مشاهدة النسخة كاملة : مسرحية الان تاليف حامد الزبيدي



محمد حسين سعيد بور
15-02-2010, 15:48
مسرحية الآن ل : حامد الزبيدي
.................................................. .................................................


مسرحية الآن

مسرحية مونودراما ذات فصل واحد . تأليف : حامد الزبيدي
الشخوص : الكائن .
المنظر : برميل قمامة كبير في عمق وسط .
الكائن: ينظر من فتحة دائرية داخل البرميل ، موسيقى رعب ، تارة تشبه الصراخ واخرى تشبه ضربات القلب تذوب في صوت وقع أقدام ، تبحث عن شيء ما .
الصوت : أنا رأيته هنا .. أين اختفى ؟ ( يختفي الصوت) .
الكائن : أظن ، بأنه ولى وانقشع ، وذهب عني ، يبحث في أمكنة أخرى .. أو قد لم يذهب (يمد رأسه من خلال الفتحة ، ينظر بريبة في المكان) لا وجود له(يعود برأسه ، ثم ينهض واقفاً وسط البرميل ، يهم بالخروج ثم يعدل عن ذلك ) لا يمكن أن أسلك طريق الحماقة ، بت لا أثق بعيني انهما لم تخبران بصدق ، تجده رابضا عن قرب مني ، وعيناه الوحشيتان تتطلعان نحوي .. كيف افلت وأنجو منه ، وكل الطرقات والمنافذ موصدة بوجهي ؟ هل من نجاة يا طير الفينق ؟ والعاصفة تطوي جناحيك في دولابها وهي تزأر فيك (يقلدها)، الآن ، الآن بدأ الذبح الآن وأنت متكور في دورانها لا تجيب (يفرك عينيه ) ماذا أرى ..؟ صندوق صقيل مطعم بالأحجار ، يخفق بجناحيه ، يحوم حولي ..ماذا ، انه يناديني (يختفي وينظر من الفتحة بريبة )الآن هو الآخر قد ولى ،إني لم أر ، ولم اسمع صوته ( يمد عنقه من الفتحة) أين مضى ؟ أين اختفى ؟ (يعود بعنقه ثم يمد رأسه فوق حافة البرميل) انه كان يقترب مني كما لوكان قطعة من الخشب ،تقذفها الأمواج صوب الساحل المهجور .. أحقيقة ما رأيت أم اختلطت علي الرؤى ؟ (يقف داخل البرميل) بئس الرؤى المشوشة التي تلفح وجهي وتنقلب إلى أفكار مريرة ،مدمرة ، ياه، أين أنا من تلك الكذبة التي نسجتها الأوهام هناك، وقعرتني في قاعها .. ثم رمتني في مستنقع الدماء ؟ تزعزعت خواتمي ولكن لم أبح بما أصابني خشية من العار الذي لازم أبى ،.. من فينا الضحية ،نحن أم هؤلاء ؟ نحن الذين أخذتهم الرجفة وهم يطاردوننا في الجحور والأوجار ،نهرب منهم نلج في رحم الأرض .. كما لو كنا (يصمت) لا يمكن أن نكون ذلك .. نحن كما قال أبي (يقلد أبيه)
الأب: اعلم يا فتى نحن من نبات الأرض لا من نبات السماء .. انف كل ما قيل لك .. ولا تأبه بكل معقول . لأنك ليس بحاجة إلى أي توافق يأخذك بأجنحة الخلود إلى هناك ..
يروي : وأنا آمنت بما قال أبى .. وأمنت بان ليس هناك كلمة رفيعة أسمى مني.. أنا ، أنا الانسان الاعلى ،بل أنا ، ذلك اللهب الذي جاء من عمق الأرض ولم يطفأ أبدا .. وأخذت أنسجة الأهواء ،تحركني بتوافق مع ذلك القبس المقدس الذي اعتلى بروج السماء (يلتفت إلى الجهة الأخرى يوحي بقدوم شخص ما ) انه عاد من جديد (يختفي ثم يظهر وجهه من فتحة البرميل ،صوت أقدام تقترب منه ) لم ييأس ولم يكل ،فما زال يبحث عني (يتحرك البرميل ،يهمس) لا أحد هنا ،لا أحد .
الصوت : الويل إن ظفرت به(يختفي صوت الأقدام)
الكائن : ما أثقله ، فقد كتم أنفاسي .. عسى أن لا يعود .. ولم لا يعود ؟ (يظهر واقفا ، والنفايات فوق رأسه وكتفيه، يلتقف علبة صغيرة من فوق كتفه ، يتحدث إليها ) ثق أنا لا أخاف منه .. إنما نفسي هي التي خافت منه .. وتعمدت بوحل الشك وتوضأت بماء الحيض ، وأدت طقوسها بلا طمأنينة (يرمي العلبة) ولكن من أين تأتى لها الطمأنينة ،وجنون الجسد أرهقها وارقها كثيرا بصراخه حتى تمزقت لا إراديا وهي تحضر أدوات الموت .. الموت إلى سيأخذها ويدفنها بكامل خطيئتها ولا يستطيع أن يتطهر من عقدة الارتياب ..سيتركها هناك ،تسافر بلا هوية في عربة فارغة بين دهاليز العالم السفلي ،بلا سمو أو سحر سيدعها تصرخ بلا هوادة (يصرخ) أريد أو لا أريد .
