مشاهدة النسخة كاملة : تداعيات مجزرة غزة العزة : للاستاذ عيسى اشرقي



عادل محسن
02-03-2009, 21:56
تداعيات مجزرة غزة العزة

بقلم: ذ. عيسى أشرقي

بحكم تطور وسائل الإعلام وتقنياتها وسرعة انتقال المعلومات وانتشارها شهد العالم في ذهول واشمئزاز إحدى أبشع المآسي الإنسانية سوادا ودمارا، وبموازاة المأساة راقب أحد أحط المؤامرات دناءة وإثما، ولم يعد أحد يتردد في نعت ما جرى للمسلمين داخل قطاع غزة بالمجزرة والمحرقة والإبادة الجماعية لأن الوثائق والأدلة والحجج التي تقاس على أساسها هذه الأفعال الكبائر عمت وفاضت.
لاشك أن حكمة الله سبحانه وتدبيره القاهر فيما فعله الكيان الصهيوني ستكون له تداعيات وآثار ونتائج عميقة ستهز الكثير من القواعد والمعتقدات، وتعيد تشكيل وصياغة العديد من الأنماط الفكرية والتصورية، وترفع وتخفض وتقوي وتضعف وتثبت وتمحو من الظواهر والمظاهر ما لا يحيط به إلا البارئ الخالق القيوم سبحانه.
اثنان وعشرون يوما من الهمجية الجاهلية طويت فيها حقبة تاريخية بأكملها وكأن الزمن استدار دورة غير مألوفة ولا معهودة تنبئ بميلاد أمر عظيم لعله يوافق ما تحن إليه أفئدة وأرواح المستضعفين المسلمين وتستعجله أنفسهم.
لقد مد الله سبحانه من عطاء خزائنه بالرفعة أو الذلة، بالحسنات أو السيئات كل من كانت له صلة المجاهدين في غزة المباركة، صلة وفاء أو غدر، نصرة أو خذلان، ولاء أو عداء "كُلاًّ نُمِدُّ هَؤُلاَءِ وَهَؤُلاَءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً".


أصحاب الرفعة والحسنات

1- المجاهدون في غزة المحروسة: نحمد الله سبحانه أن أقام إخواننا في قطاع غزة مقام الجهاد وجعل لهم منة درجته وربط على قلوبهم فما خافوا وما استكانوا وما ضعفوا وما وهنوا وهم شبه صفر الأيادي، بل صبروا واحتسبوا واقتحموا رغم أن أقسى الناس جمعوا لهم ومالوا عليهم ميلة واحدة عظيمة وجاؤوهم من فوقهم ومن أسفل منهم وأحاطوا بهم فوقاهم الله شرورهم وأضرارهم ووفاهم عهد الحفظ والفرج والمعية "وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ".
من كان يظن أن هذه الشرذمة القليلة المعزولة المحاصرة التي تجلت فيها معاني الفاقة والعوز والفقر والحاجة والضعف والاستضعاف ستخرج من هذا البلاء المبين والكرب العظيم، ستخرج بجسم معافى ورأس مرفوع وكلمة مسموعة وحجة دامغة ولواء شامخ وعزة نضرة معلومة وقبول حسن وقدم صدق في العالمين؟.
العقول المؤمنة وحدها تدرك ماذا يفعل الإيمان ويصنع حين يدخل القلوب وتطيب به وتستكين له فيغشاها ويصبغها ويسكنها ويوقظها ويحركها ويحرضها ويغنيها بمولاها عمن سواه.
مرة أخرى تثبت مدرسة الشيخ الشهيد المجاهد أحمد ياسين رضي الله عنه أنها مدرسة خطوة لا مدرسة خطبة، وأن رجالها ونساءها معدن الفتوة مهتمون بمصيرهم في الآخرة بقدر ما هم مهتمون بمسيرهم في الدنيا، ومن كان هذا خلقه فالله حافظه ووليه وكفيله.
لقد توقع الصهاينة ومعهم المتواطئون والمتآمرون أن يحدث في غزة عند الهجوم الصهيوني العنصري الغادر ما حدث في بغداد لحظة الاجتياح الأمريكي المسعور من فوضى وانفلات أمني وهجوم على الممتلكات وانقلاب على المبادئ ونكران للرحم والروابط، فيسهل الاختراق وتغيير موازين القوى في ميدان التدافع الاجتماعي لصالح السلطة الفلسطينية الشريك الوفي للمشروع الصهيوني في المنطقة، لكن الشعب الفلسطيني حسم اختياره واحتضن المقاومة لقوتها وأمانتها وأظهر للعالم أنه شعب أصيل بأصوله، عزيز معتز بقيمه، كبير بوعيه، قوي بمعانيه الإسلامية الخالدة؛ يأبى الدخول إلى سوق الأوهام ليشتري الأحلام والباعة فيه ساسة لئام.
ومع ذلك فإن الجرح غائر، والمذبحة رهيبة، والفاجعة مفزعة، والأرقام مخيفة، والخسائر في السلم المادي ثقيلة، والعدو بل الأعداء متربصون ينتظرون دخول الهم والحزن واليأس، فهل ستصمد إرادة المستضعفين في غزة وتبقي على سبيل وخيار المقاومة؟

