مشاهدة النسخة كاملة : الخط السياسي لجماعة العدل والإحسان بين الثابت والمتغير



عادل محسن
02-04-2010, 16:15
الخط السياسي لجماعة العدل والإحسان بين الثابت والمتغير – الجزء الأول -

بقلم: مصطفى العوني العرباوي


عرفت الساحة الفكرية كتابات كثيرة عن المشروع السياسي لجماعة العدل والإحسان كتابات منها ما أصاب واستعمل ملكة التأويل بغير جهل ولا تنكيل، ومنها ما جانف المعقول وتحامل أو تجاهل ما هو صريح منقول، مثبت في الأدبيات، لا ينكره إلا من تأبط شرا، وسخر قلمه بطرا وأشرا وبين هذيت التوصيفين، هناك آراء شاذة، لباحثين كانوا قادة، فخانتهم العبارات، عن فهم ما تروم إليه الجماعة بالذات، فاصطنعوا خلافات وابتكروا جناحات، فإن أخطأوا عن غير قصد فلهم درجة، وإن أساؤوا عن عند فقد نزلوا دركة.

حقا إن من يكتب عن جماعة العدل والإحسان من منطلق مفاهيم ومعايير الزمان، فما له إلا السقوط في الترهات والبهتان، أما من كتب من أعالي التاريخ وتنزه عن المرسوم في علم التأويل، مما صنعته وحبكته أقلام السخرة، وجسده الواقع المرسوم، المسيج بالباطل المذموم، فقد وجد الطريق وكان نظره نبراسا ثاقبا، وكلامه منار هدى، وقراءاته لن تذهب سدى.

فالمشروع السياسي لجماعة العدل والإحسان مثبت في كتب منظرها وملهم منهاجها الأستاذ الفاضل عبد السلام ياسين، باجتهاد منه أساسه القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ووقائع تاريخ المسلمين، وفقه الواقع المعاش الذي لا يهرب منه إلا عاجز عن المدافعة والمناجزة، فكان العلم إمام العمل، وثمرته جماعة يشار لها بالبنان، زادها الله بسطة في العلم والجسم.

مرت عليها الإعصارات، فما بدلت تبديلا وما تحولت تحويلا، بل هي على درب المنهاج سائرة، تعرف الغاية وتشق الطريق، وما الغاية إلا شريفة، أساس الوجود الإنساني، هدف الاستخلاف الأرضي، ألا وهي البحث في واقع مدلهم بغلس الظلمة ونار الفتنة، عن الطريق إلى الله عز وجل، هما غايتان: غاية فردية لبها الوصول إلى مقام الإحسان سلوكا وقولا وأخلاقا وعملا، وغاية جماعية تشكل وسيلة للأولى ألا وهي غاية العدل، وذلك "بحكم إسلامي قاعدته العدل وجماله الإحسان. حكم يؤسس نظاما اقتصاديا سياسيا أخلاقيا إيمانيا متجددا بتجدد إيمان المسلمين فاعلا ناجعا في إقامة صرح الإسلام من ركام الخراب الديني والمادي والنفسي الذي يعانيه المسلمون من جراء هزيمتهم التاريخية أمام الغزو الجاهلي الشامل الذي تتمثل صيغته الحالية في حقائق العولمة" [1] فكيف السبيل إلى هذا القصد؟ هذا ما سنحاول أن نبرزه من خلال هذا المقال وذلك بقراءة للخط السياسي لجماعة العدل والإحسان؟ هل هو خاضع لتحولات الزمان؟ أم ما كتب أصبح في خبر كان؟ كما يحلوا لفصحائنا في هذا الزمان؟ أم أن الفكر مقعد، والعمل به مجسد، وباب الاجتهاد في فروعه مبسوط غير مرصد.

المحور الأول: في أصول الخط السياسي لجماعة العدل والإحسان.. نظرية العصيان

العنوان العريض للخط السياسي لجماعة العدل والإحسان يقوم على نظرية العصيان، كمدخل له مجموعة من المرجعيات التي تبرره كما له عدة قواعد تؤطره، والعصيان عند الجماعة نموذج فريد على الساحة العالمية حيث نكاد نجزم أنه لا توجد أي حركة تغييرية في العالم تسلكه، بحيث أن العصيان في العلوم السياسية يحيل على العنف والاغتيال السياسي وكذا على الميلشيات المسلحة أو على الإستراتيجية الانقلابية ...وهذا ما نجده حقيقة في تصفحنا لكتاب العالم، فعلى أي أساس بنت جماعة العدل والإحسان خطها السياسي، وما هي قواعده؟ وكيف تجسده على الواقع؟ وبأي مشروع؟ وأخيرا ما هو الثابت والمتغير فيه؟

1- المرجعيات
* مرجعية شرعية: يقول الله عز من قائل ﴿ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم﴾ ويقول كذلك ﴿ ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون﴾ والجمع بين الآيتين يلخصها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" وهذا ما حدا بجماعة العدل والإحسان أن تتبنى خطها السياسي على نظرية العصيان "خطنا السياسي الواضح هو أننا لا نعارض حكام الجبر معارضة الأحزاب على مستوى تدبير المعاش والاقتصاد بل نعصيهم لأنهم خرجوا عن دائرة الإسلام إلا أن يتوبوا توبة عمر بن عبد العزيز. نعصيهم ونعارضهم لأنهم خربوا الدين" [2].

