عادل محسن
12-05-2010, 00:02
تقرير حرية الصحافة/النقابة الوطنية للصحافة المغربية 3/1
النقابة الوطنية للصحافة المغربية
تقرير حرية الصحافة
03 مايو 2009 ـ 02 مايو 2010
المحتويات:
- تقديم
- وكالة المغرب العربي للأنباء
- الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة
- القناة الثانية
- الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري
- الصحافة المكتوبة الورقية
الملحق:
ـ رصد حالات الخروقات والإشكالات المرتبطة بحرية الصحافة - ماي 2009 إلى ماي 2010.
تقديم
دأبت النقابة الوطنية للصحافة المغربية على إعداد تقرير سنوي حول حرية الصحافة والإعلام، بمناسبة 3 مايو، الذي تقدم فيه مختلف الهيآت الوطنية والدولية، المشتغلة في هذا المجال، تقييماتها وتقاريرها حول حصيلة ممارسة هذه الحرية، والتحديات التي تواجهها، والصعوبات التي تعترض عمل الصحفيين، والتي تصل في بعض مناطق العالم، إلى درجة القتل والاختطاف والسجن والاعتداء الجسدي...
ملاحظات منهجية:
إن المنهجية التي تستعملها النقابة في وضع تقاريرها، تعتمد على مؤشرات متنوعة ومتعددة، تهدف إلى الإحاطة الشاملة بإشكالية حرية الصحافة والإعلام، في مختلف جوانبها، سواء تعلق الأمر بحرية الصحافة المكتوبة أو بشفافية ملكية وسائل الإعلام، أو بكيفية توزيع الإعلانات... كما تهتم النقابة بجوانب أخلاقيات المهنة، التي لا تستقيم الممارسة الصحفية بدونها، وتستحيل ممارسة حرية الصحافة والإعلام بدون احترامها.
وتولي كذلك أهمية بالغة لمسألة الحق في الخبر كأداة أساسية في أي نظام ديمقراطي، وتعتبر النقابة أن الإعلام المرئي والمسموع، يلعب دورا كبيرا في ممارسة حرية الإعلام، لذلك، لابد من خضوعه لمعايير الموضوعية والنزاهة والتوازن والتنوع، وخدمة المنفعة العامة، كل هذا، في إطار نظام يناهض الاحتكار، ويعطي للشعب حق مراقبة وسائل الإعلام العمومية، بما في ذلك وكالات الأنباء التابعة للدولة.
وتربط بين كل هذه الجوانب، كيفية تطبيق الحكامة الرشيدة بواسطة التدبير العقلاني والجيد للمقاولات والمؤسسات الصحفية والإعلامية، خاصة ما يهم إدارة الموارد البشرية، سواء في تكافؤ الفرص أو في منحها كل شروط وظروف العمل الملائمة للقيام بالتقصي اللازم، وإتقان العمل التحريري والفني، وتقديم منتوج جيد.
وفي هذا الإطار، يلعب التنظيم النقابي دورا أساسيا في تأطير الصحافيين ومختلف العاملين والدفاع عن حقوقهم، والسهر على تأدية الواجب، ضمن هياكل وبنيات عادلة ومنصفة تحترم كرامتهم.
وبالإضافة إلى كل هذه المؤشرات، تعتبر النقابة أن التكوين والتكوين المستمر للصحفيين ولكل العاملين، دور أساسي في تأهيلهم للقيام بدورهم الذي ينتظره المجتمع، من أجل تقديم الخبر النزيه، والتحليل الموضوعي والمنتوج الجيد، الذي يساعد المواطن على تكوين رأيه، والتعرف على محيطه القريب والوطني والدولي، والمساهمة الفاعلة في تقرير مصيره على كل المستويات.
إن قياس هذه المؤشرات، هو ما أثبتته منظمة اليونسكو في برنامجها الذي أطلقت عليه: "إطار لتقييم تنمية وسائل الإعلام"، والذي صادق عليه المجلس الدولي الحكومي، في دورته السادسة والعشرين، بتاريخ مارس 2008.
وتقسم اليونسكو، هذه المؤشرات إلى خمس فئات:
الفئة 1 : أنظمة مؤاتية لحرية التعبير وتعددية وسائل الإعلام وتنوعها : توفر إطار قانوني وتنظيمي وخاص بالسياسات يحمي حرية التعبير والمعلومات ويروج لهما ويستند الى المعايير الدولية للممارسة الفضلى وقد تمت تنميتها بالاشتراك مع المجتمع المدني.
الفئة 2 : تعددية وسائل الإعلام وتنوعها، مساواة اقتصادية وشفافية الملكية : تروج الدولة بشكل ناشط لتنمية القطاع الإعلامي بطريقة تتفادى التركز غير الضروري وتضمن التعددية الملكية والمضمون وشفافيتهما في أوساط وسائل الإعلام العامة والخاصة والمجتمعية.
الفئة 3 : وسائل الإعلام كمنصة للخطاب الديمقراطي : في إطار جو سائد من التنظيم الذاتي واحترام مهنة الصحافة، تعكس وسائل الإعلام تنوع الآراء والمصالح في المجتمع وتمثله، بما في ذلك آراء المجموعات المهمشة ومصالحها. ويتوفر مستوى عال من القرائية الإعلامية والخاصة بالمعلومات.
الفئة 4 : بناء القدرات المهنية ودعم المؤسسات التي تعزز حرية التعبير والتعددية والتنوع : يمكن الإعلاميون النفاذ إلى التدريب والتنمية المهنيين على المستويين الأكاديمي والمهني، في كافة مراحل حياتهم المهنية. أما قطاع الإعلام، فهو خاضع لرقابة الجمعيات المهنية ومنظمات المجتمع المدني ويحظى بدعمها في آن.
الفئة 5 : قدرة البنية التحتية كافية لدعم استقلالية وسائل الإعلام وتعدديتها : يتميز قطاع الإعلام بمستويات عالية أو مرتفعة من نفاذ الجمهور إليه، بما في ذلك المجموعات المهمشة، وباستعمال فعال للتكنولوجيا بهدف جمع الأخبار والمعلومات المناسبة للسياق المحلي وتوزيعها.
وفي إطار هذا التحليل، تؤكد وثيقة اليونسكو، أنه ينبغي أن يتم الأخذ بهذه الفئات معا من أجل خلق صورة شمولية للبيئة الإعلامية. فما من فئة أكثر أهمية من فئة أخرى وتفترض هذه الوثيقة أن كل من الفئات هامة بحد ذاتها. ولا مناص في أن المؤشرات، إذا ما أخذناها كمجموعة، تؤمن صورة طموحة تتيح وضع خارطة شاملة للبيئة الإعلامية.
وكانت النقابة الوطنية للصحافة المغربية، قد نظمت بتاريخ 19 مارس 2010 بمراكش، ندوة دولية شاركت فيها قيادات من اتحاد الصحفيين العرب والفيدرالية الدولية للصحفيين، وخبراء من سويسرا والمغرب، لدراسة كيفية صياغة التقارير حول حرية الصحافة والإعلام.
وكانت الخلاصة الرئيسية لهذه الندوة، أنه لابد من اعتماد مؤشرات متنوعة وشاملة، كتلك التي أقرتها اليونسكو، والابتعاد عن التصنيفات التبسيطية والترتيب الإحصائي الذي تقوم به بعض المنظمات الدولية، والذي يكون مختزلا وتبسيطيا، وغير قادر على الإلمام بكل الجوانب، ناهيك عن اعتماده على استمارة غير علمية، وعلى مراسلين لهم مواقف مسبقة من الهيآت النقابية، بالإضافة إلى اعتمادهم على ما ينشر في الأنترنيت، دون التحقق والتمحيص.
حرية الصحافة في المغرب:
انطلاقا من المؤشرات المذكورة، قامت النقابة بتقييم شامل لحصيلة الفترة الممتدة بين 3 ماي 2009 و3 ماي 2010، وتبين لها أن المظاهر والتوجهات السلبية التي سجلتها في السنوات الماضية، قد تجمعت وتركزت بشكل ملفت للانتباه، خلال هذه الفترة، مما أصبح يهدد بشكل جلي، كل المكتسبات التي تحققت في مجال الصحافة والإعلام.
وإذا كانت النقابة الوطنية للصحافة المغربية، تختلف عن الأحكام القطعية التي تصدرها بعض المنظمات الدولية، والتي تنطلق من مؤشرات جزئية، لتصف حالة المغرب بأنها تقع في مصاف البلدان التي تفتقد كلية إلى حرية الصحافة، فإن الوضع، مع ذلك، أصبح مقلقا، وهو ما عبرت عنه نقابتنا في العديد من بلاغاتها ومذكراتها ومواقفها.
ولا يتعلق الأمر هنا فقط بما حصل من إجراءات تحكمية واضحة، عندما تم إغلاق مقر جريدة "أخبار اليوم"، بدون أي سند قانوني، بالإضافة إلى اعتقال مدير أسبوعية "المشعل"، بل أيضا بكل الأجواء التي خلقتها الاستنطاقات البوليسية الطويلة في ساعات متأخرة من الليل، ومناخ الخوف والترهيب الذي مارسته قوات الأمن تجاه العديد من الصحفيين، كل هذا ساهم بشكل واضح في تدني صورة المغرب لدى الرأي العام، رغم أنه، في نفس الوقت الذي كانت تحصل فيه هذه الإجراءات و المتابعات لم تتخذ السلطات المغربية أي إجراء ضد نشر استجوابات في بعض الصحف المغربية، مع الانفصالية "أمينتو حيدر"، والتي دافعت عن نشاطها السياسي المناهض للوحدة الترابية المغربية، بل تهجمت بأسلوب لااخلاقي أيضا على كل الذين خالفوها الرأي.
وبصفة عامة، إن الأجواء التي عاشها المغرب خلال الفترة الضيقة التي تجمعت فيها هذه المتابعات والإجراءات القمعية، شكلت خطرا يهدد بالتراجع عن المكتسبات، ليس فقط بما حملته من خرق واضح للقانون، بل أيضا بما تكرسه من ممارسات تحكمية. وككل مثل هذه التجارب، لم يكن القضاء في مستوى إحقاق العدل، كما تبين ذلك بوضوح في نازلة إغلاق مقر جريدة أخبار اليوم.
