مشاهدة النسخة كاملة : كيف يحارب المخزن جماعة العدل والإحسان ؟ 4/4



عادل محسن
08-07-2010, 17:24
كيف يحارب المخزن جماعة العدل والإحسان؟ 1/4



اختطافات اعتقالات مداهمات للبيوت محاكمات ضرب وقمع وعنف شرس..

يكاد الحديث عن الحرب المخزنية على جماعة "العدل والإحسان" يصبح حديثا يوميا يصبح ويمسي عليه المغاربة. فمنذ مايو 2006 تصاعدت حدة هذه الحرب حتى يكاد لا يمر يوم دون أن نسمع خبرا عن اعتقال أجهزة القمع المخزني لمجموعة من أعضاء "العدل والإحسان" هنا أو مداهمة بيت لعضو هناك. ثم اتخذت الحرب منحى تصاعديا خطيرا بالحدث الذي شهدته مدينة فاس يوم الاثنين 28/06/2010 حيث قامت أجهزة المخابرات باختطاف سبعة من خيرة أبناء الجماعة بالمدينة وسط جو من الإرهاب يذكر بفعل الصهاينة في فلسطين. وقد أماط هذا الحدث اللثام عن معركة أخرى تخوضها أجهزة المخزن على الجماعة بعيدا عن الأضواء وبسرية تامة لا يرصدها الباحث العادي بله المواطن البسيط. هذه الواجهة الحربية تركز أساسا على محاولة اختراق صف الجماعة من خلال استقطاب أعضاء من التنظيم نفسه أو زرع مندسين داخله. وللحقيقة والتاريخ فإن هذه المحاولات ليست وليدة الأمس بل باشرها المخزن منذ اللحظات الأولى لتأسيس الجماعة.

وإذا كانت المواجهة الأمنية والاستخباراتية أبرز تجليات وأدوات الحرب المخزنية على جماعة "العدل والإحسان" فإن المتابع يتساءل هل هي الوحيدة؟ هل حرب المخزن المغربي على الجماعة محصور في الجانب القمعي المادي وحده أم أنها حرب إستراتيجية تشمل مجالات متنوعة ومستويات مختلفة لا يشكل البعد الأمني إلا الجزء الظاهر منها فقط؟

لم يعد يماري أحد في أن الحرب على جماعة "العدل والإحسان" هي أساسا حرب على المشروع الدعوي والنهضوي المجتمعي الذي تحمله وتبشر به كبديل لواقع الفساد والاستبداد الذي يرزح تحت نيره المغرب منذ سنوات طويلة. ولا أدل على ذلك من أن هذه الحرب بدأت منذ انبثاق دعوة "العدل والإحسان" على يد الأستاذ المرشد "عبد السلام ياسين" في أوائل السبعينات من القرن الماضي ثم استمرت هذه الحرب بلا هوادة بكل الطرق إلى أن تصاعد أوارها واشتد لهيبها بعد مايو 2006. ولم تقتصر هذه الحرب على مجال دون آخر غايتها تطويق دعوة الجماعة ومنعها من الانتشار. وبشكل عام يمكن حصر مجالات مواجهة المخزن لهذه الدعوة في الواجهات التالية:

الواجهة الأمنية: وهي تجسد أبرز تجل لهذه الحرب
فقد عرفت الجماعة منذ تأسيسها إلى الآن الآلاف من حالات الاختطاف والاعتقال والتعذيب التي عمت كل الأعضاء على اختلاف فئاتهم ومستوياتهم التنظيمية بدءا بالمرشد العام ثم مجلس الإرشاد فسائر الأعضاء. ولم يسلم من هذه الانتهاكات الجسيمة لا التلاميذ ولا الطلبة ولا الأطر ولا أي من الفئات الاجتماعية المكونة لنسيج جماعة "العدل والإحسان" بل شملت حتى الأطفال والنساء على طول الرقعة الجغرافية للمغرب. أما التجلي الثاني للحرب الأمنية على الجماعة فقد فضحه الحدث الأخير الذي وقع بمدينة فاس ويتمثل في الجهد الاستخباراتي ضد الجماعة وعلى رأسه محاولات اختراق صفها الداخلي. ويهدف الاختراق تحقيق هدفين أساسيين:

*** ضمان سيولة في المعلومات عن المسئولين والأنشطة والتحركات، وهذا ما توظف فيه أيضا فضلا عن العامل البشري، كل التقنيات الحديثة من وسائل التجسس على الهواتف والبيوت والسيارات والعناوين البريدية الإلكترونية وغيرها كثير.

*** خلق طابور خامس قصد التهيؤ لخطوة أكبر وأكثر خطورة تنتهي إما بتفتيت التنظيم من خلال خلق تيارات متشاكسة داخله أو منشقة عنه إضافة إلى تشويه سمعة الجماعة والإخلال بنظامها الداخلي واختياراتها بدفع العناصر المندسة إلى القيام بممارسات وأفعال مخالفة للنهج السلمي المتزن للجماعة...

وفي كلتا الحالتين يستهدف الاختراق وحدة الجماعة وتماسكها ومصداقيتها داخل الصف وخارجه ليسهل على المخزن تدميرها واستئصالها.

عموما لم تتوقف ماكينة القمع المخزني، بكل مكوناتها،عن محاربة دعوة "العدل والإحسان" فقد تغير المسئولون عن أجهزة القمع ولم يتغير نهجها العدواني تجاه الجماعة ومؤسساتها وأعضائها ضاربة عرض الحائط بكل القوانين والأخلاق والنظم المحلية والعالمية.