* مرجعية تاريخية: نظرية العصيان لها امتداد تاريخي عميق في تاريخ الأمة الإسلامية وذلك حينما تحولت الخلافة الراشدة إلى ملك وراثي شتت دعائم الحكم الإسلامي الشرعي المبني على الشورى والبيعة. وبالتالي فأي نظام حكم لا يقوم عل هاتين القاعدتين هو حكم مستبد وجب له العصيان وهذا ما أدى إلى عدة قومات كان أبرزها قومات آل البيت على الأمويين والعباسيين فيما بعد، وعرفت مباركة من أقطاب الفقه الإسلامي وهم الإمام مالك والإمام أبي حنيفة... كما تستنذ نظرية العصيان على حديث نبوي شريف يلخص تاريخ الأمة قال بصدده الأستاذ عبد السلام ياسين "اتخذناه محورا لتفكيرنا ومرشدا لخطواتنا. روى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها. ثم تكون ملكا عاضا، فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها. ثم تكون ملكا جبريا، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها. ثم تكون الخلافة على منهاج النبوة. ثم سكت"" [3].

انطلاقا من هذا الحديث يصنف تاريخ الأمة إلى أربعة مراحل:

مرحلة النبوة والخلافة الراشدة: وخلالها كانت السيادة للدعوة على الدولة، بحيث أن جل التشريعات جاءت لتحقيق ما أجمله الأصوليون في خمسة حفظ الدين وحفظ النسل وحفظ العقل وحفظ العرض وحفظ المال.

مرحلة الملك العض وتمتد من سنة 41 للهجرة إلى بداية القرن العشرين أي نهاية الإمبراطورية العثمانية سنة 1924 وخلاله وقع احتواء الدولة للدعوة بحيث تم تعطيل دعائم الحكم الإسلامي الشورى والبيعة، وحل التوريث القصري وتوقف باب الاجتهاد في باب تدبير الحكم وتطوير أحوال المعاش وأصبح الفقه يعيش محنته التاريخية، وتشكل ما يسمى بالفقه المنحبس الذي لا يتجاوز فقه الأحوال الشخصية.

مرحلة الملك الجبري وهي المرحلة التي أعقبت الاستعمار الغربي للبلاد الإسلامية حيث تم تقسيمها إلى دويلات بموجب اتفاقية "سايكس بيكو".

مرحلة الخلافة الموعودة: وهي أمل الأمة في محنتها التاريخية وبشارة عظمى، تعمل الجماعة على بثها في القلوب وتهيئ لها جند الله القائمين بالحق لاستقبال قدر كوني بأمر الله الشرعي، وهو التوبة إلى الله عز وجل ودعوة الناس إلى التوبة حاكمين ومحكومين في غير انتظارية اتكالية وإنما بخط تربوي ومنهاج سياسي متواز ينشد تحقيق سنة الله عز وجل الملخصة في الآية الكريمة ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَر َبَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (57)﴾ .

* مرجعية واقعية: وهو ما أثبتته التجارب السياسية التي عرفها المغرب، والتي لم تستطع مناجزة التحديات الاقتصادية والاجتماعية. فالمغرب مصنف في الرتبة 127 على مستوى مؤشر التنمية البشرية والتقرير الأخير لليونسكو حول التعليم جعله في المرتبة 106 من أصل 140 دولة، أضف إلى ذلك نهب المال العام والاستهتار به، واحتكار ثلة قليلة من الشعب لثروة البلاد أما على المستوى الأخلاقي فحدث ولا حرج. حيث أصبح المغرب في عداد الدول المتقدمة في ميدان الدعارة والسياحة الجنسية، ولم يعد حديث في المنتديات والشوارع والملتقيات إلا عن الأزمة وقد لخص هذه الصورة القاتمة الملك الحسن الثاني رحمه الله "بالسكتة القلبية" وهذا ما حدا بمجموعة من ذوي المروءات اعتزال السياسية من خلال العمل الحزبي في ظل قوانين لا تبشر بتأثير الأغلبية في المجتمع وصناعة القرار، وهو موقف راسخ لدى جماعة العدل والإحسان منذ بدايتها، بحيث تذكر دائما بأن العمل السياسي من داخل اللعبة مضيعة للوقت وهدر للمجهودات ما دامت ليست هناك صلاحيات.

