مشاهدة النسخة كاملة : مسرحية القمر الاسود



محمد حسين سعيد بور
10-02-2010, 12:37
القمر الأسود
حامد الزبيدي


شخصيات المسرحية

الرجل1... الرجل2...الخادم...المرأة...الرجل3...الرجل4


المنظر:
غرفة الضيوف بمنزل الرجل 1 والتي تبين الرفاه والرفعة والفخامة والعظمة.
منضدة واطئة تتوسط الغرفة حولها أريكة وكرسيان وسلم مؤدي إلى الدور العلوي متدلية فوق سلة قمامة وعلى سياج السلم الملتوي نحو الأسفل ثعلب محنط، في أعلى وسط المسرح يوجد باب كبير واسع ... فوق المنضدة تلفون- يدخل الرجل1 إلى الغرفة من الباب الكبير .متوتر غاضب.


الرجل1: أين الحراس والخدم..لا احد في المنزل ..أكيد أنهم رحلوا عني ... يا للبؤس
ويا للتعاسة ...ماذا جرى...أعوم في مستنقع الأزمات ... أحقيقة؟
أغنى رجل في المدينة .. تدور عليه الدوائر ومن جديد يرجع إلى نقطة الانطلاق يعيش الفقر ... ينتظره التشرد(يدور حول نفسه كأنه حبيس في زنزانة)من يصدق أني لا املك شيء سوى لفافة تبغ واحدة ... ولتبقى معي رمز الثراء الذي عشته... كقطعة الخبز هذه... رفيقة الدرب أيام الضياع والتشرد ... ثلاثون عاما وأنا احتفظ بها ... كلما انظر لها ازداد قوة... ازداد يقظة... أخشى الغفلة .. أخشى السقوط الرجوع إلى قارعة الطريق وها انذا ارجع إلى حيث ما كنت ... أيام قلائل كورتني في متاهات ... خسرت فيها كل ما املك حتى الأصدقاء ... نبذوني – لا احد منهم يعرفني ... إني لم امتهن المخدرات ... أو السياسة ولا التهريب ولا املك مغامرات عاطفية ... إني بلا قلب... السوق علمني أن ليس للثراء قلب...
ومن كان له قلب لا يملك الثراء ... هكذا كنت في خمسين بل أربعين سنة ... العشرة الأولى فيها كانت خريف صباي الحنظل الذي زرع في أعماقي الخصبة لا يزال يانعاً في روحي رغم حلاوة الشهد الذي عشت فيه... با للأسرة التي ليس لها كيان ...ليس لها مبدأ ثابت ولا معتقد أو يقين.. أبتاه ... أبتاه ... يا أبتاه ... يا سر لوعتي وشقائي ... لم تصلي اليوم وفي اليوم الأخر تحتسي الخمر؟ ... تتأرجح ما بين الشك واليقين وأنت أيتها الشرقية أيتها الثرثارة السرمدية... لا اعلم من أي بلد أتى بك ...كنت تحبين الدجاج أكثر مني شديدة وقوية أيتها الديك على ... لا تضربيه لا تضربيه...انه أبي انه أبي . لا تسرق دجاجاتهم .. ألا يكفي احتساوك الخمر ... ألا يكفي أيها الأستاذ الفاضل رمي الدجاج في المنازل المجاورة وإرسالي لجلبها والتقاط ما يصادفني في الطريق .. أيها السارق الذكي لقد رسب تلميذك الغبي (رنين جرس التلفون) الو.. نعم .. هم .. اعرف اخرج من المنزل .. أين اذهب .. أمهلني كي أفكر في مكان ما .. أ.. لقد قطع الكلام (يرمي الجهاز اليدوي يبقى متأرجحا) أي حظ يداهمني ... أريد أن اخرج من بركتي الآسنة ... أريد الخلاص (صوت جرس الباب).
(يصمت ... يتكرر صوت جرس الباب يهمس) لا احد في المنزل.. هيا أذهب ..(صوت أقدام على السلم) من كبير الخدم .. أين كنت ..أين الآخرون (الخادم يقترب منه ثم يتجه نحو الباب) يبدو انه اخرس .. أنت يا هذا لا تفتح الباب .. لا أريد أن أرى أحدا.