الواجهة الإعلامية
هي الواجهة الثانية التي يسخر فيها المخزن إمكانات كبيرة ويوظفها بشراسة في حرب دعائية شاملة ضد "العدل والإحسان". وقد انتدبت لهذه المعارك أقلام مأجورة كثيرة تبث الأراجيف و تنسج الأباطيل لتشويه صورة الجماعة و إظهارها بكل وجه قبيح يخالف حقيقتها و يعاكس منهاجها ودعوتها. وقد طالت الحرب الإعلامية كل مستويات الجماعة فكرا ودعوة ومسئولين وأنشطة ومواقف. فمن الكتاب من تخصص في نقد تصورات الجماعة وفكرها ومنهم من ركز على التعليق على الأحداث والوقائع لإظهار الجماعة بمظهر الإرهابي تارة وبمظهر الضعيف والواهن تارة أخرى. كما اتخذت الكثير من الكتابات منحى التحريض ضد الجماعة ودعوة الأجهزة القمعية لعدم التواني في جهودها لاستئصالها. وتتعدد الشواهد في هذا الصدد، بل إن بعض المعادين لدعوة "العدل والإحسان" لازال على حاله من الدس والإرجاف رغم انكشاف زيفه وانفضاح بهتانه أمام الناس ولكن: ﴿ إنها لا تعمى الأبصار و لكن تعمى القلوب التي في الصدور﴾ .

ولم تقتصر الحرب الإعلامية على قصف الجماعة بكل زيف وبهتان بل واكب ذلك وصاحبه منعها المستمر من امتلاك منبر إعلامي خاص بها توضح من خلاله تصوراتها وتشرح مواقفها وترد على مناوئيها بما تكفله كل النظم الحقة. فقد حاولت الجماعة الاستفادة من حقها الدستوري والقانوني في تأسيس مجلة أو جريدة إلا أن الرد كان دائما هو المنع والقمع. كما قام المخزن بحرمانها من كل منابرها الإعلامية وصادر كل محاولة لتأسيس أحدها، بل واعتمد كل الطرق غير القانونية في ذلك من مصادرة الأعداد عند الطبع والسطو على التجهيزات وقمع الصحفيين وغيرها. ويضم إعلام الجماعة المصادر من طرف المخزن كلا من مجلة الجماعة وجرائد:"الصبح" و"الخطاب" و"العدل والإحسان" ثم "رسالة الفتوة". كما لازالت أجهزته تقوم بمحاولات حثيثة لمواجهة المنبر الوحيد المتبقي للجماعة للتواصل الخارجي وهو موقعها الإلكتروني:aljamaa.net الذي تعرض ولا زال لمحاولات كثيرة لقرصنته وإغلاقه أشهرها تمت السنة الماضية حيث منعت أيادي القمع الدخول للموقع من المغرب لمدة تزيد عن ثلاثة أشهر.

يمكن أن نستنتج إذا أن الحرب المادية القمعية على الجماعة كانت مصاحبة بحرب إعلامية دعائية خبيثة وهذا أمر معروف في سلوك الأنظمة الاستبدادية حيث هناك تلازم دائم،في مواجهة الخصوم السياسيين، بين القهر والعنف من جهة والدعاية الإعلامية المضادة من جهة أخرى.

الواجهة القانونية
حاول المخزن منذ لحظة تأسيس الجماعة حرمانها من إطار قانوني يحتضن عملها وأنشطتها وقد تجلت هذه المحاولة في رفض تسليم وصل التأسيس النهائي لجمعية "الجماعة الخيرية الإسلامية"، الإطار القانوني لجماعة "العدل والإحسان". كما تتالت المحاولات لتوريط الجماعة قانونيا وهو ما جسدته المحاكمات الماراطونية للآلاف من أبنائها وبناتها بتهمة الانتماء لجماعة غير قانونية وممارسة أنشطة غير شرعية. وقد باءت هذه المحاولات بالفشل حيث اعترفت الكثير من محاكم المغرب بقانونية الجماعة وشرعية اجتماعاتها وأنشطتها وعلى رأس المعترفين "المجلس الأعلى". وبالرغم من ذلك لازالت السلطات بهذا البلد ترفض التعامل مع الجماعة بناء على هذه الأحكام وتتصرف تجاهها من موقع الخصومة السياسية وليس من موقع دولة القانون والمؤسسات.



بقلم: رشدي بويبري
الثلاثاء 6 يوليوز/تموز 2010


-----------------------------------------------------------
فهرس عناوين في نفس المواضوع

اختطاف 8 قيادين من جماعة العدل والإحسان (ملف خاص) (http://alrafi3.com/forum/showthread-t-17554.html)
تقرير حول قمع عائلات معتقلي جماعة العدل والإحسان بفاس (http://alrafi3.com/forum/showthread-t-17604.html/)
حوار حي مع الأستاذ فتح الله أرسلان حول موضوع "حملة السلطة على العدل والإحسان.. من الاعتقال إلى الاختطاف" (http://alrafi3.com/forum/showthread-t-17618.html)
السلطة ومحاولات اختراق العدل والإحسان.. فشل وإخفاق (http://alrafi3.com/forum/showthread-t-17579.html)
هل نجحت المخابرات في اختراق العدل والإحسان؟ (http://alrafi3.com/forum/showthread-t-17608.html)
الاختطاف...هل يتقدم المغرب إلى الخلف؟ (http://alrafi3.com/forum/showthread-t-17630.html)
بيان من معتقلي العدل والإحسان السبعة بفاس (http://alrafi3.com/forum/showthread-t-17661.html)
اختراق العدل والإحسان.. وماذا بعد؟ (http://alrafi3.com/forum/showthread-t-17663.html)
لا أخلاق لدولة الاستبداد (http://alrafi3.com/forum/showthread-t-17664.html)
كيف يحارب المخزن جماعة العدل والإحسان (http://alrafi3.com/forum/showthread-t-17665.html)
حسن بناجح: أفشلنا رهان المخابرات في اختراق الجماعة (http://alrafi3.com/forum/showthread-t-17666.html)
أفلا تعقلون...؟ (http://alrafi3.com/forum/showthread-t-17667.html)

