مشاهدة النسخة كاملة : الرأي : أحزاب عاجزة ودبلوماسية ردود أفعال



عادل محسن
09-12-2009, 00:30
أحزاب عاجزة ودبلوماسية ردود أفعال

عمر إحرشان

ثار بداخلي إحساس بالإشفاق على ممثلي الأحزاب وهم يتناولون الكلمة تباعا في قبة البرلمان ليعلنوا استنكارهم للضغوط التي يتعرض لها المغرب، ولكنني لم أفاجأ لأن الأمر ليس إلا رجع صدى للاجتماع الذي عقدته وزارة الخارجية مع قادة هذه الأحزاب وطالبتهم فيه بالانخراط في حملة مضادة للدعاية التي يروج لها البوليساريو بهدف إثارة الرأي العام العالمي وتأليبه ضد المغرب.

والحقيقة أن باعث الشفقة ليس هو التموقع السياسي لهذه الأحزاب، فهذا من أبسط مقتضيات المواطنة. ولكنني فوجئت بالخطاب المعتمد والقاموس المنتقى والمنطق المتبع، وهذه أمور لم تتغير منذ أزيد من ثلاثة عقود، وفوجئت برضى هذه الأحزاب أن تلعب دور الكومبارس في قضية لا تتحرك فيها إلا بتوجيهات فوقية وضمن إطار مرسوم سلفا.

خطاب الأحزاب عاطفي وخال من أية اقتراحات وفاقد لمنطق الحجاج والإقناع وموجه للاستهلاك الداخلي وينتهي مفعوله بانتهاء الجلسة البرلمانية. وهذه هي مصيبة التعاطي الحزبي مع هذا الملف الذي لم يتغير. ولعل هذه الأحزاب استحلت الوضعية، فباتت لا تتحرك إلا بعد التوجيه والأمر ووضع الإطار والمسار والخطوط الحمراء، وليس وفق ما تقتضيه الحاجة ومن موقع المبادرة.

أما وزارة الخارجية فهي بدورها تكتفي بعرض المعطيات مغلفة بلغة إنشائية وعاطفية بعيدا عن خطوات عملية واضحة وناجعة، ولا تستنجد بالأحزاب إلا إذا ضاق عليها الخناق.

لقد اتضح من خلال واقعة الانفصالية أميناتو حيدر أن دبلوماسيتنا دبلوماسية ردود أفعال لا تتحرك بناء على استشراف للسيناريوهات الممكنة والاحتمالات المتوقعة، وهنا تكمن المشكلة.

فحين تقدم المغرب بمبادرة للحكم الذاتي، كصيغة توفق بين مقتضى السيادة الوطنية والحق في تقرير المصير بعد فشل تنظيم الاستفتاء، كان لا بد من توقع رد فعل قوي من البوليساريو والجزائر، خاصة وأن أفكار المبادرة كانت مستلهمة من مقترحات الأمم المتحدة ومنسجمة مع المعايير الدولية.

وكان متوقعا أن تتصاعد ردة الفعل بعد تسويقها، حيث بدا الارتباك واضحا لحظتها على البوليساريو والجزائر، ودليل ذلك إقدامهما في آخر لحظة على الترويج لمبادرة مضادة.

لقيت مبادرة المغرب ترحيبا وحسنت نسبيا صورته لدى المنتظم الدولي، ودخل مفاوضات مانهاست من موقع قوة مقارنة بما كان عليه في السابق، وتطورت الأمور لصالحه إلى الحد الذي جعل المبعوث الأممي السابق فان فالسوم يصرح بأن «استقلال الصحراء ليس حلا واقعيا»، مضيفا أنه في حال كانت البوليساريو «ترغب في حل وفاقي غير الاستقلال التام، فإنها ستحظى بدعم دولي كبير من أجل تجسيد ذلك في شكل ضمانات قوية مقبولة دوليا»، وهو ما اعتبرته البوليساريو انحيازا إلى الأطروحة المغربية.

كان حريا بالسلطة والأحزاب حينها أن تتوقع كل الاحتمالات لعرقلة هذا التقدم الحاصل، خاصة وأن هذا الملف يشكل مصدر قوة وضمانة استمرار لجنرالات الجزائر الممسكين بزمام السلطة هناك.