2 - القواعد
* الشمولية: إن السياسة في المشروع التغييري لجماعة العدل والإحسان لا تشكل إلا وسيلة من وسائل التمكين لدعوة الله عز وجل و باب من أبواب تحقيق المناط، الذي يساعد الناس على معرفة ربهم وانجماعهم على طلبه بدل تبدد عقولهم وتشتت أذهانهم ونقمهم وسخطهم على الأوضاع، مما يورث العنف والكراهية والكآبة، وهذا مدخله الدعوة إلى العدل في الأرزاق وتحقيق مستوى من العيش الكريم الذي يوفر المأوى ويشبع الجائع... ولا يتأتى ذلك إلا من خلال مجتمع الأخوة والتضامن، مجتمع يعرف ما له وما عليه، له ثقة في مؤسساته السياسية له موقع مشارك مساهم في المشروع التنموي لأمته، وعليه كان لابد لجماعة العدل والإحسان من رؤية سياسية واضحة وتدافع حقيقي في معترك السياسة لأنه "في أذن الجائع لا يسلك إلا صوت يبشر بالخبز، وفي وعي المقهور المحقور لا يتضح إلا برهان الحرية" [4] والإسلام هو نظام شمولي يشمل جل مناحي الاجتماع الإنساني دعوة ودولة، دين ودنيا، عدل وإحسان.

* الرحمة والحكمة: أستقي هنا كلاما نفيسا للأستاذ عبد السلام ياسين من كتاب مقدمات في المنهاج النبوي يشرح فيه هذين المفهومين: "أقصد بالرحمة العلاقة القلبية للعبد بربه، وأقصد بالحكمة تصرف العقل، عقل المؤمن المرحوم، أثناء فهمه لشريعة الله عز وجل، وأثناء صياغتها صياغة قابلة للتطبيق، وأثناء السهر على تنفيذ أوامرها والامتناع والزجر عن نواهيها.

الرحمة ما جاء من الله تعالى للعبد هداية كبعث الرسل إليه، والرحمة تعلق القلب بتلك الهداية، والاستمساك بعروتها حتى تنور كيانه و يتمكن في محبة الله عز وجل، تلك المحبة التي تؤدي للعمل والجهاد: {يا أيها الذين آمنوا من يرتدد منكم عن دينه فسوف يات الله بقوم يحبهم و يحبونه أذلة على المومنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم} (الآية 54 من سورة المائدة).

أقصد بالحكمة "معرفة الدين والعمل به" كما فسر الكلمة الإمام مالك رحمه الله. قال ابن قتيبة: "الحكمة عند العرب العلم والعمل". والعلم والعمل آلتهما العقل. فإما عقل مصدر معرفته التجربة البشرية والتخمين الفلسفي وذاك عقل مشترك بين البشر. وإما عقل يتلقى عن القلب رحمة الإيمان و هداية الوحي، ثم ينصرف إلى تنفيذ أمر الله سبحانه و تعالى في الكون، لا غنى له عن التجربة والفحص، فذاك عقل الحكمة.

الرحمة قلبية، والحكمة عقلية راجعة في معرفة الأهداف والغاية إلى الوحي، آخذة بالتجربة التي تمكن الإنسان من ضبط حركة الكون والسيطرة على تفاعلاته ليتسنى له تطبيق الشرع .

المستفاد من هذا الكلام النفيس هو أن الخط السياسي للجماعة لا ينبع من حماس ملتهب أو تسرع في التغيير، وإنما تنفيذ بحكمة وتبليغ برحمة، لأن المستهدف في الأخير هو الإنسان وليس إرضاء نزوات عابرة أو التمكين لعصبية جائرة، وإذا كان الهدف في التغيير هو الإنسان فلا يمكن ذلك إلا من بوابة الرحمة، ورفض العنف جملة وتفصيلا، لأن العنف ما كان في شيء إلا شانه والرفق ما كان في شيء إلا زانه، والحكمة أمر مطلوب في التدافع السياسي خاصة وأن واقعه متغير ومعطياته لا تكاد تستقر على حال، و مدارات الواقع ومناجزته لا تعني الرضى بأنصاف الحلول والتخلي عن المبادئ والثوابت. روى الشيخان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مثل المؤمن كمثل خامة الزرع من حيث أتتها الريح كفتها. فإذا سكنت اعتدلت وكذلك المؤمن يكفأ بالبلاء. ومثل الفاجر كالأرزة صماء معتدلة. حتى يقصمها الله إذا شاء" .

* لتدرج في قول الحق وعدم التفوه بالباطل: يقول الأستاذ عبد السلام ياسين "نريد تغييرا جوهريا يأتي بنيان الفتنة من القواعد. فعلينا أن نكون لا على مستوى العصر الذي تتحكم فيه الجاهلية وقيمها، بل على مستوى مستقبل نقترحه نحن على التاريخ، ونصنعه، ونخترعه على هدى من الله وبإذنه" [5] إن المشروع السياسي لجماعة العدل والإحسان هو مشروع تجديدي كبير تأمل عميق في تاريخ الأمة وتجاربها ،استفادة منهاجية من حكمة البشرية ومفاسدها، فلا غرو أن يجد اصطدامات مع كثير ممن لا يقرؤون ويحكمون عليه انطلاقا من مفهوم أو مفهومين، لذلك فمن الحكمة أن قول الحق لا بد أن يكون بالتدرج لكن هذا لا يغيب حقيقة ثابتة وهي عدم التفوه بالباطل وشرعنة ما لا يجب شرعنته.. والاستفادة من الأخطاء والهفوات لأن الكمال لله عز وجل وحده.

