مشاهدة النسخة كاملة : الحقيقة الضائعة في مقتل الحلاج : بين الولاية والزندقة !!!



قابض على الجمر
21-07-2010, 18:12
بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه وحزبه

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أولا ملحوظة مهمة : الموضوع منقول مع تعديلات طفيفة جدا .

حينما كنت أبحث صادفني هذا الموضوع والذي أصلا كنت قد قرأت عنه منذ مدة ، ولأنه موضوع يثور الجدل فيه إلى الآن مع أنه مرت عليه مئات السنين ، فقد أحببت أن أفيد به الإخوة الأكارم لامنتصرا ولامنتقدا ، وإن كانت لي وجهة رأيي الشخصية منذ مدة ، وما اقوم به من تعديلات إلا لما تقتضيه ضرورة الزمان والمكان .



الحقيقة الضائعة في مقتل الحلاج بين الحكم بولايته وصلاحه والتأكيد على كفره وزندقته

الزمن : الخلافة العباسية


المتهم : الحسين بن منصور ..المكنى الحلاج


السن : 65 سنة


التهم : الدجل و الزندقة و السحر و الشعوذة


الادلة : قوله انا الحق ...ادعاؤه الالوهية ...قوله انا استطيع ان اقول مثل القران


المحكمة : فقهاء بغداد برعاية وزير الخليفة


الحكم النهائي : الاعدام


.....................................


سانقل قصته الكاملة فيما بعد...برؤية مغايرة ..لكن قبل ذلك اعود


الى الائحة السابقة في حقه
رغم ان هذه اللائحة بسيطة و مختصرة و ان الحكم شرعي و منطقي حسب كل ما سبق
الا ان هذا المتهم هو اكبر متهم في التاريخ الاسلامي و حتى العالمي الذي اختلف الناس في امره و تشعبت الكتابات عنه


خاصة الفرق الدينية ...



فبالنسبة الى المدرسة السلفية فالامر مفصول فيه اسم الحلاج ليس سوى الاسم الاخر لابليس لعنه الله ليس لانه صوفي و فقط



بل لأن فقهاء بغداد اجمعوا على ادانته



فلقد وقع على التخلص منه اكثر من ثمانين فقيها



قال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي رحمه الله



وأجمع فقهاء بغداد أيام المقتدر من المالكية وقاضي قضاتها أبو عمرو المالكي على قتل الحلاّج وصلبه لدعواه الإلهية والقول بالحلول ، وقوله: أنا مع الحق مع تمسّكه في الظاهر بالشريعة ، ولم يقبلوا توبته



بل امتدحوا الفقيه الذي اصدر حكم الاعدام ابو عمرو المالكي و اعتبروا صنيعه افضل عمل قام به



فابن كثير يروي على لسان بعض الفقهاء : وكان من أكبر صواب أحكامه - يعني ابو عمرو المكي - وأصوبها قَتْلَهُ الحسين بن منصور الحلاج



كما ان مرجعية هذه المدرسة الشيخ ابن تيمية رحمه الله قد فصل في امره: من اعتقد ما يعتقدهُ الحلاج من المقالات التي قتل عليها فهو كافر مرتد باتفاق المسلمين فان المسلمين إنما قتلوه على الحلول والاتحـاد ، ونحو ذلك من مقالات أهل الزندقة والإلحـاد كقوله أنا الله . وقولهِ:إله في السمـاء وإله في الأرض

مما جعل الحلاج لا ينجو من السب و الشتم حتى وقتنا الحالي و قفل الباب عن كل من يود الخوض في امره


ضف الى ذلك كتبه المملوءة بالرموز السحرية


و حتى الكلمات الكفرية المنسوبة اليه المعروفة عند الصوفية بالشطحات كقوله :


كفرت بدين الله والكفر واجب ......... عليّ وعند المسلمين قبيح



و اعتقاده بوحدة الوجود و حلول الله في مخلوقاته كما يقول غيره من الصوفية

قابض على الجمر
21-07-2010, 18:17
و بالنسبة للصوفية : فطائفة منهم اخرجته من دائرة التصوف و نكرت عليه اقواله