وإذا كان هذا حال القضاء، فإن الجهاز التنفيذي أيضا، ظل عاجزا عن مواجهة هذه الممارسات التحكمية، كما أن الفرق البرلمانية لم تتخذ أي خطوة تذكر، ضد هذه الممارسة التي لا تحترم القانون
ويمكن القول إن الصحافة المغربية وسعت هوامش الحرية، حيث اخدت تتطرق أكثر فأكثر الى موضوعات كانت محرمة في السابق، غير أن التجاوزات والخروقات التي عرفها المغرب ارتبطت على الخصوص في المسطرة المتبعة من طرف السلطات لمعالجة إشكاليات مثل رفضها لرسم الكاريكاتير للملك وللعائلة الملكية، و منع استطلاعات الرأي التي تهم شخص الملك، وعدم قبول تناول الحياة الخاصة لكل أفراد الأسرة الملكية.
وإذا كانت هذه الممارسات الصحفية مقبولة بنوع من التفاوت، و حسب الحالات و السياقات، في بلدان أخرى متقدمة في مجال الحريات والديمقراطية، فإنها في المغرب تثير جدلا كبيرا، انعكس في عدد من الصحف، حيث نشرت مقالات اعتبرت أن التعرض للحياة الشخصية للملك، وخاصة لما يرتبط بوضعيته الصحية، يعتبر أمرا حميما لا يجوز الخوض فيه دون موافقة المعني بالأمر، ما لم يكن له تأثير مؤكد على سير الشأن العام. كما أن استطلاعات الرأي حول شخص الملك، اعتبرت بدورها، غير مقبولة، نظرا لكونه لا يترشح للانتخابات و يمثل السيادة الوطنية . ونفس الانتقاد، وجه أيضا للكاريكاتير الذي مس عرس الأمير مولاي إسماعيل، بالإضافة إلى كل ما يتعلق بالحياة الخاصة للأسرة الملكية.
وتبين من خلال متابعتنا لمجمل هذه التطورات والقضايا، أن هناك مشاكل معقدة ومتداخلة، فهناك، من جهة، تهديدات حقيقية، نتجت عن ردود فعل السلطة المتشنجة و الخارجة عن نطاق القانون، وهناك، من جهة أخرى، قضايا شائكة تهم أخلاقيات المهنة وإشكالات لا يمكن تجاوزها في إطار السياق السياسي للمغرب، لذلك رفعت النقابة شعارا تؤكد فيه أنه لا يمكن قبول أي تراجع عن حرية الصحافة، مع تأكيدها على ضرورة احترام أخلاقيات المهنية.
وقد انطلقت النقابة في هذا الشعار، من إدراكها العميق لكيفية الحفاظ على المكتسبات، وضمان ممارسة الحريات، دون السقوط في فخ ممارسة خروقات لقيم الصحافة الأخلاقية، التي تستند على المسؤولية الاجتماعية، وعلى ضرورة خدمة الصالح العام، دون الانزلاق في الإثارة والأهداف الميركنتيلية الصرفة.
وتجاه هذه الوضعية الملتبسة، دعت النقابة إلى حوار وطني، وأكدت على ضرورة أن يتحمل كل طرف مسؤوليته تجاه هذا الوضع، وفتحت حوارا إيجابيا مع الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، حيث تم الاتفاق على تنسيق الجهود، من أجل حماية حرية الصحافة، وإرساء قواعد أخلاقيات المهنة، وفتح ملف المقاولة الصحفية التي تعيش في ظل هشاشة واضحة، وحكامة متخلفة، لا يمكن أن تقدم إلا المنتوج الضعيف.
وقامت النقابة، رفقة الفيدرالية، باتصالات مع الأحزاب السياسية، قصد فتح حوار وطني بمساهمة كل الفاعلين الذين لهم علاقة بميدان الصحافة والإعلام، قصد المناقشة الشاملة للوضعية. وهذا ما تم بالإعلان عنه في افتتاح الحوار الوطني بتاريخ 28 يناير 2010، حيث أكدت النقابة على ما يلي:
1- قطعت بلادنا أشواطا، إذا ما قارنا وضعنا الحالي بما كنا عليه خلال سنوات مضت، حيث سنلاحظ أننا أصبحنا أكثر انفتاحا في مجال الصحافة المكتوبة، وأننا نتوفر على إذاعات خاصة، وعلى قوانين، وهيئة لتأطير القطاع السمعي البصري.
لكننا، وفي إطار هذه التطورات، التي يمكن أن نسميها بالمكتسبات، مقارنة مع السنوات السابقة، سنجد أنفسنا أمام كبوات رافقت مسيرة الصحافة المكتوبة، وأمام العديد من الحالات التي حصل فيها تعسف ملموس وظلم واضح.
فلم يعد المشكل الرئيسي هو فقط إصلاح قانون الصحافة، بل أصبحنا، أيضا، أمام استعمال قوانين أخرى، لتبرير هذا الظلم، بل إننا وجدنا أنفسنا، أحيانا، أمام تعسف بدون سند قانوني. وهذا ما يضعنا أمام إشكالية كبرى، في مدى مصداقية دولة الحق والقانون، واستقلالية القضاء، الذي ينبغي أن يكون ضامنا للحريات.
2- بالرغم من كل الجهود التي بُذلت في مجال وسائل الإعلام العمومية، فإنها لا تكفي لكي تستجيب للطموح الذي انتظره الشعب المغربي. ومن حقنا اليوم أن نتساءل: أين هو المرفق العام؟ هل نحن فعلا أمام مؤسسات وطنية من المفترض فيها أن تؤدي هذه الخدمة، وتخضع في تسييرها اليومي، لقواعد الديمقراطية الداخلية والمعايير المهنية الراقية؟
3- لابد أن تخضع مقاولات الصحافة المكتوبة لمبادئ الشفافية في تمويلها ولمعايير الإنصاف والكفاءة في تسييرها الداخلي، ولابد، ثانيا، أن تحترم الحقوق الاجتماعية والنقابية، ولابد ثالثا، أن تلتزم بأخلاقيات المهنة، وتنخرط في مسار وضع الآليات الضرورية لتحقيق هذا الهدف.
وسواء تعلق الأمر بالقطاع العام أو بالقطاع الخاص، فإننا نعتبر أن الموارد البشرية، هي العمود الفقري لأي تطور، لذلك نضع مسألة التكوين والتكوين المستمر ضمن أولوياتنا.
4- ضرورة التزام بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، وقواعد الشفافية والجودة والكفاءة، وضرورة احترام أخلاقيات المهنة، وكل هذا، في إطار التزام وطني صادق.
وتعتبر قضية أخلاقيات المهنة، من أهم المشاكل التي طرحت خلال هذه المدة الأخيرة، والتي برز فيها أن بلادنا، على غرار عدد كبير من البلدان، أصبحت في حاجة إلى إقامة هياكل ثابتة، من التنظيم الذاتي و الميكانيزمات الداخلية المعروفة بالديمقراطية التحريرية، للتقدم في معالجة القضايا المتعددة، التي ترافق الممارسة الصحفية، والتي تضر بمصداقيتها، وتغير مسارها، ونبل رسالتها التي تقتضي احترام كرامة الناس والدفاع عن حقهم في منتوج جيد وأخبار وتحاليل موضوعية، وكانت النقابة في تقاريرها السابقة، قد سجلت العديد من الخروقات والمظاهر التي لم تتغير، بل يمكن القول، إن الوضع قد تفاقم، وبرز على الخصوص في التراشق الصحفي، الذي أصبح سمة بارزة للعديد من المنابر الصحفية.
بل لعل هذه الفترة، تعتبر ذروة في السجالات بين الصحفيين، والتي لا تراعى فيها الكثير من مقومات الجدل الرصين، بل تسقط في الكثير من الأحيان، في التهجم والتحامل وتبادل التهم، ويعبر هذا، عن ضعف في النضج، حيث من الطبيعي أن تحصل خلافات في الآراء والمقاربات، لكنها، بدلا من أن تثمر عن نقاش فكري وسياسي تستعمل فيه أدوات التحليل العلمية والمعرفية الجيدة، تتحول إلى مجال لكيل الشتائم.
وما يعمق من مثل هذه الظواهر السلبية، هو استعمال الصحافة من طرف لوبيات مالية وسياسية، لتصفية الحسابات ولممارسة الضغط والابتزاز وربح المواقع، و كذلك لإشاعة التيئيس و التشهير بالسياسيين و غيرهم من فئات النخبة في إطار شعبوية مدمرة، مما يضاعف من حجم الاختلالات، ويحتم ضرورة إعمال مبادئ الشفافية في التمويل، كأسلوب ديمقراطي يحتم على مالكي الصحف والمساهمين فيها، الكشف عن وجوههم، وخلفياتهم ومواقعهم وتوجهاتهم الفكرية والسياسية، كما يحتم أيضا نشر مصادر التمويل، لأن هدا، بالإضافة إلى ضرورته القانونية، إجراء أساسي للحد من التدخلات غير المشروعة من طرف كل من يسعى إلى التحكم و التأثير السري و التآمري في الشأن العام.
إن مختلف هذه المظاهر السلبية التي سجلناها خلال هذه الفترة، بالإضافة إلى الخلل الواضح في تسيير المرفق العام، بوسائل الإعلام العمومية، تفرض على الدولة، كما تبين واضحا من خلال الحوار الوطني "الإعلام والمجتمع"، نهج سياسة عمومية، تهدف إلى إرساء مقومات الحكامة الرشيدة للصحافة ووسائل الإعلام، وذلك عن طريق نهج إجراءات و خطوات تسعى إلى دمقرطة تسيير وسائل الإعلام العمومية، وتطوير آليات خدمتها للمنفعة العامة، وكذلك تطوير إعمال الشفافية والعدالة وتكافئ الفرص في الصحافة المكتوبة، عن طريق تطبيق القانون، وحماية العاملين، وضمان الحق النقابي، والتوزيع المنصف للإعلانات، ورسم إستراتيجية وطنية للتكوين والتكوين للكفاءات في مجال الصحافة والإعلام.