* اللاءات الثلاث: قوة الخط السياسي للجماعة ونجاعته نابعة من أصالته ومن تجذره في الزمان والمكان، لذلك ترفع الجماعة مجموعة من اللاءات المؤطرة له وهي لا للعنف لا للتعامل الخارجي لا للتمويل الأجنبي. ورغم أن المخزن منذ ماي 2006 في عهد وزير الداخلية الذي تم تغييره مؤخرا نهج سياسة إنهاك الجماعة ماديا، وذلك من خلال ضخامة المتابعين قضائيا الذي فاق 7000 عضو إضافة إلى غرامات مالية تقدر بمئات الملايين الدراهم فإن الجماعة لم تغير إستراتيجيتها التمويلية الداخلية، وإنما حافظت على توابثها المسطرة في المنهاج النبوي فكانت النتيجة أن المخزن أنهك ماليا من حيث هو أراد إنهاك الجماعة ﴿ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله﴾ .

المحور الثاني: آليات تنفيذ الخط السياسي لجماعة العدل والاحسان

1- القاعدة الأولى: النصيحة
عن أبي تميم بن أوس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله ؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم" [6]. قال تعالى ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ .

أشمل الرسول الكريم الدين في النصيحة ووضح من تجب فيهم، وذكر الله عز وجل بأن رحمته بالمؤمنين تتويج للولاية بينهم وهذه الولاية لا تستقيم إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

بدأت جماعة العدل والإحسان بنصيحة تضمنتها رسالة الإسلام أو الطوفان التي أرسلها الأستاذ عبد السلام ياسين للملك الراحل الحسن الثاني تضمنت عدة نصائح وجهت له كملك للبلاد كما تضمنت نصائح أخرى لعلماء المسلمين ونخبهم السياسية. وهذه قاعدة دأب عليها العديد من العلماء في تاريخ الإسلام حيث كانوا يقدمون النصيحة لرؤسائهم منهم من استشهد ومنهم من رحل قصرا ومنهم من حوصر... وقد كان حظ الأستاذ عبد السلام ياسين في ذلك محنة مستشفى المجانين والسجن ثم الحصار لعشر سنوات.

ولا زالت النصيحة وستبقى محور العمل السياسي لجماعة العدل والإحسان وخلاصة القول أن التجسيد الفعلي لها يتضح فيما يلي:

- الدعوة إلى التوبة العمرية: ورأينا ذلك في رسالة الإسلام أو الطوفان وكذلك في مذكرة إلى من يهمه الأمر وأخيرا في وثيقة جميعا من أجل الخلاص الصادرة عن الدائرة السياسية سنة 2007، والتوبة العمرية إشارة إلى نموذج عمر بن عبد العزيز الذي أحدث عدة تغييرات جوهرية حينما أصبح ملكا كان أعظمها رد مال الأمة إلى الأمة أو ما نسميه بلغة العصر إعادة توزيع الثروة على أساس العدل وإحداث عدة تغييرات سياسية هدفها إزالة الظلم ومحاربة الفساد بشتى أنواعه.

وهي نموذج فريد يفتح الأمل للتغيير من داخل مؤسسة الحكم ويفتح الباب أمام مصراعيه لمن أراد أن يدخل التاريخ من باب عظيم هو باب العدل والقطيعة مع الظلم وتحرير العباد من عبادة الدرهم والجري والنكد، إلى عبادة المولى الخالق القوي الباسط الرازق...

- الدعوة إلى الميثاق: وهي دعوة لبها التعاون والتفكير المشترك، بين جميع المكونات السياسية داخل الوطن، للخروج من ما سماه الملك الراحل الحسن الثاني بالسكتة القلبية التي عمت جميع المجالات وذلك بوضع ميثاق سياسي اقتصادي اجتماعي... يرضاه الشعب وتتهيأ له القلوب وتهب إلى تطبيقه السواعد.

2 - القاعدة الثانية: التدافع
التدافع سنة من سنن الله عز وجل في الكون وشرط أساسي في تحقيق الحركية التاريخية، يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ .

والتدافع عند جماعة العدل والإحسان يتخذ استراتيجيتان:

- استغلال الفرص التاريخية: وذلك بعدم رفض الفرص التي تسوقها الأقدار وتكون مناسبة للمشروع السياسي للجماعة، ومن جملة الفرص التاريخية هناك المشاركة السياسية بحيث أنه في أي لحظة يمكن للجماعة أن تنتخب عددا من أطرها في إطار حزب يدخل غمار الانتخابات ويشارك في العملية السياسية، لكن ذلك رهين بفرصة تاريخية مفادها تطبيق الديمقراطية حقا وحقيقة، وجعل المؤسسات المنتخبة لها دور فاعل وليس دور الديكور الديمقراطي والبهرجة السياسية، وغير هذه الفرصة التاريخية كثير لا مجال لذكره، وإنما الشاهد عندنا هو أن أي فرصة سنحت للجماعة وقدرت قيادتها نجاعتها، فأكيد أنها ستستغلها دائما وأبدا للدعوة إلى الله عز وجل وتيسير عبادته.