عادل محسن
12-07-2010, 17:59
كيف يحارب المخزن جماعة العدل والإحسان؟ 4/2

بقلم: رشدي بويبري

4 – الواجهة الدينية:
تحدثنا في الجزء الأول من هذا المقال عن ثلاث واجهات تتمظهر من خلالها الحرب الشاملة التي يخوضها النظام المخزني ضد جماعة العدل والإحسان ونستكمل فيما تبقى من المقال الحديث عن باقي هذه الواجهات وهي:
4 – الواجهة الدينية.
5 – الواجهة السياسية.
6 – الواجهة الاجتماعية.
7- الحرب على الجماعة خارج المغرب.تشكل، كذلك، أبرز الواجهات التي يخوض فيها المخزن حربا لا هوادة فيها ضد الحركة الإسلامية عامة وضد دعوة العدل و الإحسان خاصة. وقد سعت هذه الحرب إلى تحقيق غايتين أساسيتين:

4 -1 *** ملئ الفراغ في المجال الديني
حتى لا يبقى استثماره حكرا على الجماعة مع العمل على تطويق إشعاع خطابها والحد من قدراتها الاستقطابية لفئة المتدينين في المجتمع المغربي. وقد اعتمد المخزن لتحقيق هذه الغاية الكثير من الأدوات والأساليب أبرزها:

أ / تأميم المساجد مبكرا وجعلها بشكل كامل تحت وصاية مؤسسة مخزنية رسمية هي وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. وللتذكير فقط فقد كانت هذه الوزارة دائما تدرج ضمن وزارات السيادة التي يشرف عليها من ينتقيهم المخزن، بعناية، من خُلَّصِ خدامه. وقد ضمن هذا التأميم للمخزن حرمان الخطابات المناوئة لشرعيته الدينية والمعارضة لمشروعيته السياسية من فضاءات دينية تنتعش فيها وتبث من خلالها مشاريعها وتصوراتها. يضاف إليه احتكار الحديث باسم الدين وترويج المنظور المخزني الخاص لمفهوم التدين من خلال تأميم الفتوى وخطبة الجمعة والدروس التأطيرية والتوعوية في المساجد والتحكم في تحركات العلماء والخطباء.

ب / تفعيل المؤسسات الدينية الرسمية وتطوير أدائها لضمان فاعلية أكبر في منافسة دعوة"العدل والإحسان" ومحاولة إقصائها من مجال عملها الرئيس. وقد قام المخزن في هذا الصدد بإعادة هيكلة هذه المؤسسات وتوسيع صلاحياتها وتوزيعها جغرافيا وإحداث مؤسسات أخرى، كإحداث المجلس العلمي الأعلى مثلا، واعتماد سياسية القرب الديني بتوظيف وسائل الإعلام (إذاعة وتلفزة وإنترنت..). تضاف إلى هذه الجهود محاولة تحسين الوضع الاجتماعي للقيمين على هذه المؤسسات أئمة و خطباء وغيرهم. وفي مقدمة المؤسسات التي عرفت تغييرا في بنيتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.

ج / استقطاب النخب الدينية والعلمية لضمان تهميش دعوة العدل والإحسان:
بذل المخزن كل جهوده لإغراء شريحة مهمة من النخب الدينية وخاصة الشابة منها للانخراط في مشروعه ذاك. وهكذا تم فتح الباب لفئات من الخطباء والمحاضرين للبروز قصد تقوية الرأسمال الرمزي للمخزن في المجال الديني. وقد تم التركيز على هذه الفئات بالضبط طمعا في تجديد النخب الدينية التقليدية التي ضعف تأثيرها وخفت إشعاعها في الشارع العام وضمان تسويق الخطاب الديني الرسمي على ألسنة فئات تحضا بنوع من التقدير والقبول في أوساط العامة. وبطبيعة الحال يفترض أن يؤدي هذا الجهد إلى الوقوف في طريق استقطاب الجماعة لهذه العينة من النخب والحيلولة دون تسرب خطابها إليها.

د / منع أعضاء الجماعة من الوعظ والخطابة:
عمد المخزن، خاصة خلال السنوات الأخيرة، إلى إقصاء جميع أعضاء الجماعة وكل من تشم منه رائحة التعاطف معها من منابر الوعظ والخطابة والتأطير الديني. وهكذا تم حرمان العشرات من الأئمة والخطباء من أبناء الجماعة والمتعاطفين معها من حقهم الشرعي في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة من على منابر المساجد التي كانوا فيها بل ومنعهم من حقوقهم القانونية. فلا يجب أن يسمح لأي خطاب غير الذي يسبح بحمد المخزن أن يصل إلى أسماع الناس ويقر في قلوبهم.

ك / تفعيل النخب الدينية التقليدية وتشجيعها على النشاط في مجالها للحفاظ على حضورها الاجتماعي واستقطاب فئات اجتماعية جديدة. ويدخل في هذا النطاق تحفيز المخزن للزوايا ورعايته المادية والمعنوية لها وإحياء الكثير من طقوسها والإنفاق على ذلك بسخاء والترويج له في وسائل الإعلام.