إن مسؤولية الدولة أساسية في هذا المجال، لأن مقومات الديمقراطية، تتطلب العمل بجدية على تنمية وسائل الإعلام، طبقا لمبادئ الشفافية والنزاهة والموضوعية، وتلبية حاجة المجتمع لإعلام جيد، ولا يمكن لكل هذا أن يتحقق، دون تبني قانون عصري يضمن الحق في الخبر، والذي يعتبر أحد الأركان الأساسية للدولة الحديثة.
و بصفة عامة إن النتائج الأولية للحوار أتبثت أن بلادنا كانت في حاجة ماسة إلى إعادة النظر في صناعتها الإعلامية على مختلف المستويات، القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية و التربوية، و أن الإصلاح ليس ضرورة سياسية فحسب، بل أيضا تنموية، إذ أن النماذج المتقدمة في العالم تقوم على صحف و قنوات و محطات مزدهرة، تسير بطرق عصرية و حكامة داخلية رشيدة و تشتغل فيها اطر كفؤة و مدربة، تتوفر لها شروط دنيا من العمل و الكرامة و الحقوق النقابية... و تخصص لها الميزانيات اللازمة و الدعم الضروري و المناخ الاقتصادي المعتمد على الشفافية و العدالة في الفرص و في الحقوق.
كما تبين كذلك أن بلادنا في حاجة إلى سياسة عمومية لمعالجة هده الضرورات، في ضوء تحديات التكنولوجيات الحديثة التي تقلب المفاهيم و المعطيات يوميا بشكل لا يمكن تصور حدوده... و لدلك ينبغي الاستعداد لها و خوض غمارها بكل الوسائل الضرورية البشرية و الثقافية و التربوية و كذلك باحترام الديمقراطية و حرية التعبير و حقوق الإنسان.
وكالة المغرب العربي للأنباء
دخلت وكالة المغرب العربي للأنباء، منذ تعيين مديرها العام، السيد علي بوزردة، في أزمة عميقة تتمثل في تراجع كبير لمبدأ المرفق العمومي، الذي كان من المفترض أن يتقدم تطبيقه على أرض الواقع، انطلاقا من المتطلبات المتزايدة، سواء لخدمة القضايا السياسية الكبرى للوطن، أو لتلبية حاجيات المجتمع في إعلام القرب والجودة والقدرة على مواكبة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، التي تفترض تغطية وتحليلا وإضاءة مهنية، وهي مهام من صميم عمل الوكالة.
ويمكن القول إن الجزء الأكبر من هذه الأزمة، يتحمله التدبير العشوائي الذي بدا واضحا، منذ وصول المدير الجديد، الذي اتخذ منذ الشهر الأول لتنصيبه، قرارات كبرى، من قبيل تغيير شامل في عدد هام من المكاتب الدولية، دون أي دراسة أو تحليل موضوعي، لأن الفارق الزمني بين مدة تعيينه واتخاذه لهذه القرارات، لم يكن يسمح له بالقيام بأية دراسة جدية، لوضع الشخص المناسب في المكان المناسب.
واستمر هذا الارتجال في العديد من القرارات، ظهرت بوضوح في تعيينات شتى في المكاتب الدولية والجهوية، وداخل الوكالة. وقد بلغ التوتر الى درجة قصوى، بعدما قدم مدير الأخبار السيد الطيب دكار، استقالته من منصبه، احتجاجا على تدهور الأوضاع وطرق التسيير، ورغم أنه في الفترة الأولى لتنصيب السيد بوزردة، شارك في بعض القرارات.
وقد اضطر المدير العام الجديد، إلى اتخاذ إجراء مستعجل لتفادي الفراغ في منصب مديرية الأخبار، وقام بتعيين السيد جمال محافظ مديرا للإعلام خلفا للسيد بكار.
وبالإضافة إلى هذه الارتباكات، تميزت اجتماعات المجالس الإدارية للوكالة، بغياب أي منظور مستقبلي واضح للتوجه الذي ينبغي أن تسير نحوه هذه المؤسسة، بل إن الإدارة العامة وجدت نفسها كذلك عاجزة حتى عن فهم دورها داخل هذا المجلس.
وقد انعكس هذا العجز أيضا في الوكالة، التي وجهت إليها انتقادات متعددة من طرف صحف وهيآت سياسية، متهمة المدير العام الجديد، بالانحياز لطرف سياسي معين، مما يتناقض مع التزامات مؤسسة عمومية، من المفترض فيها أن تتسم بالموضوعية والنزاهة والتوازن.
وتأكد بأن غياب مفهوم المرفق العام، كان من بين أسباب هذه الخلل، بالإضافة إلى الارتباكات الأخرى التي سجلناها في تدبير وتسيير المؤسسة.
وكان من المفترض أن يتقدم الحوار الاجتماعي مع إدارة الوكالة، خاصة في الشق المتعلق بديمقراطية التحرير وبالشفافية والنزاهة في إسناد المسؤوليات والتعيينات.
وكان الاتفاق قد حصل مع الإدارة السابقة على وضع الآليات والتنظيمات اللازمة لمعالجة هذه القضايا، غير أن الإدارة الجديدة أوقفت كل هذه الخطوات وتراجعت عن الالتزامات، بل إنها سارت في طريق قطع كل علاقات الحوار الاجتماعي، التي كانت تربط النقابة الوطنية للصحافة المغربية بالإدارة، منذ بداية التسعينيات.
وبدا واضحا أن الأمر يتعلق بمنهجية، يفضلها المدير العام الجديد، والتي تقضي بالاستفراد في توجيه السياسة العامة للوكالة، وضرب أسس التمثيل النقابي، الذي ينص عليه الدستور وقوانين الشغل.
وإذا كان من الضروري، لأي مقاولة كيفما كانت، أن تحترم القوانين المعمول بها في البلد، فإنها ملزمة أكثر من ذلك، بأن تقدم الحساب للشعب المغربي، الذي تمول من ضرائبه، وأن تقدم له خدمة عمومية راقية، وأن تكون في مستوى التوجهات العامة، التي تنعكس في كل القرارات الوطنية الكبرى، من احترام لقيم التشارك والحوار والتمثيلية الديمقراطية.
وقد وصلت حالة التداخل بين الشخصي والموضوعي، في سلوك الإدارة الجديدة للوكالة، إلى درجة التعتيم المطلق على مآل النزاع الأخلاقي الذي انفجر بين رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، السيد يونس مجاهد، ووكالة الأنباء الإسبانية.
ففي الوقت الذي قامت فيه أغلب الصحف، ووسائل الإعلام السمعية البصرية، بما فيها العمومية، بتغطية الندوة الصحافية التي نظمها رئيس النقابة، بتاريخ 9 فبراير 2010، عمدت الوكالة إلى التعتيم عليها، ورفضت الإدارة نشر أي خبر عنها، رغم أنها تطرح قضية أخلاقية مرتبطة أيضا بالسيادة الوطنية.
وإذا كنا نسوق في تقريرنا السنوي هذه الواقعة، فلكي نؤكد أن المشكل الرئيسي قي هذه المؤسسة يعود لطريقة تسييرها.
إذ من الواضح أن أزمة الوكالة تتمثل في مشكل تنظيم وتدبير مهني وإداري أساسا. فإشكالية القانون الأساسي المتقادم للوكالة، الذي يثار غالبا لتبرير النواقص المهنية، ليس إلا عنصرا من عناصر الأزمة، لكنه لا يختزل كل مناحيها ولا ينبغي أن يقدم كذريعة لتغطية الواقع المتدهور للمؤسسة.
إن غياب سياسة تدبير عصري وانعدام ضمانات الشفافية في اتخاذ القرارات، على جميع المستويات، يكشف عن أفق مثير للقلق، غابت معه علاقة الثقة، في السنة الأخيرة، والتي تطورت تدريجيا، في السابق، بين الإدارة ومجموع صحافيي الوكالة. فسياسة القطيعة وصد أبواب الحوار مع الشركاء الاجتماعيين، فضلا عن اتخاذ قرارات متسرعة ونهج ممارسات أحادية، من جانب الإدارة العامة، أفرز مناخا متوترا ومحبطا وشعورا بعدم الاستقرار لدى مجموع العاملين، مما ضرب في الصميم قدرتهم على تقديم المنتوج الإعلامي المنتظر.
فالأمر يتعلق بمشكل جوهري لتدبير الموارد البشرية، إذ في الوقت التي يشهد فيه البلد دينامية وحركية، تسعى إلى إرساء أسس التدبير ألتشاركي، داخل المؤسسات، يسبح المدير العام الحالي ضد التيار، مُعلنا، بشكل صريح ومتكرر الحرب على الصحافيين عموما، وعلى الأعضاء الناشطين نقابيا، بوجه خاص، حيث سجلنا في هذا الإطار تواتر قرارات التنقيل التعسفي التي استهدفت على سبيل المثال الزميل عزيز المسيح الذي تم ترحيله، لحوالي سنة، من الرباط إلى فكيك ثم إلى بوعرفة، والزميل نزار الفراوي من الرباط إلى فاس، والزميل حميد كرضة، الذي يشغل في نفس الوقت مهمة ممثل الصحافيين، من الرباط إلى القنيطرة. واتخذت التضييقات والقرارات الانتقامية أصنافا متعددة كان من بينها اتخاذ قرار إحالة الزميل عبد القادر حجاجي على قسم التوثيق داخل المؤسسة بما لا يتلاءم إطلاقا مع وضعه كصحافي محرر.
وإن النقابة لترى أن جميع هذه القرارات صبت في اتجاه تشتيت أعضاء المكتب النقابي للوكالة، وهم أيضا أعضاء فاعلون في المجلس الوطني وفرع النقابة بالرباط، وتعتبرها بالتالي انتهاكا صريحا وممنهجا لحق نقابي، يضمنه الدستور والقوانين الوطنية والدولية.
وبالإضافة إلى هذه الأمثلة المتعلقة بالصحافيين النقابيين، فإن الممارسات طالت أيضا صحافيين ذهبوا ضحية قرارات فجائية غير معللة، إما باستدعاء صحافيين عاملين بمكاتب دولية أو إحالتهم على أقسام لا صلة لها بالتحرير، بالإضافة إلى تحطيم أرقام قياسية في العقوبات الإدارية التي باتت سيفا مسلطا على مجموع الصحافيين.
