مشاهدة النسخة كاملة : ايران إلى أين ؟؟؟



توفيق
22-06-2009, 11:58
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


د.عصام العريان (المصريون) : بتاريخ 21 - 6 - 2009

شدت إيران أنظار العالم أجمع تقريبا خلال الأسبوع الماضى باستثناء هؤلاء الذين يعيشون فى عوالم خاصة معزولين عن الدنيا أو لا يحبون أن يروا ما يكرهون أولا يريدون الاستفادة من تجارب الآخرين .
كان السؤال الأبرز خلال تصاعد الأحداث هو إلى أين تتجه إيران ؟
وراود المراقبين إحساس غريب : هل تتكرر أحداث الثورة الإيرانية ؟ وهل تكون تلك المظاهرات المحجوبة بداية ثورة مخملية تعيد ترتيب الأوراق فى إيران ؟
وشغل المختصين والمتعمقين فى الشأن الإيرانى والشأن الشيعى سؤال ما وراء الأحداث ، هل تحدث المظاهرات والاختلافات داخل أبناء البيت الواحد وأولاد الثورة الإسلامية مراجعة كبيرة تحول الولاية السياسية من المرشد الأعلى ولى الفقيه إلى ولاية الأمة الإيرانية والجماهير الشيعية ؟
إذا أردنا أن ندرك أهمية ذلك السؤال علينا أن نعود إلى الوراء لنتفهم على طبيعة المذهب الشيعى ولماذا حدث الخلاف والانقسام فى الأمة الإسلامية بين سنة وشيعة .
لقد حدث الانقسام فى البداية سياسيا حول من الأحق بتولى الخلافة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم ورأى أقلية أن الأولى هو على بن أبى طالب كرم الله وجه ورضى الله عنه بينما اختارت الأغلبية الساحقة أبا بكر الصديق خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم رضى الله عنه وبايعته جموع الصحابة بيعة السقيفة .. بعدها بدأ التأصيل للخلاف حيث لم يدع أحد فى بداية الخلاف وجود نظرية متكاملة للإمامة ، فتم وضع أسس فقهية وأصولية لنظرية الإمامة عند الشيعة بعد معارك الأمام على فى الجمل وصفين وتصاعد الأحداث التاريخية فى الخلاف المشهور مع معاوية رضى الله عنه ثم تحول الخلافة إلى ملك عضوض ووراثة ملكية فى الدولة الأموية .
جوهر نظرية الإمامة عند الشيعة جميعا هو أن من يتولى أمر المسلمين وحكمهم لابد أن يكون بنص إلهى وليس باختيار حر من الأمة لخطورة الأمر ولذلك جاءت النصوص التى يتم تأويلها بتعسف شديد ولا يعترف بها الغالبية العظمى من المسلمين لتؤكد تلك النظرية ، ثم اختلف الشيعة فيما بينهم ولكن اشتهرت نظرية الإمامية الإثنى عشرية التى حصرت الأئمة فى آل البيت من ولد الحسين بن على رضى الله عنهم لعدد 12 إماما كان أخرهم هو "محمد بن الحسن العسكرى" الذى عند وفاته قال الشيعة بغيبته غيبة صغرى ثم غيبة كبرى طالت حتى يومنا هذا.
المذهب الشيعى بدأ خلافا سياسا واستمر كذلك إلى يومنا هذا ، لذلك كانت الخلافات الفقهية الفرعية التى حدثت خلال تلك القرون الطويلة قليلة ومرجعها إلى اعتماد الروايات الحديثة وقبول الرجال الذين حملوا الأحاديث والشك فى عدالتهم ثم عاش الشيعة طوال تلك القرون فى ظل ما يعتبرونه مظلمة تاريخية حرمتهم وحرمت أئمتهم من حق إلهى وعاشوا صراعات سياسية مريرة فى كل العصور مع كل الولاة صالحين أو طالحين .
ويشعر الزائر اليوم لإيران نفسها أو مناطق الشيعة فى بلاد أهل السنة يغياب المظاهر الإسلامية التعبدية المشهورة ، بينما كان المظهر الأبرز للصحوة الإسلامية فى البلاد الإسلامية انتشار المساجد والإقبال على الصلاة فى المسجد وانتشار الحجاب بين النساء والفتيات وكثرة حفظ القرآن والإقبال على العلم الشرعى بمنهجية علمية أو بجهود فردية والمطالبة المستمر بالعودة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية فى كل مناحى الحياة ، والمحاولات المستمرة لإحياء التطبيقات الإسلامية فى الاقتصاد والسياسة والإعلام والفن .. إلخ ، كان المظهر الأكبر للصحوة الإسلامية فى إيران سياسيا تمثل فى الثورة الشعبية التى قادها الإمام الخمينى منذ 30 سنة ، ثورة سياسية قلعت عرش الطاووس وأنهت حكم الشاه محمد رضا بهلوى الذى تلقب بملك الملوك وأنهت معه عصر التشيع الصفوى الذى مارس معادلة سياسية – دينية مع المراجع الكبرى طوال قرون كما سماه ووصفه المفكر الإيرانى الكبير "على شريعتى" وعندما انتشرت خارج إيران فشلت فى تصدير أفكارها إلى أهل السنة بينما نجحت فى رص صفوف الشيعة فى عمل سياسى بارز فى لبنان والعراق والبحرين واليمن ... إلخ .
