مشاهدة النسخة كاملة : مسرحيةغدا يحترق الموتى تاليف حامد الزبيدي



محمد حسين سعيد بور
12-02-2010, 19:41
مسرح

غداً يحترق الموتى

تأليف:حامد الزبيدي



مسرحية ذات فصل واحد.
شخوص المسرحية:
الرجل العجوز-الرجل المتعجرف-الثري-التابع-الزوج-الزوجة-الشاب-المعوق-الرجل.

المنـظر:
اسفل يسار المسرح-قضبان من الحديد متقاطعة تشبه أبواب السجون فوقها قطعة مستطيلة من الخشب مؤطرة كتب عليها (العيادة الخافرة) فضاء المسرح صالة كبيرة يتخللها ممر في أعلى اليسار وبجانبه غرفة مغلق بابها والى جانبه كرسي وأريكة طويلة ممتدة بمحاذاة الجدار . تنتهي ببداية ممر اخر في أعلى اليمين والى جانبه غرفة أخرى وأريكة طويلة . ضوء خافت في الصالة . بقعة ضوء خلف القضبان متسلطة على وجه العجوز الواقف أمام القضبان كالسجين . يحدق الى أبواب الغرف الداخلية .

العجـوز:
أنت يا من هناك .. يا من تحتضن الدفء وتتوسد النعيم ..وأنا هنا أقاسي من آلام شتى أفتح الباب ..أفتح الباب…لا أحد يسمع النداء..لا أحد يصغي لي..حتى تتكسر الأقفال الحديدية ويخرج الانسان من قبضة الأنسان وتفتح الأبواب…السخونة تعتري بدني الخاوي تفقدني السيطرة على كياني…لاأستطيع الوقوف …لاأملك القدرة على التحمل لقد تعبت تعبت (يدس رأسه بين القضبان) ماذا أرى؟ أهي كهوف مظلمة أم أبواب موصدة؟ ربما هلوسة البصر. أشباح سوداء تتحرك في عيون الظلام …(يظهر المتعجرف يتحرك ببطء في الصالة) .
أنت يا من هناك ألا تسمع نداءاتي؟..

المتعجرف:
(يدنو منه بخطوات مهيبة لها وقع مخيف . إنه يمشي كالربوت يقترب منه باستعلاء يزجر به) ماذا تريد أيها الأخرق البائس؟

العجـوز:
(يتلعثم وبصوت مبحوح) أنـ…أنـ..أنني مريض …اشكو من أمراض مزمنة..أين الطبيب؟

المتعجرف:
(بكبرياء) حالما يبدأ الدوام يأتي الطبيب.

العجـوز:
(بتودد وترجي) انني رجل مسن أرتجف من البرد ألا تفتح الباب؟

المتعجرف:
ممنوع (صدى صوت في أرجاء الصالة) وع.وع.وع…(يستدير ظهره . يذهب عنه ثم يختفي)

العجـوز:
متى ينتهي الممنوع وأتحرر منه…أصبحت في وشل العمر والممنوع يمتطيني يقيدني يرعبني..بما أنني لم أمارس من الممنوعات قط في حياتي…لكنه سورني.هدني.وضعني في قفص غير قفصي .تلك هي الحياة مهزلة في مهزلة ..احترقت الأيام تحت قدمي الحافيتين وأنا أخوض في رمادها.. ما بين البرد القارس الذي يلسع عظامي واللظى الذي يذيب بدني الخاوي..ما كنت أظن أن أفراخي تكبر وتهاجر الأوكار …ولاشيء يرافقني سوى وحدتي والطرقات الموحشة في الظلام…وساعات الغربة والضياع تدور في نفسي …ماذا يكون لو أمتلك الشجاعة وأركل الحياة وينتهي الشقاء ( ينهار شيئاً فشيئاً يستقر على ركبتيه ورأسه مولج بين القضبان..يفتح الباب ببطء يجره معه يسحب نفسه بصعوبة بالغة يتخلص من القضبان) آه آه …رقبتي …إنه مجرد اقتراح اقتراح لا أكثر …(يدخل الصالة) ربما كائن سمع ما تمنيت وحكم عليَّ بالإعدام.. ولم يحكم عليَّ …أنني رجل مسالم ولم أتحدث بالسياسة أمام أي كائن من كان بل وحتى مع نفسي …ولم ألصق أي منشور على الجدران (يتحرك بخوف ثم يجلس في جهة اليمين) إن المشانق التي رأيتها في المنام هي التي بترت لساني منذ زمن بعيد .(يدخل الزوج وزوجته) .

