مشاهدة النسخة كاملة : قناة «الجزيرة»: أكبر حزبٍ سياسي عربيّ



عادل محسن
16-03-2009, 22:11
http://www.aljamaa.net.nyud.net:8090/ar/img/bismlah.gif

قناة «الجزيرة»: أكبر حزبٍ سياسي عربيّ
ما أظْلَمَ يومياتنا لولا بعضُ ضوءٍ منبعثٍ من هناك .


عبد الإله بلقزيز
يمكن للمرء منّا أن يكوِّن لنفسه ألف ملاحظةٍ نقدية عن قناة «الجزيرة» القَطَرية: عن سياستها، وبرامجها، وأدائها الإعلامي، وانحيازاتها المُعْلَنة والمُضْمَرة، ونوع خطابها وضيوفها، وما شئت. لكن أحداً منّا ما عاد في مُكْنِه أن يستغنيَ عن «الجزيرة» فكيف أن يتجاهلها أو يُشيحَ عنها بوجهه. فهي اليوم أهمّ مصدر إعلاميّ عربيّ من دون منازع أو مضارع...

ويمكن لأية حكومة من حكوماتنا العربية الرشيدة أن تضيق ذرعاً بـ«الجزيرة»، وأن يأخذها البُرْمُ الشديد بجرأتها و«تطاولها» على السيادات والمَقَامات إلى إقفال مكاتبها وطَرْد طواقمها العاملة فيها أو التضييق على عملها أو الإيعاز لمأجورين من سِفْلَةِ القوم بالاعتداء الفيزيقي على مراسليها أو تحريك الصحف الرسمية وشبه الرسمية لتنظيم حمْلات التحريض ضدَّها. لكن واحدة من حكوماتنا الجليلة لا تملك إلاّ أن تأخذ المعلومات عن»ّالجزيرة» وأن تتابع برامجها بدقة لأنه - هي نفسها- لا تكترث لأجهزة إعلامها الرسمية والخاصة ولا تصدّقها...
ويمكن لأية قناة فضائية - أو أرضية- عربية أخرى أن تتحسّس من نجاح «ّالجزيرة» وشعبيتها الكاسحة، وأن تنخرط في الدعاية - الجهيرة والمواربة – ضدّها، وأن تلتمس لتفسير تفوُّقها وتألّقها أسباباً أخرى غير المهنيَّة الإعلامية. لكنها تجد نفسَها مضطرّة إلى أن تتلصّص على «الجزيرة» فتنسخ عنها بعض برامجها، وتستعير منها بعض مفردات خطابها الإعلاميَ، عساها تحرز بعض ما أحرزته الأولى من نجاح...
يمكن لأيّ واحد من هؤلاء جميعا: حاكمين ومحكومين، سياسيين ومثقفين، وإعلاميين، موالين للأنظمة ومعارضين إسلاميين وعلمانيين، ناشطين ومتفرجين، ناقمين على الأوضاع وراضين، أن تتجاذبهم المشاعر كافة حول قناة «الجزيرة»، وأن تركبهم أحياناً مشاعر الغضب والحِنْق والحَسَد والانتقام وما شئتَ من منازع تصنعها السياسة والمصالح وتَحْمل عليها. على أن أيَّ واحدٍ من هؤلاء، يَتَمَلَّكُهُ- في لحظةِ صدقٍ مع النَّفْس- بُُهْرٌ وإعجاب بما صَنَعَتْه هذه القناةٌ ومازالتْ. حتى إن منّا من يسأل نفسَه أحياناً: أيُعقَلُ أن يَنْهَضَ تلفزيون واحد بما لَمْ تَقْوَ عليه دول وأحزابٌ عريقة؟!
قناةُ «الجزيرة» هي اليوم - وحتى إشعارٍ آخر- أكبر حزبٍ سياسيٍّ في البلاد العربية المعاصرة. وحضورُها في يوميات الناس هو الأوسع والأكثف، وخطابُها فيهم هو الأنْفَذ والأفْعَل، وتأثيرُهُ فيهم هو الأكثر قابليةً للمعاينة. هي ليست مجرّد محطة إخبارية كما قد تقول عن نفسها تواضُعا أو إخفاءً للموقف؛ هي مصْنَعٌ من مصانع التوجيه السياسي والتعبئة الجماهيرية بامتياز تنحاز إلى القضايا العربية الكبرى أحياناً جهرة ومن دون مساحيق، وأحياناً تراها تجرّب أن تَدُسَّ ذلك الانحياز في مفردات الموضوعية والمهنية. وفي الحاليْن، فعلاً وتُحْرِزَ نجاحاً. ربما دَفَعَها هذا الاختيار – الذي نوافقُها عليه- إلى ركوب مركب الشّعْبَويَّة في مخاطبة الرأي العام والتوسُّل بمفردات التحشيد والتجييش وحينَها تطلق في مثل صاحب هذه السطور الرغبة في النقد المقترنة بالرغبة في رؤية خطاب إعلاميّ مختلف: أعْنَى بالموضوعية والتثقيف التربوي (بالمعنى الاستراتيجي) من عنايته بالتحريض والتنفيس. غير أنه ما إن تُلِمّ بالأمة مُلِمّة، كما حصل في غزة، حتى نكتشف مقدار ما قد يكون في ذلك الخطاب الذي ننتقده من عائداتٍ سياسية مُجزية لا يملكها خطاب العقلانية الباردة، فَنَزْدَرِدُ تحفظاتنا ونفيء إلى «الجزيرة».
