مشاهدة النسخة كاملة : قيم الأسرة ووحي الأسرة الإبراهيمية



amoula
17-01-2006, 18:09
الأسرة المتمسكة بالقيم أحد أهم أركان البناء الإسلامي العظيم، وأمتنا ذات رصيد هائل في مجال القيم الرائعة النابعة من أصولنا، وفيما يلي عرض لأهم القيم التي تحتاجها الأسرة المسلمة اليوم: من خلال سلوك أسرة مطيعة لربها مستسلمة بتعاليم دينها، مضحية من أجل مبادئها وبذلك استحقت التخليد على مدى التاريخ والذكر الحسن عبر الأمم والأجيال.
نحن نتعلم قيم الأسرة كل عام بالحج وعيد الأضحى في رحاب مدرسة رائعة أساتذتها: أسرة عظيمة مكونة من أب وأم وابن مطيعين لرب العالمين وهم: (سيدنا إبراهيم عليه السلام، وأمنا هاجر عليها السلام، وابنهما إسماعيل عليه السلام).
قيم الزوجية والأبوة في شخصية أبينا إبراهيم عليه السلام
زوج وأب يقود الأسرة بأمر الله تبارك وتعالى وينطلق في دربه متميزاً بعدة سمات:
(1) حمل رسالة الله والانطلاق في الأرض بدعوة الله هو المهمة الأساسية للأسرة والواجب الأول لها:
فتارة تجده في مصر وتارة تجده بالشام وتارة تجده بالحجاز وشعاره الدائم (إِنِّي ذَاهِبٌ إلى رَبِّي سَيَهْدِينِ).
(2) قيادة الأسرة بالرضا والتسليم والامتثال الكامل لأوامر الله عز وجل:
وإن كانت تبدو في ظاهرها صعبة وقاسية، ولكن القلب المؤمن الواثق على يقين بأن العز والفوز في طاعة الله.
أ- ففي مجال الزوجية: هو نعم الزوج القائم على رعاية زوجته تعيش في كنفه ويؤدي حقوقها ويقوم بواجباته نحوها.
ب- وفي مجال الأبوة: يحب الولد والذرية ويكثر من التضرع لربه بأن يرزقه الولد الذي يعينه على رسالة الله (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ)، ويرزق الولد الذي طالما اشتاق إليه على رأس ست وثمانين سنة من عمره فيسعد بالأبوة بعد الزوجية
ثم تأتيه أوامر ربه كالآتي:
1- أن يترك أسرته السعيدة (زوجته العزيزة وابنه الحبيب الذي ما زال رضيعاً) في مكان قفر لا بشر فيه ولا مظاهر للحياة ويذهب إلى مكان آخر للقيام بواجب الدعوة إلى الله فيطيع ويمتثل.
2- يعود بعد عدة سنوات ويجد ابنه شابًّا يافعاً لديه القدرة على المشاركة في الحياة فيؤمر بذبحه فيطيع ويمتثل.
(3) قيادة الأسرة بالحوار والإقناع والمشاورة والتفاهم وليس بالفرض والعنف:
يناقش ابنه في كل شيء حتى في أمر الله (يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ...) هذا هو الأمر المطلوب... وكيفية التنفيذ (فَانظُرْ مَاذَا تَرَى) عرض وحوار، وكذلك عندما جاءه الأمر ببناء البيت وعاد إليهم بعد غياب وكما تقول الرواية: فصنع كما يصنع الوالد بولده والولد بوالده ثم قال: يا إسماعيل إن الله أمرني بأمر، قال: فاصنع ما أمرك الله به، قال وتعينني، قال: وأعينك، قال: (فإن الله أمرني أن أبني بيتاً هاهنا) حوار رائع وعرض جميل يدفع للتعاون والقبول.
(4) قيادة الأسرة نحو البناء وصناعة الحياة وتحويل الأسرة إلى وحدة إنتاج:
فهذا البناء الرائع المعظم عبر التاريخ (الكعبة المشرفة) هو نتاج أب وابن طائعين لله أب يبني وابن يناوله (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [البقرة: 127].