الـزوج:
هل الطبيب موجود؟..(تجلس زوجته على الأريكة أما هو يبقى واقفاً يمد يده الى وجهه المشوه بزوائد سرطانية متهدلة أسفل أذنيه) اين الطبيب؟

العجـوز:
إنه لآتٍ عما قريب .

الـزوج:
هذا ما نرجوه…عسى أن يأتي ينقذنا مما أصابنا من داء خبيث مفاجئ (يدخل الثري وورائه تابعه)

الثـري:
إنني ضد فكرة المجيء …ضد فكرة المجيء الى هنا…كان الأولى بيَّ أن أبقى هناك وأصرف شيء من البضاعة (يلتفت الى الزوج) أين الطبيب؟ (يقف وسط الصالة وتابعه وراءه)

الـزوج:
عما قريب سيأتي.

الثـري:
(الى تابعه) يا للخسارة الجسيمة التي وقعت في بُركتها…وعكة بسيطة تلزمني اغلاق أبواب الرزق والطبيب غير موجود.أن انتظاري للطبيب ما هو إلا مضيعة للربح الوفير المحقق.

التابــع:
لا تنفعل أزمتك القلبية لم تنتهي بعد…صحتك سيدي فوق الربح والخسارة.. (يأخذه ثم يجلسه على الكرسي ويقف الى جانبه)

الثـري:
صحة بلا مال …كرجل بلا كرامة يا عديم الكبرياء والكرامة..(يدخل شاب يبكي كالمجنون) أنه يبكي يا للعار (يجلس بجوار الزوجة) انه في ريعان الشباب وهو يبكي..(لا يجيب تابعه..يدخل رجل) .

الرجـل:
انني أختنق أختنق لا أستطيع استنشاق الهواء…الهواء ملوث الهواء وباء… الوباء في كل مكان (يتقدم من الزوج)

الـزوج:
تعال…تعال يا رجل

الرجـل:
(يدفعه) ابتعد عني…أريد هواء…انني أختنق آه أختنق. التهاب حاد في القصبات الهوائية ..سرطان في الرئة..السرطان في كل زمان (يجثم على ركبته وسط الصالة.الزوج يمسكه من الخلف)

الـزوج:
نادوا على الطبيب انه يحتضر.

الـرجل:
أنقذوني…أنقذوني بحق الرحمة…انني أختنق…بحق الرأفة انني اختنق أريد شيء من الهواء .

الـزوج:
(يترك الرجل ويهرع نحو الباب يضربه بعنف الرجل يدق رأسه في الأرض التابع يقترب منه) أين الطبيب أين الطبيب .

الثـري:
(ينهض ويسحب التابع من الخلف) تعال يا قذر ستتعب من دون مقابل

التـابع:
(يجلسه) أجلس أرجوك أتوسل اليك أن لا تمنعني عن ذلك…لم أستطع أن أراه ممداً هكذا (يذهب نحوه) أنا إنسان إنسان ..(يحمله) .

الثـري:
ابن الكلب أنت حيوان..لا تحصد منه سوى الهواء (الزوج يتكيء على الباب)

التـابع:
(الرجل في أحضانه ساكناً) وليكن ..طالما انني أفكر في انقاذ لا يهمني شيء سواه (يخرج من الممر)

المتعجرف:
(يدخل المتعجرف من الممر الآخر) من الذي تجرأ ودق على الباب بقسوة.. (يدخل المعوق بعربته ينظر الى المتعجرف بريبة)

الــزوج:
(بشيء من التعب) أنا …لماذا؟

المتعجرف:
صه ..صه ..(يقترب منه وباشمئزاز وتوبيخ) اياك..أياك أن تدق على الباب هكذا (يبصق على الأرض بقوة) (يلوذ بعربته بقرب الممر الذي دخل منه المتعجرف)

المـعوق:
(ببرود) أين الطبيب ؟

المتعجرف:
(وكأنه يوجه خطاب) للتو جاء .انه قادم(يتركه ويخرج من الممر الذي دخل منه)

الشـاب:
(تبصر في وجهها بجنون) حينما رأيتك انتقلت الجراثيم من بيت الداء الى القلب..انني محتاج لطبيبة قلب

الـزوجة:
سافرت تلك الطبيبة وانتهى زمن الحب

الشـاب:
ان عيونك مثيرة تشع شعاعاً غريباً في جسدي

الـزوجة:
انتبه لنفسك …ذلك زوجي .

الـشاب:
لا يمكنه أن يحتكر الجمال لوحده .
الـزوجة ولى جمالي انه لا يعود…تشوه رحمي..حكم عليَّ بالعقم .. أيها الشاب أتعي ما أقول .. انني بقايا امرأة نفت وجودها الضغائن .