فقد ذكر الشيخ أبو عبدالرحمن السلمي في طبقات الصوفية أن أكثر المشايخ أخرجوه عن الطريق ولم يذكره أبو القاسم القشيري في رسـالته من المشايخ الذين عدهم من مشايخ الطريق



و هاهو امام الطائفة ابو القاسم الجنيد و كان من معاصريه ينكر عليه كذلك اقواله و تصوفه : إنني أرى كثيرا من فضول الكلام فيما يقوله الحسين بن منصور



اذا ما سبب الاختلاف في امر هذا الرجل الذي ادعى الالوهية و أي مجنون يستطيع مساندته و الوقوف معه بعد كل هذا ..



الراي المخالف اول نقطة انطلق منها المخالفون للفقهاء في اعدامهم للحلاج


هي الطريقة الوحشية التي تم اعدامه بها و التي يتحاشاها مكفروه عند التعرض لسيرته
هذا الشيخ المسن تم صلبه و قُطعت اطرافه حيا ثم قتل و احرقت جثته



طريقة فضيعة لا تمت الى الفقه و لا الى الاسلام باية صلة فكيف لهم الرضى بذلك


و أي اسلام يدعو الى هذا ؟



مما دفع بالكثيرين الى ترك اقوال الفقهاء فيه و الغوص بعيدا في خلفيات تعذيب هذا الرجل باسم الاسلام


و كثيرا منهم ذهب ان اسباب قتل الرجل تتعدى ما ينقله الاعداء التقليديون للصوفية عنه


كراوي قصته و التي سانقلها فيما بعد



و لقد وُجد من المدافعين عنه


من قالوا انه من علماء الكلام كـ الفقيه الشوشتري و الفقيه العاملي و العبدري و الدلنجاوي و المقدسي و اليافعي و النابلسي و الشعراني و الهيثمي و بن عقيلة و السيد مرتضى الزبيدي و كلهم من الفقهاء كما يقول اصحاب الراي المخالف



و منهم من عده من الحكماء كـ ابن خفيف و ابوحامد الغزالي و فخر الدين الرازي


و منهم من عده من اخلص المؤمنين بل ولي من الاولياء !!!!! كـ الشبلي و الدقاق و عبد القادر الجيلاني و ابو سعيد الهروي و ابن عربي و البقلي و العطار



اما الغربيون ممن بحث في تاريخ الاسلام فيلقبونه بمسيح الاسلام



هكذا يزعم المخالفون الذين دافعوا عنه بكل ضراوة و نقدوا تهمه بندا بندا


و قالوا ان الرجل مظلوم و التاريخ لم ينصفه


يتبع ...

أشرف
21-07-2010, 22:09
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

موضوع شائك وجب الإستفادة منه دون الدخول في معارك سبقنا إليها المتقدمون ومن كل الفئات الدينية صوفية فقهاء محدثين ....

بارك الله على الجهد المبارك

قابض على الجمر
22-07-2010, 12:50
بارك الله فيك اخي .
لنكمل القصة ، وأرجو ممن يقرأ مقالي أن يصبر معي حتى النهاية لأنه طويل حتى نخلص لنتيجة .


اقوال الدفاع عن الحلاج عبر التاريخ

فاما التهم قالوا انها باطلة بل ملفقة فقط فانه من السذاجة ان يدعي رجل مساق للموت انه الله الا اذا كان مجنونا و يثبت الحكم على نفسه فرحا بالقتل


اما اقواله المنقولة عنه فقالوا ..انها شطحات رمزية يكمن حملها على الايمان قالها الكثيرون غيره و لم يقتلهم احد و لا يمكن اثبات نية صاحبها اذا نفى ظاهرها الكفري


و اما قول ابن تيمية الصريح فردوا ان الشيخ حاكَم لائحة الاتهام و لم يحاكم الرجل لانه ليس من معاصريه و حكم على ما نقل له عنه بشانه شان كل مسلم قيل له ان شخصا يقول انا الله ...

ولقد عاصر ابن تيمية عبد القادر الجيلاني و ذكره بخير و لم يكفره رغم ما ينقل عن عبد القادر الجيلاني من الشطحات الكفرية كذلك ....

