مشاهدة النسخة كاملة : خاتمة كتاب العدل



chahid2007
16-12-2005, 00:23
خاتمة كتاب العدل


ندخل العصر طوعا وكرها. نحن في ذاك المدخـل إمّا مادة يستهلكها التاريخ، وإما ذات لها في الوجود حيثية وبين بني الإنسان معنى، فهي تصنع التاريخ. ننزع عنا لباس الإسلام ونطرحه كما تطرح التقاليد المخجلة، أو نرفع لواء الإسلام لنعتز بعزته بعد أن ذَلِلْنَا للأمم لما كسرنا عِصامه وطوَينا خافِقه.

سكان العصر وسادة المكان قوة جبارة، عملاق على أرجـل من طين لوجود الفساد والانخراب الساري واستفحالهما في قواعـده الخلقية، لكنه عملاق. في الفضاء كواكب، وفي المَسْلحات صواريخ، وعلى رأس الصواريخ الهَوْل النووي، وفي الأثير أمواج يقذفنا من على متـنها الإلكترون برسالة الحضارة المتألَقة المُزَّيِّنَة، المنحلة الخليعة بعدَ ذلك لا معنى لها، التائهة بالإنسان إلى هلاك الإنسان.

"لا مستقبل!".هذا شعار العالم المتْخم ينطق به شبابه ويفلسفه مثقفوه.كآبةٌ مصنّعة غنية قوية لم تملأ علومها واختراعاتها وأشياؤها وتمتعهـا الاستحواذي بخيرات الأرض وتهالُكها على اللذة وأنانيتها الفراغ الروحـي. وكآبة أقسى وأشد قتامة في عالم المستضعفين: تقهقُر إفريقيا، ومسغبة الصومـال، وتمزق العرب، ومجازر البوسنة، ومحرقة بغداد. وليست الحضارة الغربية في أحشائها أحسن حالا: هي في أزمة، هي تتراجع.

انتهى التاريخ كما يزعم الحَمْقَى مِن بني الحضارة المسيطرة بسيادة الرأسمالية بعد أن انقشع عن سمائها تهديد الصواعق النووية،وسقط جدار برلين، وانبطح شطر الحضارة المادية المتفلسف الثوري-كان- أمام شطرها المتَمول الاستعماري الناجح. فلا صراع بعد اليوم، ولا من ينازع الرأسمالية اللبرالية الديمقراطية الحقوق إنسانية سيدة الدنيا.

أقبر الاشتراكيةَ الثوريَّةَ أهلُها، ولَحِقَت الاشتراكية الديمقراطية الإصلاحية بأصلها، فالدنيا سوق إلهه الربح. والمسلمون أرخَصُ بضاعة في السوق. كانت الاشتراكية الثورية صيحة احتجاج وفكرة نقد وقوة تعادل وتوازن في العالم. فلما اختفت في جيْبِ الرأسمالية خلا الجو لاستبداد حساب الربح بعد أن قال الاستبداد الطبقي كلمته الكئيبة وانصرف.

وها نحن معشرَ الديمقراطيين في بلاد الإسلام وجها لوجـه مع الاختيار المصيري: أنتمسك بالأذيال الإديولوجية من بنات فكر غيرنا حتى نهلِكَ، ثم نقلب صفحة وجوهنا نحو المذهبية المسيْطرة، أتباعا في كل الأحوال، أم نكون نحن الأمةَ الخيرة التي أخرجها الله تعالى للناس حينا من الدهر هادية قائدة، فلما نسيت رسالتها خذلها القدَرُ؟بقينا لحما على وضَمٍ،طُعمة للأمم،قصعة مأكولة.

لا مناص لنا ولكم معشر الديمقراطيين من حوار يصفِّي الأجواء. فالعنف الذي تمارسه في جسمنا الدولة القطرية اللاييكية في الجـزائر وتونس ومصر، كالعنف الذي مارسه البغي الصامد حتى خرابِ بغدادِ صدام، ما هو حل، ما هو عقل. لا غرْو أن يلْقاه الإسلاميون، وهم في عرامة شباب الدعوة، بعنف مثله. لا يقابَلُ جَحْد الفكرة وقتالُها بالحديد والنار بعروض الحوار.

من الديمقراطيـين من يحيَوْنَ بمروءة إنسانية، أو كرامة خلقية، أو شهامة وطنية، أو فكرة نظيفة. أولئك سيجدون أن المروءة والأخلاق والشهامة والنظافة إن شرَّفت الإنسان من حيث هو إنسان، فهي لا تَشْرُفُ في ميزان الحق، ميزان الإسلام،إلا إن توجها الإسلام. وما دمتم، معشر الديمقراطيين، تتمسكون بإسلاميتكم وتحتجون على من يحتكر الدين من دونكم، فالكلمة السواءُ بين فصائل النخبة السياسية، من التحى منها واحتجب ومن لم يَفْعل، هي ميثاق واضح المنطلقات والأهداف، ندخل به جميعا في عهـد جديد. إلا أن يعشَق عاشِق قرع الأبواب المقْفَلَة، وطرقَ المسالك المسدودة، والانتحار السياسي.