ويحاول الزائر إلى إيران أن يجد الملامح التى تعودها من الصحوة الإسلامية فلا يجد مساجد لا للشيعة ولا للسنة ولا يسمع الآذان فى مواقيته الخمسة ولا يجد الحجاب الذى تعود عليه بل يجد زيا مفروضا على النساء بقوة القانون ، ويجد التدخين سائدا ومنتشرا بين الملالى جميعا تقريبا، ويفرّغ الشيعة البسطاء وأشواقهم الدينية عند المزارات وقبور الأئمة والاحتفالات الحاشدة حتى صلاة الجمعة فى طهران تحولت إلى مظاهرة سياسية ، ولا أنس يوم كنت فى ندوة بطهران ورفضت حضور صلاة الجمعة لأنى مسافر وذهب بقية الوفد ومعهم السيد أمين هويدى الذى عاد ليقول لى لقد كان رأيك صائبا فلم تكن صلاة حاشدة ولكنها مظاهرة سياسية .
كانت النقلة الكبيرة التى أحدثها الإمام الخمينى هى نظرية جديدة للإمام أو "الحكومة الإسلامية" كما سماها فى كتابه الأشهر الذى حمل نفس العنوان .
خلاصة ما وصل إليه الخمينى أن الشيعة ليسوا فى حاجة إلى انتظار عودة الإمام الغائب ليقودهم فى دولة إسلامية بل يمكن أن يتولى أحد المراجع الكبرى الولاية السياسية مع الولاية الدينية فيتولى حكم المسلمين ويطبق فيهم حكم الإسلام .
جوهر الفكرة أن المذهب عند تأصيله جعل التقليد فى الأحكام حكرا على الأئمة من آل البيت ، ولكن عند المظلومية ظهرت الحاجة إلى وكلاء للأئمة انتقل التقليد إليهم وعند الغيبة الكبرى بقيت هذه الولاية الدينية يتوارثها العلماء الذين تم تأسيس نظام محكم لترقيهم وعلى كل مسلم شيعى أن يتخذ أحد هؤلاء المراجع الكبار مرجعا للتقليد ويدفع إليه زكاة ماله التى تبلغ "الخمس" ولا يجوز لعموم الأفراد التفقه فى الدين منفردين ولا يجوز من باب أولى إلا تقليد من تجزه الحوزات العلمية فى تسلسل معروف ومشهور يبدأ بطالب العلم ثم حجة الإسلام وينتهى بـ "أية الله العظمى" وكانت حجة الخمينى الأساسية أنه إذا كنا اتبعنا وكلاء عن الإمام الغايب فى أمور ديننا فكيف نتخلف عن أتباعه وتقليده فى أمور الدنيا والسياسية ؟! وبذلك أسس لتطور جديد وخطير فى المذهب الشيعى الإثنى عشرى لم تكن تلك النظرية لتصمد طويلا أمام التجربة ولابد لها أن تتطور وتتغير للأسباب الآتية :
1. الأول هو ضعف السند الفقهى، فإذا كان الملالى حجة فى أمور الفقه والشريعة بسبب تخصصهم الطويل وتدرجهم فى المناهج العلمية التى قد تصل إلى 30 سنة فى الحوزات ، فإنهم ليسوا المتخصصين فى كافة المجالات، الحياتية التى تحتاجها أمور السياسة .
2. الثانى هو المعارضة الأصلية للنظرية "ولاية الفقيه" فلم يوافق الخمينى عليها كبار الفقهاء من آيات الله العظمى مثل "الخوئى" و "السيستانى" و"الكلبايكانى" و "بروجردى" الذين حرصوا على تمييز "دولة العلم" عن "دولة الدنيا" وحرصوا عل شغل الفقهاء بالأولى فقط حيث نجح العلماء فى الحفاظ على استقلاليتهم طوال قرون .
3. الثالث هو الممارسة العملية فقد تنافس آيات الله على المناصب السياسية وفى الصراع السياسى الحالى المحتدم طالت الاتهامات رؤساء كبيرة وقد لا تتوقف عند رفسنجانى وكروبى ورضا نورى بل قد تصل إلى "الولى الفقيه خامنئى" نفسه إذا فشل فى احتواء الصراع الحالى وهو ليس من الآيات العظمى .
4. الرابع هو صحوة الشعب الذى يجد لنفسه اليوم مكانا فى الصراع الدائرة لأنه صراع سياسى يمس أمور حياتهم العادية ولهم فيه رأى وحجة بينما كان الآيات والملالى مراجعهم فى التقليد الدينى الذى لا يتخصصون فيه ولا حجة لهم فيه ولا قدرة لهم عليه.
5. الخامس هو الضغوط العالمية ودور الدول المجاورة ، فقد عاش الشيعة لقرون طويلة فى عزلة عن العالم ، وها هم اليوم فى قلب الصراعات الإقليمية والعالمية ، يؤثرون ويتأثرون ، وهذا لم يرد فى كتب الأقدمين منهم ويحتاج إلى اجتهاد جديد جماعى لا ينفرد به الفقهاء فقط وهو ما لا تتعود عليه الحوزات العلمية ، فضلا عن دور الإعلام الخطير الذى نقل الاهتمامات العامة إلى رجل الشارع العادى خاصة الشباب والنساء .
السؤال اليوم هو : إلى أين تتجه إيران ؟
وهل تتطور نظرية "ولاية الفقيه" إلى نظرية جديدة هى "ولاية الأمة" ؟
وهل يدرك الشيعة أن غيبة الإمام التى طالت قد تطول أكثر وأكثر وأن الحاجة ملحة إلى العودة إلى الأمة نفسها لتتولى أمور دنياها وتختار بحرية من يحكمها وتحاسبه على ذلك وتعزله إن أرادت ؟
وهل يمكن ترجمة إجابات تلك الأسئلة فى تطوير دستورى فى إيران دون الحاجة إلى نظرية فقهية جديدة تحتاج إلى فقيه فى حجم الخمينى وقائد سياسى محنك له مثل قدراته القيادية وكاريزمته الشخصية ؟!