2- الحركة الإسلامية: لقد كان للحركة الإسلامية في العالم سعي وموقف تاريخي محمود مشهود مشكور. استطاعت أن تعيش بولائها مع المقاومة في محنتها يوما بيوم، ومع الأحداث شبرا بشبر، وكانت الرابح الأكبر بعد حماس والجهاد الإسلامي بقدرتها على صناعة الحدث وتعبئة الملايين من المسلمين خلف القضية الفلسطينية، وبذلت ما في الوسع للضغط النفسي والسياسي على العدو عبر المسيرات والوقفات والاحتجاجات أمام المقرات والمؤسسات الدولية والوطنية، ونجحت إلى حد كبير في توظيف وسائل الإعلام والاتصال، وتعاملت مع قدر الله سبحانه بأدب تربوي أبان عن رشدها وتميزها خصوصا حين دعت إلى إسناد الظهر إلى المولى الكريم والالتجاء إلى الدعاء والصيام والتشفع بتلاوة القرآن والصلاة على الحبيب محمد خير الورى والأنام، وضيقت الخناق على الحكام الذين ما بقيت آية فيها كرامة وعزة المسلمين إلا وطرحوها وصاروا أعلاما في الشماتة، هان الحق سبحانه على نفوسهم الناقصة المليئة بحب الدنيا والرئاسة فهان عليهم خراب بيوته وقتل عباده وإمائه في غزة المحتسبة.
إن انعتاق الأمة وتحررها أمر جلل عصيب، وعقبة دونها أقدام رجال لا تعرف الكلل وسواعد لا تعرف الملل. فعلى الحركة الإسلامية أن تحافظ على وثبتها وهبتها لنصرة غزة الميمونة، وتوجه أطرها وكفاءاتها وطاقاتها ونساءها ورجالها وأجيالها إلى دعوة الناس وتربيتهم وتعليمهم وتفقيههم وتوعيتهم.