(5) دوام الدعاء والتضرع إلى الله بأن تنجح الأسرة في أداء مهمتها:
فحينما ترك أسرته عند الحرم لم يتركها بروح الغلظة والجفاء بل ذهب بعد غيابه عن أعينهم وحيث لا يرونه استقبل البيت ورفع يديه يتضرع إلى الله بهذه الدعوات:-
(رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ).
(6) الحرص على قيمة الكرم والبذل والعطاء:
وتمثل هذا في زيارة سيدنا إبراهيم لبيت ابنه في غيابه، فإذا بزوجته تنكر فضل الله، وتشتكي سوء الحال بأن ليس عندهم شيء ويظهر بخلها وامتناعها عن أداء واجب الضيافة، وعند تأكد الأب من ذلك توجه إلى ابنه برسالة يقول فيها:
(غير عتبة دارك) أي غير هذه الزوجة البخيلة فمجتمعنا الإسلامي مجتمع الكرم والبذل والجود والعطاء ولا ينفع أن يعيش في كنفه من لا يطيق هذه الأخلاق؛ لأنها أساسية وضرورية ولازمة لنجاح العمل الإسلامي.
(7) الحرص على توفير الرزق:
فحينما أمره الله تعالى أن يذهب بزوجته وابنه إلى مكان الحرم اجتهد أن يوفر لهم قوتاً مناسباً فأحضر لهم سقاء فيه كمية من الماء ووكاء فيه كمية من التمر، ثم بعد أن تركهم توجه إلى الله تعالى أن يوفر لهم الرزق:
(وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)
قيم الزوجية والأمومة في شخصية أمنا هاجر عليها السلام
(1) زوجة تتميز بالحب والصبر: زوجة تحب زوجها وتطيع ربها:
فحينما تركها زوجها بمكة ووضع عندها جورباً فيه تمر وسقاء فيه ماء، وهمَّ بالانصراف قامت إليه وتعلقت بثيابه... نعم تعلقت بثيابه فهي نعم الزوجة الحريصة على العيش في كنف زوجها وقالت له: ( أين تذهب وتدعنا هاهنا... وليس معنا ما يكفينا... وألحت عليه فلما رأت في عينيه أنه مأمور بذلك وليس تفريطاً منه في حق أسرته قالت: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذن لا يضيعنا.
وفي رواية: قالت له إلى من تتركنا؟ قال إلى الله فقالت قد رضيت ثم رجعت.
نعم تحب المقام في كنف زوجها، ولكنها على استعداد للتضحية من أجل القيام على أمر الله ونصرة دعوة الله، فهي مدرسة تعلم كل الزوجات الصبر على غياب أزواجهن ابتغاء وجه الله فأمنا هاجر صبرت سنوات طويلة على غياب زوجها الحبيب منذ أن كان ابنها رضيعاً إلى أن شب، وأصبح يافعاً وبلغ السعي أي حوالي خمسة عشرة عاماً فهي رسالة عظيمة إلى كل زوجة كريمة غاب عنها زوجها: سواء للدعوة والجهاد في سبيل الله أو غيبته في سجون الأسر أو الاعتقال أو لقي ربه شهيداً في سبيل الله، تقول له وهي التي تعلمت من أمها هاجر عليها السلام: اذهب فلن يضيعنا الله.
(2) أم تتميز بالرعاية والفداء: أم تقوم على رعاية ولدها وفي نفس الوقت على استعداد للتضحية به في سبيل الله.
- فالسعي بين الصفا والمروة رمز عظيم لرعاية الطفولة فأمنا هاجر بعد أن انتهى طعامها وانقطع لبنها ورأت ابنها الحبيب يتشحط فزعت لرعايته، وظلت تسعى مئات الأمتار بين جبلي الصفا والمروة بحثاً عن ماء وطلباً لرعاية فلذة كبدها.
