مشاهدة النسخة كاملة : من أحوال الصالحات



nawara
21-11-2005, 16:45
الصحابيات والصبر على خدمة البيت


من منن الله الكثيرة التي من بها علينا وخصنا بها على باقي الأمم، شهر رمضان، شهر الغفران. شهر يجتهد فيه المرء ليدرك ما فاته من خير، ويجدد توبته ويعود عن حوبته، ويقبل على الله منكسرا متضرعا راجيا رحمته وغفرانه.

ولما كان هذا الشهر فرصة ثمينة لترويض النفس على الصبر، وكبح جماح شهواتها، والتطلع إلى طلب ما عند الله من درجات علا، سمي بشهر الصبر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صم شهر الصبر، ويوما من كل شهر" رواه أبو داود.

قال الحكماء، الصبر ضربان: جسمي ونفسي، فالجسمي: تحمل المشاق بقدر القوة البدنية كالصبر على المرض، وأما النفسي: ففيه تتعلق الفضيلة، وهو ضربان: صبر عن مشتهى ويقال له عفة، وصبر على تحمل مكروه أو محبوب.

ولقد حبا الله تعالى المرأة باستعداد فطري لاكتساب هذا الخلق العظيم، خلق الصبر، فهو الذي يضمن لها ويعينها على القيام بالمهام العظيمة التي وكلت إليها دون غيرها من حفظ نسل وتربية النشئ... ونحن الآن بصدد الحديث عن مهمة من المهام التي أسندت لها بحكم حسن تصرفها وكياستها، وهي تدبير شؤون البيت أو بصيغة أخرى: خدمة البيت.

ويأتي حديثنا عن خدمة البيت وما يتطلبه من صبر وقوة تحمل لأن العادة جعلت منه مجرد عمل يظن الكثير من الناس أن لا أجر عليه وربما أنه مضيعة للوقت، في حين نراه نحن عبادة تتقرب بها المؤمنة من ربها عز وجل إن هي جدَّدت نيتها وجعلت عملها خالصا لوجهه عز وجل. ألم يبشر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم من جئنه سائلات عن حظهن من الثواب وهن محبوسات عن كثير من أعمال الطاعات بان خدمتهن في بيتهن تعدل كل ذلك؟ أخرج البيهقي عن أنس قال: جاء النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن: (يا رسول الله ذهب الرجال بالفضل بالجهاد في سبيل الله، أفما لنا عمل ندرك به عمل المجاهدين في سبيل الله؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مهنة إحداكن في بيتها تدرك عمل المجاهدين في سبيل الله).

ونقصد بخدمة البيت جميع الأعمال التي من شأنها أن تجعل أهله وزواره يهنئون بسكينة وراحة وطمأنينة، من تنظيف وترتيب وتجميل وغسل ثياب وإعداد طعام ... هذه المهمة التي يزداد عبؤها بحلول شهر رمضان حيث تكثر فيه استضافة الأقارب والأحباب.

ورغم كل هذا، على المؤمنة أن تحرص على عدم تعطيل واجبات أخرى، من ذكر وقيام وتلاوة قرآن... وهنا تأتي فضيلة الصبر، إذ أنها قد تنشغل في النهار بإعداد ما يحتاج إليه أهل البيت أو الزوار ويبقى عليها أن تنفق من راحتها، وتغنم وقت السحر لتدرك إجابة ربها لدعائها.

وكفى بالمؤمنة شرفا أن تتشبه برسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام في القيام بهذا العمل، فعن الأسود رضي الله عنه قال: "سألت عائشة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله – تعني خدمة أهله – فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة".