م / توظيف الخطاب الديني المضاد:
لازال الجميع يتذكر التصريحات الصحفية لوزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السابق، عبد الكبير العلوي المدغري، التي اعترف فيها بأن المخزن وظف بشكل بارز وملفت الخطاب الوهابي وتمثلاته الحركية في المغرب وشجعه، إبان سنوات الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، على مواجهة الجماعة خاصة. وهكذا عرف المغرب سيلا عارما من الخطابات والكتب والأشرطة تقدح في دعوة "العدل و الإحسان" ومرشدها وفكرها واختياراتها. فمنها من تجرأ على التكفير ومنها من فسق وبدَع ومنها من دعا أولي الأمر إلى استئصال شأفة الجماعة وغير ذلك كثير. ثم بعد انقلاب المخزن على الوهابيين لجأ هذا الأخير إلى الخطاب الصوفي عله يعوض به ما لم يحققه الخطاب الوهابي.

يضاف إلى ما سبق ذكره تنامي الخطاب الحداثوي وهيمنته على كثير من المنابر الإعلامية والجامعية والسياسية والجمعوية وبثه لخطابات بلغت من الجرأة حد محاربة الإسلام جهارا وحث كل ذي فكر سقيم أو مشروع شاذ على إظهاره و بذل الجهود لخلق تطبيع مجتمعي مع مضامينه من خلال التوظيف الواسع لوسائل الإعلام.

4 -2*** محاولة تجديد الأساس الديني لشرعية الحكم المخزني
و قد اعتمد المخزن في تحقيق هذه الغاية على جملة من الإجراءات منها:

أ – إبراز قيام شرعية النظام المخزني على البيعة الدينية. وقد تابع المغاربة كيف حرص نظام الحكم على أن تكون هذه البيعة مكتوبة إبان تولي الملك محمد السادس الحكم خلفا لوالده. كما رأينا كيف يتم اللجوء مرارا إلى تأكيد هذه البيعة كلما أحس المخزن بتهديد لشرعيته الدينية وكان آخرها حين اصطدم ببعض المتشيعين في المغرب بهامش معركته الدبلوماسية مع إيران. فقد عممت وزارة الأوقاف لأسبوعين خطبة للجمعة تتمحور حول البيعة باعتبارها الإطار الشرعي لعلاقة المخزن بالرعية. كما يحرص هذا الأخير على تجديد هذه البيعة سنويا من خلال جملة من الطقوس أبرزها حفل الولاء الذي يقام كل سنة حيث يقدم كل المسئولين والأعيان في المغرب الولاء للملك في طقوس مخزنية راسخة.

ب – احتكار القرار والاجتهاد في المجال الديني:
اعتبر المخزن نفسه دائما المرجع الأساس في كل ما يرتبط بالشأن الديني في المغرب وصنف كل من ينافسه في هذا الأمر في دائرة العدو لشرعيته. وقد اتخذ هذا الاحتكار بعدا كبيرا بعد الأحداث الإرهابية التي وقعت في الدار البيضاء سنة 2003 حيث اعتبر أنه صار من الضروري احتكار الشأن الديني بشكل مطلق سواء على مستوى الاجتهاد أو التأويل أو الفتوى والتأطير وشجعه على ذلك حتى بعض التيارات اللادينية. وهذا ما تجسد بشكل عملي في كثير من تصرفات السلطات كان أبرزها الجدل الذي قام بشأن فتوى أحد الفقهاء المغاربة بجواز زواج بنت التاسعة أو فتوى الدكتور القرضاوي حول قروض السكن.و بطبيعة الحال يسعى المخزن من خلال قراره هذا إلى منع صفة الشرعية الدينية عن الاجتهادات والتصورات التي لا تتوافق مع مصالحه واختياراته.


تاريخ النشر: الإثنين 12 يوليوز 2010

عادل محسن
21-07-2010, 16:52
كيف يحارب المخزن جماعة العدل والإحسان؟ 3/4

بقلم: رشدي بويبري


5 - الواجهة السياسية:
يعتبر المجال السياسي فضاء للصراع والتنافس بين المصالح والمشاريع. لأجل ذلك حرص المخزن أن يكون دائما هو السيد والمالك لزمام الشأن السياسي بالمغرب وجعل كل الفاعلين تابعين وخاضعين لهيمنته أو محارَبين ومُهَمَشين إذا اختاروا المعارضة الحقة لاستبداده وفساده. وقد كان هذا حاله مع كل الفاعلين وضمنهم جماعة "العدل والإحسان" التي كان حظها وافرا من قمع المخزن وتسلطه. وقد ركز النظام على مجموعة الإجراءات بهدف ضمان بقاء الجماعة في حيز هامشي محدود التأثير في المجال السياسي. ومن أبرز هذه الإجراءات:

- التأكيد الدائم على شرعية النظام المخزني ومشروعيته
ويوظف المخزن لهذا الغرض آلته الدعائية بقوة قصد تعميم ثقافته السياسية كما يسخر الفاعلين السياسيين والاجتماعيين المشكلين لنخبته للقيام بنفس الشيء. فمعظم الخطب الملكية تركز على هذا المبدأ كما أن أنشطة الأحزاب السياسية والمنظمات الرسمية لم تخرج عن نطاق هذه المهمة. ولعلّ ما يبرّر هذا الحرص من النظام على تأكيد مشروعيته السياسية هو إدراكه أن الجماعة تنازعه في أسس هذه المشروعية وتتبنى خطابا معارضا لها يلقى صدى متناميا في الشارع العام بسبب معايشة الناس للفرق الهائل بين ادعاءات المخزن وحقيقة ممارساته في الواقع.

