مشاهدة النسخة كاملة : كان خلقه القرآن



محبة العدل والإحسان
20-04-2010, 07:00
كان خلقه القرآن


كان خلقة القرآن – صلوات الله وسلامه عليه وأخلاقه -صلى الله عليه وسلم - من أعظم دلائل نبوته.
إذا كان القرآن هو أعظم معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أخلاقه الكريمة صلوات الله وسلامه عليه هي من أعظم دلائل نبوته ، إذ لما سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها – عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : كان خلقة القرآن وهذا ما بينه العلماء .

قال الإمام ابن كثير رحمة الله في كتابة " شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم ما نصه :
ومن الدلائل المعنوية أخلاقه عليه السلام الطاهرة ، وخلقه الكامل ، وشجاعته وحلمه ، وكرمه وزهده ، وقناعته وإيثاره ، وجميل صحبته ، وصدقة وأمانته ، وتقواه وعبادته ، وكرم أصله ، وطيب مولده ومنشئته ومرباه ، كما قدمناه مبسوطا في مواضعه .

وما أحسن ما ذكره شيخنا العلامة أبو العباس بن تيمية رحمه الله في كتابة الذي رد فيه على فرق النصارى واليهود وما أبههم من أهل الكتاب وغيرهم ، فإنه ذكر فى آخره دلائل النبوة ، وسلك فيها مسالك حسنة صحيحة منتجة ، بكلام بليغ يخضع له كل من تأمله وفهمه .

قال في آخر هذا الكتاب المذكور :
وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأخلاقه و أقواله وأفعالة من آياته ، أي من دلائل نبوته .
قال : وشريعته من آياته ، وأمته من آياته ، وعلم أمته من آياته ، ودينهم من آياته ، وكرامات صالحى أمته من آياته ، وذلك يظهر بتدبر سيرته من حين ولد إلى بعث ، ومن حين بعث إلى أن مات ، وتدبر نسبه وبلده وأصله وفصله .

فإنه كان من أشرف اهل الأرض نسباً من صميم سلالة إبراهيم الذي جعل الله فى ذريته النبوة والكتاب ، فلم يأت بعد إبراهيم نبى إلا من ذرته ، وجعل الله له ابنين إسماعيل وإسحاق ، وذكر في التوراة هذا وهذا ، وبشر فى التوراة بما يكون من ولد إسماعيل .

ولم يكن من ولد إسماعيل من ظهر فيه ما بشرت به النبوات غيره ، ودعا إبراهيم لذرية إسماعيل بان يبعث الله فيهم رسولاً منهم .

ثم الرسول صلى الله عليه وسلممن قريش صفوة بنى إبراهيم ، ثم من بنى هاشم صفوة قريش ، ومن مكة أم القرى وبلد البيت الذي بناه إبراهيم ودعا الناس إلى حجه ولم يزل محجوجاً من عهد إبراهيم ، مذكوراً فى كتب الأنبياء بأحسن وصف .

وكان صلى الله عليه وسلم من أكمل الناس تربية ونشأة ، لم يزل معروفاً بالصدق والبر ومكارم الأخلاق والعدل ، وترك الفواحش والظلم وكل وصف مذموم ، مشهوداً له بذلك عند جميع من يعرفه قبل النبوة ، ومن آمن به ، ومن كفر بعد النبوة ، ولا يعرف له شئ يعاب به ولا فى اقواله ولا فى أفعالة ولا فى أخلاقه ، ولا جرب عليه كذبة قط ، ولا ظلم ولا فاحشة .

وقد كان صلى الله عليه وسلم خلقه وصورته من أحسن الصور وأتمها وأجمعها للمحاسن الدالة على كماله ، وكان أميا من قوم أميين لا يعرف هو ولا هم ما يعرفه أهل الكتاب من التورته والإنجيل ، ولم يقرا شيئاً من علوم الناس ، ولا جالس أهلها ، ولم يدع نبوة إلى أن أكمل الله له أربعين سنة ، فأتى بأمر هو أعجب الأمور وأعظمها ، وبكلام لم يسمع الأولون والآخرون بنظيره ، وأخبر بأمر لم يكن في بلده وقومه من يعرف مثله .

ثم اتبعه أباع الأنبياء وهم ضعفاء الناس ، وكذبه أهل الرياسة وعادوة ، وسعوا في هلاكه وهلاك من اتبعه بكل طريق ، كما كان الكفار يفعلون بالأنبياء وأتباعهم .