(يروي) : وتبق تصرخ وتصرخ ، حتى تتبخر أو تجف وتنتهي الرغبة المكبوتة في طمأها من عدم التمييز وحسن الاختيار وأضيع أنا ،مثلما ضعت هنا في اختياراتها الساذجة التي خدعتني وشوهت صورتي .. كما لو كنت ذلك الكائن الذي التهمت وجهه النيران (يقلده) وانتبذ مكانا منزويا ،خشية أحد أن يراه ، يعيش بوحدته ويقاسي من ألم القرح وألم القبح ..(يبكي) أين هو حق الإنسان المقدس في الحياة ؟ من المؤلم أن لا قداسة للإنسان لا في الحياة ولا في الممات (صوت إطلاق نار، يختفي داخل البرميل ، ينظر من الفتحة ) العالم ضيق جدا لا يسعني ،ربما حان الحين لمغادرته .. (تخفت الإنارة شيئا فشيئا ،يظهر في البرميل )ذوت الأنوار التي كانت تؤرقني وأخذت أجنحة الظلام ترفرف حولي ، والنفس المقهورة تتهيأ للطيران ..أحقيقة أرحل وينتهي كل شيء ؟.. أو لم يبق مني شيء في الذاكرة ؟ وإن بق ، ماذا يعني بالنسبة لكائن ،لم يعرف نفسه ..كائن جلدته سطوة الزمن القاهرة ،وفرضت عليه الأمكنة نواميسها القاسية وجعلت من روافد الألم الذي يعتصره ،تصب دائما في بحار الشك ، حتى صار وكأنه بيت مهجور تسكنه الألغاز وتسوده الطلاسم ولم تمطره يوما مزن الفرح ولم ترو ظمأه وتخمد صراخ القسوة التي خلفتها مآسي العصور الغابرة (يشد صدره بيديه)اشعر بقشعريرة باردة تسري في بدني ، ربما من جرعة اليأس التي تجري في أوردتي .. أو من الخوف الذي تنمر في ذهني ،ومزق اللحظة بمخالبه الوحشية وأسقط جميع الأوراق ولم يبق ، سوى ورقة واحدة ..سأغامر فيها وليكن ما يكون ، (يقف وكأنه يعترف) أيها الوعاء ،باسم القمامة التي تحتويها ،اعترف لك ..أنا النادم من ذلك اليوم الذي لبستني فيه فكرة الإنسان الأعلى التي عاشت بدمي ، وتألقت فوق عرش السماء كقمر ساطع الأنوار وهناك تناغمت مع الأناشيد الكونية ، ولكن ، حين وصلت إلى هنا ،هبطت تلك الفكرة في الحضيض ، وفقد ذلك الإنسان فوجدت نفسي أشبه ما أكون بمعتوه ،شحيح النقاء ، ضعيف الإرادة ،قد مات الكائن الأعظم في قلبي ،جفت منابعه وارتقى قمة هرم القمامة في بركة الدماء التي أوقدتها عيون خمبابا بوحشية ،سيل جارف ،حطم الأسوار وهدم القلاع والحصون ونفخ النيران في المعابد والقصور والإنسان وشق بقرنيه القويين وادي الجحيم (ينتبه لذاته ) ما هذا الهراء ؟ لا لا يمكن أن اخفق وانصاع إلى السذاجة من ذلك الضعف المتناهي في الأعماق ، واعترف لأوعية ملؤها القمامة وانف تلك الهواجس التي رافقتني ، هواجس فوقية رأيت فيها اللحظة الخدرة نائمة في أحضان السكون اللامتناهي ،ثم اندلع ذلك اللهيب في الأمكنة المظلمة وسلخ جلد الصمت وتواصل في الامتداد (يضرب بيديه احتجاجا على البرميل ) أنا أحتقر الاعتراف ولا يمكن أن استسلم إلى اللحظة المدمرة ، ولا بد أن أقاوم كبوة النفس المنهارة وأتحصن من سموم اليأس (يهم بالخروج إلا انه يتراجع )ولكن أين هو سبيل النجاة ؟ أين هو المعبر الذي يأخذني إلى هناك ؟ (يتأمل ويبتسم) هناك ، يا هناك، سأوقد الشموع هناك (يوقد الشموع على حافة البرميل بمصاحبة موسيقى أغنية عيد الميلاد التي يغنيها بفرح )هل يمكن لي أن أتحول إلى هاجس وأطير ، أتحرر من هذا الجحيم ؟ (صوت إطلاقات نارية يصرخ ثم يمسك صدره ) آه.. ألان (يتهاوى على حافة البرميل ثم يتدلى بين الشموع ) .

إظلام 6/1/2007 م

عرض افقي
الموضوع السابق | الموضوع التالي

أشرف
16-02-2010, 00:18
بارك الله فيك على النقل

ننتظر عطاءاتك معنا ومزيدا من التألق إن شاء الله

tjrforum
27-05-2012, 01:52
شكراااااااااااااا على المجهود