مشاهدة النسخة كاملة : تحليل منطقى للأحداث فى العراق العظيم



محمد دغيدى
12-02-2006, 14:08
موضوع ( منقول ) يستحق القراءه وبارك الله في كاتبه كونه قام بتحليل منطقي للأحداث في العراق العظيم
نحن مع ما يقول قلبا وقالبا
اللهم انصر المجاهدين وسدد رميهم ورد كيد الأعداء والعملاء والخونه الى نحورهم
اللهم امين امين

لم يكن يومي 24- 25/6/2004 وقت هزائم مروعة للاحتلال الامريكي في العراق فحسب ، بل كانا نقطة انعطاف حاسمة في تاريخ الثورة العراقية المسلحة اجبرت الادارة الامريكية على الاعتراف بما كانت ترفض الاعتراف به . ففي يوم 24/6 شهد العراق تجسيدا قويا لاستعداد المقاومة العراقية للانتقال الى المرحلة الرابعة من الثورة المسلحة ، وربما الاخيرة ، من نضالها المظفر ضد الاحتلال الصهيوامريكي للعراق ، فلقد شنت المقاومة هجمات رئيسية ومتزامنة في عدة مدن عراقية ، اهمها بعقوبة وسامراء ، اللتان شرعتا قبل اسبوع بشن هجمات ادت لطرد قوات الاحتلال وعملاءها ، وصلاح الدين والموصل والفلوجة والرمادي ، ومدن اخرى ، قامت خلالها وحدات خاصة من الحرس الجمهوري وفدائيي صدام ، وهم يرتدون ملابسهم الرسمية السوداء ، بتحرير هذه المدن لعدة ساعات ، وطرد قوات الاحتلال والقوى العميلة من شرطة وجيش .

ولم يكن التزامن هو العنصر الاكثر لفتا للانتباه ، بل تماثل خطط الانقضاض وحرفيتها العسكرية العالية ، والتحرك المنضبط كوحدات قتالية تخضع لقيادة مركزية واوامر مركزية . ولذلك كان لتلك العمليات اثر صاعق على الادارة الامريكية وقواتها في العراق ، تمثل فيما صدر عن بول ولفووتز ، نائب وزير الدفاع الامريكي ومهندس خطة غزو العراق ، وريتشارد ارميتاج نائب وزير الخارجية الامريكية ، والسناتور جون ماكين عضو لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ ، والجنرال جورج كيسي ، القائد الجديد للقوات الامريكية في العراق ، واخيرا وليس اخرا كولن باول وزير الخارجية الامريكية . ماهي اعترافات هؤلاء ؟ في يوم 25/6 عقدت لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الامريكي جلسة استجواب حول الوضع في العراق استجوب فيها ولفووتز وارميتاج والجنرال مايرز ، وفيما يلي اهم مادار فيها : عبر السناتور ماكين عن دهشته لما يجري في العراق من عمليات مقاومة وقال : ان الذي رايناه يوم امس في مدن العراق من عمليات نفذت بنفس الطريقة والوقت مما يجعلني اصف ما حدث بانه عمليات رائعة ومنسقة بشكل فاق كل التصورات! فكيف تفسرون ذلك ؟