والذين اتبعوه لم يتبعوه لرغبة ولا لرهبة ، فإنه لم يكن عنده مال يعطيهم ، ولا جهات يوليهم إياها ، ولا كان له سيف ، بل كان السيف والجاه والمال مع أعدائه ، وقد آذوا أتباعه بأنواع الأذى ، وهم صابرون محتسبون ، لا يرتدون عن دينهم ، لما خالط قلوبهم من حلاوة الايمان والمعرفة .

محبة العدل والإحسان
20-04-2010, 07:01
وكانت يحجها العرب من عهد إبراهيم ، فيجتمع في الموسم قبائل العرب ، فيخرج إليهم يبلغهم الرسالة ويدعوهم إلى الله صابرا على مايلقاه من تكذيب المكذب ، وجفاء الجافي ، وإعراض المعرض ، إلى أن اجتمع بأهل يثرب وكانوا جيران اليهود ، وقد سمعوا أخباره منهم وعرفوه ، فلما دعاهم علموا أنه النبي المنتظر الذي يخبرهم به اليهود ،وكانوا سمعوا من أخباره أيضاً ما عرفوا به مكانته ، فإن امره كان قد انتشر وظهر في بضع عشرة سنو فأمنوا به وبايعوه على هجرته وهجرة أصحابة الى بلدهم ، وعلى الجهاد معه ، فهاجر هو ومن اتبعه الى المدينة ، وبها المهاجرون والأنصار ليس فيهم من آمن برغبة دنيويه ، ولا برهبة إلا قليلاً من الأنصار أسلموا في الظاهر ثم حسن إسلام بعضهم ، ثم أذن له في الجهاد ، ثم أمر به .

ولم يزل قائماً بأمر الله على أكمل طريقة وأتمها ، من الصدق والعدل والوفاء لا يحفظ له كذبه واحدة ، ولا ظلم لأحد ، ولا غدر بأحد ، بل كان أصدق الناس وأعدلهم وأوفاهم بالعهد مع اختلاف الأحوال ، من حرب وسلم ، [ وأمن ] وخوف ، وغنى وفقر ، وقدرة وعجز ، وتمكن وضعف ، وقلة وكثرة ، وظهور على العدو تارة ، وظهور العدو تارة .

وهو على ذلك كله لازم لأكمل الطرق وأتمها ، حتى ظهرت الدعوة في جميع أرض العرب التى كانت مملوءة من عبادة الأوثان ، ومن أخبار الكهان ، وطاعة المخلوق في الكفر بالخالق ،و سفك الدماء المحرمة ، وقطيعة الأرحام ، لا يعرفون آخره ولا معاداً ، فصاروا أعلم أهل الأرض وأدينهم و أعدلهم وأفضلهم ، حتى إن النصارى لما رأوهم حين قدموا الشام قالوا : ما كان الذين صحبوا المسيح أفضل من هؤلاء ! .

وهذه آثار علمهم وعملهم في الأرض وآثار غيرهم ، يعرف العقلاء فرق ما بين الأمرين .

وهوصلى الله عليه وسلم مع ظهور أمره ، وطاعة الخلق له ، وتقديمهم له على الأنفس والأموال ، مات ولم يخلف درهما ولا ديناراً ، ولا شاة ولا بعيراً ، إلا بلغته وسلاحة ودرعه مرهونة عند يهودي على ثلاثين وسقا من شعير ابتاعها لأهلة ، وكان بيده عقار ينفق منه على أهله ، والباقي يصرفه في مصالح المسلمين ، فحكم بأنه لا يورث ولا يأخذ ورثته شيئاً من ذلك .

وهو في كل وقت يظهر من عجائب الآيات وفنون الكرامات ما يطول وصفه ، وخبرهم بما كان وما يكون ، ويامرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ، ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ، ويشرع الشريعة شيئاً بعد شئ .

حتى أكمل الله دينه الذي بعثه به ، وجاءت شريعته أكمل شريعة ، لم يبق معروف تعرف العقول أنه معروف إلا أمر به ، ولا منكر تعرف العقول أنه منكر إلا نهي عنه لم يامر بشئ فقيل : ليته لم بأمر به ، ولا نهي عن شئ فقيل : ليته لم ينه عنه وأحل لهم الطيبات لم يحرم منها شيئاً كما حرم في شريعه غيره ، وحرم الخبائث لم يحل منها شيئاً كما استحل غيره .