توفيق
22-06-2009, 12:11
يقول الأستاذ المرشد عبد السلام ياسين حفظه الله بإمامة الأمة وليس بولاية الفقيه ولا ولاية الأمة...

ما رايكم أنتم ؟؟

للإشارة فقط الموضوع من كتاية الأستاذ عصام العريان القيادي المجاهد من الإخوان المسلمين في مصر

أشرف
22-06-2009, 12:36
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

موضوع قيم أخي توفيق

فعلا إيران إلى أين

توفيق
22-06-2009, 12:48
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

حياك الله أخي أشرف..

السياسة والفقه في ايران والتاريخ..مؤثرات لها دورها في ما يحدث اليوم..

توفيق
26-06-2009, 21:36
ملاحظات عن إيران - بقلم عزمي بشارة


أ*. النظام الإيراني نظام شمولي، وليس مجرد دولة سلطوية. إنه نظام مركزي قوي بنظم إدارة ورقابة متطورة، ويحكم بموجب إيديولوجية تدعي أجوبة على كل شيء، وتتوق أن تتخلل كافة نواحي الحياة، وبدل الحزب وتنظيمات الشباب يعتمد على تنظيمات واسعة تجمع بين الامن والإيديولوجيا وحتى المنفعة لفئات واسعة من السكان، خاصة عبر ال"باسيج". كما يعتمد على شبكة واسعة ومنظمة من الملالي. وعلى تسييس أجهزة الأمن والحرس الثوري. ولكنه يختلف عن النظم الشمولية التي نعرفها بأمرين مهمين جدا، بل فاصلين عن الأنظمة الشمولية الأخرى:

ب*. الفرق الأول: لم نعرف نظاما شموليا يتبنى هذا القدر من التنافسية الدستورية داخل النظام الحاكم وضمن إيديولوجيته. وهو تنافس منظم في انتخابات تطرح فيها برامج مختلفة فعلا في إطار قواعد اللعبة المتفق عليها، كما تختلف الأحزاب في الإطار الرأسمالي مثلا. فالفرق بين الحزب الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة ليس أكبر من الفرق بين الإصلاحيين والمحافظين في إيران. طبعا، ليست هذه التيارات في إيران أحزابا فعلا. وبرأيي ليس الجمهوريون والديمقراطيون أحزابا فعلية أيضا بالمعنى الأوروبي المعروف لنا، بل روابط انتخابية.

ت*. الفرق الثاني: أن الإيديولوجية الرسمية التي تتخلل عمل المؤسسات الحاكمة والحيِّز العام والتربية والتعليم كهوية وكمرشد في العمل، هي دين حقيقي تؤمن به غالبية الناس أصلا. وهي ليست دينا الحاديا أو دنيويا كما في حالة الشيوعية والفاشية لا تؤمن به إلا نخبة من الحزبيين، الذي لا يلبث ان يتحول إيمانهم الى مجرد مصلحة، ولا يؤمن به حتى أبناؤهم. لدينا في حالة إيران مذهب ديني كإيديولوجية رسمية... وهرمية وكليروس تثبِّت هرمية الدولة، ورجال دين بسطاء يشكِّلون وسيطا بين الشعب والإيديولوجية الحاكمة.

ث*. هذه الفوارق الهامة تتيح ديناميكة وحيوية لم نعرفها في الانظمة الشمولية الاوروبية الشيوعية والنازية والفاشية، مع أن النظام الإيراني قام في مجتمع "شرقي" أقل تطورا منها جميعا من الناحية التكنولوجية ويفتقر إلى السياق الحضاري الحداثي والتحديثي الأوروبي الذي قامت هي على أساسه.

ج*. لا يسمح الحزب الحاكم في الصين، حتى في مرحلة انفتاحه، بدرجة أقل بكثير من التنوع السياسي المعبر عنه تنافسيا عبر نقد النظام القائم والرئيس والحكومة بهذه الحدة التي نشهدها في إيران. ولم يُسمَح بذلك طبعا في الاتحاد السوفييتي وغيره. وإذا أخذنا هذه الناحية من النظام الإيراني بما تتيحه من تنافس ونقد وتداول للحكم في ظل قواعد لعبة متفق عليها، فإنه أقرب للديمقراطية التعددية التي نعرفها في الغرب منه إلى النظام الديكتاتوري. أما فرض الإيديولوجية الموحدة كإيديولوجية دينية ، ومحاولة ضبط ايقاع حياة الناس الفردية عبر الإيديولوجية ، فهي أمور تميِّزها جذريا عن الدول الغربية، حيث تضبط حياة الناس الفردية عبر تغلغل آليات السوق في الحيز الخاص للفرد، وعبر تغلغل شمولية المشهد الإعلامي داخل العائلة. تُفرَض الإيديولوجية أيضا في الولايات المتحدة ولكنها تسمى هناك نمط الحياة الأميركي، وهي تترك حيزا واسعا للحيز الخاص وللحريات الفردية بما فيها القرار الديني للفرد، وتؤثر عليها عبر الإعلام والسوق والاستهلاك، وتترك تحديات للحرية الفردية تتصارع معها .

ح*. طبعا، لا داعي للكلام عما تتيحه الأنظمة السلطوية العربية، أنظمة الأسر الحاكمة وال"نيبوتيزم"، العاجزة عن ان تكون شمولية او ديمقراطية، ومن هنا فإننا نستغرب من شماتة بعض العرب بما يجري في إيران بدل الالتفات الى ما يجري، والأهم، ما لا يجري في بلدانهم.

خ*. انتفاضة الإصلاحيين تتم داخل هذا الإطار بما فيه مسلمات الجمهورية الإسلامية. ولكن الانتقادات الموجهة للنظام من قبل جمهور واسع من الشباب الذين انضموا للإصلاحيين خاصة من أبناء الطبقات الوسطى المـتواصلين مع العالم هي انتقادات معارضة لأصولية النظام الدينية، وتذكِّر بانتقادات الشباب في اوروبا الشرقية لأنظمتهم التي رأوا أنها تحرمهم من حرياتهم الفردية والذاتية، ومن اختيار نوع حياتهم، ومن نمط الحياة الاستهلاكية. وطبعا كالعادة قسم من هذه الادعاءات صحيح، وقسم آخر ترديد لأساطير ينشرها الإعلام الغربي، وقسم أخير هو عدم رضا، وبحث عن معنى جديد في العمل السياسي ذاته.