و استدلوا كذلك بقول ابن تيمية في بعض رسائله يشرح بعض هذه الكلمات الكفرية لصوفية اخرين
يقول سيخ الاسلام
فهذه الحال تعتري كثيرا من أهل المحبة والإرادة في جانب الحق فإنه يغيب بمحبوبه عن حبه وعن نفسه وبموجوده عن وجوده ... فلا يشعر حينئذ بالتمييز ولا بوجوده فقد يقول في هذا الحال : أنا الحق او سبحاني وهو سكران بوجد المحبة
و كانه يرد التهمة عن الحلاج بطريقة غير مباشرة و عن من قال من الصوفية بمثل قوله رغم ان هذه الاقوال لم تصدر وقت صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم


اما قولهم ان الحلاج ممن قالوا بوحدة الوجود و الاتحاد و الحلول ...قالوا ان ذلك تاويل سيئ فقط للاقوال و لقد نقل عن الحلاج قوله :

وظنــــــوا بي حلولا واتحـادا وقلبي من سوى التوحيد خال

و تفسير الفناء و قول بانه لا يوجد موجود سوى الله ما هو الا معنى مبالغ فيه لكلمة التوحيد لا اله الا الله أي لا موجود الا الله


و ينقل عن ابن القيم تلميذ ابن تيمية قوله : الفناء الذي يشير إليه القوم ويعملون عليه أن تذهب المحادثات في شهود العبد وتغيب في أفق العدم.....الى قوله ....... ويصير الحق هو الذي يشاهد نفسه بنفسه


و كُتب السحر و ما نقل عنه من الشعوذات خاصة الرموز الموجودة مما ينسب اليه..قالوا
اكثرها تلفيقات كما انه لا يمكن الجزم بان تلك الرموز هي فعلا سحر -خاصة اذا تعلق الامر بقتل انسان - و انما هناك ظن فقط انها من السحر و لا يمكن القتل بالظن

ضف الى ذلك ان الكثير غير الحلاج قالوا يالسحر و تعاطوه جهارا لكنهم لم يلاقوا مصيره


اما الصوفية المعاصرين له كاقوال الجنيد فيه فقالوا انه اختلاف مشايخ او اختلاف مختصين كما اختلف الصحابة من قبلهم و تقاتلوا بالسيف .. و لقد سجل التاريخ مساندة الجنيد لمن قال اكثر منه في مجال الشطحات ودافع عنه و هو ابو يزيد البسطامي

و قد قيل له ان ابا يزيد يسرف في الكلام فقال و ما بلغكم من اسرافه في كلامه

قالوا سمعناه يقول سبحاني فقال الجنيد : ان الرجل مستهلك في شهود الاجلال فنطق بما استهلكه لذهوله عن رؤيته اياه فلم يشهد الا الحق تعالى فنعته فنطق به


و هناك الكثير من غير الجنيد و لهم وزنهم عند الصوفية ممن امتدحوا الحلاج كالغزالي او ابن عربي و غيرهم
يقول الشعراني : إن الله سبحانه قد ابتلى هذه الطائفة الصوفية بالخلق كما ابتلي الأنبياء من قبل بعداوة الناس وخصومتهم
يقول اليافعي : الحلاج ثالث ثلاثة .... أحبهم قوم فكفروا بحبهم وأبغضهم قوم فكفروا ببغضهم والاثنان الآخران عيسى بن مريم وعلي بن أبي طالب



وروى زورق عن شيخه النوري : أنه سئل عنه فقال اختلف فيه من الكفر إلى القطبانية ... ومن لم يذق ما ذاقه القوم ويجاهد مجاهداتهم لا يسعه إلا الإنكار علبهم



وجاء في مطلع كتاب مفاتيح الغيوب وتعمير القلوب : أعلم أن الحلاج عند محققي العلماء ... مجمع على ولايته ومعرفته بربه عز وجل ..... وما ينسب إليه من غير هذا كذب وبهتان عليه فيجب اعتقاد ولايته وصدقه وأنه ركن من أركان طريق الحق سبحانه وأمام من أئمة المسلمين ولكنه كان له أعداء فآذوه وافتروا عليه ولا تلتفت إلى هذه المخالفات المزورة عليه وقد وصفه بالولاية والجمع بين العلم والعمل غير وأحد من أكابر الأئمة