الشـاب:
قتلوا الحب هناك ..نحروا الحياة هنا…اليس كذلك ياديانا..انت شهيدة الحب الانجليزي انت أصدق أميرة قتلتها الهمجية..إرحلي بسلام ونامي نومتك الأبدية هناك…هناك

المـرأة:
قلبي…آه قلبي…آه قلبي .

الـزوج:
(يمسكها من كتفيها) فداك قلبي يا حبيبتي…لا تتألمي أتوسل إليك أن لا تتألمي. (يدخل التابع يرى الزوج يحضن زوجته الساكنة)

التابـع:
انهض بها واتبعني

المعوق:
(ينزل من العربة)خذ العربة خذ العربة…(التابع يأخذ العربة يقترب من الزوج)

التابـع:
ضعها في العربة قبل أن تموت ..(يضعها في العربة ينطلق)

الـزوج:
الى أين تذهب بها..؟

التابـع:
لا عليك…اتبعني…هيا بسرعة (يخرجان)

العجوز:
من المخجل أن لا يحس بيَّ أحد ولا يحترم كبر سني..(يبكي الشاب)

الثـري:
صوتك مزعج أيها العجوز القبيح

العجوز:
إنه أفضل من جمجمتك الفارغة وجيبك الممتلئ

الثـري:
كفى هذراً أيها النتن لا تذكرني بما أنا فيه..(الى الشاب) وأنت كف عن البكاء (يواصل البكاء) لم تبكي..(ينهض الثري ويصرخ به) كف عن البكاء..أريد ان أفهم لم تبكي لم تبكي .

الشـاب:
أو لا تعلم أنني في فصل البكاء..لأن البرج البائس اقترب من كوكب الدموع .. كما تقترب الأرض من فضاء الشتاء أو الخريف .

الثـري:
لا أفهم.. لا أفهم (يذهب ويجلس في مكانه)عن أي شيء أنت تتحدث

الشـاب:
أتحدث عن سوء طالعي …لأنني لأ أجيد فن البكاء (يبكي يدخل المتعجرف ينظر الى الشاب)

المتعجرف:
ألا تعلم أن البكاء هنا ممنوع

الشـاب:
أعلم ولكن بأي شيء أخدر مواجعي وآلامي ..دعني أبكي كي أنسى الأوجاع التي لا ترحم

المتعجرف:
ممنوع…ممنوع (يلتفت نحو الجميع) أوع..أوع

الثـري:
(بتعالي) عليك أن تخبر الطبيب بوجودنا خيراً من أن تفرض علينا سطوتك.

المتعجرف:
(يجحظ بعينيه) أو تعلم مع من تتكلم؟ (يرفع رأسه نحو الأعلى)

الثـري:
(باستهزاء) مع من يا ترى؟

المتعجرف:
مع صاحب الفضل بكنس جميع الفضلات الموجودة هنا

الثـري:
(ما زال يحتفظ بسخريته وكبريائه) أم

المتعجرف:
من أنت؟

الثـري:
أنا ثري من أثرياء المدينة.

المتعجرف:
(بليونة) عفواً أيها السيد الثري (يخرج ويدخل التابع والعربة)

التابـع:
(يدور بها في الصالة) العربة فارغة ..العربة فارغة (يقترب من العجوز)

العجوز:
خذني معك الى الطبيب.(ينهض يتوسل) خذني اليه.

التابـع:
(يتوقف) أجلس لن يأتي دورك بعد

العجوز:
دور من أذن؟

المعوق:
انه دور ذلك الشاب النائم (الشاب نائم بسلام فوق الأريكة يحمله ثم يضعه في العربة)

العجوز:
مرة واحدة مرة واحدة احترم هذا الذقن الأبيض (يتركه ماشياً) بئس الأخلاق الرخيصة (يجلس العجوز في مكانه)

التابـع:
(يقف ثم يلتفت اليه) اظناني التعب ولم أطلب منك مساعدة لأن أخلاقي لا تسمح بذلك ..(يتركه ثم يخرج)

الثـري:
يعمل مع الأخرين كالثور المعمم لكن معي كأنه حماراً يهودي..يحمل أثقاله ويمشي بمحاذاة الجدران حينما يلامسها يسقط أثقاله ويهرب

العجوز:
الطبيب تأخر كثيراً

الـثري:
قد لم يأتِ اطلاقاً …آه من الألم …الأوجاع المبرحة تفقدني شهوة المال..المال..المال انه أفضل من فاتنةٍ في الفراش …ما ألذه ما أطيبه..إنني اتوق لعناقه لمضاجعته..آه لكن المرض الخبيث أبعدني عنه..هنا..هنا سأفكر به..أحلم بقدومه..أنتفض عليه كالصقر وأغرف من هنا ومن هناك (يتمدد على الأريكة) وأملأ به تلك الصالة والغرفة وعيوني التي لا تمتليء (يدخل التابع ويبدو عليه التعب والإعياء)

المـعوق:
لِمَ تأخرت

التابــع:
ارهقني العمل…انني تعب تعب

المـعوق:
لا تثبط عزائمك يا رجل عليك بمواصلة الرحلة للأخر.. انتبه الى العربة إنني من دونها قعيد

التابـع:
أطمئن..حالما أفرغ من نقلهم سأضعك فيها..