رد ولفووتز ، والارتباك والاحراج باديان على وجهه مالم نكن نتوقعه ابدا هو ان يظهر العدو مجددا ، بعد الحاق الهزيمة به) ، ويضيف (انه تاكيد واضح على انه عدو لم يستسلم ، بل غير اسلوبه القتالي)!اما ارميتاج فقد كان رده اكثر وضوحا وصراحة اذ قال لقد اختفى العدو فجاة ثم ظهر فجاة ، وهو يملك( جهازا عصبيا مركزيا ) متطور جدا وفعال جدا ، خصوصا قدرته العالية على شن هجمات واسعة وفي مناطق مختلفة ومتزامنة ، كما حصل يوم امس في الفلوجة والموصل ومدن اخرى ، وذلك امر لم نكن نتوقعه ابدا) ! وفي تعليق ينطوي على سخرية ظاهرة من ادعاءات ادارة بوش قال السناتور ماكين اجد ان من الغرابة ان يستطيع بضع مئات من فلول النظام السابق شن هجمات كبيرة ومنسقة وفعالة) ! والسخرية هنا هي اشارة الى ما تعودت الادارة الامريكية على تكراره منذ بدا الاحتلال ، مثل القول (ان الارهاب تقوم به فلول النظام السابق) او( بقايا حزب البعث المنحل) ! وفي جلسة استماع اخرى للكونغرس خصصت للجنرال جورج كيسي ، القائد الجديد للجيش الامريكي في العراق قال كيسي : (ان المقاومة العراقية فاقت جميع التوقعات)، وفي نفس اليوم 25/6 قال كولن باول ، وزير الخارجية ،(ان من الاخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة في العراق عدم تقدير خطر وطبيعة المقاتلين الذين من المحتمل ان تواجههم القوات الامريكية في العراق)، واعترف (بان الارهابيين المدعومين بانصار الرئيس السابق صدام حسين اصبحوا يشكلون عقبة حقيقية وجدت واشنطن انها مضطرة للتعامل معها).

ما الذي تنطوي عليه هذه الاعترافات ؟ من المعروف ان المسؤولين الامريكيين لا يستطيعون ممارسة الكذب امام لجان الكونغرس ، لان ثمة جهات متعددة فيه تدقق وتحقق في كل ما يقال ، لذلك كان طبيعيا ان يتخلى ولفووتز وارميتاج وغيرهم عن القصص الكاذبة التي تعودوا ان يقدموها للراي العام حول العراق ، مثل(ان من يقوم بالعمليات الارهابية) هم القاعدة و(فلول النظام) ، لان الراي العام لا يملك وسائل تدقيق تمكنه من معرفة الحقيقة ، ولهذا لم يكن امام المسؤولين من خيار سوى الاعتراف الاضطراري بحقيقة ما يجري في العراق دون اي محاولة للخداع او التضليل .

نهاية اكاذيب امريكا ومارينز الاعلام العرب ؟

ان اهم ما اعترف به ارميتاج وولفووتز ومايرز وباول وغيرهم هو كذب نظريات عدم مقاومة العرااق او انهياره ووقوع خيانات كثيرة او عدم وجود خطة قتالية او جهل قادة الجيش او تسبب القيادة السياسية بالهزيمة نتيجة تدخلها في توجيه الجيش ...الخ من الاكاذيب الدعائية التي روجت لتحطيم المعنويات في العراق وادانة النظام السياسي الوطني ، فكل هؤلاء المسؤولين الامريكيين يعترفون بان انسحابا عراقيا منظما قد حصل ، وتجلى ذلك في ان الدولة العراقية ، ممثلة بنخب ممتازة من اجهزتها الامنية والقوات المسلحة وفدائيي صدام وجيش القدس والتصنيع العسكري ، والحزب ، ممثلا بكوادر منتقاة بعناية قبل الغزو بعام على الاقل ، هؤلاء جميعا نزلوا تحت الارض يوم 9/4/2003 بعد التأكد من تدمير القوة الرئيسية للقوات المسلحة ، ومن تحت الارض بدا قائد المقاومة ومهندسها صدام حسين العمل المسلح ضد الاحتلال ، والذي هيأ له بتدريب وانتقاء من نزلوا تحت الارض وتخزين 50 مليون قطعة سلاح متنوعة الاختصاصات ، مع عتاد يكفي للقتال لمدة عشر سنوات بلا اي اعتماد على الخارج . لقد انتقلت القيادة العراقية من الحرب النظامية الى حرب عصابات المدن لاجل تحييد اغلب عناصر التفوق لدى العدو . وبالارتباط مع ما ذكرنا يجب ان نضيف ان التعليمات قد صدرت لاجهزة الحزب والدولة بتدمير كل وثيقة قد يستفيد منها العدو اذا نجحت عملية الغزو ، وذلك قبل ستة شهور من وقوع الغزو ، وهو تاكيد اخر على وجود خطة بديلة للحرب .