- احتكار القرار السياسي
في المغرب، كما هو الحال في كل الأنظمة الشمولية، يعتبر النظام السياسي المصدر الأساس والوحيد للبث في القضايا الكبرى والمصيرية فكل الملفات السياسية بيده ولا يسمح لأي فاعل، مهما بلغت قوته، أن يشاركه بله أن ينازعه في تدبيرها إلا إذا كان يتصرف من موقع التابع المخلص المنفذ للتعليمات فقط. ويظهر هذا جليا في تعطيل الوظائف الحقيقية لمؤسسات الدولة وحصرها في نطاق الصلاحيات الصورية التي يتحدد دورها في تأثيث المشهد المؤسسي لإعطاء انطباع كاذب بوجود ديموقراطية بشروطها ومقتضياتها. فالبرلمان والحكومة والقضاء ليست إلا مؤسسات شكلية فارغة المعنى تأتمر بأمر سيدها المخزن. كما يتجلى هذا الاحتكار أيضا في تدبير القضايا الكبرى والمصيرية كقضية الصحراء والتنمية البشرية وغيرها، والذي يعلم الجميع أن القرار فيها هو من اختصاص الدوائر الضيقة للنظام. ويدخل في النطاق كذلك تطويق المجال السياسي بالمزيد من المؤسسات السيادية الموازية للمؤسسات الرسمية للدولة (خاصة في المجال التنفيذي) وتتكفل كل منها بملف، فهذا المجلس الأعلى للتعليم وهذا المجلس الاقتصادي والاجتماعي وهذا المجلس العلمي الأعلى وقِسْ على هذا المنوال...

وقد يفسر إصرار المخزن على احتكار القرار السياسي حرصه على تحقيق هدفين: أولهما فرض سطوته على المجالس السياسي والتحكم في كل مداخله ومنابع التأثير فيه ثم فرض اختياراته وقراراته بلا منازع. وثانيهما ضبط سلوك القوى السياسية وتوجيه فعلها وحصره ضمن سياج التفسير والتبرير لمواقف المخزن وقراراته وتطويق القوى المعارضة وجعلها جزءًا من الديكور السياسي لا غير.

وإذا كان احتكار القرار السياسي من قبل المخزن موجها ضد كل القوى السياسية خاصة المعارضة، فإن التركيز والإصرار عليه في ظل العهد الجديد يجعله موجها أساسا ضد القوة المعارضة الأبرز الآن والتي بقيت صامدة ومتشبثة بمواقفها وتصوراتها، وهي في هذه الحالة جماعة "العدل والإحسان". فثبات الجماعة على خطها السياسي رغم طوفان القهر والعنف المخزني الموجه ضدها ربما جعل هذا الأخير يقتنع بحتمية كونها لاعبا سياسيا أساسيا في المغرب لا مناص من إدماجه. لذا يعمل المخزن جاهدا على تسييج المجال السياسي حتى إذا أكره على السماح للجماعة بالعمل السياسي العلني لن يعدو دورها ما تقوم به باقي المكونات السياسية مما يفرغ مشروعها من مضمونه وجوهره ويكيفه لخدمة مشروع المخزن ومصالحه.

- محاولة خلق إجماع وطني حول النظام المخزني
في الحقيقة لقد عمل المخزن باستمرار على تحصين نفسه من تهديد معارضيه بهذه السياسة. وقد برز هذا بشكل واضح في بداية السبعينات من القرن الماضي حين ابتدع قضية الصحراء وفرض على الفاعلين السياسيين آنذاك تجميد الصراع السياسي لتحقيق إجماع وطني حول الملكية قصد التفرغ للتصدي لهذه القضية المصيرية. كما يدخل في هذا النطاق أيضا مطالبة الملك الراحل للنقابات بتجميد مطالبها ونضالها قصد تحقيق ما سماه بالسلم الاجتماعي الذي يفترض أن يساعد في مواجهة التدهور العام الذي يشهده المغرب والذي وسمه بالسكتة القلبية. أما في العهد الجديد فقد حرص المخزن على تحييد معظم المعارضات الفاعلة وإدماجها في نسيجه السياسي بكل الأساليب وخاصة الإغرائية منها. كما بذل جهودا مضنية لإظهار حدوث تحول إيجابي في ممارسته للحكم من خلال رفع شعارات براقة مثل العهد الجديد والمفهوم الجديد للسلطة وإحداث تغييرات في بعض خدامه. يضاف إلى هذا حرصه على جعل محطة الانتخابات فرصة لتحقيق هذا الإجماع وخاصة الانتخابات التشريعية الأخيرة التي استطاع المخزن أن يستقطب لها كل الفاعلين السياسيين ماعدا جماعة "العدل والإحسان" وتنظيم سياسي آخر.

إن المخزن لا يثق أبدا في أيٍ من القوى السياسية سواء كانت موالية أو معارضة، لأجل ذلك نجده يفرض عليها باستمرار بذل كل الجهود لإثبات حسن نيتها تجاهه من خلال مزيد من الرضوخ يصل حد التماهي المطلق مع اختياراته وقراراته وإلغاء الذات وصهرها في بوتقته. وهو بهذا يضمن عدم انقلابها على مشروعيته فضلا عن تهميش كل قوة معارضة وخنق تحركها وفعلها. لقد أصبحت سياسية الإجماع الوطني وسيلة لإظهار جماعة "العدل والإحسان" بمظهر الخارج عن الشرعية والإجماع السياسي مما يبرر قمعها والتنكيل بها في محاولة لإرغامها على التنازل عن مواقفها المعارض لاستبداد المخزن وفساده.