د*. لا نقترح الاستخفاف بهذا النقد على المدى البعيد.

ذ*. ليس هؤلاء أكثرية الشباب، بل هم أكثرية الشباب من أبناء طبقة معينة. فالنظام الإيراني ليس اشتراكيا، وهنالك فجوات طبقية حقيقية، إضافة لتقاطعات بين الثروة والسلطة، وبين السلطة والمنصب الديني، وبين الثروة والمنصب الديني (والمصيبة حين يكون التقاطع بين السلطة والمنصب الديني والثروة في نفس الأشخاص)... تخلق هذه التقاطعات المختلفة تيارات سياسية وفكرية وأمزجة متفاوتة. فأكثرية الشباب من أبناء الفقراء يؤيدون نجاد، تماما كما يؤيد أبناء الفقراء شافيز في فنزويلا. وعلينا أن نتذكر أن انتخاب نجاد عام 2005 كان احتجاجيا ومن قبل الشباب قبل غيرهم ضد المحافظين الذي فسدوا، وليس فقط ضد الإصلاحيين. وبعض الإصلاحيين من المناضلين والمبدئيين فعلا، ومنهم من شاركوا في الثورة ومنهم من لم يشاركوا. ولكن بعضهم يجمع أحيانا بين الدفاع عن الحريات والدفاع عن الفساد. (الفئات التي تجمع بين الدفاع عن الامتيازات الاقتصادية وعن الحريات والانفتاح في الوقت ذاته موجودة عربيا في أكثر من دولة. وهي فئات نيو لبرالية، لا هي لبرالية فعلا، ولا هي ديمقراطية).

ر*. المزاج الذي يعتبر أصحابه أصواتهم أكثر وزنا نوعيا من صوت الفقراء الأكثر عددا، ويعتبرون أصواتهم أغلبية، لأنها أغلبية في أحيائهم، حتى حين تكون أقلية في الوطن، هو موقف متعال وعنصري ويتعارض مع روح الديمقراطية. فهو يخلط بين لبراليته التي قد تكون صادقة، وموقف استعلائي نخبوي، لأن ديمقراطيته غير صادقة إطلاقا.

ز*. كلما صدفنا هذا المزاج ونتيجة لتعاطف بعض المثقفين ( الكاتب يقصد نفسه على الأقل) مع جيل الشباب المحتج والمتورط في السياسة، يضعف هذا البعض أمام واجبه تجاهه. لقد رأينا عشرات الآلاف من الشباب يتظاهر قبل سنوات في عاصمة عربية بشعارات ديمقراطية ضد الطائفية، في حين جرهم بسهولة مثقفون لعبوا دور ال"جورو" للتصفيق لقادة ميليشيات وزعماء طوائف ومجرمي حرب كأنهم ابطال ثقافيون فقط لأنهم "معنا"، و"ضدهم". وما لبثوا ان انجرفوا إلى تعبيرات عنصرية ضد الطوائف الأخرى ثم التزم كل طائفته، رغم المظهر الفردي المتميز، والأشرطة على الرؤوس، والجينز والصدر المكشوف، وكل ما يوحي خطأ لجيلنا بالانفتاح والتقدمية (وقد كانت هذه مظاهر ثورية في ستينات القرن الماضي ولم تعد كذلك بل تعممت غربيا على اليسار واليمين)، وهي تجذب كاميرات الصحف التي يحررها اشخاص يذكرهم هؤلاء بشبابهم اليساري. يفيد أخذ مسافة نقدية لكي يقوم المثقف بواجبه تجاه الشباب فيشجع مواقفهم النقدية التحررية وتطلعاتهم العادلة، ويحذر من الغرور والرجعية والآراء المسبقة والأساطير والأوهام التي يحملها الشباب.

س*. من يريد ان ينتقد الانتخابات في إيران عليه بهيئة صيانة الدستور والشروط العديدة التي تفرض على من يرغب بالمشاركة لضمان اعترافه بمبادئ الجمهورية الإسلامية. وعليه بالتغييرات الدستورية من العام 1989 والتي الغت منصب رئيس الوزراء وحولتها الى الرئيس، وحوّلت صلاحيات الرئيس الى المرشد العام الذي جمعها كسلطات زمانية بسلطات روحية وفقهية ذات علاقة بتطوير جديد سياسي جديد لمفهوم ولاية الفقيه. هذه تشكل موضوعا للنقد. وتستحق النقد. ولكن هذه كلها مقبولة على التيارات والشخصيات والقوى التي تخوض الانتخابات، أو تدعي أنها تقبل بها لتتمكن من خوضها. ولكن من السخف الهروب من هذا النقد الى الادعاء أن الانتخابات الأخيرة في إيران قد زوِّرَت خلافا لسابقاتها.

ش*. فمنذ الانتخابات السابقة لم تتعزز قوة التيار الإصلاحي بل ازداد ضعفا وتفككا. والنتائج التي حاز عليها مفاجئة لمن يعرف إيران لناحية تبلور هذا التيار كقوة من جديد، خاصة بعد انهياره تحت وطأة مرحلة خاتمي وبعض القمع لامتداداته الشعبية في الجامعات وغيرها. ولا شك أن الانتخابات الحالية وضعته على الخارطة ولكن ليس بشكله السابق، بل كتحالف مع فئات واسعة من المحافظين. لم تبن التوقعات حول قوة التيار الإصلاحي نتيجة لاستطلاعات متاحة للرأي العام، بل خلقها الإعلام الغربي وغير الغربي المعادي لنجاد. وهو على تهذيبه الفائق مخرب أجواء المؤتمرات الدولية وجلسات الصالونات الدبلوماسية بكلامه ومظهره.

