مشاهدة النسخة كاملة : مسرحية وللموت وطن تاليف حامد الزبيدي



محمد حسين سعيد بور
17-02-2010, 17:06
مسرحية
وللموت وطن
(فصل واحد)
تأليف/ أ. حامد الزبيدي

www.nosous.com
المكتبة الالكترونية للنصوص المسرحية



الشخوص: المتوفي، حفار القبور، أربعة رجال، أربعة أشباح نسوية.

المنظر: في العمق قبر كبير مشيدٌ بعظام بشرية وواجهته الأمامية مرصوفة بالجماجم، والى جانبه قبرين صغيرين.. يدخل أربعة رجال وهم يحملون الجنازة وثلاثة أشباح يمشون ورائهم بطقس جنائزي ثم يقفون أمام القبر الكبير.



الأول: جبنا المقبرة ولم نعثر على الحفار.. أين نجده ألان؟

الثاني : قد نجده في هذه الواجهة.. هيا لنذهب إليه.

الثالث: لنضع الجنازة هنا ، ونبحث عنه.

الرابع: لا ترموها على الأرض.. فلا خير فينا إن تركناها هنا في العراء.

الأول: هلموا بنا نذهب من هنا (يخرجون من الجهة الأخرى ومن خلفهم يظهر المتوفي والأشباح الثلاثة ورائه)

المتوفي: ( بين القبور) أماه.. يا أماه.. أنا هنا يا أماه.. هل تسمعين.. أو تعرفين ذلك الصوت الذي كنت به تسرين عند الإياب.. ها إني عدت إليك.. قد وصلت المنتهى، ونفذت من أبواب الحزن الموصدة بالقهر والاستبداد الى أحضان الفرح المسكون بالصمت المطبق.. أجوس عالم الموتى ،بين قبور آيلة للسقوط وشواهد محا الدهر صورها.. كأنها الحياة التي عشتها هناك.. وأنا أجوب في شعابها.. أبحث عن التي داست عليها أحذية النوم والصخب.. حتى غاصت في أغوار عوالمها الحلمية.. كما لو كانت وهما مضيئا أو جذوة حلم اندلعت في ذلك العالم الذي رشقها بكل ما أوتي من قسوة وألم.. قد عانت كثيرا..ولكني لم أدعه يسرَّ بقسوته عليها ،إذ إني كنت مسرورا بأحزاني التي لا تنضب..سأحيا معها وبها على الرغم من نهاية عمري ،مع تلك الجماجم المدفونة والعظام الراقدة في عوالمها المنسية (إلى الأشباح) بين هذه الأشباح التي لا تفصلني عنها سوى هذه الحواجز الوهمية المتهرئة (الى الشبح1) قد نفذت إلى تلك الأسوار وأدركت ما فيها.. أني رأيت وجوها كالحة بالصمت وملابس موحلة بالطين وشممت روائح الذل والانكسار.. ليس كما يراها غيري (الى الشبح3) إني رأيتها كحقيقة ماثلة أمامي (إلى النظارة) أو لم أر شيئا قط أمامي.. كنجمة متلألئة أراها في الليل وهي ليس لها وجود.. (الى الأشباح) أنا أعرفكم جميعا دونما استثناء.. أنتم من وطن الموت ،من أرض أوطئتها أقدام الغزاة ،تلك الأرض التي توشمت بأحذية الجنود وتجملت في برك الدماء، ولا أخفيكم سرا.. إنني هربت من أولئك الأبالسة والهواة وتجار الموت مكرها.

الشبح 1: مولاتي يبدو عليه كجندي مجهول أو كائنٍ ظليل.

الشبح 2: ( يرتقي القبر الكبير) لا أظن ذلك.. انه كذلك المطر النازل من السماء، الذي لم يطهر الأرواح الشريرة ولم يغسل وجوه الشياطين في قصور العقيق المشيدة في أرض الخراب هزمته تلك الأرواح الميتة التي تكسوها عظاما متحركة بأجساد عمياء، إنها تعيش بطرق مختلفة عمّا ألفناه .

الشبح3: ولِمَ تحيا بطرق مختلفة؟ كأي ألعوبة أو أكذوبة بأيدي الغزاة الذين رسموا قدر الجوع والقحط في الوجوه.

الشبح2: لأنها أشباه كائنات خرافية.

الشبح1: مولاتي انظري إلى هؤلاء

الشبح3: ماذا يعملون هؤلاء؟

الشبح2 : إنهم يزرعون الأرض بالموت.

الشبح3: حتى هنا.. حتى هنا يا مولاتي.

