مشاهدة النسخة كاملة : الإسلاميون يطلقون النار على أحمد التوفيق



عادل محسن
06-10-2009, 23:09
الإسلاميون يطلقون النار على أحمد التوفيق
التوجه السريع للدولة لفرض التصوف يثير غضب الإسلاميين

http://www.maktoobblog.com/userFiles/z/3/z3kok/images/459image.jpeg


أحمد التوفيق، القادم من دهاليز جلباب الزاوية البوتشيشية غير 180 درجة من سياسة سلفه العلوي المدغري، وأصبح في اتجاه تبني الدولة لمنهج الصوفية ورؤية هذا الأخير في إدارة الشأن الديني، استراتيجية إدارة الأوقاف أثارت مخاوف أكثر في طرف حول سعي الدولة لسحب البساط من تحت أقدام الإسلاميين ودفع الشارع نحو تدين أقرب للعلمانية منه إلى الحركات الإسلامية.

كان واضحا منذ استقدام أحمد توفيق وتنصيبه على رأس وزارة الأوقاف أن الرجل مكلف بمهمة ستكون لها تحولات جذرية على مستوى إدارة الشأن الديني وبالشكل الذي يشكل شبه قطيعة مع السياسة التي انتهجها سلفه العلوي المدغري في عهد الملك الراحل الحسن الثاني .
أحمد التوفيق المشبع بالفكر الصوفي، وآليات فهمه للشأن الديني، وتنزيل المفهوم الديني على أرض الواقع أعطى الضوء الأخضر من قبل دائرة القرار لبدء تصوره الجديد، خصوصا أن الدولة كانت تجد في ازدياد مظاهر التدين، وانخراط الشباب في الحركات الإسلامية مؤشرا مقلقا قي هذا الملف الحساس. أحداث 2003 التي شكلت هزة عنيفة لمملكة محمد السادس ستسرع من وتيرة تبني الدولة للتوجه الصوفي، وسيعلن وزير الأوقاف مبكرا عن برنامجه وتصوره لإدارة الشأن الديني، وإعادة هيكلته ليس فقط على المستوى الإداري التنظيمي، وإنما على مستوى منابع وتصورات هذا التوجه، وكذا الخيارات الإستراتيجية لتغيير مرجعيات الدولة ككل في هذا الملف .
وعبر محاضراته وتصريحاته في أكثر من مناسبة ستبدأ معالم المفهوم الجديد لإدارة الشأن الديني وتقاطعاته مع إدارة الشأن العام، والحياة السياسية في التبلور على أرض الواقع، فأحمد التوفيق لم يجد حرجا في مطالبة الجميع بالدخول تحت عباءة إمارة المؤمنين، وتصورها ليس فقط لإدارة الشأن الديني، وإنما في فهمها للمرجعيات الدينية، وبالنصوص الشرعية، فإمارة المؤمنين بالنسبة لوزير الأوقاف هي منع كل تفويض للحديث باسم الدين، وهذه الإمارة هي صاحبة الكلمة الفصل في كل ما يتعلق بهذا الملف، ومن ثم وكما عبر عن ذلك في أولى دروسه أمام الملك، فلا مجال لأي اجتهاد أو رأي خارج هذه الدائرة.
دعوة أحمد التوفيق سرعان ما ستتوجه إلى كل الفاعلين في الحقل الديني بضرورة الانسجام مع هذا المفهوم الجديد، وأن على كل الراغبين في العمل في هذا الحقل الاعتراف أولا بهذه المرجعية وبتصوراتها على مستوى التداخل والتقاطع الذي يمكن أن يحدث بين المفهوم الديني وإدارة الشأن العام، أي الشق السياسي من المعادلة القائمة داخل المملكة والسلطة السياسية الممسكة بزمام الأمر . أحمد التوفيق سيذهب أبعد من ذلك بفرض الصيغة المطلقة للدولة على المساجد وأماكن إنتاج الخطاب الديني، وكانت الرسالة واضحة نحو الأطراف السياسية الإسلامية التي تحولت في العقدين الأخيرين إلى أطراف فاعلة في هذا الملف. سياسة ستقود سريعا إلى المواجهة مع الأطراف عندما بدأت وزارة الأوقاف في الإطاحة بكل الرؤوس المحسوبة على هذه الجماعات من المنابر، وكان وزير الأوقاف قد صرح في أحد استجواباته. بأن الدولة لا يمكن أن تتساهل مع الأصوات المغردة خارج سرب السياسة الرئيسية، وأن على الجميع الانضباط لما تطرحه الدولة.