الخادم: (يلتفت نحوه) ليس لك الحق بإصدار الأوامر يا هذا.
الرجل1: ( ينهار ثم يجلس على السلم) ماذا جرى ... انه يستصغرني (يفتح الباب يدخل الرجل2
الرجل2: وأخيرا وقعت أيها الحجر الأصم .( ينظر له من خلال سياج السلم وكأنه في زنزانة)أن الأوان لتسديد الحساب.
الرجل1:لا أتذكر انك يوماً أقرضتني شيئاً ... فلا حساب بيننا.
الرجل2: (يقترب منه) أني لا أتحدث عن الأموال .. إنما أتحدث عن شيء اكبر .. سلبت مني كبريائي وغروري وكرامتي.
الرجل1: (ينهض ثم يصعد السلم) ما كنت مغتصبا.. أنت لا تملك شيئاً من هذا.
الرجل2: (يصعد أليه) قل طيبة قلبي وحسن نيتي .. ظننتك إنسانا طاهراً ... إلا انك وضيع و فاجر لا تؤمن.
الرجل1: (ينزلان) أنا وأنت من معدن واحد ... وان اختلفت صفاتنا .. فلنا خواص متشابهة أيها اللص الحقير ...
الرجل2: ما سرقتك قط.. كنت أخذ ... المال ثم أرجعه.
الرجل1: يا لخيانة الأمانة .. تعمل لحسابك بأموالي.
الرجل2: إنني تلميذك .. أيها الخائن.
الرجل1: إنني لم اطلب منك أن ترسلها لي... حينما أودعت بالحبس.
الرجل2: لا احد عندي سواها.
الرجل1: لمن أرسلتها ... إلى راهب أم إلى رجل صوفي ... إنها قطعة من الثلج ودافئة.. أليس كذلك.
الرجل2: (يقترب منه) سأثار لها .. سأثار لها .. وسترى.
الرجل1: قف مكانك وألا (صوت جرس الباب يقطع حديثه إلى الخادم) لا تفتح الباب ... الإهانات أغرقتني في الأعماق (يثور عليه الخادم ثم يصعد على المنضدة).
الخادم: ثلاثون عاما ... كلما مررت بك تبصق في وجهي ... وتضيف ذلا جديداً الى ذلي ... أريد أن أرى ما قدمت لي عبر السنين.