وجمع محاسن ما عليه الأمم ، فلا يذكر في التوراة والانجيل والزبور نوع من الخبر عن الله وعن الملائكة وعن اليوم الآخر وقد جاء به على أكمل وجه ، وأخبر بأشياء ليست في الكتب ، وليس في الكتب إيجاب وقضاء بفصل وندب إلى الفضائل وترغيب في الحسنات إلا وقد جاء به وبما هو احسن منه .

وإذا نظر اللبيب فى العبادات التي شرعها وعبادات غيره من الأمم ظهر له فضلها ورجحانها ، وكذلك فى الحدود والأحكام وسائر الشرائع .

وأمته أكمل الأمم فى كل فضيلة ، وإذا قيس علمهم بعلم سائر الأمم ظهر فضل علمهم ، وإن قيس دينهم وعباداتهم وطاعتهم لله بغيرهم ظهر أنهم أدين من غيرهم ، وإذا قيس شجاعتهم وجهادهم فى سبيل الله وصبرهم على المكارة فى ذات الله ، ظهر أنهم أعظم جهاداً وأشجع قلوبا .

وإذا قيس سخاؤهم وبرهم وسماحة أنفسهم بغيرهم ، ظهر أنهم أسخى وأكرم من غيرهم .

وهذه الفضائل به نالوها ، ومنه تعلموها ، وهو الذي أمرهم بها ، لم يكونوا قبله متبعين لكتاب جاء هو بتكمبله ، كما جاء المسيح بتكميل شريعة التوراة ، فكانت فضائل أتباع المسيح وعلومهم بعضها من التوراه وبعضها من الزبور وبعضها من النبوات وبعضها من المسيح وبعضها ممن بعده كالحواريين ومن بعض الحواريين ، وقد استعانوا بكلام الفلاسفة وغيرهم حتى أدخلوا – لما غيروا دين المسيح – فى دين المسيح أموراً من أمور الكفار المناقضة لدين المسيح .

وأما أمة محمد صلى الله عليه وسلم فلم يكونوا قبله يقرءون كتاباً ، بل عامتهم آمنوا بموسى وعيسي وداود والتوراة والإنجيل والزبور إلا من جهته ، وهو الذي أمرهم أن يؤمنوا بجميع الأنبياء ، ويقروا بجميع الكتب المنزلة من عند الله ، ونهاهم عن أن يفرقوا بين أحد من الرسل ، فقال تعالى فى الكتب الذي جاء به : " قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتى موسى وعيسي وما أوتى النبيون من ربهم ، لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ، فإن أمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم" وقال تعالي : " آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين احد من رسله ، وقالوا سمعنا وأطعنا ، غفرانك ربنا وإليك المصير ، لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لهاما كسبت.

وأمته عليه السلام لا يستحلون أن يوجدوا شيئاً من الذين غير ما جاء به ، ولا يبتدعون بدعة ما أنزل الله بها من سلطان ، ولا يشرعون من الدين مالم ياذن به الله ، لكن ما قصة عليهم من أخبار الأنبياء وأممهم ، اعتبروا به ، وما حدثهم أهل الكتاب موافقا لما عندهم صدقوه ، وما لم يعلم صدقة ولا كذبه أمسكوا عنه ، وما عرفوا بأنه باطل كذبوه ،ومن أدخل في الدين ما ليس منه من أقوال متفلسفة الهند والفرس واليونان أو غيرهم ، كان عندهم من أهل الإلحاد والابتداع .

محبة العدل والإحسان
20-04-2010, 07:03
وهذا هو الدين الذي كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون ، وهو الذي عليه أئمة الدين الذين لهم فى الأمة لسان صدق ، وعليه جماعة المسلمين وعامتهم ومن خرج عن ذلك كان مذموماً مدحوراً عند الجماعة ، وهو مذهب اهل السنة والجماعة الظاهرين الى قيام الساعة الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة "

وقد يتنازع بعض المسلمين مع اتفاقهم على هذا الأصل الذي هو دين الرسل عموماًِ ودين محمد صلى الله عليه وسلم خصوصاً ومن خالف هذا الأصل كان عندهم ملحداً مذموماً .
ليسوا كالنصارى الذين ابتدعوا ، ديناً ما قام به ـكابر علمائهم وعبادهم ، وقاتل عليه ملوكهم ، ودان به جمهورهم ، وهو دين مبتدع لي هو دين المسيح ولا دين غيره من الأنبياء.