سألت ابن خفيف ما تعتقد في الحلاج ؟ قال : أعتقد بولايته قلت : قد كفره المشايخ قال : إن كان الذي رأيت في الحبس لم يكن توحيدا فليس في الدنيا توحيد



ويقول السلمي سمعت إبراهيم بن محمد النصراباذي قد عوتب في شى حكى عن الحلاج في الروح فقال : إن كان بعد النبيين والصديقين موحد ... فهو الحلاج



وقيل للرفاعي : إن أهل بغداد يقولون : مشايخ العراق كانوا في زمان الحلاج لأنه لما احترق وذرى في الماء شربوه فصاروا مشايخ وأخذوا بقوله وما شرب العشاق إلا بقيتي وما وردوا في الحب إلا على وردي فقال : لو كان مشايخ العراق مشايخ لأخذ السيف جنوبهم كما أخذ الحلاج



و ماذا عن اجماع فقهاء عصره


قالوا ان فقهاء عصره كانوا تحت خلافة جائرة و معروفة تاريخيا و لو كانوا على عدل و صفاء لسجل لنا التاريخ تصادمهم مع الخلفاء


و اذا كان هناك قهر يمكن جمع التوقيعات و تاويل الفتاوي ...خاصة اذا كانت اللائحة تحمل اقوال ...رجل يقول انه الله.......



يقول أبو حيان التوحيدي : وكان شيخ الحنابلة في عصره أبو الوفا بن عقيل يتعصب للحلاج ويمجده فعزلته الخلافة العباسية واضطهدته بسبب الحلاج


فمن يكن هذا الحلاج ؟ و لماذا قتل بهذه الطريقة ؟

لقد وجدت احد المتعاطفين معه يروي لنا حياته بشكل ادبي رائع ..يبدو انه اعتمد فيها على كم هائل من المصادر تاريخية


يتبع......

abdolkadr
24-07-2010, 07:56
بارك الله بك اخي على هذا الموضوع الجميل
و انا معك من المتابعين ان شاء الله

قابض على الجمر
24-07-2010, 21:18
بارك الله بك اخي على هذا الموضوع الجميل
و انا معك من المتابعين ان شاء الله

بارك الله فيك اخي الكريم
لنكمل قصتنا :مع احد الذين جمعوا شتات القصة من زخم كبير من المصادر


اليكم حياة الحلاج كاملة بنضرة مخالفة

مولده و نشأته
هو الحسين بن منصور بن محمى الحلاج أبو مغيث فارسي الاصل ولد بالبيضاء مسقط راس العالم النحوي سيبويه ..التحق صغيرا مع ابيه الى واسط في العراق اي نشا و تربى في فترة ملتهبة الافكار و الطوائف كانت فيها العراق مركز اشعاع فكري و روحي ...
تميز منذ صغره بالذكاء و النبوغ و التميز
فقد حفض القران الكريم وهو دون العاشرة من عمره
و اقبل على كل علوم عصره من فقه و توحيد و تفسير و حديث و حكمة الا ان ميله للتصوف كان اكبر ...

تصوفه المبكر

و ما ان بلغ الثامنة عشر من عمره حتى فتش له عن شيخ في الطريق الصوفي و كان ابو عبد الله التستري اول مشايخه فنهل منه ادابها و منهجها و لما بلغ العشرين رحل الى البصرة و اخذ عن شيخ من شيوخها هو عمر المكي تزوج بأم الحسين بنت أبي يعقوب الأقطع و ابوها احد زعماء البصرة و رزق ثلاثة اولاد ....ثم يرحل الى بغداد بعد خصومة مع شيخه عمر المكي لم يستطع معها البقاء في البصرة
و في بغداد يلزم الجنيد و الثوري ليبالغ في العبادة و التقوى و سرعان كذلك ما تفتر بينه العلاقة و بين امام الصوفية انذاك في بغداد ابو القاسم الجنيد ...فقد بدى و كانه يؤسس مدرسة منافسة خاصة به في التصوف فلقد قال عنه الجنيد : إنني أرى كثيرا من فضول الكلام فيما يقوله الحسين بن منصور

