مشاهدة النسخة كاملة : «بيع القرد وضحك على من شراه»



عادل محسن
24-11-2009, 00:36
«بيع القرد وضحك على من شراه»

رشيد نيني


إبحثوا معي عن المنطق في هذه النقط التي سوف أثيرها هذا اليوم.
عندما طرح صلاح الدين مزوار، وزير المالية، القانون المالي لسنة 2010 على البرلمان للمناقشة، كان الفريق الاستقلالي أول من طالب بإدخال بعض التعديلات عليه. وانتقدت بناني سميرس، عن الفريق الاستقلالي، الزيادة في أسعار المحروقات ودعت الوزير إلى التخلي عنها. وهكذا، أصبحنا نرى كيف أن عباس الفاسي، الوزير الأول، يقدم قانونا ماليا أمام البرلمان بيد ويطالب بسحبه باليد الأخرى عن طريق فريقه البرلماني.

في المنطق السياسي، يسمى ما قام به عباس الفاسي وبناني سميرس وفريقهما البرلماني الاستقلالي «بيع القرد وضحك على من شراه».

فعندما يقدم وزير أول مشروع موازنته المالية أمام البرلمان للتصويت عليه، يكون فريقه البرلماني المنتمي إلى الأغلبية أول من يدافع عنه. إلا عندنا نحن، فإن المعارضة يتخلف أغلبها عن الحضور فيما تتولى الأغلبية القيام بدور المعارضة. وحتى إذا كانت لفرق الأغلبية مؤاخذات على ميزانية وزير المالية، فإن مكان عرض هذه المؤاخذات ليس هو قبة البرلمان وإنما لجنة اسمها لجنة التنسيقيات الحكومية، والتي تقدم فيها الأغلبية اقتراحاتها لبرامج وزراء الحكومة. أما عندما تتحول الأغلبية إلى معارضة داخل البرلمان ويطالب الوزير الأول، بواسطة برلمانييه، بإسقاط قانون وزير المالية الذي شارك في إعداده، فهذا اسمه «الطنز».

ويبدو أن هذه الظاهرة السياسية الشاذة أصبحت قاعدة، خصوصا عندما رأينا في سلا كيف تقمصت الأغلبية في المجلس البلدي، قبل يومين، دور المعارضة وصوتت ضد الحساب الإداري. فالمعروف في جميع دول العالم أن الأغلبية تصوت لصالح الرئيس، إلا في المغرب فإن الأغلبية يمكن أن تنسى نفسها وتصوت ضده وتسقط حسابه.

وإذا كان وزير المالية لم يفهم كيف أن وزيره الأول «سلط» عليه فريقه البرلماني لكي يعاكسه في البرلمان ويطالبه بتعديل بنود قانونه، رغم أن هذا الأخير كلف صهره نزار بركة بالسهر مع مزوار على إعداده، فإن الراضي، وزير العدل، لم يفهم بدوره كيف أن نقابة تابعة لحزبه، هي الفيدرالية الديمقراطية للشغل، دعت إلى خوض إضراب في قطاع العدل احتجاجا على الأوضاع المزرية لشغيلة القطاع.

فالاتحاد الاشتراكي، الذي كان فيما مضى «يسلط» نقابته العمالية على القطاعات التي لا يسيرها الوزراء الاتحاديون لإحراج الحكومة، أصبح اليوم عاجزا عن التحكم في أذرعه النقابية، إلى درجة أن هذه الأذرع أصبحت تهاجم «قلعة» وزير العدل الاتحادي المنيعة وتهدد بشل حركتها.

الأمور عند الوزراء الاتحاديين أصبحت على درجة من الغموض والتناقض بحيث أصبح من الصعب معرفة الهوية السياسية لبعضهم. فاليازغي الاشتراكي، الذي يحمل حقيبة وزير دولة والذي غادر مقره القديم المقابل للمشور بالرباط وحمل معه إلى مقره الجديد جميع التحف والأغراض التاريخية القديمة التي كانت في المقر السابق للبريد، أصبح لا يجد حرجا في «التعاون» مع جريدة «لوفيغارو» اليمينية الفرنسية لإنجاز ملفاتها الإشهارية حول المغرب.

ولكي يستعيد الحزب بكارته السياسية المفقودة، لجأ إلى خدمات مدير جريدة الحزب عبد الهادي خيرات الذي يجيد لغة «كور وعطي لعور». وأصبح الحزب مشاركا في الأغلبية الحكومية ومشاركا في المعارضة في نفس الوقت.. يوافق على قرارات الحكومة ويهاجمها في جريدة الحزب في اليوم الموالي. فانتهى به المطاف إلى المشي على طريقة الغراب الذي أراد أن يقلد مشية الحمامة وفشل، وعندما أراد العودة إلى مشيته الأصلية وجد أنه نسيها، فأصبح يمشي مشية لا هي مشية غراب ولا هي مشية حمامة.

ولعل قمة الكذب والنفاق السياسي هي ما رأيناه الأسبوع الماضي عندما نفى وزير الخارجية الطيب الفاسي الفهري كونه دعا وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني إلى طنجة لحضور مؤتمر ولده إبراهيم الفاسي الفهري. وعندما سألنا الولد إبراهيم الفاسي الفهري هل هو من دعا ليفني، نفى هو الآخر. يعني أن ليفني لم يدعها أحد إلى طنجة، وإنما «ع ت جات وصافي».