نعرض نماذج لنساء أثمرت فيهن تربية الرسول الكريم عليه أفضل الصلوات، فلم يجدن حرجا ولا ضيقا في خدمة بيوتهن بل رأينه شرفا وابتغاء لمرضاة الله فكن خير نساء أشرقت عليهن الشمس:

فاطمة الزهراء -رضي الله عنها- تشتكي
فاطمة الزهراء رضي الله عنها وأرضاها، بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يشفع لها كونها خير نساء العالمين من أن ينالها بعض هذا النصب. فلما اشتكت رضي الله عنها إلى أبيها سوء الحال من معاناة الرحى وجلب الماء حتى مجِلت اليد، وأثر حبل القربة في النحر الشريف، واغبرت الثياب من الكنس، لم يُسعفها رسول اله صلى الله عليه وسلم بخادم، ولا سأل عليا عليه السلام نفقة خادم، وهو كرم الله وجهه كان من أفقر المهاجرين،إنما علّمها أن تُزين عملها وخدمتها–أي عبادتها- بالتسبيح والتكبير، وهو أشبه ما يكون بالباقيات الصالحات دبر كل صلاة.

فعن علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه... أن فاطمة عليها السلام أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى من الرحى، قالت: لقد مجلت يداي من الرحى أطحن مرة وأعجن مرة، وبلغها أنه جاءه رقيق- أي عبيد خدَم-، فلم تصادفه، فذكرت ذلك لعائشة، فلما جاء أخبرته عائشة، قال علي: فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبنا نقوم، فقال: على مكانكما، فجاء فقعد بيني وبينها حتى وجدت برد قدميه على بطني، فقال: ألا أدلكما على خير مما سألتما؟ إذا أخذتما مضاجعكما أو أويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وكبرا أربعا وثلاثين، فهو خير لكما من خادم ".حديث رواه البخاري ومسلم.

جبريل يقرئ خديجة -رضي الله- عنها السلام
إن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يلزمها كثير من التمعن والتدبر كي نستخلص منها الدروس والعبر، فهذا جبريل عليه السلام أقرأ أمنا خديجة رضي الله عنها من ربها السلام، وهي تحمل إناء الطعام -أي تخدم بيتها- ليلفت انتباهنا إلى أن ما كانت تقوم به لا يقل شأنا عن باقي العبادات فظفرت بوسام من فوق سبع سماوات: سلام ربها عز وجل وبشرى بيت في الجنة.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام-الإدام هو ما يجعل مع الخبز فيطيِّبه-، أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشِّرها ببيت في الجنة لا صخب فيه، ولا نصب." صحيح البخاري.

أسماء بنت أبي بكر تصف خدمة بيتها
تروي أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما تصف مهنتها في عمل أهلها وخدمة بيتها تقول: تزوجني الزبير، وما له في الأرض من مال ولا مملوك، ولا شيء غير فرسه، فكنت أعلِف فرسه، وأكفيه مؤونته (أي مشقته)، وأسوسُه، وأدق النوى لناضحه (جمل يُجلَب عليه الماء) فأعلفه، وأستقي الماء، وأخرِزُ غربَه (أرقِّع الدلو) وأعجن، ولم أكن أُحسِن أَخبزُ، فكانت تخبز لي جارات من الأنصار، وكن نسوة صدق، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي، وهي مني على ثلثي فرسخ -الفرسخ يعادل تقريبا ثمانية كيلومترات-..." حديث رواه البخاري ومسلم.

وننهي حديثنا بالإشارة إلى أن خدمة البيت ما هي إلا بعض من مهام المؤمنة وليس جلها ولا تلغي غيرها من المهام التي يحتاج إليها المجتمع والتي ينبغي أن تتصدى لها المرأة فهي مربية، وعاملة، وداعية، ... وعليها أن تتجمل بالصبر الجميل حتى تقبل على ربها وقد أدت ما عليها من واجبات

hassan_1677
07-12-2005, 15:12
يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم : خاد القوم سيدهم.
فلاشك من يخدم الناس سيدهم بل الخدمة باب كبير وعظيم لايدخله إلا من وفقه الله، فالخدمة رمز للتواضع والذلة للمومنين وافضل الخدمة خدمة المرء لبيته لما في ذلك من الصبر والصدق والعمل بدون رياء .قد يخدم المرء الناس لكن قد يشوب ذلك شيء من النواقص ،لكن إذا خدم بيته يكون العمل ولله الحمد خالصا .والله اعلم

nawara
07-12-2005, 15:42
jazaka ellah khayran 3ala mororika etayeb akhi

hassan_1677
12-12-2005, 13:59
آسية بنت مزاحم


ذة. سعيدة ملكاوي، 2005/11/29




إسمها ونسبها

آسية بنت مزاحم بن عبيد بن الريان بن الوليد الذي كان فرعون مصر، في زمن سيدنا يوسف عليه السلام.