وتسجل النقابة من جهة أخرى جوانب هامة من الخلل في التدبير تنصرف أساسا إلى معايير وطرق التعيين في مراكز المسؤولية، التي تتسم بغياب مطلق للشفافية والموضوعية، وحضور العوامل الشخصية التي تفتح الباب أمام سيادة منطق الولاءات والمحسوبية. وغني عن البيان أن خلل هذه المعايير ينعكس مباشرة على جودة منتوج الوكالة، ومتطلبات المرفق العمومي.
وفي السياق ذاته، يتجلى الخلل ألتدبيري على مستوى قرار فتح مكاتب جهوية ودولية في غياب أي انتظارات مهنية واضحة، ودون دراسات جدوى ذات مصداقية، كذلك غياب مخطط لتكوين الصحافيين ومشكل الشفافية في التوظيف.
الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة
بعد مرور خمس سنوات على تحرير القطاع السمعي البصري في بلادنا، دخل القطب العمومي للشركة الوطنية بالإذاعة والتلفزةsnrt في وضع جديد، معلنا بصفة غير رسمية، نهاية تجربة الفترة الانتقالية لهذه المؤسسة التي تطرح الآن تساؤلات حول الأوضاع العامة فيها، على مختلف المستويات: المهنية والإدارية والقانونية والمالية والاجتماعية.
فما ما هو التشخيص المناسب للاختلالات المسجلة في أداء المؤسسة، من أجل وضع تقويم شامل و موضوعي لحصيلة حوالي خمس سنوات؟ وإلى أي حد استجابت الهيكلة المعتمدة حاليا للتحديات المطروحة؟ خاصة أمام الإصرار على تبني الهرم المقلوب، من خلال ثقل إداري ضاغط على حساب هيكلة مهنية مرنة احترافية، حسب المعايير الكونية للإعلام السمعي البصري المعتمدة في كافة البلدان المتقدمة؟ وهل لازال قانون الاتصال السمعي البصري يستجيب للتحديات والانتظارات المطروحة أم أن تحيينه وإدخال التعديلات الملائمة عليه، أصبحت من الضروريات؟ وما هي نسبة طغيان الهاجس التجاري على المنطلق المهني وأولوية تقديم الخدمة للإعلامية العمومية؟
إن المشهد السمعي البصري ببلادنا يواجه تحديات ضخمة من أجل أن يستمر في أداء مهامه أمام المنافسة القوية للقنوات الفضائية العربية، والفضاء المفتوح أمام المغاربة لتلقي كل ما يزخر به هذا العالم، من إشكالات فكرية وسياسية، وضعت لها ترسانة الإعلامية، مدعمة باستثمارات ضخمة، لا يمكن مواجهتها إلا ببلورة استراتيجية وطنية، طويلة المدى بمشاركة كافة مكونات المجتمع المغربي السياسية والثقافية والاقتصادية والإعلامية وكذلك الانفتاح على التيارات والتوجهات الإعلامية، التي تتبنى قيم الديمقراطية والحداثة والتقدم.
وبموازاة هده التحديات، تبرز إشكالات تقنية من قبيل التكنولوجيا الرقمية، حيث نتابع التطور التقني والهندسي والاستثمارات الكبيرة في هذا المجال، والتي استفاد منها جل العاملين بالشركة من خلال التكوين على استعمال الأجهزة الرقمية الحديثة سواء في الإنتاج والأخبار (التصوير والمونطاج والكرافيك وغيرها). إلا أن التحدي الذي يواجه القنوات الوطنية (تلفزة وإذاعة)، يبقى هو التوسع في الاستفادة من البث الرقمي الأرضي (tnt)، فبعد أزيد من سنتين على تجهيز مراكز البث على الصعيد الوطني بأجهزة البث الرقمي الأرضي الذي تجاوزت تغطيته لأكثر من 80 بالمائة من التراب الوطني، لا تزال هذه التقنية على مستوى استقبال البث لدى المواطنين ضعيفة جدا، رغم الحملات الإعلامية في القنوات الوطنية. وحتى يكون لهذا الاستثمار جدوى عملية، يجب البحث عن طرق بديلة تشارك فيها مختلف أجهزة الحكومة (الداخلية – الاتصال – المالية) من أجل توسيع استعمال هذه التقنية لدى الكثير من المواطنين الذين يجهلون وجودها أصلا، ولأن بلادنا التزمت كباقي دول الاتحاد الأوربي في وضع حد للبث التناظري التقليدي في حدود نهاية سنة 2015 .
أما في ما يخص الإنتاج السمعي البصري، الذي يثير انتقادات كثيرة، فإن قاطرته الآن هي الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، في مجالات الإنتاج الدرامي والوثائقي والمنوعات، وكذلك توسع قاعدة شركات تنفيذ الإنتاج التي تتعاون معها، لكن في إطار وضع ينبغي أن تتوفر فيه المعايير الموضوعية اللازمة وشروط الشفافية.
وقد ظهرت الحاجة، في السنوات الأخيرة، إلى أن تتحمل الدولة مسؤولية تنمية هذا القطاع والاستثمار فيه، وتنظيمه من خلال استراتيجية وطنية تشمل جميع الفاعلين في مجال الثقافة والإعلام والاقتصاد، لأن أغلب ردود الفعل التي سجلت في السنة الجارية، تعتبر أن هذا المجال يشكل المرآة الصافية التي تعكس واقع مجتمعنا وإيجابياته وتناقضاته وطموحاته. لذلك يجب أن يقدم إلينا وللعالم بطريقة وبأسلوب احترافي فني وإبداعي، ويفتح مجال التكوين للشباب في ميادين كتابة السيناريو والتمثيل والإخراج وكافة تقنيات الإنتاج السمعي البصري من أجل الرفع من مستوى الإنتاج الفني والدرامي لدى قنواتنا.
وبالإضافة إلى هذه المتطلبات العامة، فإن الوضع الداخلي في المؤسسة شهد خلال الفترة التي نرصدها توقف الحوار الإجتماعي، رغم أن نقابتنا بادرت في العديد من المناسبات إلى طرح هذا الموضوع على المسؤولين بالشركة وخصوصا في الجوانب المتعلقة بأوضاع العاملين، وفي القضايا التي تهم الأفاق المستقبلية المتعلقة بتطوير أداء الإذاعة والتلفزة على كافة المستويات المهنية والتقنية والإدارية، بعد مرور أزيد من أربع سنوات على تغيير إطارها القانوني والإداري.
ونعتبر في النقابة أن هذه السنوات الأربع، ما هي إلا مرحلة انتقالية طبعها الكثير من مخلفات التدبير الإداري السابق. وفي نظرنا، يجب تجاوز هذه المرحلة بسرعة حتى لا نبقى في وضع انتقالي دائم .
مديرية الأخبار في الإذاعة والتلفزة
تبدو أزمة المضمون وكيفية إدارة الموارد البشرية من مخلفات العهد السابق واضحة في نشرات الأخبار، وبعض البرامج السياسية، مثل برنامج "حوار" بالقناة الأولى، الذي أصبح يشكل نموذجا لأسلوب التمييع، يقارب التهريج أحيانا، عدا عن السعي نحو تشكيك المواطن في جدية العمل السياسي والمشاركة في تدبير الشأن العام، إذ رغم مرور أزيد من أربع سنوات على تحويل الإذاعة و التلفزة المغربية إلى شركة وطنية، فإنه لم يحصل أي تحسن نوعي على هدا المستوى.
وقد عمل بعض المسؤولين السابقين في مديرية الأخبار بالقناة الأولى، وحاليا بالإذاعة، على التضييق على العمل النقابي، بهدف خنق روح النقد والمبادرة، والسعي إلى التخلي عن المواقف الداعية إلى اعتماد الشفافية في التسيير والمهنية في الأداء، وهامش الحرية الذي يسمح به دفتر التحملات والقوانين المنظمة للقطاع.
وانعكس ذلك أيضا في تعيين بعض الأشخاص في مناصب المسؤولية دون توفرهم على الكفاءة المطلوبة، إذ أن بعض رؤساء قطاعات الأخبار، الذين تعوزهم القدرة على أخذ المبادرة بشكل يجعلهم قوة اقتراحيه، يكتفون بتدبير الأمور اليومية دون أي اجتهاد يذكر.
ويتميز تسييرهم بغياب أي سياسة أو إستراتيجية أو حتى خطة إخبارية داخل مديرية الأخبار، بل منهم من يحارب كل المحاولات الرامية إلى وضع تصور مهني يضمن هامشا من الحرية.
كما أنه ليس لهم القدرة على مواكبة الورش التي تعرفها البلاد، وتغطيتها بشكل، مهني على مستوى المنتوج الإخباري، بل في مقابل ذلك يتم إنتاج نفس الأسلوب العمل الذي ميز فترة ما قبل العهد الجديد.
ويطبع عملهم اليومي العشوائية والتدبير الاعتباطي، والتدبير الانفرادي للقضايا المهنية اليومية بشكل متخلف وضعيف وتهميش الكفاءات.
وقد خلق سلوك بعض المسؤولين احتقانا كبيرا داخل قطاعات الأخبار، خصوصا في الإذاعة الوطنية، ووصل إلى أن عددا من الصحفيين يستعدون لتوجيه رسالة انتقال جماعية إلى الرئيس المدير العام.
في وقت اشتدت فيه المنافسة مع قنوات إذاعية ناشئة، منها من احتل مكانه في المشهد السمعي البصري، وفي وقت يتطلع فيه دافعوا الضرائب المغاربة إلى إذاعة تقدم خدمة عمومية، بالشكل المتعارف عليه عالميا، لم تتمكن الأخبار في الإذاعة من التقدم، رغم الجهود التي يبذلها الطاقم الصحفي.
إن قطاع الأخبار في القناة الأولى والإذاعة يضم العديد من الصحافيين والصحافيات المخضرمين والشباب، إلا أن هناك نقصا في الأطر المؤهلة مهنيا، مع خلل في البرامج المخصصة لتكوين هذه الفئة الحيوية من العاملين بالشركة.
كما نسجل استمرار نفس البرامج الإخبارية وعدم وضع برامج أخرى مهتمة بمجالات محددة كالبرامج الموجهة للشباب من أجل التكوين السياسي أو البرامج الخاصة بالقضايا الاجتماعية.