الشبح2: إنهم في كل مكان يزرعون الموت.. في كل مكان (تختفي الأشباح،يدخل الحفار)

الحفار: من هنا.... إني سمعت أصوات غريبة هنا.. مَن هنا؟

المتوفي: أنا هنا.

الحفار: أنت هنا.. ومن أنت؟

المتوفي : كائن بلا معنى...

الحفار: (يضحك) كائن بلا معنى..ومن منا له معنى!حتى يكون لك معنى... حدثني يا رجل بالذي أفهمه.

المتوفي : أنا رجل ميت .

الحفار: (يضحك) يا مرحى بالأموات.. ولكن كيف تكون ذلك وأنت ماثل أمامي؟

المتوفي: تلك هي مشيئة الأخيلة.. من أنت وماذا تفعل هنا؟

الحفار : أنا حفار القبور وهذا عالمي.. هل جئت بجنازة أم تروم سرقة الموتى؟

المتوفي: لا هذا ولا ذاك وكما أسلفت إليك.. انا رجل ميت.

الحفار: يا للجنون.. قد ظهرت لي روح شريرة أو شيطان مريدا كما حكت لي جدتي في يوم ما. (يقترب منه بتوجس )من أين أتيت؟ هل من عبقر أم من مكان أخر؟

المتوفي: انا جئتك من وطن كله أموات.

الحفار: يا للمأساة وأنا هنا أعيش متسكعا بين القبور بلا عمل.. لِمَ لا يأتي بموتاه إلى هنا؟

المتوفي : أن مهمته القتل لا الدفن .

الحفار: بالتأكيد إن لكل منا اختصاصه هو يقتل وأنا ادفن وأنت تضع الجِّنَّة في النفوس.

المتوفي : إن كنت كذلك فاحفر لي قبرا.. وأرح الآخرين من سوئي.

الحفار: أنا لا أدفن الشياطين.. ابحث عن دفان أخر.

المتوفي: يا حفار أنا إنسان ميت.. وبحاجة إلى مثوى يأو يني.

الحفار: يا لها من ليلة مجنونة يلتقي في مثابتها حفار بشيطان .

المتوفي : أنا لست بشيطان.. أنا كائن ميت.

الحفار: لا بأس.. لا بأس.. أنت رجل ميت وسأحفر لك قبرا عميقا يليق بك ولكن دعنا نتسامر قليلا، فالليل طويل وأنا أخشى أن تتراجع عما قلته ويذهب عملي سدى.

المتوفي: إن الموتى لا يكذبون.. هيا احفر لي قبرا.

الحفار: مهلا يا رجل مهلا،إن قبرك لا يأخذ مني وقتا اكثر من سويعةٍ إلا (يضحك) يا لها من ليلة منحوسة.. لو اعلم، من الذي حذفك علي بمثل هذا الوقت المتأخر من الليل؟

المتوفي: إن العالم البغيض الذي لا يرحم ،هو الذي رماني عليك .

الحفار : وهل سيرمي على شكولك أناس آخرين؟

المتوفي : لا أظن ذلك .

الحفار : يا للغرابة ،عالم يذبح قرابينه ويترك ذبائحه ملقاة في الطرقات والساحات بلا دفن دونما اكتراث.

المتوفي: انه لا يحترم موتاه.

الحفار: يا لقسوته وبشاعته.. لو كانت لديه ذرة من الرحمة، لأرسل ذبائحه لي ودفنتها هنا.

المتوفي: إن ما ينهجهه في ذهنه ،هو إشباع الرغبة العمياء ،الرابضة في كيانه .

لا الرحمة .

الحفار: عالم متوحش ،عالم ظالم..ليس من العدل أن يترك موتاه في العراء بلا دفن..أو إنك تكذب عليَّ، أيها الأفّاك.. لم تتحدث عنه بسوء ولم تبغضه؟

المتوفي: لأنه كان في كل مساء يأخذني بعربته السوداء الى وادي الجحيم.. وهناك كانت تدوسني عجلة – اكسيون- تحرق دمائي وتكسر عظامي ، وعند الفجر... الملم بقايا الروح وأقف حائرا معذبا أمام الجلاد الذي يحتويني.

الحفار: أولديك جلاد أيضا ، أيها الشيطان المارق؟

المتوفي: ومن منا لا يحمل جلادا في أعماقه ، وسوطا لاذعا يفجر فيه قيح معاناته(صوت من بعيد).

الصوت: يا حفار القبور..أين أنت يا حفار؟

المتوفي: هناك صوت ينادي عليَّ.. ربما وفدتني جنازة (يخرج مسرعا، تظهر الأشباح)

الشبح1 : يا مليكتي المعظمة ،قد جاء مستجيرا بك من الضياع وفقدان الأمان..إنه فقد اليقين بكل شيء كما يبدو.. اكشفي إليه عن الحجاب عسى أن يبرئ من العذاب أو أريه وجهك الأسيل ، ومُدّي إليه يديك الأرجوانية .