والمضحك في الأمر أن جريدة الوزير الأول الاستقلالي عباس الفاسي لم تستطع أن تحدد موقفها بوضوح من هذه الزيارة التي نظمها وأشرف عليها ابن ابن أخته إبراهيم الفاسي الفهري، واكتفت بنشر بلاغ تنديدي بالزيارة تبنته الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني التي يقودها الاستقلالي بنجلون الأندلسي بمعية كاتبته وزوجته التي فرغها من التعليم من أجل سواد عيون القضية الفلسطينية.

ولعل واحدة من مفارقات هذا الزمن المغربي العجيب أن يتولى شاب في الرابعة والعشرين رئاسة مؤسسة تنظم مؤتمرا عالميا وتدعو إليه مجرمة حرب تجد صعوبة في السفر إلى الدول الأوربية مخافة أن تعتقل وتحاكم بسبب جرائم الحرب التي ساهمت فيها خلال العدوان على غزة.

ولم لا يترأس ابن وزير الخارجية مؤسسة من هذا الحجم، إذا كان ابن خاله عباس الفاسي، الذي لم يتعد الثالثة والعشرين من عمره، قد أصبح يسير قناة مغربية إخبارية موجهة إلى الخارج تريد أن تقلد قناة «أرونيوز». هل تتصورون أن يصبح شاب، لم يكمل بعد دراسته الجامعية، مدير قناة إخبارية موجهة نحو الخارج في أي بلد من بلدان العالم. إن هذا الإنجاز الإعلامي والحضاري حدث عندنا في المغرب على عهد حكومة عباس الفاسي الذي يضع كل يوم فاسيا فهريا على رأس مؤسسة من المؤسسات العمومية.

في فرنسا عندما حاول ساركوزي وضع ابنه، الذي يشبه ابن عباس الفاسي في عدم إتمامه لدراسته، على رأس إدارة حي «لاديفونس»، وهو أكبر حي مالي في أوربا، قامت القيامة في وجهه ونزلت شعبيته إلى الحضيض. فلم يجد ساركوزي بدا من سحب ترشيح ابنه وتقديم اعتذاره إلى الفرنسيين بشكل علني واعترافه بخطئه.

أما عندنا فبقدر ما نكتب يوميا عن تعيين جديد لأبناء أو أقرباء الفاسي الفهري على رأس مؤسسات عمومية بقدر ما تتكاثر هذه التعيينات. «بحال إلى شادين الزكير».
وإذا كان ابن وزير الخارجية لم يجد حرجا في دعوة مجرمة حرب إلى طنجة، في الليلة نفسها التي أصدر فيها والده بلاغا حادا يهاجم سياسة إسرائيل الرامية إلى بناء المزيد من المستوطنات، فإن عشرين رجل تعليم ينتمون إلى إحدى الجمعيات «الأمازيغية» اختاروا أن يتحدوا مشاعر المغاربة وذهبوا إلى إسرائيل للمشاركة في تل أبيب في مؤتمر حول «المحرقة»، نظمه معهد «ياد فاشيم».

أحد هؤلاء الأساتذة المتخصصين في تدريس اللغة الألمانية قال لإحدى المجلات، بعد وصوله إلى مطار محمد الخامس، إن الهدف من هذه الدورة التكوينية حول «المحرقة» التي شاركوا فيها في تل أبيب كان هو التعرف أكثر على شعب إسرائيل.

والحال أن هذا الأستاذ وزملاءه لو أنهم كانوا، فعلا، يريدون التعرف على حقيقة شعب إسرائيل لأعادوا أشرطة الأخبار المسجلة التي أرّخت لهولوكوست غزة الأخير الذي أحرقت فيه إسرائيل أجساد آلاف الفلسطينيين على الهواء مباشرة. فهذه هي حقيقة إسرائيل الوحيدة التي يجب أن يفهمها هؤلاء الأساتذة ويشرحوها لتلاميذهم لكي يتذكروها إلى الأبد. أما «المحرقة»، التي يتحمل مسؤوليتها النازيون الألمان والكنسية الكاثوليكية والحكومات والشعوب الأوربية الذين أغمضوا جميعا أعينهم عن ترحيل آلاف اليهود نحو معتقلات ألمانيا، فلا تعنينا ولا تعني تلاميذنا في شيء. إننا معنيون فقط بالمحارق الحالية التي يتعرض لها إخواننا الفلسطينيون على يد الشعب الإسرائيلي الذي ذهب الأساتذة «الأمازيغيون» للتعرف عليه أكثر.

قمة الوقاحة هي أن يطلب الإسرائيليون المشرفون على الدورة التكوينية حول «المحرقة» في تل أبيب من ضيوفهم «الأساتذة» المغاربة أن ينقلوا «دروس» المحرقة إلى التلاميذ الذين يشرفون على تدريسهم في المغرب. بمعنى أن أطفالنا يجب أن ينسوا غزة وصبرا وشاتيلا ودير ياسين وكفر قاسم وسائر محارق ومذابح الشعب الإسرائيلي، ويتذكروا «أوشفيتز» وغيرها من المعتقلات النازية التي تعرض فيها اليهود للإبادة.

إنهم يطلبون منا، ببساطة، أن ننسى تاريخنا وتاريخ أمتنا، وأن نتذكر الأكاذيب والأساطير المعاصرة التي يريدون أن يحكموا بها العالم.

المساء : العدد 987 الاثنين 23 نوفمبر 2009