يتقرب بعدها من مدرسة القشيري وفيها يلتقي بصديق عمره فيما بعد الشبلي
تصوفه المتميز


و لكن نضرته التجديدية لم تجعله يستقر مع فئة من الفئات الصوفية انذاك


هذه النضرة التجديدية التي كان يطمح من خلالها تفعيل تصوفه لاحتواء الصراع الفكري انذاك في بغداد التي كانت تعاني من عصيبيات مختلفة بين الفرس و العرب و الترك في ظل خلافة عباسية ظالمة نخرها الفساد الى اقصى الحدود
و هنا ارتمى بتصوفه في كل اوساط جماهير بغداد ووثق صلته بشرائح كبيرة من المجتمع من جند وقادة وامراء وزعماء .....هذه الصلة وسعت الهوة بينه و بين صوفية زمانه من جهة



و بينه و بين القوى السرية المراقبة و التي لها كلمتها في تحريك الخلافة



و انقطاعه عن شيوخ التصوف جعلته يواصل تصوفه بحدة و عنف كبيرين فقد كان ذا باع و قاعدة صلبة منذ نعومة اضافره في هذا الفن و كان تصوفه غير منقطع عن الاخرين فقد قال عنه ابن كثير :وقد كان الحلاج يتلون في ملابسه فتارة يلبس لباس الصوفية وتاره يتجرد في ملابس رزية وتارة يلبس لباس الاجناد ويعاشر أبناء الاغنياء والملوك والقواد وقد رآه بعض أصحابه في ثياب رثة

قيل له ما هذه الحالة يا حلاج فانشأ يقول :

لان أمسيت في ثوبي عديم لقد بليا على حر كريم


فلا يغررك ان أبصرك حالا مغيرة عن الحال القديم


فلي نفس ستتلف أو سترمى لعمرك بي الى أمر جسيم


ما كان هذا الامر الجسيم سوى محاولة احتواء التصوف للحياة كلها بما فيها قصور الخلافة


هذا التصوف و مدارسه التي كانت في عز عطائها و في اجمل فترة لها كمنهاج جهاد نفسي و تربية


وورع من صلاة و تقشف و زهد في الدنيا و عبادة ...راى الحلاج انها دون تاثير في اصلاح الاوضاع من حول رجالاته او التاثير في صيرورة الخلافة الاسلامية



فالعصر الذهبي للتصوف عصر الجنيد و التستري و ما اشتهر عنهم من عبادة و تقوى كان ايضا عصر فساد منقطع النضير اغرق الناس في الشهوات و الملذات و الترف و ذلك كله انعكاس من فساد الامراء و الخلفاء المشتغلين بالجواري و الاماء و كانت بغداد عاصمة الخلافة تعاني من الانحلال الخلقي و الفساد الديني و الاجتماعي رغم الاف العارفين المشهورين بالورع و التقوى من مدارس التصوف

قابض على الجمر
25-07-2010, 16:55
هذا الوضع جعل الحلاج يقول يوما : ان الله سبحانه لن يقبل من الناس عبادتهم اذا اختلت سياستهم
وفسدت أخلاقهم .. ثم استكانوا للبغي و الفساد ...
سياحته و حسن دعوته
يتوجه الحلاج بعدها الى مكة المكرمة معتمرا و ينذر لعمرته سنة كاملة لله سنة كاملة من العبادة لزم بها البيت المبارك لا يبرحه للتطهر و التضرع لله
يقول ابو يعقوب التهرجوري في كتابه اخبار الحلاج :
دخل الحلاج مكة أول دخلة وجلس في صحن المسجد سنة لم يبرح من موضعه الا للطهارة و الطواف ولم يحترز من الشمس ولا من المطر وكان يحمل اليه في كل عشية كوز ماء وقرص من اقراص مكة
وكان عند الصباح يرى القرص على رأس الكوز فيحمل من عنده و قد عض منه ثلاث عضات او اربعة
و بعد انقضاء عامه يغادر مكة الى الاحواز مقتربا من طبقة الكتاب التجار الجنود و القادة كمحاولة لاصلاح الاداة الحكومية الغارقة في الترف والشهوات والانحراف ...تاركة الامة الاسلامية ممزقة بين العصبيبات و الفلسفات ...متجنبا في دعوته رجال الدين و الفرق الدينية حتى لا يتهم باتخاها ذريعة و مطية لمطامحه