يتبع ..........
النقابة الوطنية للصحافة المغربية
تقرير حرية الصحافة
03 مايو 2009 ـ 02 مايو 2010
المحتويات:
- تقديم
- وكالة المغرب العربي للأنباء
- الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة
- القناة الثانية
- الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري
- الصحافة المكتوبة الورقية
الملحق:
ـ رصد حالات الخروقات والإشكالات المرتبطة بحرية الصحافة - ماي 2009 إلى ماي 2010.
تقديم
دأبت النقابة الوطنية للصحافة المغربية على إعداد تقرير سنوي حول حرية الصحافة والإعلام، بمناسبة 3 مايو، الذي تقدم فيه مختلف الهيآت الوطنية والدولية، المشتغلة في هذا المجال، تقييماتها وتقاريرها حول حصيلة ممارسة هذه الحرية، والتحديات التي تواجهها، والصعوبات التي تعترض عمل الصحفيين، والتي تصل في بعض مناطق العالم، إلى درجة القتل والاختطاف والسجن والاعتداء الجسدي...
ملاحظات منهجية:
إن المنهجية التي تستعملها النقابة في وضع تقاريرها، تعتمد على مؤشرات متنوعة ومتعددة، تهدف إلى الإحاطة الشاملة بإشكالية حرية الصحافة والإعلام، في مختلف جوانبها، سواء تعلق الأمر بحرية الصحافة المكتوبة أو بشفافية ملكية وسائل الإعلام، أو بكيفية توزيع الإعلانات... كما تهتم النقابة بجوانب أخلاقيات المهنة، التي لا تستقيم الممارسة الصحفية بدونها، وتستحيل ممارسة حرية الصحافة والإعلام بدون احترامها.
وتولي كذلك أهمية بالغة لمسألة الحق في الخبر كأداة أساسية في أي نظام ديمقراطي، وتعتبر النقابة أن الإعلام المرئي والمسموع، يلعب دورا كبيرا في ممارسة حرية الإعلام، لذلك، لابد من خضوعه لمعايير الموضوعية والنزاهة والتوازن والتنوع، وخدمة المنفعة العامة، كل هذا، في إطار نظام يناهض الاحتكار، ويعطي للشعب حق مراقبة وسائل الإعلام العمومية، بما في ذلك وكالات الأنباء التابعة للدولة.
وتربط بين كل هذه الجوانب، كيفية تطبيق الحكامة الرشيدة بواسطة التدبير العقلاني والجيد للمقاولات والمؤسسات الصحفية والإعلامية، خاصة ما يهم إدارة الموارد البشرية، سواء في تكافؤ الفرص أو في منحها كل شروط وظروف العمل الملائمة للقيام بالتقصي اللازم، وإتقان العمل التحريري والفني، وتقديم منتوج جيد.
وفي هذا الإطار، يلعب التنظيم النقابي دورا أساسيا في تأطير الصحافيين ومختلف العاملين والدفاع عن حقوقهم، والسهر على تأدية الواجب، ضمن هياكل وبنيات عادلة ومنصفة تحترم كرامتهم.
وبالإضافة إلى كل هذه المؤشرات، تعتبر النقابة أن التكوين والتكوين المستمر للصحفيين ولكل العاملين، دور أساسي في تأهيلهم للقيام بدورهم الذي ينتظره المجتمع، من أجل تقديم الخبر النزيه، والتحليل الموضوعي والمنتوج الجيد، الذي يساعد المواطن على تكوين رأيه، والتعرف على محيطه القريب والوطني والدولي، والمساهمة الفاعلة في تقرير مصيره على كل المستويات.
إن قياس هذه المؤشرات، هو ما أثبتته منظمة اليونسكو في برنامجها الذي أطلقت عليه: "إطار لتقييم تنمية وسائل الإعلام"، والذي صادق عليه المجلس الدولي الحكومي، في دورته السادسة والعشرين، بتاريخ مارس 2008.
وتقسم اليونسكو، هذه المؤشرات إلى خمس فئات:
الفئة 1 : أنظمة مؤاتية لحرية التعبير وتعددية وسائل الإعلام وتنوعها : توفر إطار قانوني وتنظيمي وخاص بالسياسات يحمي حرية التعبير والمعلومات ويروج لهما ويستند الى المعايير الدولية للممارسة الفضلى وقد تمت تنميتها بالاشتراك مع المجتمع المدني.
الفئة 2 : تعددية وسائل الإعلام وتنوعها، مساواة اقتصادية وشفافية الملكية : تروج الدولة بشكل ناشط لتنمية القطاع الإعلامي بطريقة تتفادى التركز غير الضروري وتضمن التعددية الملكية والمضمون وشفافيتهما في أوساط وسائل الإعلام العامة والخاصة والمجتمعية.
الفئة 3 : وسائل الإعلام كمنصة للخطاب الديمقراطي : في إطار جو سائد من التنظيم الذاتي واحترام مهنة الصحافة، تعكس وسائل الإعلام تنوع الآراء والمصالح في المجتمع وتمثله، بما في ذلك آراء المجموعات المهمشة ومصالحها. ويتوفر مستوى عال من القرائية الإعلامية والخاصة بالمعلومات.
الفئة 4 : بناء القدرات المهنية ودعم المؤسسات التي تعزز حرية التعبير والتعددية والتنوع : يمكن الإعلاميون النفاذ إلى التدريب والتنمية المهنيين على المستويين الأكاديمي والمهني، في كافة مراحل حياتهم المهنية. أما قطاع الإعلام، فهو خاضع لرقابة الجمعيات المهنية ومنظمات المجتمع المدني ويحظى بدعمها في آن.
الفئة 5 : قدرة البنية التحتية كافية لدعم استقلالية وسائل الإعلام وتعدديتها : يتميز قطاع الإعلام بمستويات عالية أو مرتفعة من نفاذ الجمهور إليه، بما في ذلك المجموعات المهمشة، وباستعمال فعال للتكنولوجيا بهدف جمع الأخبار والمعلومات المناسبة للسياق المحلي وتوزيعها.
وفي إطار هذا التحليل، تؤكد وثيقة اليونسكو، أنه ينبغي أن يتم الأخذ بهذه الفئات معا من أجل خلق صورة شمولية للبيئة الإعلامية. فما من فئة أكثر أهمية من فئة أخرى وتفترض هذه الوثيقة أن كل من الفئات هامة بحد ذاتها. ولا مناص في أن المؤشرات، إذا ما أخذناها كمجموعة، تؤمن صورة طموحة تتيح وضع خارطة شاملة للبيئة الإعلامية.
وكانت النقابة الوطنية للصحافة المغربية، قد نظمت بتاريخ 19 مارس 2010 بمراكش، ندوة دولية شاركت فيها قيادات من اتحاد الصحفيين العرب والفيدرالية الدولية للصحفيين، وخبراء من سويسرا والمغرب، لدراسة كيفية صياغة التقارير حول حرية الصحافة والإعلام.
وكانت الخلاصة الرئيسية لهذه الندوة، أنه لابد من اعتماد مؤشرات متنوعة وشاملة، كتلك التي أقرتها اليونسكو، والابتعاد عن التصنيفات التبسيطية والترتيب الإحصائي الذي تقوم به بعض المنظمات الدولية، والذي يكون مختزلا وتبسيطيا، وغير قادر على الإلمام بكل الجوانب، ناهيك عن اعتماده على استمارة غير علمية، وعلى مراسلين لهم مواقف مسبقة من الهيآت النقابية، بالإضافة إلى اعتمادهم على ما ينشر في الأنترنيت، دون التحقق والتمحيص.
حرية الصحافة في المغرب:
انطلاقا من المؤشرات المذكورة، قامت النقابة بتقييم شامل لحصيلة الفترة الممتدة بين 3 ماي 2009 و3 ماي 2010، وتبين لها أن المظاهر والتوجهات السلبية التي سجلتها في السنوات الماضية، قد تجمعت وتركزت بشكل ملفت للانتباه، خلال هذه الفترة، مما أصبح يهدد بشكل جلي، كل المكتسبات التي تحققت في مجال الصحافة والإعلام.
وإذا كانت النقابة الوطنية للصحافة المغربية، تختلف عن الأحكام القطعية التي تصدرها بعض المنظمات الدولية، والتي تنطلق من مؤشرات جزئية، لتصف حالة المغرب بأنها تقع في مصاف البلدان التي تفتقد كلية إلى حرية الصحافة، فإن الوضع، مع ذلك، أصبح مقلقا، وهو ما عبرت عنه نقابتنا في العديد من بلاغاتها ومذكراتها ومواقفها.
ولا يتعلق الأمر هنا فقط بما حصل من إجراءات تحكمية واضحة، عندما تم إغلاق مقر جريدة "أخبار اليوم"، بدون أي سند قانوني، بالإضافة إلى اعتقال مدير أسبوعية "المشعل"، بل أيضا بكل الأجواء التي خلقتها الاستنطاقات البوليسية الطويلة في ساعات متأخرة من الليل، ومناخ الخوف والترهيب الذي مارسته قوات الأمن تجاه العديد من الصحفيين، كل هذا ساهم بشكل واضح في تدني صورة المغرب لدى الرأي العام، رغم أنه، في نفس الوقت الذي كانت تحصل فيه هذه الإجراءات و المتابعات لم تتخذ السلطات المغربية أي إجراء ضد نشر استجوابات في بعض الصحف المغربية، مع الانفصالية "أمينتو حيدر"، والتي دافعت عن نشاطها السياسي المناهض للوحدة الترابية المغربية، بل تهجمت بأسلوب لااخلاقي أيضا على كل الذين خالفوها الرأي.
وبصفة عامة، إن الأجواء التي عاشها المغرب خلال الفترة الضيقة التي تجمعت فيها هذه المتابعات والإجراءات القمعية، شكلت خطرا يهدد بالتراجع عن المكتسبات، ليس فقط بما حملته من خرق واضح للقانون، بل أيضا بما تكرسه من ممارسات تحكمية. وككل مثل هذه التجارب، لم يكن القضاء في مستوى إحقاق العدل، كما تبين ذلك بوضوح في نازلة إغلاق مقر جريدة أخبار اليوم.