- القومة: العديد ممن لم يضبطوا أدبيات الجماعة، يحصرون القومة في مفهوم ضيق، حيث يعتبرونها نسخة منقحة لثورة على النموذج الإيراني، في حين أن القومة كما بسطها الأستاذ عبد السلام ياسين في كتبه تفيد بأنها استراتيجية عظمى في التغيير، تغيير الفرد بقومته إلى الله عز وجل ﴿ وأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها جميعا﴾ وتغيير المجتمع بقومة سياسية تقيم دعائم الحكم على أساس العدل والكرامة والحرية والمساواة وقومة اقتصادية تحقق الاكتفاء الذاتي وتقطع حبل التبعية الذي يمسك بالبلاد والعباد و قومة تعليمية بإقامة تعليم ينسجم مع مشروع مجتمعي غايته رضى الله ووسيلته المواطن الصالح الذي يعي مرحلته التاريخية وقومة إعلامية تنقض مظاهر الفحش والعراء والفساد، بإقامة إعلام يغذي الروح ويريح الجسد، يذكي ملكة التفكير ويصنع الإنسان العالم العامل. بأي فكر وأي طريقة هذا ما هو مبسوط في أكثر من كتاب للأستاذ عبد السلام ياسين إضافة لما أنتجته وتعمل على إنتاجه مؤسسات الجماعة وتجربتها التي بلغت ثلاث عقود.


------------------------------------------
[1] واجهة كتاب العدل الإسلاميون والحكم، عبد السلام ياسين، الطبعة الأولى 2000، مطبوعات الصفاء للإنتاج.
[2] المنهاج النبوي ص 25.
[3] نظرات في الفقه والتاريخ، عبد السلام ياسين، ط1،198، دار الخطابي، ص 7.
[4] كتاب الإسلام وتحدي الماركسية اللينينية.
[5] المنهاج النبوي.
[6] رواه البخاري ومسلم.


تاريخ النشر: الجمعة 5 مارس 2010

hassan_1677
02-04-2010, 18:11
شكراً لك اخي الكريم

عادل محسن
02-04-2010, 22:35
الخط السياسي لجماعة العدل والإحسان بين الثابت والمتغير –الجزء الثاني-


مصطفى العوني العرباوي


المحور الثالث: مداخل التغيير السياسي عند جماعة العدل والإحسان

1- في الحكم: نظرية الخلافة

كثير ممن ينتمون لمدرسة الترهات والبهتان، يلفقون تصورات خاطئة عن العدل والإحسان، من بينها أن الجماعة حاليا تعيش مرحلة أخرى، ميزتها الأساسية، أنها قطعت مع مجموعة من المفاهيم المهيكلة لمشروعها الفكري، وللأسف أن هؤلاء الأقلام تقدم نفسها بصفة الباحث والمفكر... وما هي إلا أسماء سميتموها، يتكلمون باسم العدل والإحسان يؤطرونها ويخندقونها ويفهمونها انطلاقا مما في جعبتهم، التي لا تغني ولا تسمن من جوع.

إن فكر الجماعة ومشروعها المجتمعي بصفة عامة، والسياسي بصفة خاصة، لا يفهمه إلا ذوي الفكر الاستراتيجي، الذين لا ينظرون أمام أرجلهم، وإنما ينظرون إلا سنة الله في الكون وفي التاريخ، ونواميس التغيير والتداول، أما من ينظر شبرا أمامه فما له من فهم إلا بمسافة ما رأى.

ومن بين المفاهيم الكبرى، التي لا يستقيم فهم المشروع الفكري للجماعة إلا بفهمها، مفهوم الخلافة كنظرية شرعية في الحكم، وكبشارة نبوية في سنة الله وآفاقه، وقد سئل الأستاذ فتح الله أرسلان في حوار على إسلام أون لاين، بسؤال مفاده أن "الجماعة لازالت تكرر نفس المقولات ونفس المفاهيم التي أنتجتها منذ التأسيس، كالملك العاض، والملك الجبري، والخلافة على منهاج النبوة... فكان جوابه واضحا حيث قال: أن تمييزها بين تلك المفاهيم الملك العاض والملك الجبري، والخلافة على منهاج النبوة، أساس خطها السياسي الواضح التي أدت الجماعة ولا زالت تؤدي ثمنه من غير تبديل أو تحوير، وهذا الثبات على المواقف والمبادئ هما السر في قوتها." [1]

أ- الخلافة والملك
ما الفرق بين الخلافة والملك، سؤال شغل بال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وبينما هو في مجمع من الصحابة سأل سلمان رضي الله عنه: أملك أنا أم خليفة؟ قال له سلمان: إن أنت جبيت من أرض المسلمين درهما أو أقل أو أكثر ثم وضعته في غير حقه فأنت ملك غير خليفة فاستعبر(بكى) عمر ـ ابن سعد.