لكن الاحتلال واجهزته الدعائية وخلفهم عاهروا الضمير من افراد مارينز الاعلام العرب ، الذين لعبوا الدور الاقذر في كل التاريخ العربي ، شرع بالترويج للافكار التي ذكرناها ، خصوصا اكذوبة ان الجيش لم يقاتل وان الخيانات كانت كثيرة ! الاعترافات هذه هي اقرار رسمي بان القيادة العراقية قد اختفت ثم ظهرت بسرعة وهي تقاتل بشراسة باسلوب عسكري اخر في اطار خطة محكمة ، وتحت قيادة مركزية فعالة ، وهذا الاعتراف له وجه اخر : فضح من وصفتهم الفضائيات العربية ب(الخبراء الستراتيجيين) و(المحللين العسكريين) !!! واثبات انهم كانوا قد اعدوا سلفا لاداء هذا الدور التيئيسي مقابل (حفنة دولارات) مغموسة بدم اطفال ونساء وشباب وشيوخ العراق ! بل ان ارميتاج ذهب ابعد من ذلك حينما قارن ، وبصورة مدهشة ، مستوى ورقي عمل المقاومة ب(الجهاز العصبي المركزي) لدى الانسان ، وهذا يعني انه يقر بان تنظيم المقاومة متكامل وشمولي ويغطي كل جوانب الازمة ،وبصورة عالية التعقيد Highly Sophisticated ، والتعقيد هنا يعني عظمة القيادة والتخطيط والتنفيذ وانسيابية التفاعل بين مكونات التنظيم الطليعي للثورة المسلحة . اذن ارميتاج اسقط الادعاءات التافهة حول ضعف القيادة والسيطرة لدى القوات المسلحة العراقية وسوء علاقتها بالقيادة السياسية واكد ان العراق كان يخوض الحرب على نحو اذكى وافضل من امريكا ، التي اعترف الجميع بسوء تقديرها للوضع ، كما اسقط نظرية (الفلول) البائسة وكشف عن وجود قوى ضاربة تغطي العراق كله بكفاءة عالية ! وتتضح قيمة هذه الاعترافات اكثر حينما ناخذ بنظر الاعتبار ان ارميتاج قد زار العراق قبل الادلاء بشهادته ودقق في كل شيئ وبحث كل سؤال غامض .

اما الجنرال كيسي فانه اسقط ثرثرة بوش وكونداليزا رايس ورامزفيلد حول تحقيق انتصارات على (المتمردين) وقرب القضاء عليهم ، واعاد الادارة الامريكية الى المربع الاول ، وهو الاعتراف المباشر بان (المقاومة العراقية فاقت جميع التصورات) ! لان ذلك يعني ان كل تصورات امريكا عن العراق وما سيحدث فيه كانت محض اوهام ورغبات ذاتية Wishful Thinking وان التخطيط الامريكي للحرب كان عبارة عن فروض نظرية صرفة او انها استندت الى معلومات خاطئة ، لذلك اراد الجنرال كيسي اعادة الوعي للادارة الامريكية بتذكيرها بان المقاومة العراقية قد اظهرت اقتدارا وضع امريكا امام هزيمة محققة اذا لم تتدارك الامر وتعيد النظر بكل خططها في العراق ! واخيرا ياتي باول وزير الخارجية ليلطم خده ويجلد الذات بالاعتراف بان بلده قد ارتكب اخطاء كثيرة في العراق من بينها عدم تقديرخطر وطبيعة المقاتلين الذين من المحتمل ان تواجههم القوات الامريكية ! فاذا كانت امريكا لم تقدر بصورة صحيحة نوعية المقاتلين في العراق بعد 12 عاما على بدء الحرب ، التي انطلقت رصاصتها الاولى في عام 1991 فهل ثمة خلل اصاب المخططين الستراتيجيين الامريكيين الذين اشتهروا بالتخطيط لادق التفاصيل ؟ ام ان المقاومة الشرسة والاستشهادية للمقاومة العراقية قد قلبت خطط امريكا راسا على عقب ؟

