مشاهدة النسخة كاملة : حماس لن تسقُطَ.. وهذه الأسبابُ



abdelkader
04-01-2009, 20:24
بسم الله الرحمن الرحيم

حماس لن تسقُطَ.. وهذه الأسبابُ



عبد الدائم السلامي*

منذ حرب 1967، ظلّ الجهاز العسكري الإسرائلي هو المؤسّسة الوحيدة التي تُمسِكُ بقوّة خفيّةٍ حِبالَ اللعبة السياسيّة التي تُمارسُ إسرائيل سواء على المستوى الداخلي أو على المستوى الخارجي مع الفلسطينيّين ومع الدول العربية وحتى مع حلفائها من دول الغرب وأمريكا. وهو أمرٌ وَسَمَ الجيش الإسرائيلي بهالةٍ من القَداسةِ لدى المواطنين الإسرائيليّين، ومكّنه من القدرة على أن يكون مصدرَ رُهابٍ لأغلب الجيوش العربية التي ظلّت طوال الخمسين سنة الماضية تتحاشى التماسَّ معه وتدفع من وراء ستارٍ الساسة إلى التفاوض مع "العدو" عوضَ مواجهته ما أدخل "جيش إسرائيل" في دائرة الأسطورة ومنحه قوّةً إخافيّة كبيرة تفوق قوّة دراكولا.

غير أنّ حرب تموز 2006 ، كشفت المسكوت عنه في المؤسّسة العسكريّة الإسرائيليّة، وأبانت للعالَم، كيف أنّ أسطورة هذا الجيش، إنّما هي ظاهرة إعلامية لا غير، إذْ أمكن لبعض مقاتلي حزب الله دحرُ هذه الأسطورة بيقين الواقع، وأنزلوا بجيش إسرائيل هزيمة نكراء تلهّت فضائيات العالم بعرضِ مشاهد النيران فيها وهي تأكل بنهمٍ دبّاباتِ إسرائيل. ونعتقد أنّ حرب تموز، أو ما يسمّيه الإسرائيليون أنفسهم "هزيمة تموز" أفاقت شعب إسرائيل وساسته على حقيقة كانوا يُبعِدونها عن مخيِّلاتهم ليقينهم من مرارتِها، وفتحت "شهيّةَ" بعض الفصائل الفلسطينيّة للمقاومة المسلّحة رغم اختلال موازين القُوى بين الجانبَيْن.

ورغم إيماننا بأنّ حماس، قد فضّلت الانسحاب من الفعل المقاوماتي العسكريّ وانحازت إلى فعل السياسة بما هو فعل يقوم على التهدئة وضبط النفسِ وبناء آمال عريضة على حسن نيّة الآخر، فبرّرت دون وعي منها حصار غزّة وتجويع أهلها، وختمت بذلك تاريخَها النضاليّ بانتكاسة حاول تغليفهَا قادتُها بقولهم إنّ الجمع بين الخطاب السياسي وخطاب المقاومة ضرورة فرضها الواقع العالميّ الراهن، فإنّ انكشاف حقيقة الوضع العسكريّ الإسرائليّ من جهة، وانكشاف كذبة بوش وأتباعه في إقامة دولة فلسطينية بنهاية العام 2008، وانقلاب المجتمع الدولي، بتزكية عربية، على نتائج صناديق الاقتراع الفلسطينيّة التي منحت حركة حماس أحقية قيادة حكومة الشعب الفلسطيني، وانكشاف التوافق الاستراتيجي بين قادة حركة فتح وحكّام إسرائيل وانقطاع قناة التواصل بين قادة حماس ومجموعة عبّاس، وانحياز بعض الزعامات العربية في دول الجوار الفلسطيني إلى مبدإ التفاوض ونبذ المقاومة، كلّها أمور قد تكون أسبابًا كافية لعودة حماس إلى خندق المقاومة المسلّحة.