- ملء الفراغ في المجال السياسي ومحاولة إعطاء مصداقية للتحركات السياسية للمخزن
إن أخطر ما يواجه أي نظام سياسي أن يجد نفسه في مواجهة معارضة قوية ذات مصداقية وامتداد جماهيري وجها لوجه في مجال يغيب فيه تأثير القوى المساندة لهذا النظام والمزكية لمشروعيته. ويتخذ الأمر بعدا أخطر حين يكون هذا النظام مستبدا وفاسدا وتكون المعارضة نزيهة وشريفة وحاملة لمشروع يجذب إليها الانتباه والتعاطف كما هو الحال في المغرب بين المخزن وجماعة "العدل والإحسان". ولعل هذا ما يفسر التخوفات الكثيرة التي أفصح عنها الملك الراحل في سنوات حكمه الأخيرة ومطالبته بضرورة إعادة تشكيل المشهد السياسي وخلق دينامكية فيه تكون قادرة على مواجهة الجاذبية الإستقطابية التي تتميز بها الخطابات المعارضة وعلى رأسها الخطاب السياسي "للعدل والإحسان". لأجل ذلك حاول المخزن تفعيل أدوات تحكمه وخاصة الأحزاب السياسية ومدها بكل الإمكانات لاستقطاب الفئات الشابة. وأمام إدراك سدنة العهد الجديد لمدى ترهل الطبقة السياسية وبعدها عن الشرائح الاجتماعية وعدم قدرتها على مجارات حيوية وفاعلية الخصم السياسي، كلفت صديق الملك بمهمة إعادة الحياة للجسم المخزني المترنح. فمن الخطر أن يكون هناك فراغ سياسي يستثمره الخصوم للتمدد والانتشار بل لابد من وجود لاعبين سياسيين كثر تعطي المصداقية للنظام وتشغل الرأي العام بضجيج تحركاته و إيهامه بجدواه ونفعه.

- حرمان جماعة "العدل والإحسان" من أدوات الفعل لتأثير والمشروعية السياسية
منذ تأسيس الجماعة حرص المخزن جاهدا على إظهارها بمظهر الخارج عن الإجماع والمشروعية. كما قرر مبكرا حرمانها من كل أدوات الممارسة السياسية وفي مقدمتها المنع من امتلاك حزب سياسي وقنوات التأثير الجماهيري وأهمها المنابر الإعلامية. كما لا يزال يمنعها من كل وسائل الحركة والتأثير. وقد استعرت الحرب المخزنية ضد الجماعة منذ مايو2006 حيث تم إغلاق العشرات من الجمعيات ومنع المئات منها من الأنشطة. فالحصار التام هو شعار المخزن في مواجهة "العدل والإحسان" لمنعها من اكتساب المتعاطفين والتمدد وسط الشعب، خاصة أمام انسداد الآفاق السياسية في الواقع المغربي وفشل المخزن على كل الأصعدة.


تاريخ النشر: الأربعاء 21 يوليوز 2010

أشرف
21-07-2010, 17:37
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بورك في كاتبه وناشره

الحمد لله على كل حال

اللهم نصرك وتأييدك لعبادك المستضعفين آمين

عادل محسن
28-07-2010, 16:25
كيف يحارب المخزن جماعة العدل والإحسان؟ 4/4

بقلم: رشدي بويبري

6 / الواجهة الاجتماعية
منذ أن ركزت الدراسات، خاصة الغربية منها، على كون الحركة الإسلامية هي المستفيدة الأساس من تردي الأوضاع الاجتماعية في العالم العربي وتستغلها بشكل كبير لترسيخ حضورها وسط الشعوب، منذ ذلك الحين بذلت الأنظمة العربية ـ بتوجيه من الدول الاستكبارية في العالم ـ كل جهودها لإقصاء الإسلاميين من المجال الاجتماعي. وبناء عليه تم حرمان الآلاف من بسطاء المواطنين من الخدمات الاجتماعية التي كانت تقدمها مؤسسات الحركات الإسلامية في مقابل أنشطة اجتماعية فلكلورية لا تسمن ولا تغني من جوع غايتها الدعاية السياسية والظهور الإعلامي وقطع الطريق على الخصوم الإسلاميين. و لم يكن نظام المخزن في المغرب استثناء في هذا الصدد، بل اتخذ الأمر في ظل العهد الجديد بعدا أكثر جدية. فمنذ تولي الملك الجديد الحكم عرف الواقع المغربي سيلا من الشعارات من قبيل "ملك الفقراء" إضافة إلى زخم من التحركات لازال بعضها قائما إلى الآن، مثل توزيع الحريرة وبعض المواد الغذائية في رمضان. وبموازاة ذلك عرف التضييق على الأنشطة الاجتماعية لجماعة "العدل والإحسان" تصاعدا ملفتا. ومن أبرز الخطوات التي اتبعها المخزن في سياسته الاجتماعية ضد الجماعة ما يلي:
ـ تطويق العمل الاجتماعي للجماعة ومنعه من بلوغ الشرائح الواسعة من الناس وحصره في نطاقات هامشية
ويتم ذلك من خلال المنع المباشر والصريح للكثير من الأنشطة والخدمات الاجتماعية التي كانت توفرها جمعيات ـ ينتمي أعضاؤها أو يتعاطفون مع جماعة "العدل والإحسان"ـ لفائدة الفقراء والفئات الاجتماعية المعوزة. بل تجرأ المخزن على جر بعض هؤلاء الناشطين إلى المحاكم بتهم مكيفة سلفا، مثل جمع التبرعات أو جلود الأضاحي بدون ترخيص.. كما تعتمد سياسية التطويق تلك على رهن الأنشطة الاجتماعية بالموافقة الإدارية لبعض مؤسسات الدولة وخاصة أجهزة الداخلية وبطبيعة الحال فهذه الأخيرة تحرص دائما على منع كل ما من شأنه أن يمت "للعدل والإحسان" بصلة.