والله سبحانه أرسل رسله بالعلم النافع ، والعمل الصالح ، فمن اتبع الرسل حصل له سعادة الدنيا والأخرة ، وإنما دخل فى البدع من قصر فى ابتاع الأنبياء علما وعملاً .
ولما بعث الله محمد صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ، تلقي ذلك عنه المسلمون [ من أمته ] فكل علم نافع وعمل صالح عليه أمة محمد ، أخذوه عن نبيهم ، كما ظهر لكل عاقل أن أمته اكمل الأمم في جميع الفضائل العلميه والعملية ، ومعلوم أن كا كمال في الفرع المتعلم هو في الأصل المعلم ، وهذا يقتضي أنه عليه السلام كان أكمل الناس علما وديناً .

محبة العدل والإحسان
20-04-2010, 07:04
وهذه الأمور توجب العلم الضروري بانه كان صادقاً في قولة : " أنى رسول الله اليكم جميعاً " لم يكن كاذباً مفترياً ، فإن هذا القول لا يقوله إلا من هو من خيار الناس وأكملهم ، إن كان صادقاً أو من هو من أشر الناس وأخبثهم أن كان كاذباً ، وما ذكر من كمال علمه ودينه يناقض الشر والخبث والجهل ، فتعين انه متصف بغاية الكمال في العلم والدين ، وهذا يستلزم أنه كان صادقاً فى قوله : " إنى رسول اللع إليكم جميعاً " .
لأن الذي لم يكن صادقاً إما أن يكون متعمد للكذب أو مخطئاً ، الأول يوجب أنه كان ظاملاً غاوياً ، والثاني يقتضي أنه كان جاهلاً ضالا ، ومحمد صلى صلى الله عليه وسلم كان علمة ينافي جهلة ، وكمال دينه ينافي تعمد الكذب ، فالعلم بصفاته يستلزم العلم بأنه لم يكن يتعمد الكذب ولم يكن جاهلاً يكذب بلا علم ، وإذا انتفى هذا وذاك تعين أنه كان صادقاً عالما بانه صادق ، ولهذا نزهة الله عن هذين المرين بقوله تعالي " والنجم إذا هوى ، ماضل صاحبكم وما غوى ، وما ينطق عن الهوى ، غن هو إلا وحى يوحي " وقال تعالى عن الملك الذي جاء به " إنه لقول رسول كريم ذى قوة عند ذى العرش مكين مطاع ثم أمين " . ثم قال عنه : " وما صاحبكم بمجنون ، ولقد رآه بالافق المبين وما هو على الغيب بضنين ، وما هو بقول شيطان رجيم ، فأين تذهبون ، إن هو إلا ذكر للعالمين وقال تعالي " وإنه لتنزيل رب العالمين ، نزل به الروح الامين ، على قلبك لتكون من المنذرين ، بلسان عربي مبين " إلى قوله : " هل أنبئكم على من تنزل الشياطين ، تنزل على كل أفاك أثيم ، يلقون السمع وأكثرهم كاذبون "

بين سبحانه أن الشيطان إنما ينزل على من يناسبه ليحصل به غرضه ، فإن الشيطان يقصد الشر ، وهو الكذب والفجور ، ولا يقصد الصدق والعدل ، فلا يقترن إلا بمن فيه كذب ، إما عمدا وإما خطأ ، وفجور أيضاً ، فإن الخطأ في الدين هو من الشيطان أيضاً ، كما قال ابن مسعود لما سئل عن مسألة : أقول فيها برأي ، فإن يكن صواباً فمن الله وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان ، والله ورسوله بريئان منه .
فإن رسول الله برئ من تنزل الشياطين عليه فى العمد والخطأ .
بخلاف غير الرسول فإنه قد يخطئ ويكون خطؤه مغفوراً له ، فإذا لم يعرف له خبر أخبر به كان فيه مخطئاً ولا أمر أمر به كان فيه فاجرا ،علم أن الشيطان لم ينزل عليه و إنما ينزل عليه ملك كريم ،ولهذا قال فى الآية الأخرى عن النبى " انه لقول رسول كريم ، وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ،ولا كاهن قليلا ما تذكرون تنزيل من رب العالمين " .

إسلامية الفاروق
20-04-2010, 07:10
اللهم صلي علي حبيبنا ونبينا محمد عليه افضل الصلوات والسلام


بوركت يداكي


وجعله الله في ميزان حسناتك اختي محبة العدل والجماعة