ان احد اهم المعاني الكبيرة المتضمنة في الاعترافات هذه معنى الاعتراف الصريح والكامل بان العراق لم يهزم في الحرب لسببين الاول هو ان الحرب مازالت مستمرة ، والثاني هو ان العراق بتغيير ستراتيجيته قد قلب الطاولة على راس امريكا وامسك بزمام المبادرة بقوة ستجر امريكا جرا للهزيمة المحققة . يعترف قادة امريكا، كما يعترف كل محلل ستراتيجي، بان العراق خسر الحرب النظامية ، وهو امر كان محسوبا من قبل القيادة العراقية بدقة ووضوح تامين ، لكن امريكا اخذت تخسر الحرب منذ استبدل العراق ستراتيجيته ونزلت قيادته ونخبة قواته المسلحة وكادره الحزبي ومنظماته الشعبية المسلحة تحت الارض ، وهذه المعادلة لايمكن قلبها وتغييرها الا باعلان هزيمة امريكا باي طريقة كانت ، وذلك الاعلان لن تقتصر اثاره على امريكا والعراق فقط بل سيكون اعظم زلزال منذ انهيار الكتلة الشيوعية ، بل انه اعظم لانه سيعلن سقوط اقوى امبراطورية في التاريخ بقوة الثورة المسلحة العراقية ، مما يجعل عمر الامبراطورية الامريكية هو الاقصر في تاريخ كل امبراطوريات التاريخ ! هل تعرفون الان لم نقول ان اؤلئك الذين تحدثوا عن هزيمة العراق كانوا لا يمارسون دعاية سوداء فحسب بل كانوا يمارسون اسوأ انواع عهر الضمير !

من هو المقاوم ؟

في هذه الاعترافات الامريكية نرى تحولا جذريا في تشخيص هوية العدو وحجمه وقوته ، فمنذ حصول الغزو وبدأ المقاومة المسلحة اصرت الادارة الامريكية ، ولاسباب مفهومة ، على انكار وجود مقاومة ، ووصفت ما اخذ يحدث بعد ايام من الغزو بانه من فعل(بقايا النظام السابق) التي سيتم القضاء عليها خلال فترة قصيرة ! لكن استمرار المقاومة وتوسعها ، رغم استخدام اسوأ اشكال العنف ، اجبر الادارة الامريكية على اختراع قصة بن لادن ! فادعت ان القاعدة تسللت الى العراق وباشرت بشن هجمات ارهابية ! وحاولت ان تلغي وجود المقاومة الوطنية ، وحينما كانت تضطر للاعتراف بوجودها تصفها بانها مجرد فلول للنظام لاقيمة لها ! ثم روج الاحتلال لقصة اخرى سرعان ما سقطت ، وهي ان المقاومة تتشكل من مجموعات صغيرة عديدة من بينها حزب البعث ، وانه لاتوجد قوة مركزية رئيسية ! والهدف هو اعطاء انطباعين : الاول هو ان البعث قد اندثر ، والثاني هو ان وجود تنظيمات صغيرة متناثرة يعني ان القضاء عليها مسالة سهلة ! واقترن هذا التكتيك بالتعتيم على عمليات المقاومة ورفض الاعتراف بها ، والاعلان فقط عن عمليات لايمكن التستر عليها ، كل ذلك جرى وكان الهدف منه هو تقزيم المقاومة . لكن معارك رمضان المبارك الشرسة والكبيرة ، والتي تميزت بحرفية عسكرية رفيعة المستوى ، مثل عملية قصف فندق الرشيد اثناء وجود بول ولفووتز فيه ، والعمليات اليومية لقصف مقرات قيادات الاحتلال ، خصوصا القصر الجمهوري وحصول معارك الدورة والعامرية واليوسفية والمحمودية والاعظمية وغيرها في بغداد ، هذه العمليات اسقطت نهائيا اي امكانية لحديث الاحتلال عن معارك مع فلول ، واعترف بوجود مقاومة قوية ومنظمة وتعتمد على خبرة عسكرية ومعلومات استخبارية دقيقة وتقودها قيادة مركزية ، لكن الاحتلال استمر باستخدام تكتيك (تغييب البعث) فادعى ان ضباطا كانوا في الجيش المحلول هم الذين يقومون بالعمليات دون ان تكون لهم صلة بالبعث !

