مشاهدة النسخة كاملة : كتاب العدل



المراكشي
16-11-2004, 17:14
بسم الله الرحمن الرحيم


كتاب العدل


فاتحة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمـان الرحيم ملك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيـم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. آمين.

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك محمد خاتم النبيـين، وإمام المرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأزواجه أمهات المومنين، وخلفـائه الراشدين، وجندك المجاهدين وإخوانه من بعده إلى يوم الدين.
أما بعد،

أنْ يُخرج الله العلي القدير الحي من الميت وأن يخرج الميت من الحي شأن من شؤونه المذكورة المشكورة. هو المحيي المميت لا إله إلا هو. عليه توكلت، وإليه أنيب.

وأن يُخرجَ من ثنايا المسلمين بعد عهود خمولهم نشْئا متوقد العزيمة فائض الإيمان منة من مننه سبحانه على المسلمين وعلى الناس أجمعين. ولكن أكثر الناس لا يشكرون.

لا يشكرون ولا يحبون وَلا يرجون خيرا من الإسلام الصاحي الذي يعبر عن حيويته بشتى أنواع العبارة في أرجاء الأرض.ويتساءلون عن جيل الصحوة وقد تربت في قلوبهم آفة الجمود،أو دبت في نفوسهم عقارب الكَنود الحَسود، أو تلظت في أحشائهم العداوة والجحود: من هم هؤلاء الذين مـلأوا الدنيا جماحا وصياحا وسموهم إسلاميين؟ أهو دين جديد تَبَنوه من دون الناس،أم هي فورة التطرف والإرهاب والتشدد وضيق الأفق تهدد استقرار الأمن، وتؤذن في العالم بالبَوار والدمار؟

ومن المسلين الطيبين من يطرح السؤال من جانب الاستفسار عن هذا الشباب الملتحي وهذه الشـابات المحجبات الذين زاحموهم في صف الصلاة وتميزوا في المجتمع بالسمت النظيف والخلق العفيف. قد يفـرح قلبه لما يرى ويسمع، وتَقلَق نفسه لما يوسع الظاهرةَ الإسلاميةَ أصناف المعلقين من ألقاب ونُعوت فيها الشك والتشكيك والفهم الركيك.

ظاهرة قل أن تبقيَ أحداً بالحياد بعد تنامي المد الإسلامي في العالم، يلمَس هذا المد الجارُ الجُنُبُ والأسرةُ في أبنائها وبناتها، والحـي والمدينة، والشارعُ والمدرسة والجـامعة. ظاهرة تجندتْ لاستكناه أسرارها وفَلَكِها ومَدارِها الاستخباراتُ العالمية منذ أن أصبَح الإسلاميون قوة سياسية يُحسب لها ألفُ حساب، ما من حساب فيها إلا يُخيفُ استراتيجيي الغرب المتربص، والحكام على رقاب المسلمين المُتوجسين خِيفةً من مسلمـين يفـرِدون الله عز وجل بالوَلاء، فيه سبحانه يُوالون، وفيه يُعادون، وإلى شرعه يحاكِمـون كل شاذة وفاذة في حياتهم، راجين أن ينتصرَ دينُ الله على أيديهم.

صحوة هي من بركة الله عز وجل على هذه الأجيال، فطوائف متكاثرة من المسلمين يكتشفون حياة الطهر والتقى ويبادرون للتوبة والمسجـد والحج والعُمرة والتمسك بمظاهر السنة ولزوم مجالس الوعظ والاستمـاع لأشرطة الدعاة. حي الله عبدَ الحميد كِشك وأمثاله من القوالين بالحق.

هذه درجة من درجات الصحوة،وخُطوة تتلوها بسرعة خطوات، لاسيما في صفوف الشباب، فإذا بالتائب وقد امتلأتْ جوانحه من أصداء الحِس الصالحِ يهتم بأمر غيره فينشر الدعوة بحماس، ثم ينقله حماسُه وتجربتُه واتساعُ معارِفِه ووعيه بما عليه الأمة من تنكر للدين خطوة أخـرى فإذا به ينضم إلى جماعة إسلامية حركية لها طموح إلى الجهاد في سبيل الله،وسعيٌ منظم لتكوين فصيلة من فصائل جند الله، وخُطة لتغيير المنكر والأمر بالمعروف، وموقِف فاعل تُجاه السياسة والساسة والحكام في بلاد المسلمين وفي العالم.

أكثر الناس لا يشكرون الظاهرة الإسلامية ولا يحبـون ولا يُنصِفون في الحكم. مِن أسباب حَيْفِهم الجهلُ بحقائق ما يجري، ثم هذه الحملةُ الشرِسة التي يُسعرُها الإعلام العدو على "المتشددين" مستغلا كل حادثة، مضخمـا كل تافهة، نافِخا في كل واد، تُعطيه أخطاء بعض الملتحين المتحمسين فرصة للنيل من الحركة الإسلامية.