حوار مع كل من يحركه غضب شريف ضد أعداء الأمة، مع كل من تغلى في صدره الغيرة على ما آلت إليه الأمة، مع كل من له طموح شريف ليخدم الأمة، مع كل عاقل متثبت مسؤول أيقظته إلى مسؤوليته نكبات الأمة. حوار ضروري وممكن ما دام الشرفاء العقلاء يرضوْن بالجلوس على بساطٍ إسلامي، في أرضية إسلامية، لا حول فكر دخيل. ألسنا جميعا مسلمين؟ إذا فلا بساط نجلس عليه غير بساط الإسلام.

القضية مصير أمة هي الآن خارج التاريخ، طفيلية على التاريخ، لا مجرد تداوُل على السلطة بنظـام تسمونه ديمقراطيـة ونسميه شورى. إن كانت الديمقراطية تُخفي تحت أثوابها العداوة للدين، ونفض اليد من الدين، وتنقية الأدمغة من الدين، فهو حوارُ صُمّ، وكل فكر دخيل على الإسـلام لا يمتثل لكلمة الله وسنة رسوله شجرة خبيثة تجتث في فرق أرض الإسـلام ولو بعد حين. ولو بعد حين!

لا مناص لنا ولكم معشر الديمقراطيين من تمريض هذه المرحلة الانتقالية بحكمة.والمستقبل لإسلام صادق العنوان والبنيان. المستقبل لتغيير عميق شامل. تغيير من داخل الإنسان، من تربية الإنسان، من تعليم الإنسان. التغيير أجيال، التغيير أمهات صالحات، التغيير مدرسة صالحة، التغيير مَنَعةٌ ضد الامتداد السرطاني للثقافة الدوابية، التغيير إعادة بناء الأمة على أصولها،التغيير تعبئة أمة، قومة أمة.

وأداة الحكم آلة لصنع كل ذلك. آلة ما هي "الآلة". صُنع كل ذلك دعوة تستجيب لها الأمة من الأعماق. صُنع ذلك توبة إلى الله خالصة صادقة. صُنع ذلك إنابة إلى الله وتوحيد وعبادة. صُنع ذلك لا مجال فيه للنخبة السياسية إن كان الدين في مخيّلتها مجرد رافد من روافد الثقافة إلى جانب الفـن والمسرح والقصة والتقاليد المجيدة والمعلومات المتناثرة عن الماضي والحاضر وما كتب وما قيل وما أنشد.

فإن كان من توبة نحن ندعو إليها ونحن أحوج الناس إليها وإلى رحمة الله فذاك، وإلا فتمريض المرحلة نحاور من أجله الشرفاء العقلاء ريثما يتداركنا الله عز وجل جميعا بتوبة صادقة. نتناسى غدرة الجزائر، ومجزرة عبد الناصر. ونثق كما تثقون بأن الاستبداد الفردي هو داء الأمة. نلتقي معكم في كراهية الاستبداد، ونثِق أن ما لم يؤسس على رضى الشعب واختياره ودعمه بناء من ورق، ولو موّهوهُ بالألوان، وحلّوه بالمجد التاريخي، وكذبوا على الشعب في التلفزيون بعرض حفلات عبادة الطاغوت.

في الشعب رواسب من "دين الانقياد"، وفيه من الأدواء الأخرى ما يسهل على قنَّاصة السياسية أن يغْتالوا في الشعب بصيص الأمل ليقودوا الشارع ويعتلوا كراسي الحكم. ما نحن بحمد الله قنَّاصةٌ ولا غدارون.وما قيادة الشارع واعتلاء الكراسي مطمحنا النهائي. مطمحنا إمامة أمة، إحياء أمة، توحيد أمة، تبليغ رسالة للإنسان. والله غالب على أمره، وحركة الإحياء شمس طالعة. الضرير من لا يرى أفقها المشع. والغبي من يظن أن الإسلاميين يريدون الحكم ليغتالوا الديمقراطية. ما نفعل باستبداد! ما نفعل بأمة في الأغلال!

مرحبا بديمقراطية تحرر الأمة من أغلالها لتختار الأمة من يحكمها. وسُوأى لأعداء الدين يُسِرّون تحت عبادة الديمقراطية نية اغتيال الدين، ويُبَيِّتون إقصاء الدين، ويتآمرون-إلى حين! إلى حين!-مع المستبد الداخلي والمسيطر الخارجي ويكيدون للدين.

