مشاهدة النسخة كاملة : في مدرسة الصحابيات -1-



أشرف
13-12-2004, 10:08
بسم الله الرحمن الرحيم
* الصحابية الجليلة أسماء بنت أبي بكر
صحابية جليلة، نموذج فذ من نماذج الطالبات للإحسان، الساعيات للكمال، إلى هذا النموذج تشرئب أعناق المؤمنين و المؤمنات، الطامحين و الطامحات لمقامات الكمال.
إنها ذات النطاقين، أسماء بنت أبي بكر بن أبي قحافة. ولدت سنة سبع و عشرين قبل الهجرة. و هي أخت أمنا عائشة رضي الله عنهما من أبيها.

* أسماء، الابنة البارة للصديق صاحب رسول الله
نستحضر اللحظات الأولى التي جاء فيها الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم من ربنا الكريم بالهجرة، فكان قدر أبيها، و أسعد به من قدر، أن يكون هو صاحب الرسول في هجرته. طارت فرحا بصحبة أبيها لخير الأنام، فأعدت لهما ما يأخذانه معهما من طعام و سقاء، و بينما هي تعد إذ قالت:" فلم أجد لسفرته صلى الله عليه و سلم ولا لسقائه ما أربطهما به". فقالت لأبيها:" و الله ما أجد شيئا أربط به إلا نطاقي" قال: فشقيه فاربطي بواحد السقاء، و بالآخر السفرة. ففعلت. فلذلك سميت بذات النطاقين. و قال لها الرسول صلى الله عليه و سلم:" إن لك بهما نطاقين في الجنة".
كان أبوها قد حمل معه كل ماله. فأتاها جدها أبو قحافة، و قد ذهب بصره، فقال لها:" إن هذا و الله قد فجعكم بماله مع نفسه، فقالت:" لا يا أبت قد ترك لنا مالا كثيرا". فعمدت إلى أحجار و غطتهم بثوب، و جاءته و أخذت بيده و وضعتها على الثوب، فقالت:" ترك لنا هذا"، فقال:" أما إن ترك لكم هذا فنِعْمَ".و هو رضي الله عنه ما ترك قليلا و لا كثيرا.

* أسماء المهاجرة
حان وقت هجرتها، فقطعت أسماء الصحراء اللاهبة مغادرة مكة إلى المدينة، و هي حامل في شهرها التاسع من زوجها الزبير بن العوام، و ما كادت أن اقتربت من مشارف المدينة حتى جاءها المخاض، و نزل المهاجر الجنين أرض المدينة، و حمل أول مولود في الهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم في داره بالمدينة، فقبله و حنكه، و كان أول ما دخل جوفه ريق رسول الله صلى الله عليه و سلم.
فرح المسلمون به فرحا شديدا، و خرجوا يطوفون به شوارع المدينة لأن اليهود وقتئذ أشاعوا بين المسلمين أنهم سحروهم كي يصابوا بالعقم فلا يولد لهم أبدا.

* أسماء المحسنة في تبعلها لزوجها الخادمة لبيتها
عاشت سيدتنا أسماء في دار الهجرة مع زوجها عيشة شظف، فأتت أباها تشكو إليه ذلك، فقال:" يا بنية، اصبري، فإن المرأة إذا كان لها زوج صالح ثم مات فلم تزوج بعده، جمع بينهما في الجنة ".وصية هي أشبه بوصية الرسول صلى الله عليه و سلم لابنته الزهراء رضي الله عنها، نساؤنا اليوم أحوج إليها .
قالت رضي الله عنها تصف مهنتها في بيتها، "تزوجني الزبير و ما له في الأرض من مال و لا مملوك و لا شيء غير فرسه، فكنت أعلف فرسه و أكفيه مؤونته و أسوسه، و أدق النوى لناضحه فأعلفه، و أستقي الماء، و أفرز غربه[أي ترفع الدلو]، و أعجن، و لم أكن أحسن الخبز، فكانت تخبز لي جارات من الأنصار، و كنت أنقل النوى".
و روى الشيخان أنها تنقل النوى من أرض الزبير وهي تبعد منها بنحو ثلثي فرسخ[ نحو كيلومترين]، قالت فجئت يوما والنوى على رأسي، فلقيت رسول الله صلى الله عليه و سلم و معه نفر من الأنصار، فدعاني ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرجال، و ذكرت الزبير و غيرته، فعرف الرسول أني استحييت فمضى. : منعها الحياء ولم يمنعها الشرع....

* أسماء الحريصة على طلب العلم
حرصت على طلب العلم حرصها على جمع النوى لعلف فرس الجهاد، قالت الصديقية ابنة الصديق:" قام رسول الله صلى الله عليه و سلم خطيبا[بعد صلاة الكسوف]، فذكر فتنة القبر الذي يفتتن به المرء، فلما ذكر ذلك ضج المسلمون ضجة حالت بيني و بين أن أفهم آخر كلام رسول الله صلى الله عليه و سلم، فلما سكت ضجيجهم قلت لرجل قريب مني:أي بارك الله فيك،ماذا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في آخر كلامه؟ قال الرجل: قال قد أوحي إلي أنكم في القبور قريبا من فتنة الدجال...".

