مشاهدة النسخة كاملة : خطيب الحرم المكي: الرسول أسس لحقوق الإنسان قبل 1400 عام



عادل محسن
18-12-2009, 23:27
خطيب الحرم المكي: الرسول أسس لحقوق الإنسان قبل 1400 عام

http://www.islamtoday.net/media_bank/image/2008/12/5/1_2008125_1298.jpg



أكّد إمام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة فضيلة الشيخ صالح آل طالب؛ أن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وقف قرب الكعبة المشرفة قبل ألف وأربعمائة عام وتزيد، ليؤسس لحقوق الإنسان وليرسي مبادئ العدالة، وميزان الحق، ويلغي كل أشكال الظلم والجور في العقيدة والسلوك والفكر والقيم والعبادة والمعاملات، حرس الدماء وحرم الربا وأثبت حقوق النساء.

وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم: اليوم الجمعة هو أول يوم في هذه السنة الهجرية الجديدة وقبل ساعات ودعنا عاما بما أودعنا وصحائفنا فيه مختومة محفوظة إلى أن تلقى الله تعالى وكل واحد منا أعلم بحاله، لقد مضى العام كما مضى العام الذي قبله، وكما مضت كل القرون وما مضى لا يمكن أن يعود إنها الأشهر القمرية عدتها اثنا عشر شهرًا منها أربعة أشهر حرم حذر الله أن نظلم فيها أنفسنا، وكل مخالفة يغشاها ابن آدم فإنه يظلم نفسه بها؛؛ يفسره ما رواه أبو بكر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنَّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض السنة اثنا عشر شهرًا منها أربعة حرم ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان، ثم قال أي شهر هذا قلنا الله ورسوله أعلم، قال فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال أليس ذا الحجة، قلنا بلى، قال فأي بلد هذا؟ قلنا الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال أليس البلدة! قلنا بلى.. قال فأي يوم هذا؟ قلنا الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال أليس يوم النحر! قلنا بلى.. قال: فإن دمائكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعماركم، فلا ترجعن بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا ليبلغ الشاهد الغائب فلعل بعض من يبلغه يكون أوعى له من بعض من سمعه، ثم قال ألا هل بلغت، لقد كان نداء النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث العظيم في حجة الوداع التي كان يودع بها العام كما يودع بها الناس، ونحن اليوم قد ودعنا عامًا وموسم حج، وقبل أيام أيضاً نتابع احتفال العالم بيوم لحقوق الإنسان، لقد وقف النبي صلى الله عليه وسلم هاهنا قرب الكعبة، قبل ألف وأربعمائة عام وتزيد ليؤسس لحقوق الإنسان، وليرسي مبادئ العدالة وميزان الحق ويلغي كل أشكال الظلم والجور في العقيدة والسلوك والفكر والقيم والعبادة والمعاملات حرس الدماء وحرم الربا وأثبت حقوق النساء.

وأضاف فضيلته: خطاب لم تسمع الدنيا بمثله ولا زال صداه يتردد عبر قرون، وتتشبث بأذياله النظم والقوانين، ولما تلحق به أو تجاريه، لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرف أنه قارب النهاية وأن الأمة التي أنشأها قد رسخت على الأرض، وفرضت نفسها على التاريخ وانتقل الآذان مع الرياح الأربع، ووزعت جماعات الصلاة على أطراف الزمان تلتقي على طاعة الله قبل طلوع الشمس وبعد غروبها، وعند الزوال وقبل الأصيل وهؤلاء الذين رباهم سيمدون النور إلى ما بقي من أرض الله، هذا الجيل الذي رباه النبي صلى الله عليه وسلم كان جزءًا من الرسالة التي أداها، ونشهد والله أنه أداها فمن أجل ذلك كان يحدث وفي الوقت نفسه كان يودع، وكان يفرغ كل ما في فؤاده من نصح وحب وإخلاص، فما أغلى هذه الوصية وما أبعد مداها في التاريخ لقوم يعقلون وقد قام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الأمانة خير قيام فرضي الله عنهم أجمعين.

وأشار فضيلته إلى أن الوصايا التي أودعها النبي صلى الله عليه وسلم ضمائر الناس لا تتضمن قضايا فلسفية ولا نظرات خيالية حيث أنها مبادئ سيقت في كلمات سهلة، واستوعبت جملة الحقائق التي يحتاج إليها العالم ليسعد ويرشد وهي على وجازتها أهدى وأجدى من مواثيق عالمية طنانة ذلكم أن قائلها صلى الله عليه وسلم كان عامر الفؤاد بحب الناس والعطف عليهم، شديد الحرص على ربطهم بالله، وإعدادهم للقائه، موقنًا أن الحياة الصحيحة يستحيل أن تتم بعيدًا عن الله ووحيه.