فالحاكم المستبد، والعلماني المتحزبُ، والمراقبُ الحاقـدُ من خارج بلاد المسلمين، يصرُخون من فئة تدخل الدين في السيـاسة، وتنقُل المعركة إلى المسجد، وتكتَسح الساحة السياسية، وتربح الانتخابات، وتدخل البرلمان.

وقد كان للثورة الإيرانية الإسلامية وما لقيته من قَبول واستحسان لدى المستنكفين من الظلم من بين المسلمـين وسائر المستضعفـين الأثر البين في التعريف بالإسلام الحركي المناهض للاستكبار العالمي.

واستخلص المستكـبرون في الأرض من دروس الصحوة الإسلامية ومظاهرها الإيجابية والسلبية أن الإسلام الحركي هو العدو المهدد للاستقرار الاستكباري في العالم، القادر على تقويض العروش الصنيعة الظالم أهلُها.

وتطامَن الغيورون على الدين المعتزون بإسلامهم المخلصون لربهم،فانطلقوا من قيود الشك التي كانت تعقِلُ الإرادات وتستغرق الصالح من النيات.

أما اللايكيون، وهي الكلمة الأصلية العجمية التي ترجموها إلى "العلمانية"، فقد تلَظت فيهم نار الحمِية، وهم الفاشلون في ميدان السياسة المنهزمون، يرون الدينامية الثورية والفاعلية التي يتمتع بها الإسلاميون في استقطـاب الأنصار وتنظيم الجهود ودخول المعارك التي لبثت زمانا حُكْرا على المتفرنجين المغربين.

إن لنا مع المغربين واللايكيين حوارا طويلا في هذا الكتاب بحول الله، قَصْدُنا أن نفتح للمتمسكين منهم بإسلامهم عقيدةً بابا للتفاهم حتى يقتنعوا إن شاء لله بأن فصل الدين عن السياسة تحريف للدين يَشينهم في عقيدتهم. أما الضالون الملحدون فلعل الله الغفورَ الرحيمَ يحمل إلى قلوبهم مع كلماتنا التي لا تريد إلا الإصلاح ما استطاعت نسمةً يتلوها مطر الرحمةِ فالتوبةِ فالفَيْءُ إلى الإسلام.

هؤلاء هم اللايكيون المتنصلون من دينهم يصفون الإسلام المتحرك المجاهد الهاجم بنصر الله على معاقلهم الخربة بأنه خلط إديولوجي يتميز به الخطاب المتطرف الذي يخبِط خبطَ عشواءَ حين يحمل المُعْطَى الدينيَّ على المعطيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتاريخية ليُعطيَ لأنصاف المثقفين تفسيرا محرفا للواقع ماضيا وحاضرا، وليرسُم للمستقبل خطا معاديا لخير الإنسانية، مُجافيا لمقتضيات التقدم والحضارة والرقِيِّ.

أعتذر للغة القرآن وللمعتزين بلغة القرآن عن استعمال ألفاظ وتعابير دخيلة مترجمة هجينة. ذلك أُضطرُّ إليه أحيانا لأقتصد في الوقت مخاطبا بعض الناس بما يفهمون. وهي سنة عسى أن يمحوَ الله عز وجل عنا باتِّباعها غيوم الضلالة.

الإسلام عند أعداء الصحوة الإسلامية هو متاهة اللاَّ فكر، اللا معقول، الإديولوجية الغيبية.

والمَعين العتيد الذي منه تَشْتَقّ المعقولية ويستفيض الفكر هي فلسفة الأنوار التي طلعت شمسها في القرن الثامن عشر بأوربا، وبفرنسا خاصة، فانبسطت أشعتها على الإنسانية النموذجية التي صنعت الثورة الفرنسية وعلمت الأجيال مبادئ الحرية والمساواة والأخوة. لا معرفة إلا ما يصْدُرُ من هناك، ولا حضارة ولا ثقافة.

في طريق الحركة الإسلامية الصاعدة، الغادية الرائحة من نصر إلى نصر بإذن الله، تتمثَّل هذه الذهنية المغربة العلمـانية عقبةً في سبيـل بناء النموذج الإسلامي في الحكم على أساس الفِطرة وإسلام الوجه لله عز وجل. تتوسط هذه "الفلسفة الأنوارية"، أمِّ الإلحاد وأمِّ اللبرالية وجـدة الماركسيـة وسائر الفلسفات المادية، بين الدعوة الإسلامية وبين الفطرة المقبورة في كيان مَن نوَدُّ أن نبلغهم عن الدين، وعن الله عز وجل، وعن الآخرة.