ص*. وشعبوية خطاب نجاد تتضمن أخطاء كبرى ومساعدة للسياسات الغربية العنصرية تجاه العرب والمسلمين والشرقيين بشكل عام، فشهادة البراءة التي يمنحها لاوروبا من جريمة المحرقة كارثية بكل المعاني. ولكن نجاد يصدم الغرب بمجموعة ثوابت صحيحة متحدية للإرث الاستعماري، لم يعد أحد يتفوه بها بعد أن رُوِّض الجميع داخل مسلمات التفوق والعنصرية الغربي.

ض*. ليس أحمدي نجاد ممثلا لتيار المحافظين بقدر ما هو متمرد عليهم من داخل مؤسستهم. إنه كمن ينتقد سلوك المحافظين، بمن فيهم رجال الدين الذين فسدوا، معتمدا على مبادئ الثورة الإسلامية. إنه من النوع المحافظ بالمعنى الأصولي، أي أنه يريد ان يعيد للثورة شبابها وبريقها. ولا شك أنه يذكر موسوي بشبابه. من هنا فإن فاعلية خطابه الشعبوي تفوق فاعلية خطاب الإصلاحيين. ومن هنا عودته إلى الإمام الخميني وقاعدته الشعبية الفقيرة وتقشفه. ومن هنا فإن توزيع عائدات النفط على الفقراء والتقرب منهم شكل تعويضا عن فشل السياسات الاقتصادية، ومن هنا فإن عدم فساده شخصيا عوَّض عن عدم مكافحته الفساد بشكل جدي. ومن هنا فإن العزة الوطنية التي جلبتها سياسته الخارجية وجعلت من إيران لاعبا دوليا مركزيا، بعد أن هبط وزن إيران الدولي بالذات في المرحلة التي بدأ فيها خاتمي ( وهو إصلاحي فعلا) انفتاحا على الغرب عوَّضت عما بدا مراهقة سياسية على مستوى الخطاب.

ط*. ليس بين المتظاهرين في شوارع طهران أي مؤيد لأي نظام عربي أو تيار ديني سلفي او اصولي في المنطقة العربية. ولذلك فإن الفرح الغامر الذي أصيب به بعض الأخوة الأعزاء ليس مسيسا ولا سياسيا، بل هو من نوع الشماتات المتخلِّفة. فالبديل المطروح في طهران هو إما 1. المؤسسة الحاكمة التي فسدت ماليا، واصبحت اكثر واقعية في الشؤون الدولية، وتمرد عليها نجاد في الانتخابات الماضية متمثلة برفسنجاني؛ أو 2., تقاطع بين الإصلاحيين والمحافظين في إطار المؤسسة الحاكمة يتكئ فيها المحافظون الفاسدون شعبيا على الإصلاحيين من امثال موسوي وخاتمي كما يفعل رفسنجاني حاليا لاستعادة الجاذبية في إطار الجمهورية الإسلامية، ولإضعاف دور المرشد، ومن أجل خط اكثر واقعية ومسايرة للغرب في العلاقات الدولية خاصة بعد ذهاب بوش والأفق الذي يطرحه الحوار مع الإدارة الاميركية من اعتراف دولي بالجمهورية الإسلامية (ولغرض التحالف يقبل جناح المحافظين هذا ان يدفع إصلاحات متعلقة بالانفتاح للتيار الإصلاحي. مثل هذه الإصلاحات تصبح عادة في خضم التحول الثوري مجرد مرحلة انتقالية يفقد المصلحون بعدها زمام المبادرة)؛ أو 3. البديل الذي نسميه مجازا "غربي" وهو تغيير النظام. كما جرى في اوروبا الشرقية. وهو البديل الذي تطرحه وفئات واسعة من المعارضة غير القانونية في البلد وفي المنافي. ويغلف للشباب من أبناء الطبقات الميسورة شمال طهران بالحقوق اللبرالية المدنية ونمط الحياة الاستهلاكي وحرية المسلك والملبس والتعبيرات الغربية وكل ما جذب الشباب حتى من ابناء الحزبيين في اوروبا الشرقية وروسيا. صوتت غالبية الشباب من أبناء الطبقات الميسورة ضد نجاد وليس محبة بموسوي. ولكن هذا البديل الثالث لا بد في حالة إيران من أن يمر عبر البديل الثاني أولا، وكمرحلة انتقالية. فللأسباب التي ذكرناها أعلاه لن ينهار النظام دفعة واحدة كما انهارت النظم الشيوعية.

ظ*. سوف يتجاوز النظام الإيراني الأزمة الحالية معتمدا على الأدوات الموصوفة أعلاه. والسؤال الهام: هل سوف يستفيد منها بانتزاع شعارات الإصلاح من الفاسدين والتحالف مع يسار الإصلاح ضد يمينه، أم سوف يعتمد على القمع وحده، وخاصة على المبررات التي يقدمها له التدخل الغربي القائم بقوة؟ الخيار الأخير وصفة لمعارك مقبلة قد تكون أكثر حدة.


عزمي بشارة
عرب 48
26/6/2009

توفيق
27-06-2009, 14:19
المقال الكامل للأستاذ سعيد مولاي التاج "إيران بين ضغوط الخارج ومطالب الداخل"

وهنا نرى نظرة تحليلية ذات عمق حركي تربوي من مدرسة العدل والإحسان..