سياسة الإقصاء الممنهج التي انتهجها وزير الأوقاف جعلته في مواجهة مباشرة مع بعض ذوي المعارضة المحسوبة على التيار الصوفي على مستوى خيارات النظام، ودعم هذا التوجه في أكثر من موقع سرعان ما بدأ يثير غضب أكثر من طرف، فالرجل القادم من جلباب الصوفية، وذرعها البوتشيشي التابع للشيخ حمزة لم يعد، حسب بعض المراقبين، يجعل حدا فاصلا بين خيارات الدولة وقناعاته الصوفية، وهو ما دفع هذه الأطراف إلى اتهام الرجل بأنه يريد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، زمن هيمنة الفكر الصوفي، وتصوراته وعقائده على الساحة الدينية والسياسية وأن البرنامج الذي ينفذه وزير الأوقاف لا يخرج عن معالم المفهوم الجديد الذي تريد الدولة فرضه على أرض الواقع، فكرا صوفيا بعيدا عن الانشغالات السياسية التي تشغل الرأي العام .
مع تثبيت أحمد التوفيق على رأس إدارة الشأن الديني، داخل بناية المشور السعيد في أول تعديل حكومي، كان جليا أن دائرة القرار ترغب في بقاء الرجل للتمكين للمفهوم الجديد عبر إعطائه الوقت الكافي لبلورة كل ما يطرحه على مستوى دواليب الدولة وزوايا الشأن الديني، وكان واضحا أن الجزء الثاني من التصور الذي جاء يحمله الرجل هو إعادة التوجه الصوفي إلى صلب اهتمامات الدولة عبر بلورة استراتيجية جديدة تعتمد على إحياء الزوايا، ومد نشطائها بكل آليات العمل، ودعم إحياء دور التصويف، أحمد التوفيق لم يكتف بذلك، وإنما بدأ يمد أذرع تحركه نحو الخارج من خلال دعم الزوايا والصوفيين المرتبطين تاريخيا بالمغرب. وهكذا نشطت عملية إحياء مواسم التصوف، وبعث بعض الزوايا من قبور النسيان.
وهكذا دخلت وزارة الأوقاف حسب بعض المراقبين والمهتمين بالشأن الديني في صراع مع الزمن لإعادة تشكيل خريطة الحقل الدين الصوفي، خصوصا مع تزايد حدة الصراع مع الأطراف السياسية الإسلامية، التي تنشط لفرض مفهومها الخاص في الساحة السياسية الدينية.
وكان واضحا، أن اندفاع الدولة القوي نحو فرض التصور الصوفي والتمكين للحركات الصوفية، والزوايا سيدفع نحو التصادم مع هذه الحركات، أو على الأقل إثارة قلق هذه الأوساط التي ترى في سياسة الوزير البوتشيشي انتكاسة حقيقية لمسار سياسي طويل لهذه الحركات، التي نشطت طوال عقود من الزمن لإعادة العامل الديني إلى صلب اهتمامات المجتمع والحياة السياسية، والدخول في صراع سياسي لفرض هذا المفهوم على أجندة الدولة.