إمرأة فرعون

ذكرت في القران الكريم بحيثيتها "امرأة فرعون" وذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف باسمها "آسية"، لأن السبب في كمالها لم يكن نسبتها إلى فرعون، وإنما تجردها وتبرؤها من الكفر، وليجعلها الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم مثلا للمؤمنين، فيعلموا أن وصلة الكفر لا تضرهم في شيئ إن صدقت هجرتهم إلى الله ورسوله.
كانت سيدتنا آسية في الدنيا تحت أعدى أعداء الله فرعون، ومن سلالة "فرعون مصر في زمن يوسف" (1) وفي زمن الاستعلاء والاستكبار الفرعوني والنمرودي المهلك، فاختارها الله سبحانه وتعالى وهيأها للكمال فكانت من الفائزين عنده سبحانه.


رقت فنجت

"وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك لاتقتلوه" القصص آية 8.
بقولها هذا وحبها ورحمتها بسيدنا موسى الصبي، نجا من القتل الفرعوني، فوهبها فرعون إياه واستعلى هو واستكبر أن يكون قرة عين له : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "والذي يحلف به لو أقر فرعون أن يكون له قرة عين كما أقرت لهداه الله كما هداها".
ونجا موسى الصبي وكبر في بيت عدو الله، وتعلمت آسية رضي الله عنها من موسى النبي الرسول عليه وعلى نبينا السلام كلمة الهدى ودين الحق، كما تعلم ذلك منه بعض آل فرعون" (2).


طلبت الكمال فنالت

"وضرب الله مثلا للذين امنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين" التحريم آية 11.
طلبت القرب من الله عز وجل قبل أن تطلب ما عند الله وهي الجنة، وما أعظمه من طلب بل هو غاية الغايات، إذ اختارت الجار قبل الدار، والعيش الهادئ المريح من الاضطراب الفرعوني بالقرب من الله العلي القدير.
كما أنها تبرأت من صلتها بفرعون ونفسه الخبيثة، ومن قصره وعمله وقومه، مخافة أن يلحقها منهم شيء وهي أقرب الناس إلى فرعون، والمرء على دين خليله.
لأجل ذلك اصطفاها الله عز وجل "وأخرجها من بين فرث ودم لتعلم المؤمنات أن الصلاح الأخروي ما هو وقف على من ولدن صالحا، وكفلهن أصلح، وتزوجهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يرفعها ولا يحطها إلا عملها" (3).


وباعت فربحت

وهل من رحلة إلى السعادة الكبرى لا يكون في طريقها عقبات ولا امتحان، ولا إرادة ولا اقتحام ؟
وهل للعبور من القصور الفانية إلى الغرف العالية من ثمن ؟ وماذا كان الثمن بالنسبة لآسية رضي الله عنها ؟
ربحت البيع سيدتنا آسية، إذ باعت النفس في سبيل الله عز وجل، "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة" التوبة آية 111. فعذبت في الشمس ممدودة بأربع أوتاد وكانت رمزا للشجاعة والفداء، والاستقلال، وتحدي الضغوط الاجتماعية، والانسلاخ من الولاء لغير الله.
فقبل الله عز وجل بيعتها وأنجز وعده "ومن أوفى بعهده من الله" التوبة آية 111. وكشف لها بعضا مما أعده لها عنده من القرب والرضا قبل مماتها، فرأت الملائكة وما أعد الله لها من الكرامة فضحكت، وقال فرعون: "انظروا إلى الجنون الذي بها، تضحك وهي في العذاب". ثم ماتت فنالت القرب بعد أن بلغت الكمال، فلها الجنة ولنا القدوة...