ليس من الصعب حتى على الإنسان البسيط، الذي لا يفهم في السياسة ومفرداتها وألاعيبها ومؤامراتها أن يفهم ما يتفاعل من أحداث في إيران، فيكفي متابعة سيل البيانات الصادرة من العواصم الأوروبية والغربية وكذا سيل المقالات والخطب التي تدبجها أقلام "المارينز المثقف"[1] عندنا لنفهم الاتجاه العام للأحداث ولنطرح العديد من الأسئلة وعلامات الاستفهام على حقيقة ما يجري في الشارع الإيراني وما يراد لنا إعلاميا أن نفهم منه أنه بداية "ثورة مخملية" على الثورة في إيران أو أنها حركة احتجاجات عارمة من الشعب الإيراني على الثورة ورموزها، تتصاعد يوميا، بعد أن كانت في البداية حركة رفض لنتائج الانتخابات ومعارضة للرئيس نجاد وسياساته داخليا وخارجيا.
وحتى لا تنسينا الأحداث الأخيرة جوهر الموضوع ولبه ولكي لا نسقط في الاستهلاك الإعلامي المياوم وطوفان الدعاية والحرب النفسية والإعلامية والمخابراتية التي يتقنها الغرب. ينبغي أن نعي أن ما تعيشه إيران الآن إنما هو استمرار لمسلسل من محاولات تركيع القيادة الإيرانية، لتتراجع عن مواقفها الداعمة لحركات المقاومة وخاصة موقفها من "إسرائيل"، إذ أن إيران راعية للإرهاب في العالم وإحدى دول محور الشر وإحدى الدول المارقة التي تستعصي على دخول بيت الطاعة الأمريكي.وعليه فالغرب وعامة الأنظمة العربية التابعة، لم يغيروا موقفهم من إيران منذ سقوط الشاه بهلوي الحليف الاستراتيجي لبريطانيا وأمريكا. حيث ظل خيار إجهاض الثورة قائما وإن اتخذ أشكالا متعددة، كان أولها افتعال الحرب مع العراق لاستنزاف إيران بدعم إقليمي ولوقف التوسع الإيراني الصفوي ولصد ما سمي حينها "تصدير الثورة"، وما تلا ذلك من حصار اقتصادي وعسكري ودعم لمنظمات المعارضة المسلحة كمجاهدي خلق وبقايا التيار الشاهنشاهي. وكذلك من خلال تجييش آلة الدعاية السنية لعزل إيران عن عمقها الإسلامي بالعزف على العداء التاريخي الشيعي/السني وإحياء النعرات الطائفية. كل هذا يجعلنا أمام مخطط سياسي ديني اقتصادي عسكري لإسقاط الجمهورية الإسلامية أولا ولإجهاض المشروع الإسلامي الجنيني الذي بدأ يتشكل لدى الحركة الإسلامية في العالم الإسلامي وتعتبر الثورة في إيران أحد مرجعياته ونماذجه ثانيا. لكن هذه المحاولات المستميتة اصطدمت بعدة حقائق واقعية جعلت الغرب يراجع حساباته مرحليا منتهجا قمة البراغماتية السياسية ومتحينا الفرصة التاريخية لإتمام مشروعه الاستراتيجي ومن أكبر هذه الحقائق:
1. قيادة آسرة وكاريزما روحية "متمثلة في آية الله الخميني".
2. نظرية سياسية ثورية متمثلة في إيديولوجيا "ولاية الفقيه"
3. طليعة ثورية مؤمنة بالمشروع.
4. قاعدة شعبية صامدة وملتفة حول الثورة وقياداتها ورموزها.

إذا كان هذا هو السياق التاريخي والدولي العام لسير الأحداث فما الجديد؟ هل فعلا نتيجة الانتخابات هي السبب في تفجير الأوضاع أم أنها النقطة التي أفاضت كأس صراع أجنحة متأجج منذ وفاة الإمام الخميني حول مبادئ الثورة التي -في نظر البعض- تم التراجع عنها؟ أم أن الصراع تجاوز هذا الحد إلى مراجعة مرجعيات الثورة نفسها؟
بعيدا عن نظريتي المؤامرة والتخوين فليس ما يقع في إيران حصيلة مؤامرة خارجية وحسب، -وإن كان التآمر جزءا من الحرب السرية التي تمارسها الدول للحفاظ على مصالحها.- وليس أيضا حركة خيانة يقودها التيار الإصلاحي ورموزه لإسقاط النظام. فهذه تفسيرات سطحية، إذ أن فهم الوضع في إيران يحتاج منا بحثا عميقا في تركيبة النظام المعقدة وآلية الحكم في إيران وإدراكا لطبيعة التحولات الديمغرافية والفكرية، والإكراهات الاقتصادية التي يعيشها المجتمع الإيراني بعد عقود من الثورة، فهي عوامل أسهمت مجتمعة في إيجاد حركة احتجاج نخبوية وشعبية ليس لها نفس الأهداف والغايات. وإن جمعها الشارع ووحدها.