أصحاب الذلة والسيئات
1- الدولة الصهيونية: لم تنهزم الدولة الصهيونية في قطاع غزة، بل فشلت في إنجاز مخطط إٍرهابي عسكري وهي في إحدى أدق مراحلها التاريخية. شروط الهزيمة وظروفها ومقتضياتها لم تتوفر بعد، ومع ذلك فستكون للفشل رجته، وسيدخل الرعب بقامته الكاملة إلى بيوت اليهود الصهاينة، خصوصا وقد رأوا شعوب العالم وفضلاءه يستنكرون ويشجبون ويدينون بشكل صريح فصيح دموية وإرهاب دولتهم، ويطالبون بمحاكمة المجرمين السفلة الذين جعلوا من أجسام الأبرياء طعامهم ومن دمائهم شرابهم وما صاموا لساعة واحدة، بل هناك أجسام دهست بالدبابات.
هكذا نزل الصَّغار بساحتهم وانكشفت حقيقتهم وأضحوا عنوانا للتدمير والتعذيب والتخريب والتشويه والتقتيل. جبابرة ورثوا الغدر وسفك الدماء جيلا عن جيل وعقدا عن عقد وقرنا عن قرن.
حتى بعض اليهود الذين بقيت فيهم بعض الكرامة الآدمية ثارت ثائرتهم واستنكروا وتنكروا وتبرؤوا. قال الحاخام اليهودي أهرون كوهين: "إن كافة ما تعاني منه منطقة الشرق الأوسط اليوم يمكن أن ينتهي في ليلة واحدة. إن جملة واحدة لو قيلت من أصحاب القوة والنفوذ لأوقفت كل ما يحدث من انتهاكات وقتل في الشرق الأوسط، وهذه الجملة هي كالآتي: أننا على استعداد للجلوس معا والاتفاق على تفكيك دولة الحركة الصهيونية، وأننا لو جلسنا وحاولنا هذا الأمر فإننا نعتقد أن كافة المواجهات ستنتهي إلى الأبد. قد يبدو هذا حلما بعيد المنال لكن علينا أن نعمل من أجله". وقال الحاخام اليهودي دوفد ويس: "إن التوراة تعلمنا ألا نفقد الأمل. ورغم أنهم يملكون ويسيطرون (يقصد الصهاينة) إلا أن عمر دولتهم 60 عاما فقط، وإننا ندرك أنها إلى زوال، وأن الله أرانا آية في حياتنا وهي تفتت الاتحاد السوفياتي وانهياره بعد أن كان قوة عظمى. ولو قال أحد بانهيارها من قبل لقيل إنه مجنون. إننا ندعو الله أن تتفكك هذه الدولة الصهيونية وتزول إسرائيل ويزول معها الظلم، ونطلب التعاون مع المخلصين من أجل تحقيق هذا الهدف حتى يسود الأمن والاستقرار والسلام في الشرق الأوسط وفلسطين والعالم".
هكذا باتت دولة التطرف كالمعلقة بين نداء المحاكمة ونداء التفكيك حتى يقضي الله أمرا كان محتوما مكتوبا.

2- الأنظمة الحاكمة: ما من شك أن الخاسر الأكبر ربما قبل إسرائيل هم الحكام. فقد أظهروا الاعتداء على المسلمين في غزة تواطؤهم وموالاتهم للأعداء، يرجون عندهم العزة والحظوة ويخشونهم ولا يخشون الله سبحانه، فصاروا بحق عبئا على شعوبهم وعارا وغصة في الحلوق. حكام بلا طموح ولا إرادة ولا همة ولا مبادرة ولا حاضر ولا ماض ولا مستقبل. يبدو لكل ذي بال أن الهوة بينهم وبين الشعوب ازدادت اتساعا، وكراسيهم هشاشة، خصوصا وقد أوصلوا بلدانهم إلى أوضاع كارثية في كل المجالات. وما اتسخت أياديهم واسودت بشيء أعظم من جرم الاعتداء على العلماء الذين جعلوهم تابعين عوض أن يكونوا متبوعين، فلم يجدوا ناصحا ولا مذكرا ولا ناهيا، فأوكلهم الله إلى نفوسهم فغدرت بهم وبمن حولها، وعذبتهم وعذبت من حولها. إن نسبوا أنفسهم للدين فأي نصيب بقي لهم وقد شهد العالم جبنهم ولهفتهم وتهافتهم على إرضاء "أشيادهم" كما ينطقها اليهود. ومن غريب ما تفتقت عنه بلاهتهم أن بُهلولا منهم تبرع بدمه عسى أن يخالط دماء المقاومين فتبرد حرارة الاندفاع للدفاع عن الحرمات وتلين شكيمتهم فينقادوا طوعا إلى الصلح، حتى إذا نجح الأمر دعوا إلى عقد مؤتمر عاجل لمدارسة أساليب ووسائل توزيع دمائهم على شعوبهم للتهدئة وقتل فيروس الرجولة في الجميع. أما البُهلول الثاني فاقترح على مجلة أمريكية ذائعة الصيت إقامة دولة واحدة يتعايش فيها الصهاينة والفلسطينيون. وبُهلول ثالث كلما تحدث عن الصهاينة رفع الفعل والفاعل والمفعول به، وإذا ذكر أهل غزة كسر الفعل والفاعل والمفعول به عسى أن تكسر إرادتهم بكسر اللغة.
اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر ونسألك عزيمة الرشد ونسألك شكر نعمتك والصبر على بلائك وحسن عبادتك والرضا بقضائك ونسألك قلبا سليما ولسانا صادقا ونسألك من خير ما تعلم ونعوذ به من شر ما تعلم ونستغفرك لما تعلم.