واستمر هذا التذبذب في تحديد من هي المقاومة حتى وقوع معركة الفلوجة وما زامنها من معارك على امتداد العراق ن في نيسان الماضي ، عندها اضطرت قيادة الاحتلال للاعتراف بان عدد العمليات اليومية هو 80 عملية ، بعد ان كانت تدعى انها عملية او اثنتين لا اكثر ! وعادت لنظرية اسامة بن لادن وربطه ب(فلول صدام) ! ولكن اتساع العمليات وضخامتها واستحالة اخفاء هوية من يقوم بها اجبر الاحتلال على الاعتراف التدريجي بان البعث يقود الحرس الجمهوري وفدائيي صدام ويخطط للعمليات مع الزرقاوي ! والان دفع الاحتلال جماعة الزرقاوي خلف البعث واعترف بان البعث هو الذي يقود المقاومة الرئيسية . لقد حاول الاحتلال وجهات اخرى لها مصلحة في تقزيم البعث نسب العمليات لجهات وهمية لكي لا يسجل البعث نقاطا لصالحه . والسبب في التمهيد للاعتراف بمن يقود المقاومة يعود لعدة اسباب اهمها على الاطلاق ، هو ان ما يجري على الارض يؤكد يوميا ان من يقود المقاومة هو البعث وليس غيره ، وتشترك معه تنظيمات او جاعات تعود لعشائر او لعلماء دين سنة وشيعة ، او لعناصر وطنية تنتمي ايديولوجيا للتيارات القومة واليسارية ، لكن جميع هذه التجمعات اما تخضع للقيادة البعثية او تنسق معها ، كما يقوم البعث بتقديم السلاح والخبرة العسكرية والتدريب والدعم المباشر لهذه الجماعات ، ويقوم بعمليات مشتركة معها ، ويلاحظ ان البعث قد شرع بالكشف الصريح عن هوية قيادة المقاومة ، من خلال اصدار اوامر لفدائيي صدام بخوض المعارك وهم يرتدون زيهم الرسمي الاسود اللون والسماح للاعلام بتصويرهم ، ولذلك نرى الان ان فدائيي صدام يخوضون المعارك الشرسة ويسيطرون على اماكن عامة ويعتقلون المتعاونين مع الاحتلال ويحاكمونهم .

ومما حير الاحتلال واجهزة استخباراته عجزها عن كشف التنظيم الخاص بالمقاومة او الحزب والسبب هو ان المقاتلين بغالبيتهم الساحقة هم من الانصار ، اي الكسب الجديد الذين لم يكونوا بعثيين قبل الاحتلال ويبلغ عدد هؤلاء عشرات الالاف ومنهم استشهاديين ، اما الكوادر التي تقود فهي من البعثيين غير المعروفين ، وتم عزل المعروفين منهم عن عمل المقاومة والحزب لان بامكان العدو ان يتابعهم وربما يكتشف صلاتهم .وكانت اللحظة الحاسمة في الاعتراف بان البعث هو قائد المقاومة هي معارك سامراء وبعقوبة اللتان استمرتا حوالي الاسبوع قبل تفجر القتال مجددا في الفلوجة والرمادي والتحاق الموصل ، اضافة لمعارك الكرمة والخالدية وراوة وحديثة ، التي ارعب مقاتلوها قوات الاحتلال بضرب معسكراته قرب حديثة بصواريخ ارض- ارض مما ادى الى الحاق دمار هائل في صفوف العدو واربك كل خططه واجبره على الغاء العديد من خطط الهجوم الكبيرة . لقد شاهد العالم من شاشات التلفزيزن فدائيي صدام وهم يتجولون علنا في الفلوجة وسامراء وبعقوبة والرمادي والموصل وتكريت والمسيب والحلة (بابل) وهم يحملون السلاح بعد تحرير هذه المدن لايام ا وساعات ، قاموا خلالها بتصفية قوات الاحتلال وعملاءه ، وهكذا لم يعد بالامكان مواصلة الكذب فجاءت اعترافات ولفووتز وارميتاج والقادة الميدانيين بان انصار النظام السابق هم الذين يقودون المقاومة ويشكلون (جهازها العصبي المركزي) .