يقول ابن كثير في البداية و النهاية : كان الحلاج في عبارته حلو المنطق .. فيه تعبد وسلوك غضب المتزمتون من رجال التصوف لاندفاع الحلاج في التيار السياسي وقابل الحلاج غضبتهم باعنف منها
و عظم امر الحلاج في الاحواز فتنت به الجماهير و نسبت اليه العجائب و الغرائب و اضحى شخصية جماهيرية
يقول عنه الاصطخري : باهر الشخصية ساحر الكلمة رائع السمت محببا الى القلوب
اتساع صيته و شهرته


ثم ارتحل الى خراسان و معه العشرات من الاتباع و قاعدته الحماهرية تتسع و هو اين ما يحل يترك صدى له واسع و بعد خمس سنوات من التجوال يعود الى بغداد بدعوة من احد تلامذته سابقا و الذي اصبح ذا نفوذ في بغداد هو حمد القنائي و كانت شهرته قد سبقته و عجائبه ضخمها الخيال الشعبي



و دخوله بغداد احدث هزة تردد صداها في كل الاوساط من الاكواخ الى القصور ..و بعدها يعود الى مكة في 400 من الاتباع و عاود الخلوة بنفسه في جبل ابي قيس منقطعا عن الناس اشاع فيها خصومه الذين ازداد عددهم انه منقطع للسحر و الشعوذة و تحضير الجان و من مكة خرج للدعوة في سبيل الله في تركستان و الهند اعتنق على يديه خلق كبير الاسلام
وعظم امر الحلاج في بلاد ما وراء النهر والهند والصين
سمي في الهند بالمغيث و في خراسان ابو عبد الله الزاهد و من حورستان حلاج الاسرار و في بغداد المصطلم و في البصرة المحير و في بلاد الترك المقيت ..
ترددت اثاره و عجائبه و كراماته بين الجميع

يقول صاحب شذرا ت الذهب : وبلغ من شأنه أن كان يخرج الاطعمة في غير اوقاتها والدراهم من الهواء ويسميها دراهم القدرة ويعرف الكيمياء والطب


و في نفس الوقت كان ينشر رسائله عن السياسة وواجبات الوزراء مطالبا باقامة حكومة اسلامية ووزارة تحكم بالعدل بين الناس خلافة شاعرة بمسئوليات وظيفتها امام الله مما يجعل الله يرضى عن قيام المسلمين بفروض دينهم .

قابض على الجمر
27-07-2010, 17:39
عودته الى بغداد و قد سبقته اخباره اليها


يعود بعدها الى مكة المكرمة و منها الى عاصمة الخلافة بغداد



يقول الاستاذ طه عبد الباقي سرور نعيم في كتابه الحلاج شهيد التصوف الاسلامي :


وخفق قلب بغداد جاء الحلاج اليها تسبقه عواصف مذهلة جاء اليها بعد طواف بالارض فملأ افاقها دويا وأسمع اذانها عجبا فقد ترك الحلاج في كل بقعة رن فيها خطوه ما يختلف فيه الناس وما يتخاصمون في أمره فما رأى الناس من قبل رجلا له سمته وشخصيته وقواه وروحانيته رجلا يتصدى لهداية الانسانية كافة فيطرق ابواب العالم شرقا وغربا مبشرا وداعيا الى الله سبحانه دعوة اساسها وروحها حب الله حبا تذوب فيه شهوات الدنيا وينطفئ لهيبها وتتضاءل فيه أهواؤها وسحرها



فكانت دعوته اصلاحية شمولية لا تستثني احدا حتى الخلافة نفسها و هي ضد كل المفسدين في الارض و من يمشي في مواكبهم من محترفي الدنيا المقربين من الخلافة و كان معها يملك قوة تاثير خارقة في كل من يراه او يقترب منه بزهده في الدنيا و اخلاقه الصوفية خياله الواسع و بيانه الرائع