عن سفيان بن أبي العوجاء قال: قال عمر بن الخطاب: والله ما أدري أخليفة أنا أم ملك؟ فإن كنت ملكاً فهذا أمر عظيم، قال قائل: يا أمير المؤمنين ! إن بينهما فرقاً، قال ما هو؟ قال: الخليفة لا يأخذ إلا حقاً ولا يضعه إلا في حق، فأنت بحمد الله كذلك. والملك يعسف (يظلم) الناس فيأخذ من هذا ويعطي هذا، فسكت عمر! ـ ابن سعد.

عن رجل من بني أسد أنه شهد عمر بن الخطاب سأل أصحابه وفيهم طلحة وسلمان والزبير وكعب فقال: إني سائلكم عن شيء فإياكم أن تكذبوني فتهلكوني وتهلكوا أنفسكم، أنشدكم بالله! أخليفة أنا أم ملك؟ فقال طلحة والزبير: إنك لتسألنا عن أمر ما نعرفه، ما ندري ما الخليفة من الملك، فقال سلمان يشهد بلحمه ودمه: إنك خليفة ولست بملك، فقال عمر إن تقل فقد كنت تدخل فتجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال سلمان: وذلك أنك تعدل في الرعية وتقسم بينهم بالسوية وتشفق عليهم شفقة الرجل على أهله وتقضي بكتاب الله، فقال كعب: ما كنت أحسب أن في المجلس أحداً يعرف الخليفة من الملك غيري ولكن الله ملأ سلمان حكماً وعلماً.

وقد مايز بن خلدون بين الخلافة والملك في كتابه المقدمة ممايزة من دخل السياسة وعاش أحوالها وأهوالها وانقطع في آخر حياته للكتابة والتأليف حيث قال "لما كانت حقيقة الملك أنه الاجتماع الضروري للبشر، ومقتضاه التغلب والقهر، اللذان هما من آثار الغضب والحيوانية، كانت أحكام صاحبه في الغالب جائرة عن الحق، مجحفة بمن تحت يده من الخلق في أحوال دنياهم، لحمله إياهم في الغالب على ما ليس في طوقهم من أغراضه وشهواته" [2].

"والخلافة هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها، إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة، فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسية الدنيا به" [3].

يتحصل لنا مما سبق أن الخلافة هي نظام الحكم الشرعي الذي يرتضيه الله ورسوله لما فيه من حراسة الدين وسياسة الدنيا:
* حراسة الدين بالتمكين لشريعة الله عز وجل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الصلاة وإتاء الزكاة... وذلك بحفظ أصول خمسة بأسس ثلاثة العدل والإحسان والشورى.
* وسياسة الدنيا على أساس العدل والشورى بين الناس، سياسة لا يجبى فيها دينار بغير حق، ولا يعطى فيها امتياز بغير حق، سياسة تمكن رجال القوة والكفاءة والمروءة من تدبير أمور المسلمين، لا توزيع ذلك توزيعا عصبيا عائليا مصاهراتيا، سياسة روحها الشعب، وهدفها الشعب وغايتها تأسيس العمران الأخوي الذي يرضى عنه من في الأرض ومن في السماء.

ب - الخلافة تدافع وتدرج
نظام الخلافة هو نظام استراتيجي، لا يمكن تحقيقه بضربة لازب، بل هو جهاد أجيال، خاضع لسنة الله في التغيير ومن سنته التدرج ومن تأييده طوي المراحل على جند الله القائمين بالقسط ،الطالبين رضاه ومغفرته سبحانه وتعالى، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.

يقول الأستاذ عبد السلام ياسين: "إن الخلافة الثانية وعد موعود غير مخلوف، ومن سنة الله ورسوله أن تنشأ كل ناشئة على التدرج وفي ميدان التدافع بين الناس، وعلى مرأى ومسمع من العالم، وبآليات أنفسية وآفاقية تبدو مشتركة حكمها على المجتمعات غلاب" [4].

إن الخلافة والعدل وجهان لعملة واحدة يتحقق الأول بوجود الثاني، وتفشي العدل رهين باستئصال الفساد وهو ما يحتاج طول نفس وحكمة مناجزة، قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الحسن (محجة القرب، العراقي عن معقل بن يسار المزني): "لا يلبث الجور بعدي إلا قليلا حتى يطلع فكلما جاء من الجور شيء ذهب من العدل مثله حتى يولد في الجور من لا يعرف غيره ثم يأتي الله تبارك وتعالى بالعدل فكلما جاء من العدل شيء ذهب من الجور مثله حتى يولد في العدل من لا يعرف غيره" .

إن نظام الخلافة ليس حلما لم يشهد له مثال في تاريخ الأمة الإسلامية، وإنما هو نظام أصله الخلفاء الراشدون في تدبير شؤون الحكم، وشرعه الله ورسوله في القرآن الكريم والسنة المطهرة. وقد اجتهد الأستاذ الفاضل عبد السلام ياسين في وضع أسس وأصول له، في أكثر من كتاب، أهمها كتاب العدل، ولعل أبرز أساس وقاعدة عريضة لنظام الخلافة من خلال ما تحصل لدي أنه نظام يقوم على أساس تحقيق التكامل بين الدعوة والدولة، دون أن ينصهر أهل الدعوة في الدولة، ودون أن تستأسد الدولة على الدعوة، فجهاز الدعوة ومؤسساتها مهمته حراسة الدين، وجهاز الدولة ومؤسساتها، مهمته سياسة الدنيا. على أن تكون للدعوة سيادة في التوجيه والإرشاد والفصل في القرارت الكبرى بما يرضي الله ورسوله، ويقتضيه الواقع وسياقه.