ويمر جيل سيدتنا آسية وتمضي الحضارات، وسيمضى عمرنا وينصرم، فماذا سيحدث لي أنا التعيسة الفانية ؟ ما مصيري بعد الموت؟ ما مغزى رحلتي العابرة ؟

هل تكون لي النماذج الكاملة عبرة وحافزا لطلب الكمال ؟

أم أعرض عنها تاركة أيامي تنفرط في التفاهات اليومية ؟

__________

1- قصص الأنبياء /ابن كثير
2- تنوير المؤمنات/ص269 / ج2
3- تنوير المؤمنات / عبدالسلام ياسين / ص288/ ج2


http://www.mouminate.net/page/11191.htm

nawara
12-12-2005, 15:40
jazaka ellah khayran 3ala idafatik

nawara
12-12-2005, 15:43
أم حرام بنت ملحان الأنصارية (27-55هـ)


قالت أم حرام إنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أول جيش من أمتي يركبون البحر قد أوجبوا" قالت أم حرام: يا رسول الله، أنا فيهم؟ قال: "أنت فيهم" (الحلية ج/ 2/ 62). ماذا ينقص أم حرام حتى تكون من تلك الأسرة المؤمنة المجاهدة؟ إن من البطولة أن تذهب المرأة للجهاد وفي سبيل الله، ومن البطولة أن تموت غازية في أرض بعيدة، ثم تدفن فيها. فالثبات على المبدأ، والخروج للجهاد في سبيل نشره، والموت دفاعا عنه، يعتبر من النوادر بالنسبة للرجال فكيف الأمر بامرأة كأم حرام؟ أمران هما العجيبان في أمر أم حرام: أولهما أنها امرأة مصرة على الجهاد في سبيل الله، شابة وكهلة. فقد طلبت من رسول الله في شبابها أن يدعو لها بأن تكون من المجاهدين مع الرجال. وقد جاهدت فعلا في كهولتها. وثانيهما أن تكون منيتها في قبرص، في وسط البحر الأبيض المتوسط، بعد أن جاهدت مع الرجال وهي في سن الكهولة.

كان من الممكن أن تصبر كما صبرت سمية، فتموت من وقع الأذى والاضطهاد في سبيل الدين. وكان من الممكن أن تحارب في المعارك القريبة أو البعيدة، في جزيرة العرب كما فعلت أم عمارة. يمكنها أن تنال الكثير وهي في جزيرة العرب، يكفيها الرجال مؤونة الخروج للفتح ونشر الدين في بقاع الأرض.
لكن ما يزيل عجبنا، أن أم حرام نبعت من أسرة أساسها الإيمان، وهدفها الجنة، ووسيلتها الجهاد في سبيل الله. فأخوها حرام بن ملحان، هو القائل يوم بئر معونة فزت ورب الكعبة. وأختها أم سليم، كانت ندا للرجال في المعارك. وابن أختها أنس بن مالك، معروف في ملازمته لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومشاركته له في كل الغزوات. وزوجها عبادة بن الصامت هو الصحابي الورع المناضل المجاهد.
فماذا ينقص أم حرام حتى تكون فردا من أفراد تلك الأسرة المؤمنة المجاهدة . أليست من آل النجار أخوال رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ و بشارة رسول الله ترافقها أينما حلت وأينما ارتحلت، الإيمان بالدين يدفعها، والقدوة من أفراد أسرتها تسيرها، والطمع في جنة الخلد هدفها.


فمن هي أم حرام؟




1. نسبها:

أم حرام بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر ابن غنم بن عدي بن النجار. الأنصارية النجارية المدنية. فهي من بني النجار أخوال رسول الله صلى الله عليه وسلم . لأن آمنة بنت وهب من بني النجار.
أمها: مليكة بنت مالك بن عدي بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار. فهي من بني النجار من ناحيتي الأب والأم.