و شعوره الصادق الذي يفحم كل من راه


هذه الشعبية لم تكن لنمر بسلام


يقول الاستاذ طه عبد الباقي سرور نعيم : صفات فيها اغراء وفيها استهواء حتى فتن بسحر الحلاج الروحي قوم ملؤوا الدنيا حوله بالاساطير الملونة ودقوا طبول الدعوة العالية لخوارقه المذهلة حتى جعلوه عليما بالغيب قادرا على احياء الموتى مسخرا لعناصر الطبيعة وجواهرها وهي صفات تترك حولها حقد غليظ وحسد مسموم وجحيما مشتعلا بالبغضاء

منهجه الصوفي و مناضراته الفكرية


دخل بغداد و كانت انذاك بغداد ملتقى فكري كبير يغص بكل انواع البشر من ماديين الى فلاسفة الى ملحدين الى عقلانيين الى صوفية والى منجمين و سحرة كذلك



ما ان دخل الحلاج حتى سعى الجميع لمقابلته و كانت اخباره التي تناقلتها الجماهير عن بركته و كراماته و معجزاته قد وصلت الى قصر الخلافة
و لم تكن الاوساط العلمية مهيأة لتسلم له بمنهجه الصوفي و لا مدارس الصوفية مستعدة للخوض معه في صراع مع الخلافة



و قد حفض لنا التاريج اجزاءا من هذه المناضرات الفكرية مع مفكري و علماء عصره
فقد رد على علماء الكلام في الامر و الارادة و المشيئة معتمدا على المنهج الصوفي في حل المعضلة بين الخير و الشر و الطاعة و المعصية و القضاء و القدر و جعل حب الله هو انسب طريق للوصول اليه و وجوب خضوع قلب المؤمن للامر الالاهي في كل لحظة بالدعاء الصادق فليست المعرفة الفكرية لقضاء الله هي التي تقربنا منه...و كل قلب شغل بالسعي وراء الجزاء عن حرمة الامر فهو مرتزق و ليس بخادم بحق الله و كانت وصيته لمن يتبع منهجه :ان يكون مع الله- سواءا كان في كوخ او في قصر امام متسول او امام الخليفة – راضيا بقدره في عباده و له قولته الشهيرة



من لم يؤمن بالقدر فقد كفر ومن أحال المعاصي الى الله فقد فجر



و من اقواله ايضا : لا يجوز لمن يريد غير الله أو يذكر غير الله أن يقول عرفت الله


ومن عبد الله لنفسه فانما يعبد نفسه ومن استصحب كل نسك في الدنيا والاخرة وهو جاهل لا يقرب من الله ابدا


اما الصلاة عنده فهي معراج يصل النفس مباشرة مع الله
و القران انما يكون باحساس و مشاهدة كان الله يتلو على لسان القارئ او كأن القارئ يستمع الى الله مباشرة و الكون عنده مادي و روحي كالانسان و العبادة تخلق وعيا كونيا و الايمان قول و تصديق و عمل ......
واضعا بذلك اول الاسس لمدرسة صوفية تستقل فيما بعد بمبادئها و مذهبها الفلسفي الصوفي
و له تفسيرات تناولت ايات الذكر الحكيم لكنها ممزقة و متناثرة و غير محققة خاصة بعد اتلاف و منع كتبه و مع ذلك يوجد مصدرين الاول لابو عبد الرحمن السلمي و يدور في تفسيره الصوفي حول نظرات الحلاج في التفسير و الثاني لروربهان البقلي في تفسيره عرائس البيان يحفض فيها شذرات من تفسر الحلاج كذلك للقران



فيقول مثلا في تفسير أطيعوا الله واطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) العبد مبتلى بالأمر والنهي في قلبه أسرار تخطر دائما فكلما خطر خاطر عرضه على الكتاب فهو طاعة الله فان وجد له شفاء


وان لم يجد عرضه على السنة النبوية فان وجد له شفاء وان لم يجد سير السلف الصالح - طاعة أولى الأمر-