هي كذلك الأم العظيمة التي امتثلت لأمر الله بذبح ولدها وقرة عينها، وحينما عرض لها إبليس اللعين يضعف قلبها ويضرب على أوتار عاطفة الأمومة القوية الحريصة أعظم الحرص على ولدها ولكنها ترجمه بالحصوات وتقف بجوار زوجها تؤازره لتنفيذ أمر الله تعالى، إنها مدرسة الفداء بالأبناء التي علمت أمهاتنا الفضليات في فلسطين صناعة المجد عبر العمليات الاستشهادية وتقديم الأبناء في سبيل الله.
قيم البنوة في شخصية سيدنا إسماعيل عليه السلام
(1) ابن مشارك لأبيه في البناء وصناعة الحياة: (المعاونة الكاملة والمشاركة في بناء الكعبة المشرفة).
(2) ابن مطيع لأوامر ربه بار بوالديه فدائي لنصرة قضيته: لديه استعداد للتضحية والفداء بنفسه في سبيل الله فحينما أخبره أبوه بأمر الذبح لم يتردد ولم يحجم: (قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) فهو قائد الفدائيين ومعلم الاستشهاديين ورمز للبطولة والإقدام نحو مناصرة الأمة مهما كان الثمن... فما أجمل أن نربي أبناءنا على قيم الطاعة للوالدين من خلال سيدنا إسماعيل وما أجمل أن نربي أبناءنا ونعمق فيهم قيمة التضحية والفدائية كل عام من خلال شخصية سيدنا إسماعيل وما أسهل ذلك وما أجمله أثناء بهجة العيد والفرحة به.
(3) ابن مبدع مبتكر: فكان إسماعيل أول من روض الخيل وهذبها واستعملها لخدمة الإنسان في شئون الحياة، وكان ذا خبرة بالرماية وبَرْي النبال والقدرة على الجهاد والانطلاق بأمر الله.
(4) ابن مبارك بسبب نشأته في كنف أسرة مطيعة لله: والدليل على ذلك ماء زمزم الذي تفجر من تحت قدميه وبقي نفعاً للبشرية حتى تقوم الساعة فهو يعلمنا جميعاً أن البركة في تنشئة الأبناء على طاعة الله تبارك وتعالى.
السعي بين الصفا والمروة احتفالية رائعة لرعاية الطفولة:
السعي بين الصفا والمروة هذه المسافة الطويلة عبر سبعة أشواط من أم عظيمة تسعى لرعاية طفلها ثم تخليد هذا الفعل من هذه المرأة العظيمة، وجعله ركناً من أركان الحج الذي هو أحد الأركان الخمسة للإسلام، وأمر الحجاج أن يحاكوا فعل هذه الأم ويقطعوا هذه المسافات لهو تربية عملية وتدريب رائع على أهمية رعاية الطفولة لكل من يريد أن يستكمل أركان الإسلام، وكذلك رمزية عظيمة لكل باحث ومهتم برعاية الطفولة.
الأضحية احتفالية سنوية لفداء الأبناء:
الأضحية رمزية عظيمة لقيمة الأبناء وقدرهم في نفوس الأسرة التي توفر المال وتشتري الأضحية فداءً للأبناء كل عام والذين كانوا طبقاً لما أمر به إبراهيم في أول الأمر سيُذبح واحدٌ منهم كل عام، ولكن جاء الفداء من السماء بعد الطاعة والتسليم (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) ما أجمل أن نقول لأبنائنا إننا نحبكم ونحرص كل الحرص عليكم ونفديكم كل عام بهذه الأضحية التي نشتريها من أجلكم امتثالاً لأمر الله تعالى فيزيد حبهم لنا ولشعائر الدين العظيمة ويحسون بقيمتهم وقدرهم فيشاركوننا في حمل الرسالة وأداء الأمانة.