وكانت دعوة أحمد التوفيق وحثه لأئمة المساجد والخطباء على دفع الناس لزيارة القبور والأضرحة النقطة التي أفاضت الكأس بين وزير الأوقاف وهذه الأطراف. صحيح أن الرجل كان قد بدأ منذ سنوات في فرض توجهه الصوفي على الحياة السياسية الدينية دون أن يثير رد فعل قوي، وهو ما خلق نوعا من الترقب حول رد الفعل الذي يمكن أن يصدر عن هذه الحركات . مصادر من داخل بعض الحركات الإسلامية فسرت هذا الموقف بعدم رغبة هذه الأخيرة في الدخول في مواجهة جديدة مع النظام حول ملف لم تكن قد اتضحت معالمه بعد لكن تبني الدولة الرسمي لهذا التوجه الجديد والدعم السريع لوزير الأوقاف للطرق الصوفية التي تحارب علانية التوجه السياسي للحركات الإسلامية عجل ببدء تململ هذه الأخيرة وإعلانها الصريح عن رفض السياسة التي يقودها وزير الأوقاف أحمد توفيق.
حركة العدل والإحسان المعروفة بمعارضتها الراديكالية لخيارات الدولة السياسية والدولة سرعان ما دخلت على خط ملف إدارة الشأن الديني، حيث أعلنت عبر بلاغ لمجلس شورتها أن السياسة التي يقودها وزير الأوقاف تعتبر “تحريفا لدين الله” وكان هذا أول رد فعل قوي تجاه خيارات أحمد توفيق وبرنامجه لإعادة هيكلة الحقل الديني قبل أن يوجه فتح الله ارسلان اتهامه الصريح لوزير الأوقاف بالعمل على تنفيذ مخطط واضح للدولة لضرب الإسلام السياسي عبر تحريف توجه الشباب وتغيير آليات الإستقطاب نحو تصوف مسالم هو أقرب “للعلمانية” من تصور سليم وحقيقي لدور الدين والإلتزام الديني في الحياة اليومية والسياسية للشعب .
فتح الله أرسلان اعتبر “أن سياسة وزارة الأوقاف غير معزولة عن السياسة العامة للدولة الساعية الى محاصرة المد الإسلامي والتجاوب الشعبي مع القضايا الإسلامية”. أرسلان ذهب أبعد من ذلك، واعتبر هذا التوجه الجديد “هو من بين الآليات المعتمدة من طرف الدولة لمواجهة العدل والإحسان وأنها ترغب في سحب البساط من تحت أقدام الجماعة الإسلامية”. فالدولة حسب فتح الله أرسلان التي استعملت قبل سنوات التيارات السلفية لضرب الحركات السياسية الإسلامية ، تريد استعمال الطرق الصوفية لمواصلة هذه السياسة.
المقرئ أبو زيد القيادي البارز داخل حزب العدالة والتنمية، والذي طالما ابتعد حزبه عن الدخول في مواجهة مع السياسي وزير الأوقاف انتقد بشدة تصريحات وتوجيهات هذا الأخير الداعية إلى زيارة القبور والأضرحة ، واعتبر ذلك تخلفا وسياسة خطيرة ترغب في خلق إنسان مسالم بعيد عن الحياة السياسية وعن قضايا المجتمع ، خصوصا وأن التوجه الصوفي الذي يدعو إليه أحمد توفيق يفرض نوعا من القطيعة مع حقيقة الواقع السياسي للمجتمع، ويدعو أنصاره الى الابتعاد كليا عن الانشغال بالسياسة والشأن العام، لكن أشد الانتقادات لسياسة أمحمد التوفيق جاءت من الوجه الإسلامي البارز، والمثير للجدل في الساحة السياسية الزمزمي عندما اعتبر الاهتمام الإعلامي الرسمي للدول وتنظيم المهرجانات ذات التوجه الصوفي خطرا محدقا بقناعات المجتمع ومعتقداته . فالسياسة التي يدعو لها وزير الأوقاف عبر الدعوة لزيارة الأضرحة والمزارات “هي دعوة إلى التجهيل والتخلف وإغراق الناس في الظلامية التي جاء الإسلام لإخراج الناس منها”.