2 - في الآليات: حكمة الديمقراطية

الديموقراطية عند جماعة العدل والإحسان حكمة من حكم البشرية، وما خلصت إليه البشرية في تطورها التاريخي هو موروث جماعي، غير أن الحكمة يستفاد منها بحكمة، فالديمقراطية فلسفتها الإلحاد واللائكية، فهي لا تعترف بالدين ولا بالأخلاق، لكن ثمرتها تتجلى في آلياتها القادرة إلى حد ما على تنظيم الاختلافات، وإشراك الشعب في تدبير أموره، وكذا في المؤسسات التي أفرزتها سيرورتها التطبيقية.

وإذا كانت الديمقراطية ظهرت كفلسفة في عهد بركليس الإغريقي، منذ القرن الخامس قبل الميلاد، ولم تعرف تطورا في فلسفتها وآلياتها إلا مع عصر الأنوار خلال القرن 17م، وبدأت تطبيقاتها مع الثورات الأوروبية خلال القرن 18. فإن الشورى لم يكتب لها أن تتطور إلى مؤسسات وآليات، فقد أقبرها الملك العاض منذ بدايتها، في تجربتها الأولى عهد الخلفاء الراشدين، مما جعلها مغيبة في حركية الأمة التاريخية نظرا لتجبر السيف عليها وعلى وكل من نطق بها.

وقد أثمرت الديمقراطية عدة آليات ترى جماعة العدل والإحسان[5]أهميتها ونجاعتها في تدبير أمور الدولة وشؤونها:

"1 - التعددية السياسية: مزية نعترف بفضلها، ولا ينازع في صوابها عاقل، ولا ينكرها إلا تواق للاستبداد. وهي باب للتنافس الشريف في الخير خدمة لمنافع عامة يعمل لها الجميع إذا ما حكمها ضابط الوضوح والمسؤولية والجدية، ولا نرى بديلا عنها إلا أن يتحول الحاكم إلى جلاد وطاغوت. مطلبنا تعددية مسؤولة متعاقبة على الحكم، تعددية معبئة للجهود في قنوات منتظمة بدل الفوضى والعنف. تعددية تتراضى على الحلول المثلى وتؤطر الشعب وتنير له الطريق.

2 - التداول على السلطة: حكمة بشرية تعصم المجتمع من الاستبداد، وتمنحه مناعة ضد التسلط الأبدي، وتمكنه من التطور وجودة تدبير الشأن العام.

3 - سيادة الشعب: مزية مهمة يؤكد جدواها والحاجة إليها ما يعيشه المسلمون من استبداد وفتنة وسيطرة القائد الملهم الذي لا راد لقوله ولا معقب لحكمه، لا يري الناس إلا ما يرى. مزية تعطي للشعب جدوى وتأثيرا عكس ما يعيشه اليوم من سلبية وانتظارية وقمع لحريته وسلب لإرادته وتوجيه لاختياراته.

4 - فصل السلط وسيادة القانون: حكمة بشرية، وميزان توزن به الدول في مجال الترقي الإنساني، وعاصم من نموذج دولة تسير بهوى الحكام ومصالح صنائعهم، وتؤسس لدولة يعرف فيها كل فرد ومؤسسة حقه وواجباته، وأسلوب حضاري لتفادي الفوضى والعشوائية.

5 - الحريات العامة: هي نقطة لقاء. بيننا وبين الداعين إليها نفور من الخنق والاستبداد وتوقان

إلى حرية تتعدد فيها الآراء والأساليب والوسائل. بها ينتقل الناس من رعية مسلوبة الإرادة وذهنية رعوية إلى مواطنين لهم كرامتهم وإرادتهم يستخدمونها للحفاظ على كيان مجتمعهم وحماية مصالحهم وهويتهم.

كل هذه حكم ومزايا لو لم تخترعها الديمقراطية للزم أن نخترعها نحن حتى نجتهد لزماننا ومكاننا وظروفنا كما اجتهد من سبقنا بإيمان وإتقان.

لكننا لا نفتأ نؤكد أنها ستبقى حبرا على ورق وأماني معسولة إن لم نجعل بيننا وبينها ميثاقا يكون عهدا ورباطا يضمن استمرارية في الكليات ويترك باب الاجتهاد فيما دون ذلك.

3 - بأي أسلوب: الولاية

كيف ندبر السلطة في ظل اختلاف الأفكار والرؤى، كيف نسير المؤسسات المنتخبة، ونحرك المجتمع في ظل تعدد الأحزاب والجماعات، سؤال عريض، لا يمكن للديمقراطية أن تجيب عنه، اللهم فيما يتعلق بالشق التقني الآلياتي، مادامت هي نفسها تشكو من غياب الأخلاق والمروءات، وتئن من هول التحالفات واللوبيات، فهذا حزب تتعارض أفكاره مع حزب الأغلبية، فتبدأ التحالفات من أجل إطاحته، وهذا برنامج يعارض تطبيقه... وضاعت مصلحة الشعب، وغابت الشعارات وتبخرت الآمال.