ـ رفع شعارات رعاية الفقراء والعناية بالفئات المحتاجة ومحاولة تطبيق بعضها من خلال تحركات تقوم بها أعلى سلطة في البلاد
لقد حاول المخزن استثمار مجيء الملك الجديد إلى السلطة لإطلاق حملة من الشعارات والدعاية لها خاصة في ظل وجود اختلالات اجتماعية مهولة وارتفاع سقف التوقعات من السلطة الجديدة. كما صاحبت هذه الحملة الدعائية تحركات مخزنية كثيرة في محاولة لإظهار جدية تلك الشعارات. كما قام المخزن كذلك بقرصنة الكثير من أصناف الأنشطة التي كانت تقوم بها الجماعة مع إعطائها لبوسا آخر مثل توزيع سلة المحتاج وتوزيع الملابس والأدوات المدرسية والخدمات الصحية وغيرها.

ـ تبني سياسة عامة محورها التنمية البشرية
كثيرا ما اتهم العهد الجديد بكونه يفتقد مشروعا سياسيا يستقطب حوله النخب والجماهير. وهو ما حاول تجاوزه من خلال تبني ما أطلق عليه بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية. كما دفعته أحداث الدار البيضاء الإرهابية إلى الإعلان عن تبني سياسة اجتماعية عامة كان من تجلياتها إحداث وزارة الرعاية الاجتماعية بالإضافة إلى بعض الإجراءات الاجتماعية مثل التي وردت في التصريح الحكومي. وبناء عليه عرف المغرب العديد من التدشينات والمشاريع وسط حملات دعائية مكثفة تعطي الانطباع بأن عهد الاختلالات الاجتماعية الفظيعة ولى إلى غير رجعة.

وكم كان سيغدو الأمل كبيرا لو أن هذه التحركات ـ التي كلفت خزينة الشعب الكثير من الملايين ـ تمكنت من إصلاح الأوضاع أو حتى تقليص حجم الضرر. لكنها في الحقيقة لم تزد الطين إلا بلة لأنها لم تخرج عن نطاق الدعاية السياسية والانفعال تجاه حيوية الخصوم السياسيين. فإطلالة بسيطة على التقارير الدولية، التي صدرت خلال هذه السنة وفي مقدمتها تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية، تعد كافية لمعرفة أن عمل المخزن لا يعدو كونه تحركات لا طائل من وراءها اللهم البهرجة وذر الرماد في العيون. فمتى لم يكن المخزن وفيا لسياسة التفقير والتهميش وتبذير الثروات ونهب خيرات البلد.

ـ تبني سياسة الإفساد العام أو سياسة الأرض المحروقة
مَنْ مِنَ الملاحظين لم يلمس التحولات الخطيرة التي طرأت على المجتمع المغربي في مجال القيم والسلوكات. الجميع رصد كيف تصاعدت الجريمة بكل أصنافها، خاصة الدعارة وترويج المخدرات، وكيف تسارعت وثيرة انسلاخ أجيال من الشباب المغاربة عن كل القيم النبيلة والارتماء في حضن الرذيلة وتبني القيم الماسخة لهويتها الدينية والوطنية. فهل كان كل ذلك تحولا تلقائيا أم أنه ثمرة لسياسة رسمية سخرت لها إمكانات مادية وبشرية هائلة؟

لم يعد يخفى على عقلاء البلد كيف يرعى المخزن قنوات الإفساد حيث أصبح المغرب ملاذا آمنا لكل دعوة شاذة فكريا أو عقديا أو سلوكيا. الجميع يعرف كيف تسخر إمكانات هذا البلد المادية والمؤسسية لاحتضان هذا الشذوذ وإظهاره علنا لخلق حالة من التطبيع الاجتماعي معه. وما المهرجانات التي تعم أرجاء المغرب وتنفق عليها المليارات بسخاء غريب وتستدعى لها هذه الأصناف،عنا ببعيد.

كلما أدركت دوائر القرار في المخزن العتيد أن دعوة "العدل والإحسان" لا يوقف زحفها عائق كلما أمعنوا في سياسة الأرض المحروقة تلك. وقصدهم من وراء ذلك تحقيق غايتين: أولاهما إخفات صوت الاحتجاج على الأوضاع المزرية من خلال قتل المروءة وإبادة النخوة وفصل الإنسان المغربي عن الفضيلة ليبقى ضحية لسياسة الاستحمار العام. إذ كيف سينتفض ضد واقع البؤس والبطالة والقمع من سلبت منه إرادته وبٍٍُلد حسه وغرق حتى النخاع في الفساد والرذيلة. وبهذا يضمن المخزن أيضا ألا تكون هذه الأجيال وقودا للتحركات الاحتجاجية ضد استبداده. أما ثانية الغايتين التي يسعى وراءها المخزن فهي إنتاج أجيال من المغاربة بعيدين كل البعد عن دينهم ومعتقداته الإسلامية متشبعين بقيم الحداثة الإستلابية منغمسين في السلوكات البهيمية الشهوانية غارقين في الحياة الاستهلاكية فلا أذن لديهم تصغي لنداء التوبة إلى الله أو التطهر من الرذائل بله التهمم بواقعهم وبشؤون أمتهم. بكل بساطة يريدون جيلا فقد بوصلة حياته والجدوى منها مما يجعل المهمة التربوية والتغييرية التي تباشرها الجماعة مستحيلة أو على الأقل إبطاء مفعولها وتأخير أثرها. هكذا طموح المخزن و سدنته، وهذا ما يفسر مسابقته للزمن قصد تطبيق هذا المخطط الجهنمي.