نودُّ مع ورثة الفلسفات المادية حوارا هادئا يتناول جوهر الموضوع في قضية الإسلاميين والحكم إبقاءً على فلول المنهزمين من أنصار الإديولوجية، البائدة منها والمنبعثة. لكنهم، وهم مطية الشيطان الإلحاديِّ، يأبونه إلا صراعا، يأبونها إلا عداوة سافرة أو مقنعة للإسلام، يأبونها إلا حربا تنعَـتُ الإسـلام بأنه ظلام، وتتأسف على ما يفْجَعُ قلبَها من انتصارات "الإديولوجية الغيبية" في زمان ماتت فيه وتموت إديولوجياتهم المرجعية، فهم يكابرون ويتسوَّقـون من تلك السوق البائرة في بلدها موسكو وفي أوربا الشرقية وفي كل مكان مصداقيةً تُبارز مصداقية الإسلام. وهيهات أن تغتر الأمة بعد اليوم بِناعقهم بعد أن عرفت من هم بالحق حماةُ الدين وبُناة الشخصية الأصيلة الحرة من قيود التبعية الفكرية، لا تلك الشخصية المهجّنة التي برهنت أنها حليفة الاستعمار، جاهرة بعداوتها للإسلام أو متلبسة منافقة تزعم أنها نصيرة الوطن وباعثة العزة القومية!

موعدنا المسجدُ يا مَن تحدثه فطرته يوما بالتوبة.

ولأهل المسجد الراجعين إلى ربهم، المحافظين على صلاتهم، المتطهرين من أرجاس المنكر التي تشجعها وتنشرها الحكومات التقليدية واللايكية الجاثمة كعُقْبان البلاء في بلاد المسلمين، نتحدث عن عدل الإسلام وعن الإسلاميين والحكم، من طَوْر الفطرة ومن عُرْضِ المعاناة التاريخية التي أبْرَزَتْ في هذا الزمان نور الإسلام المجاهد، يتألق في أفق المسلمين بشرى لكل عبد منيب.

أبرزَها الله الغني الكريم، أستغفره من فلتات اللسان والقلم.

أبرز الله عز وجل منذ قرن ويزيد، منذ الهجمة العاديَة على ديار الإسلام، هجمة الاستعمار الأوربيِّ، رجالا قاوموا العدوَّ بالسلاح الحربيّ، وقاوموا فكره بالتصدي العلمي، ونفَروا واستنفروا لمواجهة الطوفان الجاهلي الجالب علينا منذُئذ بخيله ورَجله.

منهم مجاهدونَ مبكرون حملوا السلاح وأبْلَوْا البلاء الحسن في صد الطغاة، مثلِ عبد القادر الجزائري، ومحمد بن عرفان بالهنـد، ومحمـد بن عبد الكريم الخطابي بالمغرب، والسادة السنوسيين بليبيا، ومحمد المهدي بالسودان وغيرهم من جند الله.

هؤلاء كانوا طليعة صحوة المسلمين من رقدة القرون، صحَّتهم دقاتُ طبول الأساطيل الغازية، وطلَقاتُ مدافعها المدمرة.

وصحا المسلمون للخطر الداهم، خطرِ الغزو الحضاري الفكـري المهدِّدِ للكيان المعنوي للأمة،على صوت منذرين من علماء المسلمين وفضلائهم أمثال الجمال الأفغاني ومحمد عبده ثم رشيد رِضى ومحب الدين الخطيب وأمثالِهم رحمهم الله ورحم كل مجاهد في سبيل الله.لا يضير محبتنا لهؤلاء الطلائِع الأعزاء ما تخلل فكرهم من تذبذب أحيانا.نرى نحن من مواقعنا ذلك التذبذب ونحن على أرائك العافية متكئون. وهم كانوا في المعمعان الساخن حيث تصطك بهم الأحداث وتضغط على أفكارهم وإراداتهم همومٌ كالجبال.

رحم الله أولئك الرجال، فهم مهدوا لنا الطريق، وهم كانوا نِعْمَ طليعةِ القوم. نِعمَ السلف كانوا لنا إن نحن شمَّرنا عن ساعد الجد لنتعامل مع زماننا وأحداثه بنفس الشهامة والصمود كما تعاملوا مع زمانهم.

ورحم الله حاملي البِشارة الإسلامية ومؤسسي الصحوة ومشيِّدي أركانها. في مقدمتهم الأستاذ حسن البنا، ذلك الجبَلُ الشامخ، وأبو الأعلى المودوديُّ مُنظِّرُ العمل ومنور الفِكَرِ، وأبو الحسن الندويُّ ذو القلب القوي والمنهج السوي، وسيد قطب إمام الأُسْدِ الغُلْب. وسِواهم رحمهم الله.

أولئك آبائِي فجئني بمِثلهم إذا جمعتنا يا جريرُ المجامعُ.......... يتبع
ثم كتاب العدل
منقول من موقع المرشد سيدي عبد السلام ياسين على هذه الوصلة من هنا (http://www.yassine.net/Main.aspx?article=ADL00Fatiha&m=2&sm=24)

hassan_1677
29-11-2004, 22:58
أرجو من الاخوة تدارس كتاب العدل بدل من نشره فهو مثبت في موقع الاستاذ عبد السلام ياسين