وشدَّد فضيلته على أن من أبشع الظلم هو الشرك بالله حيث أن الله خلقنا لعبادته وحده فكيف يعبد سواه، وأمرنا بطاعته فكيف يتمرد العبد على سيده ومولاه، وأن التقصير في جنب الله ظلم ولا يقع أثر هذا الظلم إلا على الظالم نفسه، لذلك قال الله عز وجل ((فلا تظلموا فيهن أنفسكم))، لافتًا النظر إلى أن من ظلم العبد لنفسه تقحم المعاصي والتفريط في الواجبات ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه لأنه يجرها إلى النار ويعرضها لغضب الجبار، وإذا فشت المعاصي من غير نكر ولا إصلاح عم البلاء وطم العقاب والعذاب، وذلك معلوم في سنن الله في الأمم والدول ومن الظلم المنهي عنه ظلم الناس بالتعدي عليهم في دمائهم وأعراضهم وأموالهم، ويزداد الظلم قبحًا إذا كان تجاه الأقارب والأرحام، أو كان ظلمًا للزوجات والبنات، أو ظلمًا للضعفاء من الخدم والعمال، والظلم ظلمات يوم القيامة، ودعوة المظلوم ترفع فوق الغمام وتفتح لها أبواب السماء، وليس بينها وبين الله حجاب ويقول الله عز وجل ((لأنصرنك ولو بعد حين)) والله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.

وأكّد الشيخ صالح آل طالب أن الحيف وسلب الحقوق وإهدار الكرامات مبعث للشقاء ومثار الفتن، وأن الظلم إذا فشا فسدت الذمم وخرب العمران وحصل الهلاك إما بانقراض بفساد أو تسلط أمم على أخرى، فيحصل من الخراب والدمار ما لا يعلمه إلا الله.. مبينًا أن من الظلم التقصير في شكر الله تعالى ونسيانه عند النعم، ((وما بكم من نعمة فمن الله))، وقد أمر الله سبحانه بالتحدث بنعمه وإظهار شكره وبيان فضله، وأن مما يجب التذكير به وإعلانه والتحدث به وإشهاره إذعانًا وعرفانًا وإيمانًا وشكرانًا ما أنعم الله تعالى على المسلمين كافة وعلى حجاج بيته خاصة في هذا الموسم العظيم، والذي ودعناه قبل أيام، حيث كثر التخويف من الأوبئة والأمراض والتحذير من السيول والأمطار والخشية من الأحداث، والتشويش وترقب الناس هذا الموسم بارتياب وقلق، ولكن الله لطف وعافا وستر وأحسن إلى عباده وحماهم وأحاطهم برعايته؛ وبالرغم من الملايين الذين شهدوا موسم الحج إلا أن مكة والمدينة والمشاعر المقدسة كانت أنقى الأماكن من الأوبئة والأمراض على مستوى العالم في تلك الفترة في ظاهرة كان يجب أن تبرز وتظهر وتحمد وتشكر، بل سجلت الإحصاءات الدقيقة أن هذا الموسم هو أميز السنوات انخفاضًا في معدل الإصابات الصحية وسجلت المستشفيات أدنى مستويات في المراجعات حتى في الأمراض الطبيعية المعتادة وخيب الله ظنون المتربصين، فمن الذي عافا؟ ومن الذي كفا؟ ومن الذي شافا؟ ومن الذي لطف وستر؟ إنه الله الرحيم.. وبالرغم من موسم الأمطار وما أصاب مدينة جدة من سيول جارفة وأضرار، جبر الله مصابهم، إلا أن مكة المكرمة ومشاعرها المقدسة لم يلحقها أي أذى ولم تسجل أدنى إصابة أو خسارة، بل كان نصيبها مطرًا هنيئًا وسقياها ماءً مريئًا، فكان رحمة وفرحًا وسرورًا فمن الذي أنعم؟ ومن الذي أعطى وقسم؟ من الذي لطف وستر؟ إنه الله الكريم.. بل إن هذا الموسم كان مثالاً متكاملاً للسكينة والأمن والأمان، وأطفأ الله الفتنة عن المسلمين، وكفا شر كل ذي شر، فلله الحمد أولاً وآخرًا، وله المنة والفضل.. نسأله تعالى أن ينزعنا شكر نعمه، وأن يثيب كل من عمل لخدمة بيته الحرام وحجاجه الكرام.