ما معنى ذلك ؟

دون ادنى شك ان معارك سامراء وبعقوبة والفلوجة والرمادي والموصل وغيرها ، هي تمهيد تعبوي لمعركة بغداد القادمة ، والتي ستكون وظيفتها الاساسية ، كما اعلنت المقاومة هي شل (الدرع البشري العراقي) الذي شكله الاحتلال لحمايته ، ممثلا بالشرطة والجيش العميلين واجبار قوات الاحتلال على خوض المعارك مباشرة ، لاجل ابقاء عقدة فيتنام حية وتستهلك القدرة القتالية لقوات الاحتلال ، ولذلك فمن المتوقع من الناحية العسكرية ، ان تكون الضربة المدمرة في معركة بغداد موجهة لقوات الشرطة والجيش العميلين واخراجهما من معارك بغداد في الساعات الاولى للمعركة ، وقيام الحرس الجمهوري وفدائيي صدام بشن هجمات ضخمة ومتزامنة على قواعد الاحتلال في بغداد ومحيطها ، واجبارها على دخول المعارك وهي منتشرة على عدة محاور ، كما يتوقع ان يخصص جهد قتالي خاص للقبض على افراد الحكومة العميلة . ومن المتوقع ايضا ان تشمل العمليات البصرة والنجف وكربلاء والناصرية وبصورة تدريجية ، وتشير معلومات الى انه ستنزل الى ميدان المعركة اسلحة لم تستخدم في السابق ، ولعل الاهم من كل ذلك هو ان المعارك القادمة ستشهد ابراز التعاون الجبهوي بين المقاومين من مختلف العناصر لتاكيد ان السلطة الجديدة بعد التحرير ستكون سلطة تمثل كل المقاومين وليس البعث فقط .

العدو يعرف كل ذلك من خلال المنطق العسكري وضروراته ، لذلك فمن المؤكد انه سوف يسعى لتجنب خوض قتال مباشر مع قوات الثورة وسيدفع قوات الشرطة والجيش العميلين للاشتباك ويقدم لها الاسناد الجوي والمدفعي والاستخباري ، كما سيستخدم قدراته العسكرية لتخفيف الضغط على القوات العميلة ، وهذا بالضبط ما تريده المقاومة ، لان ترك العملاء يعملون كمخلب قط للاحتلال سيسمح بالتحييد التام لهم ، خصوصا اذا اعلنت الاحكام العرفية ، لان ذلك سيساعد المقاومة على توجيه ضربات بالغة القسوة دون القلق على المواطنين العراقيين الذين قد يتعرضون للاذى اذا لم تكن هناك احكام عرفية ، كما ستوفر الاحكام العرفية فرصة المطاردة والتصفية الشامة للعملاء قبل ان يغادروا بيوتهم او مراكز تجمعهم . وتحقيق ذلك يؤدي الى فرض خيارين على قوات الاحتلال ،الخيار الاول هوترك الحكومة العميلة تنهار ويقبض على عناصرها ، والخيار الثاني هو اضطرار قوات الغزو للتدخل لحماية الحكومة العميلة ، وهذا الخيار يسقط خطة الاحتلال لاستخدام عراقيين كدروع بشرية لايقاف اهم نزيف امريكي ، وهو النزيف البشري ، وهكذا تعود الادارة الامريكية الى المربع الاول ، اي فشل كل الخيارات ، ما عدا خيار الانسحاب الكامل من العراق ، وذلك يعنى المضي قدما في مخطط تحرير العراق .