كان الأولى أن يقوم الماسكون بزمام الملف بعملية عصف ذهني بكل الخيارات المتاحة أمام البوليساريو ووضع بدائل لها.
لقد هددت البوليساريو بمقاطعة المفاوضات، ولكنها سرعان ما تراجعت تحت الضغط الدولي وإحساسها بأن هذه ورقة خاسرة، ثم لوحت بورقة الحرب، فصرح قادتها بأنهم مستعدون لحمل السلاح والعودة إلى خيار الكفاح المسلح، ولكنهم سرعان ما اكتشفوا أن مفعول هذه التصريحات كان ضدهم لأنهم عارضوا إرادة أممية لا تريد التفريط في مكسب وقف إطلاق النار ساري المفعول منذ 1991.

ثم جربت البوليساريو ورقة الاستفزاز لإحراج المغرب فأقامت مؤتمرها وكذا استعراضا في المنطقة العازلة «تفاريتي»، ولكن مبادرتها هذه لم تؤت ما كان منتظرا منها.

ثم أقدم المغرب على خطوة فتح الحدود مع الجزائر من جانب واحد، وهي الخطوة التي أحرجت جنرالات الجزائر أمام الرأي العام الجزائري.
كان لا بد، إذن، من أن تبحث البوليساريو عن ورقة أخرى لتصل إلى مبتغاها، وحتما لن تجد إلا الورقة الحقوقية أو الملف الاجتماعي، حيث يمكنها من خلالهما إسقاط جدوى الحكم الذاتي بدعوى انتفاء الجو الحقوقي وانعدام الأرضية الاجتماعية لإنجاحه.

ولأنه كان من الصعب تحريك المسيرات والوقفات الاحتجاجية في المنطقة الصحراوية بحكم الاحتياطات الأمنية المتخذة وبسبب صعوبة استغلال مشاكل اجتماعية لأغراض انفصالية، فإنه لم يكن بد أمام البوليساريو والجزائر من توظيف قضايا لأشخاص معدودين وتكييفها حقوقيا وتضخيمها إعلاميا واستثمارها سياسيا. وقد كان منتظرا أن تزداد حدة هذا الضغط مع اقتراب موعد المفاوضات، حيث يستعد الوسيط الأممي كريستوفر روس لإقامة جولة أخرى من المفاوضات، ولذلك فليس عبثا أن تشترط البوليساريو، من أجل استمرارها في التفاوض، الإفراجَ عن المعتقلين السبعة.

كان الأولى أن تتحرك الآلة الدبلوماسية بطريقة استباقية لإزالة الغبش السائد وسط جزء كبير من المنتظم الدولي حول حقيقة الوضع في الصحراء، ولتوضيح الفرق البين بين قضايا ذات طبيعة سيادية وأمنية وبين القضايا ذات الطبيعة السياسية، وبين قضايا قانونية محضة والقضايا التي يراد إلباسها لبوسا حقوقيا.

كان الأولى أن تحرك الخارجية جهازها البيروقراطي الجامد للانتشار في الدول والمؤسسات ذات التأثير لقيادة حملة وقائية هجومية موظفة ملف انتهاكات البوليساريو في تندوف، وفاضحة المتاجرة في المساعدات الغذائية، وداعية إلى تفعيل توصية المفوض السامي للأمم المتحدة في شؤون اللاجئين في آخر زيارة له للمنطقة حين أوصى بضرورة إحصاء سكان المخيمات، وكاشفة حقيقة العلاقات الرابطة بين المتنفذين في البوليساريو وجنرالات الحرب في الجزائر. ولكن شيئا من هذا لم يحدث.

وكان الأولى لهذه الأحزاب أن تحرك فروعها في المنطقة، مستنهضة همم الصحراويين من خلال أشكال عملية تؤسس لنسيج مجتمعي جماهيري، ومراسلة كل المؤسسات ذات التأثير وخاصة تلك التي لها موقف خاطئ حول حقيقة الملف.
وكان الأولى لمجلس الجالية المغربية أن يتواصل مع المغاربة في الخارج من أجل إشراكهم في حملة الدعاية.

هذا هو الواجب على الأحزاب وعلى وزارة الخارجية، وقبل هذا وذاك وجب إخراج الملف من دائرته الضيقة ليصبح شأنا مجتمعيا تشارك في تدبيره كل فعاليات المجتمع، كل من موقعه، طيلة كل المراحل من التفكير إلى التنفيذ.

والواجب أن يرفق ذلك بمسلسل تنموي دائم، وبمقاربة حقوقية جديدة تعيد الاعتبار إلى الصحراويين وتحفظ لهم كرامتهم.
حينها، سنخطو الخطوة الضرورية التي تحصننا ضد كل ضغط وتجنبنا الخضوع للابتزاز لأننا سنكون جبهة واحدة قوية.

2009/12/08