كان دورُ «الجزيرة»، أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة، أبْلَغَ الأدوار جميعاً في تأليف رأيٍ عامٍّ شعبيّ عربيّ ذهب في التعبير عن احتجاجيَّّته العاليةِ والعارمة مبْلَغاً غيرَ مسْبوق. وما كان أداء القناة جديداً بالمعاني التي أسْلَفْنا الإلماحَ إليها، فلقد كانت لها صولاتُ وجَوْلات منذ انطلاقتها، وتحديدا منذ حرب «ثعلب الصحراء» العدوانية على العراق في ديسمبر من العام 1998 حتى الحرب الإسرائيلية على لبنان في صيف العام 2006، مرورا بغزو أفغانستان وإعادة احتلال الضفة وحصار ياسر عرفات ومجزرة جنين وغزو العراق. لكنها خَطت في الحرب الأخيرة إلى أبعد ممّا قدّمت في الماضي، ووفرّت من المعلومات ما يسمح بتحويل الخَبر والصورة إلى دينامية في النفس والوجدان والضمير، وبتجهيز المخيال الجماعي بالصُّور والرموز التي تكفي كي تفجّر طاقات دفينةً في الناس. وإذا أضاف المرء إلى ذلك وغيره أثر نشْراتها وبرامجها أثناء الحرب، بل ومنذ الذكرى الستين للنكبة، في تشكيل ثقافة عامة حول قضية فلسطين والصراع العربي- الصهيوني لدى قطاعات واسعة من الأجيال الناشئة، تبيّن إلى أيّ حدٍّ كان في وسع «الجزيرة أن تقوم بما لم تنهض به الأحزاب والمدارس وبرامج التعليم الرسمية.
لا نُغْمِط أحداً حقّه في ما أدّاه من مساهمة في إنتاج حالة النهوض الشعبي العارمة في الوطن العربي أثناء العدوان: أحزابا ومنظمات مدنيّةً وصحافةً وكتّاباً...إلخ. لكن هؤلاء جميعا ما أمكنهم أن يتفاعلوا مع الرأي العام إلاّ لأن هذا كان في غاية الاستنفار والغضب تحت وطأة ما شاهَدَ وعَايَن من مشاهد الجريمة وحيث «الجزيرة» مصدر الخبر الأساس عنده. وإذا كان يطيب لكثيرين أن يعبّروا عن مفاجأتهم من حجم التضامن الدولي الذي تَلَقَّتْهُ غزة أثناء العدوان، والذي أتى يكشف عن حجمه على نحوٍ غير مسبوق كمّاً ونوعاً، فإن الأمانة تقتضي القول إنه إن كانت للمؤسسات العربية والإسلامية في المَهَاجر أدوارُها في صناعة فصولٍ من ذلك التضامن، فإن عرب المهجر ومسلميه فعلوا ما فعلوه تحت وقع ما عرفوهُ وشاهدوهُ على شاشة «الجزيرة». أما من شارك من غير العرب والمسلمين- وهم يُحْسَبون بالملايين في أوربا فقط- في المظاهرات والمسيرات الضخمة، فكانت القناة الإنجليزية لـ«الجزيرة» مصدر المعلومات والصور عنده بعد انحياز إعلامه إلى دولة الصهيونية.
وبمقدار ما إنّ تجربة «الجزيرة» جديرة بالاحترام والتقدير والاعتراف، هي جديرة أيضا بالتفكير، كيف لقناة أن تصنع من الحقائق ما لم تفعله دول؟ كيف لها أن تنوب عمّا كان يفترض أن ينهض بأمره مَنْ هُمْ في عداد المسؤولين عن تشكيل الوعي وهَنْدَسة الفعالية والحَراكِ الاجتماعيّيْن؟ وأسئلة أخرى من هذا الضرب تنتظر نقاشا. وإلى أن يقوم ويستقيم للمرء منّا- في لحظةِ صدقٍ مع النفس- أن يعترف لهذه القناة بأنها حفرتْ قناةً لمرور الحقائق إلى الناس بعد إذْ حُجِبَت بإحكام وحِيل بينهم وبينها.
ما أظْلَمَ يومياتنا لولا بعضُ ضوءٍ منبعثٍ من هناك.


عن جريدة المساء : العدد 771

أشرف
17-03-2009, 09:19
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مقال محترم 'تحليل و مناقشة أنيقة'

مشكور أخي على نقل الموضوع القيم

سهيل
17-03-2009, 10:30
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزاك الله خيرا وأحسن إليك

عادل محسن
17-03-2009, 15:30
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وانتم اهل الجزاء والاحسان
مشكورين على مروركم الطيب

خادمة الحبيب
17-03-2009, 18:05
بارك الله فيك اخي الكريم على المقال