النظرية السياسية والتطبيقات


لا يملك حتى المنتقدون لإيران إلا الاعتراف بريادة تجربتها السياسية، فإيران لا يمكن أن توصف بالدولة الاستبدادية كباقي دول الجوار، فقد انتهجت خيار التعددية السياسية في ظل نظام عام واحد وبذلك فنظريتها السياسية هي أقرب إلى الديمقراطيات الغربية فهي تؤمن بالتعددية وتجري انتخابات نزيهة بشهادة الجميع -أوهي على الأقل أنزه انتخابات في العالمين العربي والإسلامي-، وتحتكم إلى دستور غير ممنوح، وتوزع سلطة التشريع بين عدة مؤسسات. وهذا ما أكده المفكر "عزمي بشارة" في رصده للخصوصية الإيرانية رغم وصفه لها بالدولة الشمولية "وإذا أخذنا هذه الناحية من النظام الإيراني بما تتيحه من تنافس ونقد وتداول للحكم في ظل قواعد لعبة متفق عليها، فإنه أقرب للديمقراطية التعددية التي نعرفها في الغرب منه إلى النظام الشمولي."[2] لكن هذا المظهر الديمقراطي يخفي وراءه مشاكل بخصوص مراكز السلطة الحقيقية في إيران إذ أنه من الوهلة الأولى يبدو تركز السلطة في يد المرشد الأعلى للثورة والفقهاء والمراجع الدينية رغم تعدد مرجعيات التشريع الصوري. ويرجع ذلك إلى الخوف من النكوص إلى الاستبداد وضرورة الحفاظ على الدولة الفتية القائمة آنذاك على "نظرية ولاية الفقيه" التي رسم معالمها الإمام الخميني في كتاب "الحكومة الإسلامية" وهي قضية مصيرية شغلت حيزا كبيرا من اهتمام القيادة ككل حيث تم توزيع السلطة حسب الدستور (انظر المواد 80-93-94-96-98-110 من الدستور الإيراني ) بين عدة مؤسسات (مجلس صيانة الدستور، مجلس الخبراء، مجمع تشخيص مصلحة النظام، مجلس الشورى) ولكنها تصب جميعا في يد المرشد الأعلى الذي يعتبر روح الأمة والضامن لخطها الإسلامي العام، ولحق الشعب في العدل والحرية. لكن هذا الهاجس الذي سيطر عند صياغة الدستور تحول عن مساره مع مرور الوقت لسببين أولا وفاة الموجه للنظام أي الإمام الخميني الذي كان شخصه ضامنا لمبادئ الجمهورية الإسلامية ثم ثانيا لعدم تطور المنظومة السياسية بل التراجع عن مبادئها رغم التحولات الكبرى داخليا وخارجيا، وهذا ما عبر عنه آية الله منتظري في تقييمه لحصيلة تسعة وعشرين سنة من عمر الجمهورية الإسلامية "لا أتهم أحداً بالخيانة لكن لا يسعني تجاهل تطرف البعض وتسلط البعض الآخر مما حال دون تجسيد الأهداف الرئيسية لثورتنا والتي كانت تتلخص في الحريات السياسية والمدنية لسائر أبناء الشعب".[3] يضاف إلى هذا انغماس الفقهاء والعلماء في تدبير الشأن التنفيذي وفي مهام الدولة وابتعادهم عن ممارسة مهامهم التربوية والروحية في توجيه الشعب وإرشاده مما سيكون له تأثير كبير على أجيال ولدت بعد الثورة ولم تتشبع بمبادئها "كان آية الله خميني يرى أنه ليس من مصلحة البلاد ولا القوات المسلحة التدخل في اللعبة السياسية والانتصار لهذا الطرف أو ذاك وكذلك رجال الدين فإن من واجبهم الابتعاد قدر الإمكان عن المناصب التنفيذية وعن مراكز السلطة حتى لا يتأثر دورهم الروحي القائد للشعب[4] كما لم يسلم انغماس العلماء في السياسة من تجاذبات وتنافس على المناصب فالدكتور "عصام العريان" أحد قيادات الإخوان المسلمين في قراءته للأحداث في إيران يرى أن من ثغرات نظرية ولاية الفقيه" تنافس آيات الله على المناصب السياسية وفى الصراع السياسي الحالي المحتدم طالت الاتهامات رؤساء كبيرة وقد لا تتوقف عند رفسنجانى وكروبى ورضا نورى بل قد تصل إلى "الولي الفقيه خامنئى" نفسه إذا فشل في احتواء الصراع الحالي"[5] وهو ما يثبت مرة أخرى جدارة نظرية "ثنائية الدعوة والدولة" بعد تجربة الحكم في السودان. يقول المفكر الإسلامي الأستاذ عبد السلام ياسين: "من أهم الدروس للدعوة الصاعدة في صحوتها، المرشَّحَة للحكم. بل هو الدرسُ بالحروف البارزة. التحدي هو: هل تمسك الدعوة بزمام الحكم وتدير عجلته وتَبقى مستقلةَ الوجود ماضية الإرادة في وِجهَة التغيير الشامل الجذري للمجتمع، أم تجذِبها الدولة ويستقطبها الحكمُ فيستولي على النفوس، ويستغرق الجهودَ، ويغلب على الوجهة حتى تذوبَ الدعوة في الدولة؟ التحدي أساسا هو: هل يحيَى الدعاةُ بعدَ الوصولِ إلى الحُكم بحياة الإيمان والإحسان، أم "تدنسهم الدنيا" وتهلكهم كما أهلكت من كان قبلَهم؟"[6] سؤال جوهري، فالحركة الإسلامية تؤكد مختلف تجاربها أن ذوبان الدعوة في الدولة خطر عليهما معا، فلا بد من مسافة فاصلة بينهما. فمهمة الدعوة أن تحول الإسلام من خيار دولة وسلطة إلى خيار شعبي يحتضن من طرف المجتمع ويدافع عنه ويقعد له دستوريا. ويكون رجال الدعوة والعلماء ضمير الأمة وحماة المبادئ الكبرى بعيدين دون الغوص في وحل السلطة وتفاصيلها. وهذا ما يجعل سؤال د. "عصام العريان" مشروعا حين يقول: هل تتطور نظرية "ولاية الفقيه" إلى نظرية جديدة هي "ولاية الأمة"؟ وهل يدرك الشيعة أن غيبة الإمام التي طالت قد تطول أكثر وأكثر وأن الحاجة ملحة إلى العودة إلى الأمة نفسها لتتولى أمور دنياها وتختار بحرية من يحكمها وتحاسبه على ذلك وتعزله إن أرادت؟ وهل يمكن ترجمة إجابات تلك الأسئلة في تطوير دستوري في إيران دون الحاجة إلى نظرية فقهية جديدة تحتاج إلى فقيه في حجم الخميني وقائد سياسي محنك له مثل قدراته القيادية وكاريزميته الشخصية؟[7]