هل هذا يعني الانتقال الى المرحلة الرابعة من الثورة المسلحة ؟ على الارجح نعم ، فمعارك بهذه المواصفات ، حتى وان تميزت بالانسحاب ، لتجنب ضربات مميتة ، فان المقاومة ستعود بعد ايام لاستنزاف الاحتلال وجعل وجوده في العراق عبارة عن عمليات استنزاف مستمرة ، وكما قلنا في دراسة سابقة فان الانتقال للمرحلة الرابعة لايعني مغادرة المراحل الثلاثة السابقة بل استخدامها كلها بنفس الوقت .

هل نحن متفائلون اكثر مما يجب ؟ بالتاكيد كلا ، فقط دققوا فيما قاله الرئيس الامريكي جورج بوش ، وهو يغادر الى تركيا لحضور قمة الناتو هناك ، ستدركون ان قرار الهروب من العراق قد اتخذ , وان المطلوب هو ايجاد مخرج يحفظ ماء الوجه ، ماذا قال بوش ؟ قال انه سيحاول اقناع تركيا بفتح قواعد عسكرية جديدة وارسال 18 الف جندي اليها وتمركزهم في جنوب شرق تركيا في منطقة سيلوبي ، كي تستخدم هذه القوات في عمليات خارج تركيا ثم تعود !!! لقد وضعنا ثلاثة علامات دهشة على هذا التصريح والطلب لان ثمة سؤال منطقي يفرض نفسه بقوة : اذا كانت لامريكا قوات ضخمة في العراق فلماذا تريد فتح قواعد جديدة وارسال قوات اضافية الى تركيا ؟ وهذا السؤال يفرخ سؤالا اخرا وهو : من ستهاجم القوات الامريكية انطلاقا من تركيا ؟ من المستبعد مهاجمة ايران وسوريا في المستقبل المنظور ، لاسباب معروفة ، وهما والعراق فقط الواقعين في نطاق عمل قوات كهذه ، اذن هل المقصود هو العراق ؟ جوابنا نعم المقصود هو العراق وليس غيره ، لان مرارة تجربة غزو العراق لن تسمح لامريكا بان تحمل (الكلاو) وتضعه على راسها مرة اخرى بنفسها، اي لن تسقط نفسها في فخ اخر وهي مازالت تعاني وبقلق متطرف من اثار حماقة غزو العراق . من هنا نستطيع القول وبقدر عال من الثقة ، ان قرار الانسحاب من العراق قد اتخذ ، وان امريكا قد تخلت عن مخططها الاصلي في العراق ، وبالتبعية عن مخططها الاقليمي ، لذلك اختارت ، بعد ان تاكدت ان البعث قادم لامحالة ومعه كل من شارك في المقاومة ، ان تنقل قواتها الى تركيا والكويت ودولة اخرى ، ومن هناك ستحاول ارباك النظام الوطني الجديد ، بتسليط القصف الجوي الدوري عليه، من جهة ، وتشجيع ايران على اشغال النظام الجديد واستنزافه ، واستخدام الزعامات الكردية لنفس الغرض ، من جهة ثانية .

ما الهدف النهائي الجديد ؟ ان قناعة امريكا بانها مضطرة لمغادرة العراق وان البعث عائد الى السلطة لا محالة ، وفشل الاتصالات التي جرت بين البعث والادارة الامريكية في الاتفاق على حل (وسط) ، نتجة اصرار البعث على انسحاب غير مشروط لقوات الاحتلال ، دفع كل ذلك امريكا لتبني خطة ضغط شديد على النظام الجديد لاجباره على عقد (صفقة) كبيرة في المستقبل القريب .