مشاهدة النسخة كاملة : *** ) رسالة إلى مظلوم (***



أم آلآء
10-07-2010, 21:53
بسم الله الرحمن الرحيم


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. وبعد:



أخي المظلوم: يا من عصر الظلم قلبك.. وأقلق نفسك وعصبك.. وزلزل استقرارك.. وحير قرارك.. وأعياك فأبكاك.. وآلمك فأدماك.. ولم يزل غيمة مثقلة تكدر صفوك.. وتجهش عينك.. وتحرج صدرك.. لا تحزن! وأبشر بنصر موعود.. وفرج قريب محمود!
وليس بشراك.. قولا مرتجلا.. ولا تسلية مفتعلة.. تضمد جراحك.. بل هي أمر قضاه الله وقدره.. وأقسم أن لا يظلم مظلوم إلا نصره! فقال سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: «وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين» [رواه أحمد].

وكأني بك.. تستعجل نصرك.. وتتوق إلى الخلاص من قيد ظلمك.. فإليك أبوابًا تطرقها فيأتيك الفرج!.. وأسبابا تستعملها فيرفع عنك الهم.. وينقشع من حياتك الظلم والغم.
أما والله إن الظلم لؤم





وما زال المسيء هو الظلوم



إلى ديان يوم الدين تمضي





وعند الله تجتمع الخصوم



ستعلم في الحساب إذا التقينا





غدا عند الإله من الملوم




المظلوم وأسباب الفرج
* الدعاء: وهو أهم علاج في رفع الظلم ويكون قرينا للعفو والصفح، ودعاء المظلوم على قسمين.
الأول: داء يدعو به المظلوم ربه لفكاك نفسه مما وقع عليه من ظلم، مع الدعاء للظالم بالهداية والاستقامة.
والثاني: دعاء على الظالم لزجره عن الشر، وقطع دابر أذاه وفتنته.
ومقام الأول هو مقام أهل الصفح والعفو الموعودين بالعزة والنصر، وبه استعصم الأنبياء والصالحون رحمة بالظالمين من أقوامهم، وفيه –لمن تأمل- حكم تلوح؛ إذ يتحقق به مقصودان:
الأول: تحقيق مصلحة المظلوم بزوال الأذى عنه.
والثاني: اكتسابه الأجر على دعواته لمن ظلمه وهي من أعلى مراتب الإحسان.
أخي المظلوم: فمهما بلغ ما وقع عليك من الظلم.. فلن يبلغ معشار ما وقع على الأنبياء من أقوامهم.. وكانوا يلاقون منهم شتى أنوع النكال والعذاب.. لكنهم كانوا سمحاء.. بل كانوا يدعون لهم بالهداية والستر والنجاة من غضب الله.. وتعجيل عقابه! وهذا رسول الله r تقول فيه عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها:« ما رأيت رسول الله r منتصرا من مظلمة ظُلمها قط ما لم ينتهك من محارم الله شيء فإذا انتهك من محارم الله شيء كان من أشدهم في ذلك غضبا، وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما» [رواه البخاري ومسلم].

وإذا كان هناك شيء أسهل على المظلوم، وأسرع في فكاك نفسه من ظلم غيره عليه فليس إلا الدعاء.. ذلك السلاح الذي يقصم به الله ظهر المتجبرين.. ويزلزل به عروش المتعالين.. وينسف به صولة المتطاولين.. وهو على مقامين:
* المقام الأول: يليق به عموم الدعاء بالفرج مع الدعاء للظالم بالهداية، تأسيًا بالأنبياء وإعذارًا للخلق، ومن كلمات الفرج التي ينصر بها الله المظلوم ، وينجيه من الهم:
1- الإكثار من قول: "حسبنا الله ونعم الوكيل"، وهي من أبلغ أدوية الظلم وأنفعه، بها استمطر إبراهيم نصر الله إذا ألقاه قومه في النار فكانت عليه بردا وسلاما.. وبها استعصم نبي الله محمد r وأصحابه حين اشتد عليهم ظلم الكفار فأنزل الله جل وعلا قوله: }الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ{.
أخي الكريم: فإن أعياك الظلم.. فاركن إلى هذا الذكر العظيم، فِإنه ما استمسك به مظلوم إلا كفاه الله الشرور، وكشف عنه البلايا وفي الحديث عن النبي r قال: « من قال حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم حين يمسي وحين يصبح سبع مرات كفاه الله ما أهمه من أمر الدنيا والآخرة» [رواه ابن السني].

2- الإكثار من قول: }وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ{ فإن هذا أيضا من الأدوية القرآنية للظلم الواقع على المسلم ودليله قول الله جل وعلا: }فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ{، فهذا الذكر وقاية من السوء والمكر الذي هو أنكى أنواع الظلم.

3- الاستعاذة من شر الظالم: ومن مهمات الاستعاذات الثابتة عن النبي r: «لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم، اللهم قني شر فلان» ثم تسمي الظالم باسمه» [رواه البخاري وزيادة من تصحيح الألباني].

4- وكذلك «اللهم رب السموات السبع، ورب العرش العظيم، كن لي جارا من فلان بن فلان، وأحزابه من خلائق، أن يفرط علي أحد منهم أو يطغى، عز جارك وجل ثناؤك، ولا إله إلا أنت» (ويسمي الظالم باسمه) [صحيح الأدب المفرد 545].