شَعَر الاشتراكيون من بني جلدتنا باليُتم أولم يشعـروا، أفاق المثقفون العُضْويُّون من غفوة التبعية الفكرية أو لم يُفيقوا، نظرت الأحزاب الوطنية إلى المستقبل أم جثت على الرُّكب تعبد هيكل أمجادها الماضية، فالأمة في مفترق طرق.تاه بها عن الجادة زمناً حُكام عشيرة،وحكام قبيلة،وحكام حزب وحيد، فهي راجعة إلى الجادة. والجادة الإسلام.

ونجلس للحوار مع الشرفاء العقلاء يوما لنتأمل ملامح الطفلـة المعجزة المنتظرة التي يتوسمها الناس ديمقراطية ونتوسمها شورى. خرج إلى الدنيا سِقطاً خديجاً مُشوها جنِين الحلم الاشتراكي:وحـدة، تحرر، اشتراكية. وبَخّرَت الصواريخ في سماء بغداد وأرض الكويت الحلم القومي:تحرر،وحدة،اشتراكية. وتبخر من قبلُ الحلمُ الناصري تحت سنابك الدولة العظمى اليهودية:اشتراكية، تحرر، وحدة.

ألا من يُسبّح معنا بحمد الله من شرفاء الفلول الاشتراكية الوطنية القومية بدل السباحة في الأحلام؟

لا مناص من الجلوس يوما على مائدة الحكمة لننظر وإياكم في التعددية ومزاياها، وفي الديمقراطية وخفاياها. مارستُم زمنا مع المستبد سياسة إقصائنا، فنحن نغض الطرف. تعددية مارستموها فيما بينكم همشتنـا زمنا، وارتحتم لسياسة النعامة. وثِقْتم زمنا بخيال خادع صور لكم أنفسكم القـوة المستقبلية حاملة المفتاح السحري، ونحن لا نبخس الناس أشياءهم ولا نَلْوِي أعناقنا إلى الماضي.

ديمقراطيةً تعدديةً قلتم؟ نعم لإسلام وشورى يشارك فيها كلٌّ بما معه من مروءة وشرف ووطنية ودين، يجمعنا وإياكم توافق على خير نسديه للأمة، ومشروع تـنمية وتحرير وعتق رقاب من نير الاستعباد. والمستقبل كشاف للعقلاء، يتعلمون بلا حرج ولا إحراج من جانبنا ولا أستاذية.

إنَّ المجتمع المدني اللاييكي المحايد دينيا خُدعة إديولوجية تنطلي اليوم موجةً عابرة فاشلة كما انطلت قبلُ خدعة الحزب الوحيد، والزعيم الخالد، والقائد الملهم. إن صلُحت اللاييكية قاعدة تجمُّعٍ لغيرنا فنحن لا يصلح أمرنا ولا جمعنا إلا بالإسلام.

دعكم من "مجتمع مدني" يغدو ويروح على إيقاع الرقص الحداثي.وهلموا إلى مجتمع أخوي قاعدته جماعة المسلمين المتآلفة من أحزاب سياسية، ونقابات تـتآزر مع الأحزاب على كلمة العدل، وجمعيات، ومؤسسات، وشخصيات، وما شئتُم من تنظيمات،كل ذلك ينبض بروح الإسلام.وينطق بكلمة الإسلام، ويخدم أهداف الإسلام.

نُـزيل وإياكم العوائق الموروثة من طريقنا، ونُجَلِّي الغاشية عن أبصارنا وعقولنا التي تُضبِّبُ أمامنا مشهد الواقع، وتوَجُّه الواقع، وحتمية المستقبل. إنه يا قوم الإسلام أو الطوفان. وكفانا طوفانا ما ترون وتسمعون.

واقع الاختلاف وشرعية الاختلاف مسلَّمة قَدَريّة.الاختلاف بآدابه ونظامه المؤسسي إثراء لفكر الأمة ما في ذلك شك. قتلتنا وفتكت بنا الزعامة الوحيدة المؤبدة، والفكر الوحيد المعصوم، والتنظيم الوحيد المسيطر.

هذا. وبصدق توبتنا إلى الله جميعا نحاول أن نجلس للحوار، ويُمضي من شاء الميثاق، بالنية الصادقة المتبرئة،ما شاء لها دين كلٍّ وشرف كلٍّ وعقلُ كلٍّ، من الآراء العنيدة، نطلب جميعا المصلحة العامة إن كان رائدَنا الحقُّ.

كلمتي إلى كل مومن ومومنة أن اتقوا الله، وإن تكفـروا فإن لله ما في السماوات والأرض. اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم. وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيـم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الاستاذ المرشد حفظه الله

المختار
16-12-2005, 15:17
جزاك الله بخير اخي الفاضل حسن


مشاركة قيمة جعلها الله في الميزان المقبول

anass
16-12-2005, 18:31
شكرا لك اخي و جعلك من الشهداء