ومن باب الافتراض الجدليّ، نقول إنّه، وبعد هذه الهجمة الإسرائيلية الشرسة على شعبنا العربي الأعزل في غزّة، في حال وجود راعٍ "نزيه ومحايد" للحوار الفلسطيني الفلسطيني، فإنّ حماس ستكون صاحبة أمرها في كلّ فعل تأتيه، بل قد تشجعها خيبة المواطن الفلسطيني من سياسات فتح، وكذا خيبة المواطن العربي من سياسات حكوماته، على عدم الاكتفاء بالفعل السياسي البحت ومن ثمة السعي إلى تجييش حاِلها تحسُّبًا لكلّ طارئ قد يفرضه الواقع الجديد مثل الهجوم البرّي الذي قد تُخطئ إسرائيل وترتكب حماقتَه، ذلك أنّ التعويل على حسن نيّة أوباما في رعاية حوار فلسطيني إسرائيلي نزيه ما يزال محفوفًا بعدم الصّدقية نظرًا إلى وقائع تاريخ السياسة الخارجية الأمركية. ولعلّ المتتبّع لبعض خطابات قادة الحكومة المُقالة بوخاصة ما جاء على لسان إسماعيل هنية في آخر ظهور متلفز له، يستشفّ منها اعترافَهم بخطئهم في خوض المعركة السياسيّة والتخلّي عن المعركة الحقيقيّة: معركة المقاومة، كما يستشفّ أيضًا رصانةً كبيرةً لدى قادة حماس في التعاطي مع الهجمة الإسرائيلية بخطابٍ عوّل من جهة على انتفاضة الشعوب العربية ودعمها للمقاومة، ومن جهة ثانية راعى مصالح دول الجوار العربي دونما الخضوع لإملاءاتِ البعض منها. وما يؤكد هذا الاستنتاج هو "تشدّد" حماس في مواقفها إزاء المقترحات التي تقدّم بها بعض الساسة العرب بغاية بناء حوار وطني يؤدّي إلى انتخابات جديدة يتمّ فيها التمديد لمحمود عبّاس في فترة رئاسته للسلطة الفلسطينية.

ولا نعدمُ في هذا الشأن، تمثُّلَ حركة حماس للتجربة السياسيّة في سوريا التي قامت على شدّ العصا من وسطها، فلا هي خضعت لمساومات التهدئة والحوار مع إسرائيل ولا هي خسرت دعم الرأي العام العالمي وبخاصة منه الأووربيّ. فالأخذ بالأسباب السياسيّة ومواصفات الواقع العلائقي العالميّ وما فيه من مصالح ماديّة صارت تحكم قرارات السياسة فيه، وما تواصل حصار غزّة و"تكالب" الأحزاب الإسرائيلية على كراسي الزعامة في الانتخابات القادمة، إلاّ أمورٌ قد ترفع من كِفّة حماس في الموازنات السياسيّة الجديدة التي ستتبعها أمريكا برئاسة أوباما، وستمكّنها من كسب الرأي العام العربيّ والغربيّ ومن ثمّة سيكون بإمكانها تعاطي السياسة من موقع المُفاوض القويّ وفي نفس الوقت الاستعداد للمقاومة الفعليّة ماديًّا ومعنويًّا.

وإذا كان الإسرائليون قد تمنّوا سقوط حكم حماس بأيادٍ فلسطينية لتتحقّق لهم فرص الهدوء الحقيقي دون سفك دماء جنودِهم أو سقوط بعضهم أسرى على حدّ ما حدث مع جلعاد شاليط الذي صار ورقة رابحة بيد حماس أو نزول أمطار صواريخ القسّام و"جراد" على المستوطنات، فإنّ الأيّام الماضية أبانت لهم بأنّ أمانيهم لم تتحقّق، مَا زاد من خوف قادة إسرائيل من إعادة تجربة حرب تموز في غزة لاعتبارات عديدة منها بخاصة انقلاب "سحر الحصار والتجويع" على الساحر وخيبتهم من حال شريكهم التفاوضي محمود عباس وأتباعه وبأنّه لا معنى لاتصالاتهم معه باعتباره صار لا يمثل رسميا سوى قسم ضيئل من الشعب الفلسطيني ومن ثمة لم يفرض أجندتَه السياسيّة على حكّام غزّة. وهذه أسباب آخرى تنضاف إلى الأسباب االتي ذكرنا قد تقوّي من موقف حماس، بعد أن استوعبت صدمة الغزوِ، وتمنحها الجرأة في التعاطي مع الطوارئ السياسيّة سواء في حال الحوار أو في حال الحرب على حدِّ ما جاء في كلمة اسماعيل هنية التي تميّزت بالرصانة والهدوء والابتعاد عن الانفعالات التي هي رأينا أمثالَها عند بعض السياسيّين العرب.

* كاتب من تونس