الرجل1: ما طلبت منك الركوع أو المثول إمام حذائي ... ظننت فطرتك تفرض عليك الركوع.
الخادم: خذها بمليون (يبصق في وجهه من بعيد ثم ينزل من على المنضدة ويفتح الباب تدخل المرأة)
المرأة: شاءت الأقدار أن نلتقي من جديد ... ويا للقاء الجديد ... كان حلم حياتي أن أراك منكسراً ذليلاً ... ما تمنيت شيئاً بقدر اللحظة التي أنت فيها... خسرت كل شيء أليس كذلك؟
الرجل1: حتى أنت ؟ توقدين شموع الفرح في موتي.
المرأة: القدر ألباس أسرني في حبك ... القدر البائس وضعني بين مخالب وحش كاسر.
الرجل 1: أيتها الأنثى الساذجة ... لا تتحدثي عن شيء لا اعرفه.
المرأة : ثلاثون عاما خلت وأنت أنت ... ذلك الحيوان البليد الذي لا يعرف المشاعر ... لا يحترم الأكتاف التي صعد عليها.
الرجل1: الذنب ليس ذنبي ... سجيتي هكذا ... أحب المال ولا أحب سواه.
المرأة: أيها اللص اللئيم (يقاطعها).
الرجل1: بحق السماء ماذا تريدين؟
المراة: أريد أن أراك تتعذب ... تتألم ... تبكي.
الرجل1: ما أنا إلا الألم الذي يرتدي ثوب الأحزان ...أنا الأنين ... والأنين أنا.
المراة: لو تشعر بالآلام لما نشرت سياطك في كل موطئ قدم.
<الرجل1: أرجوك ... كفى ... اتركيني!.
المراة: أولم يؤلمك مقتل أبي ... زوجي... ابني البكر.
الرجل1: المحكمة حكمت ببراءتي آنذاك ... ما قتلت احد منهم.
المراة: والأموال التي سرقتها من المنزل.
الرجل1: ليس حقيقة .... أن نشأتي الاجتماعية .... نشأة رفيعة المستوى ... أنا إنسان ذو خلق ما سرقت أو قتلت.
المراة: من أين لك الثراء الذي كنت فيه.
الرجل1: الثراء ... استضافني ثم رحل ... أما ألان ... فما أحوجني إلى الرثاء.
الرجل2: (يكمل) أللعنة عليك.
الخادم : وعلى اليوم الذي ولدت فيه.
المرأة: والصدفة التي عرفتني بك (نباح الكلب من الخارج).
الرجل1: على من ينبح (إلى الخادم)؟
الخادم: انه يرثيك ... يقول ... وعلى السنين التي قضيتها معك.
الرجل1: هكذا يقول حتى الكلب ... يا للرثاء الجميل ... كم كنت مخطئاً في تقديري للأمور (الرجل3 يدخل دون أذن).
الرجل 3: ألا زلت هنا ... الم أخبرك بمغادرة المنزل ... ليس لك حق المكوث فيه ... هيا هيا .. اخرج من المنزل.
الرجل 1: إلى أين اذهب ... إلى أين.
الرجل 3: عليك بإخلاء المنزل حالا.
الرجل 1: أف (يقاطعه).
الرجل3: اخرس ... أنا مالك المنزل ... ولي حق التصرف فيه ... أيها الخادم
الخادم: سيدي ومولاي.
الرجل3: نظف المنزل من النفايا ... أما انتم أيها السادة ... تفضلوا بالجلوس ( يجلسون أما الخادم يقترب من رجل 1) انهض أيها الرعديد.
الخادم: الم تسمع ما قاله السيد ... انهض أيها الرعديد.
الرجل1:(يسحب مسدساً يصوبه نحو الخادم)ابتعد عني وألا قتلتك(يرتمون بأحضان الرجل3).
الرجل3: هيا أطلق الرصاص ... ماذا تنتظر ... أضف إلى جرائمك البشعة جريمة أخرى الجرائم التي اقترفتها لا يعلم بها سوانا أما هذه الجريمة... واضحة لأنها غير مدروسة ... نفذها أن شئت ... الحبل بانتظارك.
الرجل1: (يطلق الرصاص في بطنه ثم يجثوا على ركبتيه ..صراخ خوف ذهول).
الرجل3: لا تخافوا ولا تحزنوا ... أنها نهاية طبيعة لهؤلاء المجرمين القتلة(يدخل الرجل4 يحمل حقيبة).
الرجل4: يا للبشرى .. يا للبشرى .. لقد كسبت القضية .. وأرجعت لك جميع أموالك.
الرجل1: لقد فات الأوان ... أني احتضر.
الخادم: أفديك بأمي وأبي (وهو راكع).
الرجل2: ( إلى الرجل3) ثكلتك أمك من أين أتيت...
المراة: الوداع.. الوداع أيها القتيل الرابع.
الرجل1: اعذريني ... سامحيني . أنني لم اعرف كيف احبك.
الرجل 4: أرجوكم أيها السادة ... ليس ألان وقت عواطف ... انه يحتضر ... وعلينا جميعا أن نستمع ... يا سيدي لمن توصي بثروتك الهائلة (يدور حولهم حاني الظهر ثم يبتعد عنهم إلى الرجل 4).
الرجل1: اكتب اكتب ... وصيتي ... توزع جميع أموالي (يلتفت نحوهم) وانتم تشهدون بذلك أريدها أن توزع.
(يقتربون منه إلا المراة تبقى في مكانها بعيداً عنهم ) على جميع الكلاب السائبة في الطرقات ... علني احميها من التشرد والضياع الذي عشته قبل أربعين عاماً ... الذي عشته ألان ... ألان ... أه ما أقسى أن يتشرد الإنسان ... يتشرد الإنسان (يسند ظهره إلى المنضدة ثم يموت .. يسقط الثعلب من فوق سياج السلم).
الرجل2: مات ..مات .. أيها الخنزير المتشرد .. أللعنة على روحك (يخرج).
المراة: ( تقترب منه بذهول) كم تمنيت أن أراك هكذا ... ولكنني (تبكي ثم تخرج).
الرجل3: أيها الخادم اخرج هذا الكلب من منزلي.

الرجل4: أنني احتج!


- الستار -