2. إسلامها:

في مكة وبالتحديد في موسم الحج، عرض الرسول نفسه على القبائل القادمة من أنحاء الجزيرة العربية. وكان من بين الذين لقيهم من أهل يثرب، ومن بني أخواله بني النجار حرام بن ملحان أخو أم حرام، وعبادة بن الصامت، زوجها. فشرح الله صدورهم له وتشبعوا بروح القرآن، وآمنوا بالله ربا وبمحمد نبيا، وكلما قرأ عليهم رسول الله آية أو سورة، صادفت في نفوسهم هوى وفي أفئدتهم تجاوبا، وصاروا يرددونه في مجالسهم، وينشرونه في أهل المدينة بعد عودتهم إلى ديارهم.
وصادفت آيات القرآن وسوره من أم حرام وأختها أم سليم تجاوبا، فكانتا من أوائل المسلمات في المدينة، حتى أصبح الإسلام جزءا من حياتهما وصارت تعاليمه أساس سلوكهما. ومضت الأيام والليالي الطوال وهم يرتلون ويحفظون، وينتظرون هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بفارغ الصبر ولا سيما أنه سينزل في ضاحية قباء قبل وصوله المدينة، لأنها في طريق هجرته من مكة. وما دامت الأختان تسكنان في قباء فسوف يكون شرف استضافة رسول الله لهما.


3. أم حرام في السلم:

كانت أم حرام داعية للدين، تعلم النساء حولها، وتتلقط من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ما تسمعه منه، لتعيه ذاكرتها، ثم تسرده على مسامع لداتها وأترابها، فتروي ذلك عن رسول الله. وحديثها في جميع الدواوين. ويقول عنها كتاب سير أعلام النبلاء إنها كانت من علية القوم. وقد حدث عنها ابن أختها أنس بن مالك وغيره.
وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم زيارات منظمة لقباء. وبسبب المسافة التي تبعدها عن المدينة- وهي ضاحيتها- كان يبقى فيها ضيفا عند عبادة بن الصامت وزوجته أم حرام، أو عند أنس بن مالك وأمه أم سليم، وكلتا الأختين في دار واحدة- فيطعم عندها أو لدى أختها ثم يقيل هناك. حتى، يقوم إلى شأنه وحاجته من لقاء الأصحاب والصلاة بهم وتعليمهم شؤون دينهم.
وقد حدث أنس بن مالك قال: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو إلا أنا وأمي، وخالتي أم حرام بنت ملحان فقال: قوموا فلأصل بكم فصلى بنا في غير وقت صلاة.
وهذا الحديث يدل على أنه عليه الصلاة والسلام، يدخل بيت آل ملحان وكأنه بيته، يدخله في أي وقت شاء.


4. أم حرام في الحرب:

لم يكد رسول الله صلى الله عليه وسلم يستقر في المدينة، حتى بدأ نشاطه وأصحابه لنشر الدين في الجزيرة العربية، وشرعت الغزوات تتوالى الواحدة تلو الأخرى ضد لمشركين " بدئت ببدر وختمت بتبوك. فهل كان للنساء دور في تلك ا.لغزوات؟ الجواب أن للنساء دورا كبيرا، عرفناه عند أمهات المؤمنين ولدى الصحابيات الجليلات بدءا من صفية بنت عبد المطلب، وأم عمارة وأم سليم، وأم أيمن وغيرهن و غيرهن. أما أم حرام فقد ساهمت في معارك أحد وحنين والخندق والفتح والطائف مع زوجها عبادة رضي الله عنه.


5. بشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم:

حدث أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم . كان يدخل على أم حرام بنت ملحمان فتطعمه، وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها رسول الله يوما . ثم جلست تفلي رأسه، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استيقظ وهو يضحك قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة، أو مثل الملوك على الأسرة قالت: فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم. ثم وضع رأسه، فنام، ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله، كالملوك على الأسرة- كما قال في الأولى- قالت: فقلت يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم قال: أنت من الأولين.
وهكذا بشرها رسول! الله صلى الله عليه وسلم أنها ستغزو في البحر، وستكون من الأولين الذين يغزون في البحر، وربما كانت من الشهداء في تلك ا لغزوات.