وإذا كان هذا حال القضاء، فإن الجهاز التنفيذي أيضا، ظل عاجزا عن مواجهة هذه الممارسات التحكمية، كما أن الفرق البرلمانية لم تتخذ أي خطوة تذكر، ضد هذه الممارسة التي لا تحترم القانون
ويمكن القول إن الصحافة المغربية وسعت هوامش الحرية، حيث اخدت تتطرق أكثر فأكثر الى موضوعات كانت محرمة في السابق، غير أن التجاوزات والخروقات التي عرفها المغرب ارتبطت على الخصوص في المسطرة المتبعة من طرف السلطات لمعالجة إشكاليات مثل رفضها لرسم الكاريكاتير للملك وللعائلة الملكية، و منع استطلاعات الرأي التي تهم شخص الملك، وعدم قبول تناول الحياة الخاصة لكل أفراد الأسرة الملكية.
وإذا كانت هذه الممارسات الصحفية مقبولة بنوع من التفاوت، و حسب الحالات و السياقات، في بلدان أخرى متقدمة في مجال الحريات والديمقراطية، فإنها في المغرب تثير جدلا كبيرا، انعكس في عدد من الصحف، حيث نشرت مقالات اعتبرت أن التعرض للحياة الشخصية للملك، وخاصة لما يرتبط بوضعيته الصحية، يعتبر أمرا حميما لا يجوز الخوض فيه دون موافقة المعني بالأمر، ما لم يكن له تأثير مؤكد على سير الشأن العام. كما أن استطلاعات الرأي حول شخص الملك، اعتبرت بدورها، غير مقبولة، نظرا لكونه لا يترشح للانتخابات و يمثل السيادة الوطنية . ونفس الانتقاد، وجه أيضا للكاريكاتير الذي مس عرس الأمير مولاي إسماعيل، بالإضافة إلى كل ما يتعلق بالحياة الخاصة للأسرة الملكية.
وتبين من خلال متابعتنا لمجمل هذه التطورات والقضايا، أن هناك مشاكل معقدة ومتداخلة، فهناك، من جهة، تهديدات حقيقية، نتجت عن ردود فعل السلطة المتشنجة و الخارجة عن نطاق القانون، وهناك، من جهة أخرى، قضايا شائكة تهم أخلاقيات المهنة وإشكالات لا يمكن تجاوزها في إطار السياق السياسي للمغرب، لذلك رفعت النقابة شعارا تؤكد فيه أنه لا يمكن قبول أي تراجع عن حرية الصحافة، مع تأكيدها على ضرورة احترام أخلاقيات المهنية.
وقد انطلقت النقابة في هذا الشعار، من إدراكها العميق لكيفية الحفاظ على المكتسبات، وضمان ممارسة الحريات، دون السقوط في فخ ممارسة خروقات لقيم الصحافة الأخلاقية، التي تستند على المسؤولية الاجتماعية، وعلى ضرورة خدمة الصالح العام، دون الانزلاق في الإثارة والأهداف الميركنتيلية الصرفة.
وتجاه هذه الوضعية الملتبسة، دعت النقابة إلى حوار وطني، وأكدت على ضرورة أن يتحمل كل طرف مسؤوليته تجاه هذا الوضع، وفتحت حوارا إيجابيا مع الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، حيث تم الاتفاق على تنسيق الجهود، من أجل حماية حرية الصحافة، وإرساء قواعد أخلاقيات المهنة، وفتح ملف المقاولة الصحفية التي تعيش في ظل هشاشة واضحة، وحكامة متخلفة، لا يمكن أن تقدم إلا المنتوج الضعيف.
وقامت النقابة، رفقة الفيدرالية، باتصالات مع الأحزاب السياسية، قصد فتح حوار وطني بمساهمة كل الفاعلين الذين لهم علاقة بميدان الصحافة والإعلام، قصد المناقشة الشاملة للوضعية. وهذا ما تم بالإعلان عنه في افتتاح الحوار الوطني بتاريخ 28 يناير 2010، حيث أكدت النقابة على ما يلي:
1- قطعت بلادنا أشواطا، إذا ما قارنا وضعنا الحالي بما كنا عليه خلال سنوات مضت، حيث سنلاحظ أننا أصبحنا أكثر انفتاحا في مجال الصحافة المكتوبة، وأننا نتوفر على إذاعات خاصة، وعلى قوانين، وهيئة لتأطير القطاع السمعي البصري.
لكننا، وفي إطار هذه التطورات، التي يمكن أن نسميها بالمكتسبات، مقارنة مع السنوات السابقة، سنجد أنفسنا أمام كبوات رافقت مسيرة الصحافة المكتوبة، وأمام العديد من الحالات التي حصل فيها تعسف ملموس وظلم واضح.
فلم يعد المشكل الرئيسي هو فقط إصلاح قانون الصحافة، بل أصبحنا، أيضا، أمام استعمال قوانين أخرى، لتبرير هذا الظلم، بل إننا وجدنا أنفسنا، أحيانا، أمام تعسف بدون سند قانوني. وهذا ما يضعنا أمام إشكالية كبرى، في مدى مصداقية دولة الحق والقانون، واستقلالية القضاء، الذي ينبغي أن يكون ضامنا للحريات.
2- بالرغم من كل الجهود التي بُذلت في مجال وسائل الإعلام العمومية، فإنها لا تكفي لكي تستجيب للطموح الذي انتظره الشعب المغربي. ومن حقنا اليوم أن نتساءل: أين هو المرفق العام؟ هل نحن فعلا أمام مؤسسات وطنية من المفترض فيها أن تؤدي هذه الخدمة، وتخضع في تسييرها اليومي، لقواعد الديمقراطية الداخلية والمعايير المهنية الراقية؟
3- لابد أن تخضع مقاولات الصحافة المكتوبة لمبادئ الشفافية في تمويلها ولمعايير الإنصاف والكفاءة في تسييرها الداخلي، ولابد، ثانيا، أن تحترم الحقوق الاجتماعية والنقابية، ولابد ثالثا، أن تلتزم بأخلاقيات المهنة، وتنخرط في مسار وضع الآليات الضرورية لتحقيق هذا الهدف.
وسواء تعلق الأمر بالقطاع العام أو بالقطاع الخاص، فإننا نعتبر أن الموارد البشرية، هي العمود الفقري لأي تطور، لذلك نضع مسألة التكوين والتكوين المستمر ضمن أولوياتنا.
4- ضرورة التزام بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، وقواعد الشفافية والجودة والكفاءة، وضرورة احترام أخلاقيات المهنة، وكل هذا، في إطار التزام وطني صادق.
وتعتبر قضية أخلاقيات المهنة، من أهم المشاكل التي طرحت خلال هذه المدة الأخيرة، والتي برز فيها أن بلادنا، على غرار عدد كبير من البلدان، أصبحت في حاجة إلى إقامة هياكل ثابتة، من التنظيم الذاتي و الميكانيزمات الداخلية المعروفة بالديمقراطية التحريرية، للتقدم في معالجة القضايا المتعددة، التي ترافق الممارسة الصحفية، والتي تضر بمصداقيتها، وتغير مسارها، ونبل رسالتها التي تقتضي احترام كرامة الناس والدفاع عن حقهم في منتوج جيد وأخبار وتحاليل موضوعية، وكانت النقابة في تقاريرها السابقة، قد سجلت العديد من الخروقات والمظاهر التي لم تتغير، بل يمكن القول، إن الوضع قد تفاقم، وبرز على الخصوص في التراشق الصحفي، الذي أصبح سمة بارزة للعديد من المنابر الصحفية.
بل لعل هذه الفترة، تعتبر ذروة في السجالات بين الصحفيين، والتي لا تراعى فيها الكثير من مقومات الجدل الرصين، بل تسقط في الكثير من الأحيان، في التهجم والتحامل وتبادل التهم، ويعبر هذا، عن ضعف في النضج، حيث من الطبيعي أن تحصل خلافات في الآراء والمقاربات، لكنها، بدلا من أن تثمر عن نقاش فكري وسياسي تستعمل فيه أدوات التحليل العلمية والمعرفية الجيدة، تتحول إلى مجال لكيل الشتائم.
وما يعمق من مثل هذه الظواهر السلبية، هو استعمال الصحافة من طرف لوبيات مالية وسياسية، لتصفية الحسابات ولممارسة الضغط والابتزاز وربح المواقع، و كذلك لإشاعة التيئيس و التشهير بالسياسيين و غيرهم من فئات النخبة في إطار شعبوية مدمرة، مما يضاعف من حجم الاختلالات، ويحتم ضرورة إعمال مبادئ الشفافية في التمويل، كأسلوب ديمقراطي يحتم على مالكي الصحف والمساهمين فيها، الكشف عن وجوههم، وخلفياتهم ومواقعهم وتوجهاتهم الفكرية والسياسية، كما يحتم أيضا نشر مصادر التمويل، لأن هدا، بالإضافة إلى ضرورته القانونية، إجراء أساسي للحد من التدخلات غير المشروعة من طرف كل من يسعى إلى التحكم و التأثير السري و التآمري في الشأن العام.
إن مختلف هذه المظاهر السلبية التي سجلناها خلال هذه الفترة، بالإضافة إلى الخلل الواضح في تسيير المرفق العام، بوسائل الإعلام العمومية، تفرض على الدولة، كما تبين واضحا من خلال الحوار الوطني "الإعلام والمجتمع"، نهج سياسة عمومية، تهدف إلى إرساء مقومات الحكامة الرشيدة للصحافة ووسائل الإعلام، وذلك عن طريق نهج إجراءات و خطوات تسعى إلى دمقرطة تسيير وسائل الإعلام العمومية، وتطوير آليات خدمتها للمنفعة العامة، وكذلك تطوير إعمال الشفافية والعدالة وتكافئ الفرص في الصحافة المكتوبة، عن طريق تطبيق القانون، وحماية العاملين، وضمان الحق النقابي، والتوزيع المنصف للإعلانات، ورسم إستراتيجية وطنية للتكوين والتكوين للكفاءات في مجال الصحافة والإعلام.