العجوز:
الرحمة الرحمة انقلني بها..أود أن أجلس كالآخرين وتنقلني (يقاطعه)

التابـع:
لا تكن ملحاحاً

العجوز:
أليس لك قلب ألا تتألم لرجل مثلي يتعذب يقاسي صنوف الأوجاع

التابـع:
أجلس…اجلس حتى يأتي دورك (ينتبه الى الثري يذهب نحوه) سيدي..أهو نائم أم..؟ سيدي (الى المعوق) ألم يقل شيء؟

المعوق:
كان يتحدث عن المال

التابـع:
هل أوصى بشيء؟

المـعوق:
لم أسمع شيئاً من هذا القبيل.

التابـع:
(يحمله ثم يجلسه في العربة) اللعنة…اللعنة…(يخرج به)

العجوز:
لعمري ما صادفت رجلاً مفترياً..كهذا الرجل…نقل الجميع قبلي (يدخل المتعجرف)هذا ظلم ظلم

المتعجرف:
أيها الأخرق لا تتحدث عن الظلم

العجوز:
لا أحد يحترم كبر سني

المتعجرف:
لا تتحدث عن الظلم..(يزجر) لا تتحدث.

العجوز:
(بإصرار) بل أتحدث (ينظر له المتعجرف بقسوة) ألم تقل انه قادم..اين هو الأن

المتعجرف:
لسانك طويل يحتاج إلى عملية بتر

العجوز:
بتر لا لا سأقصره قدر المستطاع (يلوذ بالجدار من الخوف وهو يضع يده فوق فمه)

المتعجرف:
(يستدير نحو المعوق) أنت مالك العربة

المـعوق:
(بتوجس وارتباك) أجل أنها عائدة لي ..ملكي..ملكي.

المتعجرف:
اذهب لها إنها تنتظرك.

المـعوق:
أين أجدها؟

المتعجرف:
بجانب باب المشرحة..

المـعوق:
باب المشرحة (يفزع) انه.. انه كان ينقل (يصمت)

المتعجرف:
…..النفايا

المـعوق:
قل له أن يجلبها…أرجوك أتوسل إليك ليس لدي القدرة للذهاب أليها

المتعجرف:
هو الآخر تحول إلى نفايا ..هيا اذهب وإلا لن تجدها.

المـعوق:
تسرق عربتي (يتحرك بصعوبة بالغة) إنني أموت من دونها (يخرج)

العجــوز:
(يعود إلى الممر الذي خرج منه يختفي)

يبدو أنني في غفلة لا أعي عما يدور من حولي …أو ربما أصم لم أسمع شيء.. عن أي شيء كان يتحدث هذا المتعجرف اللئيم..ثم الى اين رحل هؤلاء..من المؤكد أن الطبيب في غرفة ما من العيادة عاينهم ووصف لهم الدواء ..سكتت آلامهم ونامت أوجاعهم وأنا هنا أصارع سياط الألم ما أتمناه (ينهض) ولو لمرة واحدة في عمري أن أدوس على بيوض الخوف أسحقها ..أكون (بهيجان) فيها رجلاً شجاعاً وأتكلم وأقول (ببرود) أفنيت عمري كالحمار الذي يدوس بيدر الشعير ساعة الهجير وعند المساء يذهب الى مكانه يدور يدور ..(بأعلى صوته) أنت يا من هناك …ليس من الانصاف أن أبقى الأخير (يدخل المتعجرف، العجوز يغير طريقة كلامه) لم لا تأخذني الى الطبيب؟

المتعجرف:
مات الطبيب..(يتركه ويخرج)

العجوز:
وأنا من الذي يعاينني (يدور في الصالة) من الذي يصف الدواء لي من ينقذني من تلك الأمراض الخبيثة (تذوي عزائمه وتضمحل إرادته ينهار كجبل من الثلج يتمدد على الأرض)

- أظلام -

tjrforum
27-05-2012, 01:54
شكراااااااااااااا على المجهود

حقل
06-05-2014, 16:54
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .