتضيف أنها لم تعتقد يوما أن يكون شهاب وراء عملية "ديمونا" أو أنه قائد "كتائب القسام" في جنوب الضفة إلا من خلال وسائل الإعلام التي كانت تتحدث عن المطلوب رقم واحد.


تنسيق على مستوى عال

كانت تظهر حركات غير طبيعية على جهاز المخابرات التابع للسلطة الفلسطينية؛ فقد حاول عدة مرات أن يحدد المكان الذي يتواجد فيه شهاب وحاولوا مرات ومرات اعتقاله دون جدوى، إضافة إلى ذلك اعتقال جهاز المخابرات الفلسطينية لشقيقه الأكبر عزات حيث مكث عند الجهاز مدة تزيد عن 45 يوماً. ويؤكد شقيق شهاب أن القسم الأكبر من التحقيق كان عن شقيقه شهاب الدين ويضيف انه اخبرهم بأنه لا يعلم مكان شقيقة أو أي معلومات عنه.

وتضيف عائلة الشهيد النتشة أن بيت الشهيد وأسرته كان يخضع للمراقبة المتواصلة من قبل الأجهزة الأمنية والعملاء وكانوا كثيرا ما يلاحظون هذا الأمر منذ ما يزيد عن ستة أشهر.


وأخيرا ترجل الفارس

بقي شهاب الدين في دائرة المراقبة والاستهداف وقد حاصر الجيش الصهيوني عدة أحياء في مرات مختلفة بحجة أن شهاب الدين يتحصن فيها لكنه كان ينجح في الفرار إلى أن حاصر منزلا يعود لعائلة البيطار في حي واد الملح غرب مدينة الخليل بتاريخ 27/7/2008.

وتقول والدته أم عزات إن قوة صهيونية طلبت منها الحديث مع ابنها لكي يسلم نفسه، وتقول إن الجنود نقلوها إلى أحد المراكز الصهيونية بالقرب من الارتباط وكانوا يرددون الأغاني فرحاً باكتشاف مكان شهاب وعندما وصلت إلى منزل عائلة البيطار طلبوا منها أن تستخدم مكبر الصوت حتى يسلم ابنها نفسه لقوات الاحتلال.

وتضيف: "هناك مئات الجنود يحيطون بالمكان؛ عندما أمسكت مكبر الصوت أخذت أنادي عليه كي يسلم نفسه ولم اسمع منه أي رد وتضيف كان الوقت ليلا لم أشاهد فيه إلا عشرات الجنود يحيطون بالمنزل وجرافة صهيونية كبيرة اقتربت من منزل عائلة البيطار المكون من ست طوابق وقد أخذت اردد الأدعية وتوجهت إلى الله بالصلاة، وقد شاهدت الجنود الصهاينة يقومون بهدم المنزل فوق ابني وقبل آذان الفجر سمعت صوت انفجار وتكبيرات فاعتقدت انه آذان الفجر ولما لم يتكرر الصوت اعتقدت جازما انه ولدي الذي أتضح فيما بعد انه خرج للمواجهة حيث قاموا بقصفه بصاروخ حتى تقطعت أشلاؤه، وقد استشهد بعد مقاومة استمرت 12 ساعة مع جنود الاحتلال والياته".

وتضيف أم عزات أن الجنود جاؤوا إليها وأخبروها أن تستعد حتى تتعرف على جثمان الشهيد وقد ذهب إلى مكان الجثمان أربع جنود وعادوا ليخبروني مرة أخرى أنني لن أشاهد جثته لأنه مقطع وقد قالوا ذلك بسخرية كاملة حتى يغيظوني، عندها قلت لهم كلنا سنموت إنها جثمان والروح عند الله سبحانه وانتم أيضا ستموتون ولكن هناك فرق لأنه شهيد.


"القسام" .. الرد آت

في ظهر اليوم نفسه؛ شيعت جماهير مدينة الخليل جثمان الشهيد البطل شهاب النتشة في موكب جنائزي مهيب، وبعد يومين على استشهاده عثر المواطنين على رأس الشهيد تحت أنقاض المنزل ولم يصب بأذى، وقاموا بدفنه مع جثمان الشهيد في القبر نفسه.

وفي اليوم ذاته؛ وزعت كتائب القسام في مدينة الخليل بيانا زفت فيه الشهيد النتشة، مؤكدة أن كتائب القسام "لا تسعى إلى مكسب أو مغنم دنيوي لأنهم طلاب شهادة وان دماء شهاب الدين وكل الشهداء لن تذهب هدراً".

وطالب البيان الشعب الفلسطيني بالعودة إلى البذل والعطاء والصبر والاصطفاف حول المقاومة ورافعي اللواء والافتضاض من حول المتاجرين بدماء الشهداء والأرض والمقدسات.