إن مسؤولية الدولة أساسية في هذا المجال، لأن مقومات الديمقراطية، تتطلب العمل بجدية على تنمية وسائل الإعلام، طبقا لمبادئ الشفافية والنزاهة والموضوعية، وتلبية حاجة المجتمع لإعلام جيد، ولا يمكن لكل هذا أن يتحقق، دون تبني قانون عصري يضمن الحق في الخبر، والذي يعتبر أحد الأركان الأساسية للدولة الحديثة.
و بصفة عامة إن النتائج الأولية للحوار أتبثت أن بلادنا كانت في حاجة ماسة إلى إعادة النظر في صناعتها الإعلامية على مختلف المستويات، القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية و التربوية، و أن الإصلاح ليس ضرورة سياسية فحسب، بل أيضا تنموية، إذ أن النماذج المتقدمة في العالم تقوم على صحف و قنوات و محطات مزدهرة، تسير بطرق عصرية و حكامة داخلية رشيدة و تشتغل فيها اطر كفؤة و مدربة، تتوفر لها شروط دنيا من العمل و الكرامة و الحقوق النقابية... و تخصص لها الميزانيات اللازمة و الدعم الضروري و المناخ الاقتصادي المعتمد على الشفافية و العدالة في الفرص و في الحقوق.
كما تبين كذلك أن بلادنا في حاجة إلى سياسة عمومية لمعالجة هده الضرورات، في ضوء تحديات التكنولوجيات الحديثة التي تقلب المفاهيم و المعطيات يوميا بشكل لا يمكن تصور حدوده... و لدلك ينبغي الاستعداد لها و خوض غمارها بكل الوسائل الضرورية البشرية و الثقافية و التربوية و كذلك باحترام الديمقراطية و حرية التعبير و حقوق الإنسان.
وكالة المغرب العربي للأنباء
دخلت وكالة المغرب العربي للأنباء، منذ تعيين مديرها العام، السيد علي بوزردة، في أزمة عميقة تتمثل في تراجع كبير لمبدأ المرفق العمومي، الذي كان من المفترض أن يتقدم تطبيقه على أرض الواقع، انطلاقا من المتطلبات المتزايدة، سواء لخدمة القضايا السياسية الكبرى للوطن، أو لتلبية حاجيات المجتمع في إعلام القرب والجودة والقدرة على مواكبة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، التي تفترض تغطية وتحليلا وإضاءة مهنية، وهي مهام من صميم عمل الوكالة.
ويمكن القول إن الجزء الأكبر من هذه الأزمة، يتحمله التدبير العشوائي الذي بدا واضحا، منذ وصول المدير الجديد، الذي اتخذ منذ الشهر الأول لتنصيبه، قرارات كبرى، من قبيل تغيير شامل في عدد هام من المكاتب الدولية، دون أي دراسة أو تحليل موضوعي، لأن الفارق الزمني بين مدة تعيينه واتخاذه لهذه القرارات، لم يكن يسمح له بالقيام بأية دراسة جدية، لوضع الشخص المناسب في المكان المناسب.
واستمر هذا الارتجال في العديد من القرارات، ظهرت بوضوح في تعيينات شتى في المكاتب الدولية والجهوية، وداخل الوكالة. وقد بلغ التوتر الى درجة قصوى، بعدما قدم مدير الأخبار السيد الطيب دكار، استقالته من منصبه، احتجاجا على تدهور الأوضاع وطرق التسيير، ورغم أنه في الفترة الأولى لتنصيب السيد بوزردة، شارك في بعض القرارات.
وقد اضطر المدير العام الجديد، إلى اتخاذ إجراء مستعجل لتفادي الفراغ في منصب مديرية الأخبار، وقام بتعيين السيد جمال محافظ مديرا للإعلام خلفا للسيد بكار.
وبالإضافة إلى هذه الارتباكات، تميزت اجتماعات المجالس الإدارية للوكالة، بغياب أي منظور مستقبلي واضح للتوجه الذي ينبغي أن تسير نحوه هذه المؤسسة، بل إن الإدارة العامة وجدت نفسها كذلك عاجزة حتى عن فهم دورها داخل هذا المجلس.
وقد انعكس هذا العجز أيضا في الوكالة، التي وجهت إليها انتقادات متعددة من طرف صحف وهيآت سياسية، متهمة المدير العام الجديد، بالانحياز لطرف سياسي معين، مما يتناقض مع التزامات مؤسسة عمومية، من المفترض فيها أن تتسم بالموضوعية والنزاهة والتوازن.
وتأكد بأن غياب مفهوم المرفق العام، كان من بين أسباب هذه الخلل، بالإضافة إلى الارتباكات الأخرى التي سجلناها في تدبير وتسيير المؤسسة.
وكان من المفترض أن يتقدم الحوار الاجتماعي مع إدارة الوكالة، خاصة في الشق المتعلق بديمقراطية التحرير وبالشفافية والنزاهة في إسناد المسؤوليات والتعيينات.
وكان الاتفاق قد حصل مع الإدارة السابقة على وضع الآليات والتنظيمات اللازمة لمعالجة هذه القضايا، غير أن الإدارة الجديدة أوقفت كل هذه الخطوات وتراجعت عن الالتزامات، بل إنها سارت في طريق قطع كل علاقات الحوار الاجتماعي، التي كانت تربط النقابة الوطنية للصحافة المغربية بالإدارة، منذ بداية التسعينيات.
وبدا واضحا أن الأمر يتعلق بمنهجية، يفضلها المدير العام الجديد، والتي تقضي بالاستفراد في توجيه السياسة العامة للوكالة، وضرب أسس التمثيل النقابي، الذي ينص عليه الدستور وقوانين الشغل.
وإذا كان من الضروري، لأي مقاولة كيفما كانت، أن تحترم القوانين المعمول بها في البلد، فإنها ملزمة أكثر من ذلك، بأن تقدم الحساب للشعب المغربي، الذي تمول من ضرائبه، وأن تقدم له خدمة عمومية راقية، وأن تكون في مستوى التوجهات العامة، التي تنعكس في كل القرارات الوطنية الكبرى، من احترام لقيم التشارك والحوار والتمثيلية الديمقراطية.
وقد وصلت حالة التداخل بين الشخصي والموضوعي، في سلوك الإدارة الجديدة للوكالة، إلى درجة التعتيم المطلق على مآل النزاع الأخلاقي الذي انفجر بين رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، السيد يونس مجاهد، ووكالة الأنباء الإسبانية.
ففي الوقت الذي قامت فيه أغلب الصحف، ووسائل الإعلام السمعية البصرية، بما فيها العمومية، بتغطية الندوة الصحافية التي نظمها رئيس النقابة، بتاريخ 9 فبراير 2010، عمدت الوكالة إلى التعتيم عليها، ورفضت الإدارة نشر أي خبر عنها، رغم أنها تطرح قضية أخلاقية مرتبطة أيضا بالسيادة الوطنية.
وإذا كنا نسوق في تقريرنا السنوي هذه الواقعة، فلكي نؤكد أن المشكل الرئيسي قي هذه المؤسسة يعود لطريقة تسييرها.
إذ من الواضح أن أزمة الوكالة تتمثل في مشكل تنظيم وتدبير مهني وإداري أساسا. فإشكالية القانون الأساسي المتقادم للوكالة، الذي يثار غالبا لتبرير النواقص المهنية، ليس إلا عنصرا من عناصر الأزمة، لكنه لا يختزل كل مناحيها ولا ينبغي أن يقدم كذريعة لتغطية الواقع المتدهور للمؤسسة.
إن غياب سياسة تدبير عصري وانعدام ضمانات الشفافية في اتخاذ القرارات، على جميع المستويات، يكشف عن أفق مثير للقلق، غابت معه علاقة الثقة، في السنة الأخيرة، والتي تطورت تدريجيا، في السابق، بين الإدارة ومجموع صحافيي الوكالة. فسياسة القطيعة وصد أبواب الحوار مع الشركاء الاجتماعيين، فضلا عن اتخاذ قرارات متسرعة ونهج ممارسات أحادية، من جانب الإدارة العامة، أفرز مناخا متوترا ومحبطا وشعورا بعدم الاستقرار لدى مجموع العاملين، مما ضرب في الصميم قدرتهم على تقديم المنتوج الإعلامي المنتظر.
فالأمر يتعلق بمشكل جوهري لتدبير الموارد البشرية، إذ في الوقت التي يشهد فيه البلد دينامية وحركية، تسعى إلى إرساء أسس التدبير ألتشاركي، داخل المؤسسات، يسبح المدير العام الحالي ضد التيار، مُعلنا، بشكل صريح ومتكرر الحرب على الصحافيين عموما، وعلى الأعضاء الناشطين نقابيا، بوجه خاص، حيث سجلنا في هذا الإطار تواتر قرارات التنقيل التعسفي التي استهدفت على سبيل المثال الزميل عزيز المسيح الذي تم ترحيله، لحوالي سنة، من الرباط إلى فكيك ثم إلى بوعرفة، والزميل نزار الفراوي من الرباط إلى فاس، والزميل حميد كرضة، الذي يشغل في نفس الوقت مهمة ممثل الصحافيين، من الرباط إلى القنيطرة. واتخذت التضييقات والقرارات الانتقامية أصنافا متعددة كان من بينها اتخاذ قرار إحالة الزميل عبد القادر حجاجي على قسم التوثيق داخل المؤسسة بما لا يتلاءم إطلاقا مع وضعه كصحافي محرر.
وإن النقابة لترى أن جميع هذه القرارات صبت في اتجاه تشتيت أعضاء المكتب النقابي للوكالة، وهم أيضا أعضاء فاعلون في المجلس الوطني وفرع النقابة بالرباط، وتعتبرها بالتالي انتهاكا صريحا وممنهجا لحق نقابي، يضمنه الدستور والقوانين الوطنية والدولية.
وبالإضافة إلى هذه الأمثلة المتعلقة بالصحافيين النقابيين، فإن الممارسات طالت أيضا صحافيين ذهبوا ضحية قرارات فجائية غير معللة، إما باستدعاء صحافيين عاملين بمكاتب دولية أو إحالتهم على أقسام لا صلة لها بالتحرير، بالإضافة إلى تحطيم أرقام قياسية في العقوبات الإدارية التي باتت سيفا مسلطا على مجموع الصحافيين.