5- وكذلك: «الله أكبر، الله أعز من خلقه جميعا، الله أعز مما أخاف وأحذر، أعوذ بالله الذي لا إله إلا هو، الممسك السموات السبع أن يقعن على الأرض إلا بإذنه، من شر عبدك فلان [ويسمي الظالم باسمه]، وجنوده وأتباعه وأشياعه، من الجن والإنس، اللهم كن لي جارًا من شرهم، جل ثناؤك، وتبارك اسمك ولا إله غيرك» ثلاث مرات [صحيح الأدب المفرد برقم: 546].



6- وكذلك: «أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق ومن شر ما ذرأ وبرأ ومن شر ما ينزل من السماء ومن شر ما يعرج فيها ومن شر ما ذرأ في الأرض وبرأ، ومن شر ما يخرج منها، ومن شر فتن الليل والنهار ومن شر طوارق الليل إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن» [رواه أحمد].

7- وكذلك: «اللهم إني أعوذ بوجهك الكريم وكلماتك التامة من شر ما أنت آخذ بناصيته».
8- وكذلك: «أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه، وشر عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون».

أخي الكريم.. فهذه دعوات الفرج بين يديك.. تلوح لك بالعز والنصر.. وتغمر بغيض الرحمة والرأفة.. فانهم منها.. والهج بذكرها خاشعا متبتلا شاكيا إلى الله ضعفك.. مفوضا إليه أمرك.. }فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ{.
أخي المظلوم: ابسط يديك.. وأحضر قلبك.. واذكر عيبك وذنبك.. ثم اطرق على الله وحده باب الشكوى.. أن يرفع عنك أذى الخلق.. وشر الظالم.. ثم أرِ لله عفوك عمن ظلمك.. فإن ذلك أدعى لنصرك وفرجك.


تذكر أخي.. أنك مظلوم.. والمظلوم مستجاب الدعوة كما قال رسول الله r: «دعوة المظلوم مستجابة، وإن كان فاجرا ففجوره على نفسه» [رواه أحمد، صحيح الجامع رقم: 3377]، فكيف لو تأدبت بأدب الشكوى على الله.. فأصبت السنة في الاستعاذة.. والعفو عن حظوظ النفس.. وموافقة أوقات الاستجابة.. فلا شك أن ذلك بمجموعه يكون من أعظم ما يعجل به نصرك.. ويقهر به خصمك، ويرفع عند الله قدرك.

وأما المقام الثاني فهو مقام الجواز.. وإليه يلجأ من اشتد عليه الظلم حتى حطم فؤاده.. وأسهر ليله.. وأذاه وأبلاه! وهذا المقام يعد - في النهاية - منافيا لحسن الخلق، ويفوت على المظلوم ثوابا عظيما لا يناله إلا بالتعبد بالعفو والحلم والصفح، ومن الأدعية التي تكسر شوكة الظالم:
* «اللهم اكفنيهم بما شئت».
* «اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اهزمهم وزلزلهم».
* « اللهم أنت عضدي ، وأنت نصيري ، بك أجول وبك أصول وبك أقاتل».
* «اللهم إنا نجعلك في نحورهم ، ونعوذ بك من شرورهم».

وكذلك عموم الأدعية والابتهال إلى الله بتعجيل النصر.
أخي المظلوم.. أبشر فدعوتك فوق السحاب قد لاحت في الآفاق.. وتطايرت منها الشرارات.. وفي تطايرها إيذان لك بالفرج.. ولظالمك بالذل والصغار.. نوح عليه السلام غلب على أمره.. ولم يجد في قومه سامعًا.. بل وجد منهم العذاب والنكال.. والسخرية والاستهزاء.. فقرع أبواب السماء قرعًا وهو يقول: رب إني مغلوب فانتصر، فجاء النصر من الله.. قال تعالى: }فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ{.. ولا تزال قصص نصر المظلومين تروى وتروى لتكون عبرة لكل ظالم.. وسلوانًا لكل مظلوم..

وإليك أخي المظلوم قصة الإمام أحمد رحمه الله حينما ظلمه ابن أبي دؤاد، رفع الإمام أحمد يديه إلى السماء وقال: «اللهم إنه ظلمني، ومالي من نصير إلا أنت، اللهم احبسه في جلده، وعذبه»، فما مات هذا الظالم حتى أصابه الفالج، فيبس نصف جسمه وبقي نصفه الآخر حي.
دخلوا عليه وإذا به يخور كما يخور الثور ويقول: "أصابتني دعوة أحمد، مالي ولأحمد، مالي ولأحمد، ثم يقول: والله لو وقع ذباب على نصف جسمي لكأن جبال الدنيا قد وقعت عليه، أما النصف الآخر فلو قرض بالمقاريض ما أحسست به".

* التوبة إلى الله جل وعلا: فإن الظلم من أنواع البلاء التي توجبها الذنوب كما قال تعالى: }مَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ{، ولذلك فإن الاستغفار والتوبة إلى الله، من أعظم ما يدفع به ظلم الطغاة وتسلطهم، لأن التوبة طهارة من الذنوب التي هي موجبات العذاب والبلاء.
فتأمل أخي في أحوالك.. واجعل من الظلم الذي وقع عليك فرصة لمحاسبة نفسك ومعاتبتها.. وتقويمها.. فإن وجدت في عنقك مظالم للعباد فاربأ بنفسك أن تردها.. سواء في مال أو عرض أو نحوه! وإن وجدت تقصيرا في حقوق الله.. فجدد معه إيمانك.. وأنب إليه.. ولا تنس أن الظلم لا يكون دوما بسبب الذنوب.. وإنما قد يكون بلاء لرفع الدرجات.. كما قال تعالى: }وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ{، وقال تعالى: }وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ{.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

المداح
13-07-2010, 20:35
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك أختي أم آلآء على الموضوع القيم
هو فعلا ضماد لجراح المظلوم
أحسن الله إليك