7 / الحرب على الجماعة خارج المغرب
لم تقتصر مواجهة المخزن لجماعة"العدل والإحسان" على المغرب وحده بل تجاوزته إلى خارج نطاق حدوده. وقد أوردت وسائل الإعلام المحلية والأجنبية خبر هذه الحرب خارج الحدود في مناسبات عديدة كان أبرزها اعتقال السلطات الإيطالية في السنة الماضية لثلة من المنتسبين لمدرسة "العدل والإحسان" بتهم واهية تراجعت عنها بعد ذلك. فالمخزن مرعوب بشكل كبير كن امتداد خطاب "العدل والإحسان" خارج المغرب وانتشاره في العالم ككل واستقطابه لمتعاطفين من كل الجنسيات وفي معظم البلدان وتبني الكثير من المنظمات والجمعيات للتصورات الفكرية والتربوية لهذه المدرسة التجديدية.لأجل ذلك تركز مواجهته للجماعة في الخارج على مستويين:

- استغلال الفرص للتحريض ضد "العدل والإحسان" و دفع الحكومات الأجنبية للتضييق على أنشطة المتعاطفين معها
وهو ما أظهرته بوضوح الاعتقالات التي تمت بإيطاليا. يضاف إلى ذلك الأنباء التي أوردتها بعض الصحف ومنها ما ذٌكِر مؤخرا عن انشغال أجهزة المخابرات الإسبانية بمتابعة ورصد أنشطة المتعاطفين مع مدرسة "العدل والإحسان" بإسبانيا. وإذا كان أثر هذا التحريض ضعيفا بسبب مناخ الديمقراطية واحترام القانون السائد في أوروبا خاصة فإن المخزن لم ييأس ولازال يصر على التحريض عله يحضا بانتصار هنا أو هناك

- إعادة تنظيم وتفعيل الحضور المخزني الرسمي وسط الجالية المغربية بالخارج دينيا وسياسيا
وفي هذا الصدد تم وضع سياسات وتفعيل مؤسسات مثل وزارة الهجرة وتأسيس أخرى مثل المجلس الأعلى للمغاربة المقيمين بالخارج بهدف استيعاب جمعيات ومنظمات المهاجرين وربطها بالمؤسسات المخزنية الرسمية وتسخيرها لخدمة مصالح النظام وتحييدها عن إمكانية التنسيق أو الاندماج مع الجمعيات المنتسبة لمدرسة "العدل والإحسان". كما يندرج في هذا السياق أيضا رعاية أنشطة الهدف منها تسويق شعارات المخزن وسط الجالية وتجديد روابط ولاءها للمخزن. ومن هذه الأنشطة ما يرتبط بالشأن الديني سواء على مستوى التأطير أو التمثيلية داخل مؤسسات بلدان المهجر.

على سبيل الختم
قد يفترض القارئ لهذا المقال أنه بني على منطق نظرية المؤامرة وأن الكثير من إجراءات المخزن وسياساته تندرج في نطاق التدبير السياسي العام لشؤون البلد وأنها ليست بالضرورة موجهة ضد جماعة "العدل والإحسان" خصيصا لأنها بكل بساطة موجودة لدى غالبية الحكومات والأنظمة في العالم. قد يكون هذا الافتراض صحيحا إذا كنا تتعامل مع حكام يتصرفون بمنطق رجال الدولة والمؤسسات لا بمنطق الخصوم السياسيين لكل من يعارض اختياراتهم وأفعالهم. نحن هنا بصدد نظام يمثل الاستبداد جوهر حقيقته والأساس الفعلي لمشروعيته. نظام متمحور حول ذاته همه الأوحد استمرار وجوده وسطوته على رقاب المغاربة. نظام جمع بين القهر السياسي والاحتكار الاقتصادي لخيرات البلد والتحكم في كل مفاصل الحياة العامة. نظام لا يقبل له معارضا أو ندا أو مشككا في شرعيته فهو لا ينفتح على خصومه إلا ليذلهم ويخضعهم و يصهرهم في كيانه.

ثم إن كثيرا من الاستنتاجات الواردة في هذا المقال ترتكز على العديد من الوقائع والشواهد الحقيقية غير أن الرغبة في الاختصار والخوف من إرهاق القارئ حال دون ذكرها. يضاف إلى ما سبق أن المتابع للواقع المغربي بإمكانه أن يرصد الكثير من التعليقات والتحليلات التي تتفق مع ما تم إيراده في هذا المقال.

وبشكل عام يمكن القول أن غاية هذا المقال أن يعطي تفسيرا ممكنا لمظهر كبير من مظاهر الصراع السياسي في المغرب خاصة في العهد الجديد وتقريب فهمها من القارئ والمهتم والمواطن البسيط معا. ويخلص إلى أن حرب المخزن ضد جماعة "العدل والإحسان" هي حرب استئصالية شاملة، حرب مشروع ضد مشروع، مشروع الاستبداد ورديفه الفساد ضد مشروع العدل والشورى والإحسان.

تاريخ النشر: الأربعاء 28 يوليوز/تموز 2010

أشرف
29-07-2010, 12:05
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بارك الله فيك على التكلمة المباركة

موضوع شيق