* أسماء الشاعرة
كانت سيدتنا أسماء شاعرة ذات منطق و بيان. قالت في زوجها الزبير لما قتله عمرو بن جرموز المجاشعي بوادي السباع وهو منصرف من موقعة الجمل:
عد ابن جرموزبفارس همه
يوم الصياح و كان غير معربــد
يا عمرو لو بهته لوجدتـــــه
لا طائشا رعش الجنان و لا اليد
ثكلتك أمك أن قتلت مسلــمـا
حلت عليك عقوبـــة المـتـعمــــد

* أسماء الصبورة الحريصة على رضى الله
كانت ذات النطاقين تصدع و تتألم من صداع الرأس، فتضع يدها على رأسها و تقول:" بذنبي، و ما يغفره الله أكثر".
و قد عرف عنها أنها كانت إذا مرضت تعتق مملوكا لها.
قدمت عليها أمها التي طلقها أبو بكر في الجاهلية، ذات يوم، و كانت مشركة، و هي تحمل معها هدايا. فأبت أسماء قبول الهدايا و لم تدخلها على بيتها و أرسلت إلى أمنا عائشة:" سلي رسول الله". فقال صلى الله عليه و سلم:" لتدخلها و لتقبل هديتها". فأنزل الله عز و جل:"لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين..."
لقد وضح لها الرسول صلى الله عليه و سلم أن برها بوالدتها المشركة لا يحمل معنى الموالاة المنهي عنها في الآية الكريمة:"لا تتخذوا آباءكم و إخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان"، بل إن ذلك من باب الاعتراف بالفضل"وصاحبهما في الدنيا معروفا".

* أسماء الأم الشجاعة المربية للمجاهد الشهيد
تخبرنا عنها كلماتها لابنها عبد الله لما دخل عليها و هي عمياء و قد بلغت مائة سنين و قال لها: يا أماه ما ترين قد خذلني الناس و خذلني أهل بيتي. فقالت:" لا يلعبن بك صبيان بني أمية، عش كريما، و الله إني لأرجو أن يكون عزائي فيك حسنا..ثم قالت: اللهم إني قد سلمت فيه لأمرك،و رضيت فيه بقضائك، فأثبني في عبد الله ثواب الشاكرين".
ولما أخبرها عن خوفه أن يمثل بجثته قالت: " يا بني، وهل يضير الشاة سلخها بعد ذبحها، والله يا بني ،إني لأرجو ألا أموت حتى ينتهي أحد طرفيك : إما أن ينصرك الله نصرا عزيزا ، وإما أن تقتل ..."
لما قتل ابنها عبد الله و صلب من قبل الحجاج، قالت:" و الله ما كان منافقا، إن كان لصوّاما قوّاما برّا.."
تقدم منها عبد الله بن عمر رضي الله عنهما معزيا و داعيا إياها بالصبر، فأجابته قائلة:" و ما يمنعني من الصبر و قد أهدي رأس يحيى بن زكرياءإلى بغي من بغايا بني إسرائيل".
أهناك أروع من هذه الكلمات تقولها أم مؤمنة للذين فصلوا رأس ابنها ابن الزبير عن جسده قبل أن يصلبوه ؟
ولما قال لها الحجاج:" كيف رأيتني صنعت بعدو الله؟ " قالت: " رأيتك أفسدت عليه دنياه و أفسد عليك آخرتك.... أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن في ثقيف كذابا ومبيرا فأما الكذاب فرأيناه و أما المبير فلا أخالك إلا إياه قال:فقام عنها و لم يراجعها."
لما أمر ابن مروان بإنزال جثة ابن الزبير، أتت به أمه فغسلته و كفنته و حنطته ثم دفنته. فما عاشت بعد ذلك إلا أيام ثم ماتت قبل يوم الثلاثاء 17جمادى الأولىسنة73 للهجرة.
فسلام على سيدتنا أسماء و سلام على ابنها عبد الله.
و رضي الله عن الصحابية الجليلة..
صحبت خير البرية فكانت نعم الصاحبة
محسنة في عبادتها و طاعتها لله و رسوله
محسنة في تبعلها لزوجها
محسنة في تربيتها لخير النشئ
مشتغلة في كل وقت وحين بلا عطلة...فسلام على ذات النطاقين و سلام على من اقتدت و احتدت بسلوكها من النساء و من الرجال أيضا.

المختار
14-12-2004, 23:04
جزاك الله خيرا اخي الفاضل اشرف

جعل الله مجهوداتك في ميزان حسناتك امين

أشرف
15-12-2004, 09:39
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أمين أخي ومنا ومنك إن شاء الله، ومشكور على الطلة والتعليق الحلو.

جنات النعيم
19-01-2005, 14:32
بوركت يمينك اخي الفاضل على هذا الموضوع القيم

hassan_1677
30-03-2005, 12:14
اللهم اجعلنا كما تحب