وفي المدينة المنورة دعا فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ علي الحذيفي عباد الله إلى أن يحاسبوا أنفسهم قبل أن يحاسبوا وأن يزنوا أعمالهم قبل أن توزن يوم العرض الأكبر.

وقال فضيلته: أيها الإنسان أيقظ قلبك من الغفلة المطبقة، وانتبه من رقاد الآمال واستفق من سكرة الشهوات وإياك والعوائق عن الأعمال الصالحات فإنك أيها الإنسان راجع إلى ربك وملاق عملك ومجزي به وخير لك أن تلقى الله فرحاً مسروراً بما قدمت لما بعد الموت وأن تلقى الله ربك طائعاً ، والويل لك أن تلقى الله عبداً آبقاً والله تعالى يقول ((وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأرْضِ وَلا فِي السَّمَاء ِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ)).

وأشار فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي إلى أنه لا حجة لأحد بعد بعثة سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم، ولا عذر يُنجي من العذاب يوم القيامة بعد نزول القرآن الكريم والسنة؛ فقد استنار السبيل وتبين الصراط المستقيم كما قال عز وجل ((وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)).

وبين فضيلته أن اختلاف الليل والنهار وتعاقب الشهور والأعوام وتتابع الأجيال وتقلب أحوال الإنسان وتاريخ البشر، في ذلك كله دلائل وبينات وعبر وعظات ومواعظ زاجرات تحث الطائعين على الازدياد من كل خير وتزجر الغافلين والعاصين عن كل شر وتقوي الهمم لبلوغ أحسن الغايات، واتقاء الردى والهلكات فاليوم عمل ولا حساب، وغدًا حساب ولا عمل، فطوبى لمن أرضى ربه وفاز بجنات النعيم وتبًا لمن اتبع ما أسخط الله فذاق العذاب الأليم.

وأضاف يقول: أيها الناس إنكم في فسحة من الأجل وفي تمكن من العمل وفي غرور من الأمل فاعملوا لآخرتكم ولا تصدنكم عاجلتكم وتقربوا إلى الله بما تقدرون من الصالحات وتطهروا بالتوبة من السيئات فإن الآجال إلى نفاذ والفرص ليست بأيدي العباد ، قال الله تعالى ((وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)) وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اغتنم خمساً قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك). وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بادروا بالأعمال ستاً طلوع الشمس من مغربها أو الدخان أو الدجال أو الدابة أو خاصة أحدكم أو أمر العامة)، ومعنى خاصة أحدكم الموت أو الشواغر الخاصة بالإنسان التي تشوش عليه فكره وتشتت عليه قلبه، ومعنى أمر العامة الحوادث والنوازل التي تهم الناس ويكثر الخوض فيها وتنشغل بها الأفكار والقلوب.

وأفاد الشيخ علي الحذيفي أن في انصرام عام وإقبال عام عبرة وذكرى والله تعالى يقول ((وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا)). فكل من الليل والنهار يخلف الآخر ويحل مكانه وفيهما منافع ومصالح للخلق منها ما يعلمون ومنها لا يعلمون. والليل والنهار وقت لمن أراد أن يذكر الله بعبادته وطاعته أو أراد أن يذكر الله بلسانه وقلبه ويثني على ربه بنعمه ويتعظ ويعتبر أو أراد أن يشكر الله بطاعة أو بثناء والله شكور حليم.

ودعا إلى التفكر في هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لقي فيها من الشدائد والأهوال وما بعد هجرته صلى الله عليه وسلم من الأمور العظام وقسوة الحياة ولوائها وعداوة المشركين والمنافقين وما تحمله هو وأصحابه من المكاره حتى إن أحدهم لينحر ناقته ويضع فرث كرشها على كبده من الظمأ كما في غزوة تبوك وحتى أن الرجال ليعصب الحجر على بطنه من الجوع، تحملوا ذلك لإقامة الدين فأقاموه أتم القيام وأحسنوا إلى الخلق بهدايتهم إلى الدين ففازوا بحسن العاقبة في الدنيا والآخرة.

وفي ختام خطبته طلب فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي من المسلمين أن يحمدوا الله على ما يسر لهم من أسباب طاعته وعبادته وما مهد لهم من العقبات وما بسط عليهم من النعم، وقال: استقيموا على مرضاته وجاهدوا أنفسكم على لزوم م الطاعات والبعد عن المحرمات. قال الله تعالى ((إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِم تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)).



الإسلام اليوم :
الجمعة 01 محرم 1431 الموافق 18 ديسمبر 2009