سلطة غائبة، سلطة وصية

عدم استيعاب التغيرات المجتمعية من لدن العلماء والفقهاء المنشغلين عن هموم الشعب بتدبير أعباء الدولة وما أثقلها داخليا وخارجيا، كانت إحدى نقط ضعف المحافظين- والنظام التقليدي ككل-، التي أوصلت خاتمي إلى الحكم حيث بدا أقرب إلى نبض الشعب خاصة الشباب والنساء وهو ما حدا به إلى القول في انتخابات الرئاسة: "إن سيادة الشباب في مجتمعنا، والاتساع الكمي والكيفي للعلم والمعرفة، واتساع الاتصالات، وتعامل شبابنا مع ما يجري في العالم ببساطة، من المسائل التي أوجدت وضعًا خاصًا في المجتمع الإيراني، ولا شك أن مجتمع إيران اليوم له مطالب وتوقعات جديدة، فإذا لم نهتم بهذا الوضع وهذه المطالبات الجديدة في ترتيباتنا فسوف نتعرض للفشل في إدارتنا للأمور". المعطيات الاقتصادية والديمغرافية الجديدة لم ينتبه إليها صناع القرار، فالمجتمع الإيراني عرف تحولا كبيرا جدا في تركيبته السكانية حيث تضاعف عدد السكان من 33 مليون نسمة تقريبا سنة 1979 إلى 73 مليون حاليا معظمها من الشباب (49% من النساء) ولدوا بعد الثورة الإسلامية، والأفكار والشعارات الثورية التي كانت قادرة على تعبئة الشارع في السبعينيات والثمانينيات لم تعد كذلك في التسعينات وما بعدها. فالتحدي الاقتصادي في ظل تفاقم التضخم وارتفاع نسبة البطالة وأجواء التأميم والعسكرة والاقتصاد الموجه. كلها كانت تحديات لابد من الانتباه إليها بشكل جدي خاصة وأن الثورة التي عرفها العالم في وسائط الاتصال والمعلوميات والإعلام فكت عزلة الشعب الإيراني وفتحت عينيه على العالم الخارجي، ونشرت نوعا جديدا من القيم الغربية وثقافة الترف والاستهلاك في أوساط الشباب (يظهر بجلاء في مظهر المحتجين: اللباس، التسريحات، ولباس الفتيات ) لم يكن جيل ما بعد الثورة ملقحا ضدها جيدا لأن الماكينة التربوية والدعوية تعطلت.
يضاف إلى قضية عدم استيعاب السلطة للمتغيرات الحاصلة في المجتمع ممارستها "الوصاية" على الشعب واختياراته. بل حتى على من أسهموا في الثورة أنفسهم من القيادات المتنورة التي تسمى "إصلاحية" وإن كانت آتية أصلا من رحم الثورة ودهاليز الجمهورية كـ(مير حسين موسوي، رئيس الوزراء من 1981 إلى 1989م، وهو آخر رئيس وزراء لإيران / مهدي كروبي من الإصلاحيين، رأس البرلمان الإيراني من 1989 إلى 1992م./ محسن رضائي، قائد الحرس الثوري أثناء الحرب الإيرانية العراقية/. حسين منتظري أحد منظري الثورة والمشرف على صياغة الدستور والمرشح الأكبر لخلافة الخميني) فهي بعد أن احتكرت السلطة، تحاول احتكار الثورة وتنصب نفسها حامية لها ولميراثها، بل وتفرض ذلك بالقوة من خلال مواجهة حركة الاحتجاج في صفوف النخب ومحاربة رموز التغيير بدعوى الحفاظ على مبادئ الجمهورية. لذا حذر منتظري من هذه السلوكات التي ستؤدي إلى المواجهة وتضع علامات استفهام على نوايا السلطة الحقيقية "إن إسقاط أسماء الأشخاص المتميزين من ذوي الخبرة وكذلك الضغط الممارس على الصحف والصحافيين والنساء والطلبة سيفضي إلى تعميق الهوة بين الشعب والسلطة وستصبح شرعية الحكومة ومؤسساتها نتيجة لذلك موضع نقاش"[8] مما لاشك فيه أن هذه الأحداث لن تحدث تغييرات كبرى في طبيعة النظام الإيراني الحالي، لكنها قد تكون فرصة لكافة الأطراف، لمراجعة تدبير الاجتهاد وآليات الاختلاف في ظل الدولة الإسلامية بشكل أكبر.
لكن السؤال الذي يطرح على المعارضة في إيران هل هذا هو الوقت المناسب لإعادة ترتيب البيت الداخلي؟ وهل نهج النزول إلى الشارع والمواجهة والتصعيد الذي مس حتى المرشد الأعلى سيفضي إلى تغييرات جذرية في بنية النظام السياسي الجمهوري الإسلامي أم سيؤدي إلى نتائج عكسية؟ حيث سنشهد حركة قمع واسعة من طرف الباسيج والحرس الثوري يليها ارتداد عن خط الانفتاح الذي شهدته إيران وتمركز السلطة بشكل أقوى في يد تحالف البرجوازية الفاسدة والمحافظين فعلى المعارضة أن تكون أكثر نضجا وأن لا تراهن على الغرب وتدرك أن الدعم والحزم الذي تبديه العواصم الغربية وسفاراتها في طهران ليس أكثر من ورقة ضغط توظفها لابتزاز وإحراج إيران بخصوص ملفين:
* الملف النووي الذي يشكل تهديدا استراتيجيا للصهاينة أساسا إذ سينهي هيمنتهم النووية على الشرق الأوسط ويضع نوعا من توازن الرعب في المنطقة مما سيغير كثيرا معادلة الصراع العربي/ الإسرائيلي.
* الملف العراقي الذي يستنزف أمريكا ويؤرق دول الجوار.
ومتى تم التوافق حول الملفين سيتوقف التباكي الغربي على حقوق الإنسان ونزاهة الانتخابات وحرية التعبير التي هي آخر ما يفكر فيه صانع القرار الغربي.

[1] يكفي تصفح كبريات الصحف العربية ليعلم كم الشماتة والتشفي والتحامل على إيران.
[2] ملاحظات عن إيران د عزمي بشارة.
[3] آية الله حسين منتظري في حوار مع وكالة (آكي) الإيطالية للأنباء.
[4] نفسه
[5] إيران إلى أين. ولاية الفقيه أم ولاية الأمة؟ ـ د.عصام العريان.
[6] كتاب العدل: الإسلاميون والحكم. ذ عبد السلام ياسين.
[7] إيران إلى أين. ولاية الفقيه أم ولاية الأمة؟ ـ د.عصام العريان.
[8] آية الله حسين منتظري في حوار مع وكالة (آكي) الإيطالية للأنباء.