وتسجل النقابة من جهة أخرى جوانب هامة من الخلل في التدبير تنصرف أساسا إلى معايير وطرق التعيين في مراكز المسؤولية، التي تتسم بغياب مطلق للشفافية والموضوعية، وحضور العوامل الشخصية التي تفتح الباب أمام سيادة منطق الولاءات والمحسوبية. وغني عن البيان أن خلل هذه المعايير ينعكس مباشرة على جودة منتوج الوكالة، ومتطلبات المرفق العمومي.
وفي السياق ذاته، يتجلى الخلل ألتدبيري على مستوى قرار فتح مكاتب جهوية ودولية في غياب أي انتظارات مهنية واضحة، ودون دراسات جدوى ذات مصداقية، كذلك غياب مخطط لتكوين الصحافيين ومشكل الشفافية في التوظيف.
الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة
بعد مرور خمس سنوات على تحرير القطاع السمعي البصري في بلادنا، دخل القطب العمومي للشركة الوطنية بالإذاعة والتلفزةsnrt في وضع جديد، معلنا بصفة غير رسمية، نهاية تجربة الفترة الانتقالية لهذه المؤسسة التي تطرح الآن تساؤلات حول الأوضاع العامة فيها، على مختلف المستويات: المهنية والإدارية والقانونية والمالية والاجتماعية.
فما ما هو التشخيص المناسب للاختلالات المسجلة في أداء المؤسسة، من أجل وضع تقويم شامل و موضوعي لحصيلة حوالي خمس سنوات؟ وإلى أي حد استجابت الهيكلة المعتمدة حاليا للتحديات المطروحة؟ خاصة أمام الإصرار على تبني الهرم المقلوب، من خلال ثقل إداري ضاغط على حساب هيكلة مهنية مرنة احترافية، حسب المعايير الكونية للإعلام السمعي البصري المعتمدة في كافة البلدان المتقدمة؟ وهل لازال قانون الاتصال السمعي البصري يستجيب للتحديات والانتظارات المطروحة أم أن تحيينه وإدخال التعديلات الملائمة عليه، أصبحت من الضروريات؟ وما هي نسبة طغيان الهاجس التجاري على المنطلق المهني وأولوية تقديم الخدمة للإعلامية العمومية؟
إن المشهد السمعي البصري ببلادنا يواجه تحديات ضخمة من أجل أن يستمر في أداء مهامه أمام المنافسة القوية للقنوات الفضائية العربية، والفضاء المفتوح أمام المغاربة لتلقي كل ما يزخر به هذا العالم، من إشكالات فكرية وسياسية، وضعت لها ترسانة الإعلامية، مدعمة باستثمارات ضخمة، لا يمكن مواجهتها إلا ببلورة استراتيجية وطنية، طويلة المدى بمشاركة كافة مكونات المجتمع المغربي السياسية والثقافية والاقتصادية والإعلامية وكذلك الانفتاح على التيارات والتوجهات الإعلامية، التي تتبنى قيم الديمقراطية والحداثة والتقدم.
وبموازاة هده التحديات، تبرز إشكالات تقنية من قبيل التكنولوجيا الرقمية، حيث نتابع التطور التقني والهندسي والاستثمارات الكبيرة في هذا المجال، والتي استفاد منها جل العاملين بالشركة من خلال التكوين على استعمال الأجهزة الرقمية الحديثة سواء في الإنتاج والأخبار (التصوير والمونطاج والكرافيك وغيرها). إلا أن التحدي الذي يواجه القنوات الوطنية (تلفزة وإذاعة)، يبقى هو التوسع في الاستفادة من البث الرقمي الأرضي (tnt)، فبعد أزيد من سنتين على تجهيز مراكز البث على الصعيد الوطني بأجهزة البث الرقمي الأرضي الذي تجاوزت تغطيته لأكثر من 80 بالمائة من التراب الوطني، لا تزال هذه التقنية على مستوى استقبال البث لدى المواطنين ضعيفة جدا، رغم الحملات الإعلامية في القنوات الوطنية. وحتى يكون لهذا الاستثمار جدوى عملية، يجب البحث عن طرق بديلة تشارك فيها مختلف أجهزة الحكومة (الداخلية – الاتصال – المالية) من أجل توسيع استعمال هذه التقنية لدى الكثير من المواطنين الذين يجهلون وجودها أصلا، ولأن بلادنا التزمت كباقي دول الاتحاد الأوربي في وضع حد للبث التناظري التقليدي في حدود نهاية سنة 2015 .
أما في ما يخص الإنتاج السمعي البصري، الذي يثير انتقادات كثيرة، فإن قاطرته الآن هي الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، في مجالات الإنتاج الدرامي والوثائقي والمنوعات، وكذلك توسع قاعدة شركات تنفيذ الإنتاج التي تتعاون معها، لكن في إطار وضع ينبغي أن تتوفر فيه المعايير الموضوعية اللازمة وشروط الشفافية.
وقد ظهرت الحاجة، في السنوات الأخيرة، إلى أن تتحمل الدولة مسؤولية تنمية هذا القطاع والاستثمار فيه، وتنظيمه من خلال استراتيجية وطنية تشمل جميع الفاعلين في مجال الثقافة والإعلام والاقتصاد، لأن أغلب ردود الفعل التي سجلت في السنة الجارية، تعتبر أن هذا المجال يشكل المرآة الصافية التي تعكس واقع مجتمعنا وإيجابياته وتناقضاته وطموحاته. لذلك يجب أن يقدم إلينا وللعالم بطريقة وبأسلوب احترافي فني وإبداعي، ويفتح مجال التكوين للشباب في ميادين كتابة السيناريو والتمثيل والإخراج وكافة تقنيات الإنتاج السمعي البصري من أجل الرفع من مستوى الإنتاج الفني والدرامي لدى قنواتنا.
وبالإضافة إلى هذه المتطلبات العامة، فإن الوضع الداخلي في المؤسسة شهد خلال الفترة التي نرصدها توقف الحوار الإجتماعي، رغم أن نقابتنا بادرت في العديد من المناسبات إلى طرح هذا الموضوع على المسؤولين بالشركة وخصوصا في الجوانب المتعلقة بأوضاع العاملين، وفي القضايا التي تهم الأفاق المستقبلية المتعلقة بتطوير أداء الإذاعة والتلفزة على كافة المستويات المهنية والتقنية والإدارية، بعد مرور أزيد من أربع سنوات على تغيير إطارها القانوني والإداري.
ونعتبر في النقابة أن هذه السنوات الأربع، ما هي إلا مرحلة انتقالية طبعها الكثير من مخلفات التدبير الإداري السابق. وفي نظرنا، يجب تجاوز هذه المرحلة بسرعة حتى لا نبقى في وضع انتقالي دائم .
مديرية الأخبار في الإذاعة والتلفزة
تبدو أزمة المضمون وكيفية إدارة الموارد البشرية من مخلفات العهد السابق واضحة في نشرات الأخبار، وبعض البرامج السياسية، مثل برنامج "حوار" بالقناة الأولى، الذي أصبح يشكل نموذجا لأسلوب التمييع، يقارب التهريج أحيانا، عدا عن السعي نحو تشكيك المواطن في جدية العمل السياسي والمشاركة في تدبير الشأن العام، إذ رغم مرور أزيد من أربع سنوات على تحويل الإذاعة و التلفزة المغربية إلى شركة وطنية، فإنه لم يحصل أي تحسن نوعي على هدا المستوى.
وقد عمل بعض المسؤولين السابقين في مديرية الأخبار بالقناة الأولى، وحاليا بالإذاعة، على التضييق على العمل النقابي، بهدف خنق روح النقد والمبادرة، والسعي إلى التخلي عن المواقف الداعية إلى اعتماد الشفافية في التسيير والمهنية في الأداء، وهامش الحرية الذي يسمح به دفتر التحملات والقوانين المنظمة للقطاع.
وانعكس ذلك أيضا في تعيين بعض الأشخاص في مناصب المسؤولية دون توفرهم على الكفاءة المطلوبة، إذ أن بعض رؤساء قطاعات الأخبار، الذين تعوزهم القدرة على أخذ المبادرة بشكل يجعلهم قوة اقتراحيه، يكتفون بتدبير الأمور اليومية دون أي اجتهاد يذكر.
ويتميز تسييرهم بغياب أي سياسة أو إستراتيجية أو حتى خطة إخبارية داخل مديرية الأخبار، بل منهم من يحارب كل المحاولات الرامية إلى وضع تصور مهني يضمن هامشا من الحرية.
كما أنه ليس لهم القدرة على مواكبة الورش التي تعرفها البلاد، وتغطيتها بشكل، مهني على مستوى المنتوج الإخباري، بل في مقابل ذلك يتم إنتاج نفس الأسلوب العمل الذي ميز فترة ما قبل العهد الجديد.
ويطبع عملهم اليومي العشوائية والتدبير الاعتباطي، والتدبير الانفرادي للقضايا المهنية اليومية بشكل متخلف وضعيف وتهميش الكفاءات.
وقد خلق سلوك بعض المسؤولين احتقانا كبيرا داخل قطاعات الأخبار، خصوصا في الإذاعة الوطنية، ووصل إلى أن عددا من الصحفيين يستعدون لتوجيه رسالة انتقال جماعية إلى الرئيس المدير العام.
في وقت اشتدت فيه المنافسة مع قنوات إذاعية ناشئة، منها من احتل مكانه في المشهد السمعي البصري، وفي وقت يتطلع فيه دافعوا الضرائب المغاربة إلى إذاعة تقدم خدمة عمومية، بالشكل المتعارف عليه عالميا، لم تتمكن الأخبار في الإذاعة من التقدم، رغم الجهود التي يبذلها الطاقم الصحفي.
إن قطاع الأخبار في القناة الأولى والإذاعة يضم العديد من الصحافيين والصحافيات المخضرمين والشباب، إلا أن هناك نقصا في الأطر المؤهلة مهنيا، مع خلل في البرامج المخصصة لتكوين هذه الفئة الحيوية من العاملين بالشركة.
كما نسجل استمرار نفس البرامج الإخبارية وعدم وضع برامج أخرى مهتمة بمجالات محددة كالبرامج الموجهة للشباب من أجل التكوين السياسي أو البرامج الخاصة بالقضايا الاجتماعية.
يتبع ..........