3- الغرب: رغم تناوب الحكومات وتغيير الرؤساء فإن الموقف من القضية الفلسطينية ما يزال ثابتا، وما زال الغرب المدافع والحامي والمحامي الكبير للكيان الصهيوني، لأن الحركة الصهيونية تربت جنينا في أحشائه، وكبرت أخطبوطا حيا قويا متغلغلا في جسمه. كل المؤسسات الفاعلة الوازنة الاقتصادية والمالية والإعلامية والتعليمية والسياسية تم اختراقها خصوصا في الولايات المتحدة الأمريكية. الصهيونية تسكن الغرب وتجري فيه مجرى الدم في العروق. لسنا أمام أمر هين ومشوار جهادي قصير. الغرب يضحي ببلادة بقيمه المثلى مات من أجلها الملايين من أبنائه، قيم الديمقراطية والعدالة والحرية وحقوق الإنسان، ويجازف بمؤسسات أممية دولية من أجل توفير الحماية للفرد الصهيوني في أرجاء العالم.
ستحمي سفنه الدولة المحتلة اللقيطة من البحر المتوسط والأحمر من تهريب سلاح قد يؤذيها، وسيراقب حدود غزة مع مصر بأحدث التقنيات حتى لا يتم تسريب أي شيء قد ينقص من هيبتها أو يجرح كبرياءها ولو بدت كل شعاراته في حق الحقوق والأعراف والإنسانية جوفاء. تضحيات لا يحدها وصف ولا يقبلها عقل. والسؤال الوجيه السديد الذي لا يزيغ عن الحق ليطلب التبرير: كيف يمكن أن يتحرر الغرب من هذا الشر الذي تلبسه وسلبه هويته وأفرغه من معناه؟
وكما في الغرب أناس تمثلوا معنى الجاهلية كما أوردها القرآن فهناك ذوي المروءات والمكارم الذين لم يكتفوا بالشجب والإدانة بل سارعوا للمساهمة في كل أشكال الدعم المادي والمعنوي حماية للكرامة الإنسانية والرحم الآدمية. جمعيات ومؤسسات ونواد وشخصيات تستحق الاحترام والتقدير والتنويه ومد يد التعارف والتعاون "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنََّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ".


فلسطين دِينٌ ودَيْنٌ
إن القضية الفلسطينية دِين ودَين. دِين لأننا ندين الله تعالى بها. فهي موصولة عندنا كمسلمين بصلاتنا وزكاتنا وحجنا وصيامنا وعقيدتنا وتوحيدنا. هي أصيلة في كتاب ربنا الحق: "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ". ولو كانت في القرآن عنها هذه الآية وحدها لكفتها تبجيلا وزينا ونورا.
وهي دَين لأنها أمانة وميراث ووديعة الأنبياء والمرسلين عندنا. هي رمز ولائنا وصدقنا ووفائنا لكل من سبقونا بالإيمان. حقهم علينا أن يسألونا عن وديعتهم، وواجب علينا أن نفدي الوديعة بأرواحنا ونسترخص أموالنا. ومع الصبر والمصابرة والرباط واليقظة والحذر والمقاومة لابد من المشاركة في مشروع إسلامي إيماني يخرج الأمة من هزالها، وينفخ فيها روح الحياة بإذن ربها، ويرفعها من وهدها لتتحرر من جور الحكام، وتنشد خصال الربانية والرجولة والاستقامة، وتسلك سبل امتلاك القوة لتكون لها كلمة مسموعة، كلمة العدل والإحسان والشورى تنفي البغي وتبشر بالرحمة والوفاق والوئام. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.


تاريخ النشر :02/03/2009

أشرف
09-03-2009, 11:26
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اللهم ارزقنا صلاة في المسجد الأقصى

بورك فيك سيدي الكريم على النقل