الشبح2:دون ما أعرف هويته.

الشبح1)يقترب منه) يا أنت.. حدثنا عن نفسك ، عسى أن تأخذ بيننا مكانا عليا .

المتوفي: يا سيدتي ، أنا الذي أوردت من ذهنه الآلهة وتطهرت بمائه الأساطير... أنا نشيد الإنشاد.. خلقتني محاورات الأولين ، وهزمتني خطابات السفسطائيين.. ولكن ثقي يا أنت.. إن هزائمي لم تصل الثلاثين.

الشبح2 : إن لم تك الثلاثين.. فأنت لم تهزم أبدا، يا سيد الخالدين... سل ما بدا لك.

المتوفي : جئتك منكسرا ولم يحفر لي قبرا.. أتوسل إليك أن تمنحيني حق اللجوء، من أولئك الأنجاس ذوو المجلس المقيت الذين عاثوا في البلاد فسادا.

الشبح 2: (الى الشبح1)أهم من ذرية ليليث؟

الشبح1: ليس كلهم من ذريتها مولاتي.

الشبح2: من أين اتوا إذن؟

الشبح1: إنهم من بقايا شعوب منتخَبة في -أصل الأنواع-.

الشبح3: أو أموات يا مولاتي .

شبح2: أموات!، ولِمَ لم يأتوا بهم الى هنا؟

الشبح3: لإن الموت في ضمائرهم لا في أرواحهم (وميض،صوت دوي انفجار من بعيد،يفزع المتوفي).

الشبح2: لا تخشى النور ولا ترتجف من تلك الأصوات.. وأنت هنا في أحضان الظلام .دع عنك الخوف وارتوي من عفاف الليل، هيا اخلد الى النوم. نَم بأمان. (تختفي الأشباح ، يدخل الحفار)

الحفار: بشراك يا صاح ،يا وجه السعد..فقد حفرت قبرا كبيرا.

المتوفي: تلك هي نهاية أخيلتي ،التي طفت بها في المرثون الأخير ، وكأني لم أر أنكى مما رأيت في كل العصور.

الحفار : قد مضت النجوم وأسفرت السماء عن خدها الجميل..لم لا تبقى معي هنا؟

المتوفي: آن أوان الرحيل..أبمقدوري أن أأخذ أحلام ألامس؟

الحفار: لا يكمن لك أن تأخذها .ليس لها مكان هناك .

المتوفي: )يهم بالذهاب يدخل شبح4) من أمي؟

الشبح 4 :متى أتيت الى هنا يا ولدي؟ (تبكي)

المتوفي: كفي عن نعيق الحزن يأمي.. وكفكفي دموع التماسيح وارتوي من الليل كيفما تشائين ،فأنت امرأة حرة.. اخلعي عن قلبك ثوب الحداد الملفوف على جسدك وأظهري مفاتن الرغبة ،للهواة والأنجاس والغرباء الآتين من كهف الظلمة.. ولا تبالي بما أقاسي كما كنت أقاسي..سيان عندي الحياة والممات والنور والظلام والطهر والعهر وكل شيء، حين رأيت الجند والحراس والأطفال الأبرياء أمام بابك الموصود وهم غرقى بماء الليل الذي ينضحه سريرك العاجي.. وأنت راكعة ،عارية تتضرعين للديكة أن تخرس أصواتها من اجل أن لا توقض الفجر ويأتي بالشمس .

(يختفي المتوفي والشبح4 يدخل الرجال الأربعة وهم يحملون الجنازة)

الأول: أين نضع الجنازة يا حفار؟

الحفار : هنا أمام هذا القبر الكبير (يضعون الجنازة على الأرض) ابتعدوا عني قليلاً (يفتح غطاء الجنازة لإخراج الجثة) من هذا؟ انه هو.. هو بعينه.. حي ميت وميت حي.

الثاني: عن أي حي أو ميت تتحدث؟ هيا أقم شعائر الدفن.

(صوت انفجار وسطهم يسقط الرجال الخمسة على الأرض كالأموات، يفتح غطاء الجنازة، يظهر المتوفي جالساً وسطها، ينهض)

المتوفي : وهكذا أصبح الجميع أموات.

إظـــــــــــــــــلام
تأليف / أ. حامد الزبيدي

krit01
10-03-2010, 12:26
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته^
جزاك الله خيرا اخي الكريم
مسرحية جميلة جيدا

tjrforum
27-05-2012, 00:50
شكراااااااااااااا على المجهود