مظاهر تكريم الأسرة صاحبة القيم العظيمة
خلد الله تعالى أفعال هذه الأسرة الطائعة بالآتي:-
بأن جعل الكعبة المشرفة التي قام على بنائها سيدنا إبراهيم بمعاونة ابنه إسماعيل محل تكريم طول الزمن وجعلها قبلة الصلاة للرسالة الخاتمة. وكرم الله موضع قدم إبراهيم عليه السلام الذي وقف عليه لبناء الكعبة بقرآن يتلى إلى يوم الدين (وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى)، وكرم فعله بتسليمه بذبح ابنه بسنة الأضحية كل عام، وإقامة الحجيج في منى يومين أو ثلاثة يعد احتفالية في صورة إقامة في المكان الذي كانت تقيم فيه هذه الأسرة العظيمة في الفترة التي أمرت فيها بذبح ابنها الغالي، وكذلك رمي الجمرات تخليد لفعل هذه الأسرة برجم إبليس الذي كان ينهاهم عن ذبح ابنهم فقاموا برجمه عند العقبة الصغرى والوسطي والكبرى
السعي بين الصفا والمروة تكريم لفعل أمنا هاجر عليها السلام حينما كانت تسعى لرعاية ابنها شرب ماء زمزم والتماس بركته العظيمة تكريم لأثر من آثار الأسرة المطيعة لله.
مظاهر الاستفادة وطرق التوظيف:
على مستوى الأسرة: (احتفالية الأسرة)
- أن نقوم بعمل احتفالية سنوية في أيام عيد الأضحى كل عام نسميها (احتفالية الأسرة) – تجتمع فيها الأسرة: الزوج والزوجة (الأب والأم) مع الأبناء فيعيدون قراءة واقعهم كل عام على ضوء المبادئ العظيمة التي عاشت بها أسرة سيدنا إبراهيم، ويتباحثون كيف يجددون حياتهم، وكيف يطورون طاعتهم لله عز وجل، وكيف يسعون لتطبيق تعليماته في المرحلة التي يمرون بها، وتضع الأسرة خطتها السنوية كل عام انطلاقاً من هذه المحطة الإيمانية كلما مر عليها عيد الأضحى المبارك، وكلما هلت عليها نفحات الحج العظيمة.
على مستوى المؤسسات المعنية بشئون الأسرة: (عيد الأضحى: عيد الأسرة)
- أن تهتم المؤسسات المعنية بشئون الأسرة بجعل مناسبات التكريم الخاصة بالأسرة في هذا الموعد من كل عام في ظل هذه المبادئ العظيمة التي استقيناها من هذه الأسرة الطائعة بدلاً من أن نجعل عيد الأسرة في ذكرى عيد الأم الأجوف من كل معنى والذي ينم عن هجران الأسرة.
وتذكرها فقط مرة كل عام فعيد الأضحى يمثل بجدارة (عيد للأسرة) بأكملها فهو (عيد للأمومة) و(عيد للطفولة)، وكذلك (عيد للأبوة) التي لا يحتفل بها أحد، وينطلق من أصولنا وقواعد شريعتنا دون التشبه بغيرنا.
على مستوى الأمة كلها: تعبئة الأمة لمناصرة قضاياها وأن يكون هناك دور لكل فرد: فالأب قائد ورائد والأم مساندة وصابرة والابن فدائي ومبتكر.
على مستوى المؤسسات الإعلامية والصحفية: الترويج لمبادئ وقيم الأسرة بوسائل وطرق مبتكرة عبر النموذج الرائع لأسرة سيدنا إبراهيم، ففي مجال الطفولة على سبيل المثال لدينا رمزيات رائعة نستطيع توضيحها للناس:
1. فالأضحية احتفالية سنوية لفداء الأبناء، والسعي بين الصفا والمروة احتفالية لرعاية الأبناء، وماء زمزم رمز لبركة الأبناء الناشئين في كنف الأسرة المطيعة لله.

المختار
18-01-2006, 22:36
جزاك الله خيرا اختي الفاضلة

مشاركات قيمية جعلها الله في ميزان حسناتك امين