أسئلة لا نجد الأجوبة عنها إلا في كلمة جامعة مانعة الولاية بين المؤمنين، يقول الله عز وجل ﴿ المومنون والمومنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر﴾ .

قال أهل اللغة الولاية، بفتح الواو وكسرها، تشمل معاني المحبة والقرب والنصرة والتدبير والقدرة والفعل والصداقة والاعتقاد.

هكذا يجب أن ينجمع المؤمنون، في إطار ولاية بينهم، روحها المحبة والشورى والنصيحة، مهما اختلفت الانتماءات والتحزبات، "يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر"، يتعاونون فيما اتفقوا عليه، ويتشاورون فيما اختلفوا فيه، مصلحة الشعب ومصلحة الأمة هي الأولى فوق أي اعتبار، وهنا لابد من صحافة قوية ومسؤولة، تعبر عن أراء الشعب، وتفضح كل منافق نصاب يسعى بين الناس بالفتنة، لابد من مجتمع يعرف ما له وما عليه، ليس مجتمع الأميات (جمع أمية) الذي تراهن عليه أنظمة الجبر، في اكتساب مشروعيتها وتدويخه بالشعارات والتغييرات...لابد من قومة تعليمية، تنور العقول وتلين القلوب للمحبة والإخاء، لابد من شعب مشارك في حركية أمته التاريخية، مسؤول عن تحقيق التنمية، نشيط في حركة جمعوية، تكون ساعد الدعوة في تحقيق التوبة الجامعة، ويد الدولة في تطبيق البرامج التنموية.

يقول الأستاذ عبد السلام ياسين "القومة على منهاج النبوة تريد تضافرا جماعيا على الجهاد، تريد توحيدا للجهود، وتفاعلا من قريب مع الواقع، وقوة تدبيرا وفعلا مقتدرا، وهذا ما تدل عليه كلمة ولاية بفتح الواو وكسرها" [6].

وتشترط الولاية بين أحزاب الأمة، ميثاقا مرجعيا يشكل ضابطا قانونيا، للتصرفات والسلوكات، على غرار دستور المدينة الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لتنظيم العلاقات داخل المدينة ومن أبرز ما جاء فيه: "وإن المومنين المتقين على من بغى منهم أو ابتغى دسيعة ظلم أو إثم أو عدوان أو فساد بين المومنين، وإن أيديهم عليه جميعا ولو كان ولد أحدهم..." [7].

ولم يستثن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الوثيقة، أحدا بل حتى اليهود أدخلهم ضمن بنودها "وإنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم" [8].

قد يبدو للقارئ أن الولاية في ظل تعددية سياسية وفكرية، أهازيج على سمفونية المدينة الفاضلة، كلا إنها حقيقة تاريخية، تحققت في عهد نظام سياسي وحيد هو نظام الخلافة الراشدة، فكان الكل مشارك في تدبير الأمة، لا فرق بين الرئيس والمرؤوس، الكل مسؤول، الكل يعبر عن رأيه ويطالب بحقه.

إن الولاية بين المؤمنين هي دم المحبة والإخلاص والصدق، الذي يستشري في جسم الأمة، ويربطها بغاية سماوية، هي ابتغاء رضى الله، وغاية أرضية، وهي الاستخلاف في الأرض، وتأسيس العمران الأخوي.

-----------------------------------------------------------
[1] مواقف جماعة العدل والإحسان من خلال ناطقها الرسمي، إعداد حسن بناجح، مطبعة الخليج العربي، ص 119.
[2] مقدمة ابن خلدون، تحقيق درويش جويدي، المكتبة العصرية، ص177.
[3] نفسه، ص 178.
[4] سنة الله، عبد السلام ياسين، مطبعة النجاح الجديدة، ص305.
[5] جماعة العدل والاحسان: الهوية، الغايات، المواقف، الوسائل. منشور على موقع الجماعة: www.aljamaa.net
[6] كتاب العدل: الإسلاميون والحكم، عبد السلام ياسين، مطبوعات الصفاء للإنتاج، ط:1، ص243.
[7] السيرة النبوية، ابن هشام، ج2.
[8] نفسه.



تاريخ النشر: الإثنين 29 مارس 2010

hassan_1677
07-06-2010, 09:17
شكراً لك اخي الكريم

krit01
07-06-2010, 10:45
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
جزاك الله خيرا اخي الكريم
حبدا لو كان ممكن من الادارة ان تضعه في الصفحة الرئيسة في الاعلى ولكم واسع النظر

prof09
07-06-2010, 19:42
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أكرمك الله أخي الفاضل وبارك فيك

عادل محسن
13-07-2010, 01:28
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكرا لمروركم جميعا
تقبل الله منا ومنكم صالح الاعمال