6. كيف تحققت نبوءة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

قبض عليه الصلاة والسلام، ونبوءته عن أم حرام لم تتحقق في حياته. وفي خلافة أبي بكر اتجهت الفتوحات إلى العراق أولا ثم إلى بلاد الشام ثانيا، وكلها جيوش متدفقة نحو اليابسة، إذ لم يفكر أحد أثناء خلافته رضي الله عنه أن يغزو في البحر.
ترامى إلى مسامع أم حرام، وهي في قباء، استئذان معاوية من عثمان أن يغزو في البحر وموافقة عثمان على ذلك. فتذكرت نبوءة رسول الله صلى الله عليه وسلم . وكانت قد وصلت إلى خريف العمر، وبلغت من الكبر مرحلة لا تستطيع أن تجاهد فيها. لكنها تلهـفت لركوب البحر والجهاد في سبيل الله. ألم يقل لها رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنت من الأولين "؟ إنها لا تطمع بمغنم ولا تتوق لفوز، ولكن رغبتها في الجهاد هي التي كانت تدفعها. وطلبت من عبادة زوجها أن يستأذن لها عثمان بن عفان، وألحت في طلبها، حتى وافق لهما عثمان بمرافقة الجيش. كما أذن لغيرهما من كبار الصحابة أمثال أبي ذر الغفاري وأبي الدرداء وغيرهما.

اتجهت أم حرام مع زوجها إلى حمص، حيث أقامت فترة، ريثما تعبأ الجيوش، وتنظم الفرق. وجلست هناك تحدث خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف بشرها بالغزو بالبحر، وأنها من الأولين السابقين في ذلك الغزو. وتفاءلت إلى أبعد حد، أنها ستجاهد مع جيش معاوية فتتحقق نبوءة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وانتهت المعركة واستعدت الجيوش للعودة من حيث جاءت وقد غنمت وما غرمت . وبدأت ترجع إلى الشام على سفنها، كالملوك على الأسرة. وتهيأت أم حرام للعودة، متوكلة على الله. ولكنها كانت قد أسنت وضعف جسدها، ووهنت قوتها، فقربوا لها بغلة تمتطيها، لتوصلها إلى السفينة المعدة لها. فزلت قدمها وسقطت على الأرض، لا تقوى على النهوض. أسرع إليها زوجها عبادة رضي الله عنه، وعدد من كبار الصحابة يساعدونها ويسعفونها لكنها كانت قد لفظت أنفاسها الأخيرة. مطمئنة النفس باسمة الثغر مشرقة المحيا. فنقلوها إلى حيث قاموا بتجهيزها ثم دفنها وذلك في العام السابع والعشرين من الهجرة.

قال هشام: رأيت قبرها ووقفت عليه بالساحل (بقاقيس). وعن هشام بن الغاز قال: قبر أم حرام بنت ملحان بقبرص وهو يقول: هذا قبر المرأة الصالحة.
وبعد:
فإن قبر أم حرام في قبرص لواء يسترشد به السارون ومنارة تنير سبيل السالكين. وقدوة لكل من يريد الجهاد في سبيل الله. وأهل قبرص المسلمون منهم وغير المسلمين حين يمرون بقبرها يقولون: هذا قبر المرأة الصالحة.
ونحن إذ نعيد ذكراها وننفض الغبار عن تاريخها، لا يسعنا إلا أن نقف إجلالا لسيرتها الزكية، وحديثها العطر، وأن ندعو لها رضي الله عنها، وأن نجعل منها رائدة وقدوة في سيرتها وجهادها، وعطائها الذي لا ينضب من شبابها حتى شيخوختها.

ذة. حسناء قطني

المختار
14-12-2005, 10:53
جزاكما الله خيرا اخوتي على مشاركاتكم القيمة

جعلها الله في الميزان المقبول امين امين