و في قوله ألست بربكم ؟ قالوا بلى) حينما سأل الأرواح في عالم الذرة لا يعلم أحد من الملائكة المقربين
لماذا أظهر الحق الخلق وكيف الابتداء والانتهاء اذ الألسن ما نطقت والأعين ما أبصرت والأذن ما سمعت
كيف أجاب من هو عن الحقائق غائب واليه آيب في قوله (الست بربكم ) فهو المخاطب والمجيب قالوا

بلى القائل عنكم سواكم والمجيب عنكم غيركم فسقطتم أنتم او بقي من لا يزل كما لم يزل

و في قوله تعالى (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم) نفوس المؤمنين غالية لا تباع ولا تشترى ولا تذل فلا يملكها سواه

و في قوله (فذلكم الله ربكم الحق ) الحق ..مقصود به العبادات و الطاعات فلا يشهد بغيره و لا يدركه سواه


و في قوله تعالى (وجعلنا بعضكم لبعض فتنة) المحنة لخواص أوليائه والفتنة لعامة الناس ثم يقول أبدي الله الأكوان كلها بقوله كن إهانة لها وتصغيرا ليعرف الخلق إهانتها فلا يركنوا إليها ويرجعون الى مبدئها ومنشئها فاشتغل الخلق بزينة الكون فتركهم معه واختار من خواصه خصوصا أعتقهم من رق الكون
فأحياهم به فلم يجعل للعلل عليهم سبيلا ولا للآثار فيهم طريقا

و يرى الحلاج في القران علم كل شيئ و علم القران في الاحرف التي في اوائل السور

فهو يقول :
إن كل هذه العلوم القرآنية قد أحاط بها رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وهي للعارفين بحكم الميراث المحمدي وهي سر الحكمة والجلال الذي يشرق في أقوال العارفين من الصوفية

اقوال كلها ككل اقوال الصوفية رقيقة اذا كان تاويلها حسن و مشينة يسفك دم صاحبها ان كان تاويلها مشين
و هي اقوال لم ينطق بها الا مشايخ التصوف الواصلين و هكذا كان الحلاج شيخ مربيا له تلاميذ عدة
و اتباع كثيرون

قابض على الجمر
30-07-2010, 20:39
والله ما طلعـــت شمس ولا غربـــت إلا وحبك مقرون بأنفاســـــــــــــــــي
ولا خلوت الى قوم أحدثهـــــــــــــم والا وأنت حديثي بين جلاســــــــــــي
ولا ذكرتك محزونا ولا فرحـــــــــا إلا وأنت بقلبي بين وسواســـــــــــــي
ولا هممت بشرب الماء من عطــش إلا رأيت خيالا منك في الكاســــــــــي
و لو قدرت على الاتيان جئتكــــــــم سعيا على الوجه أو مشيا على الراسي
مالي وللناس كم يلحقوني سفهــــــا ديني لنفسي ودين الناس للناس




المنهج الحلاجي ذو التلاميذ الكثيرة



يقول ابن كثير : إنه كان يلازمه في سفره الشاق الطويل أكثر من أربعمائة من صفوة المريدين و السالكين



فلقد كان له طريقته الخاصة في التربية و التوجيه الصوفي



و من اقواله :إن الأسماء التسعة والتسعين تصير أوصافا للعبد السالك وهو بعد في السلوك غير واصل


و عنه ايضا : من صدق مع الله في أحواله فهم عنه كل شئ وفهم عن كل شئ


و له كذلك : التوبة مما لا تعلم تبعثك على التوبة مما تعلم والشكر على ما لا تعلم يبعثك على الشكرعلى ما تعلم ... لانه حرام على العبد الحركة والسكون إلا بأمر يؤديه الى أمر الشكر


هكذا كان منهج الحلاج بل كذا كان الحلاج الصوفي يعيش بالله و لله و لا يرى احدا سواه و هي وحدة الوجود التي اولها الخصوم فقالو ان اصحابها يمزجون الخالق بالمخلوق و يقولون انه يحل فيه



يقول كذلك : داعي الايمان يدعو الى الرشد و داعي الاسلام يدعو الى الاطلاق و داعي الاحسان يدعو الى المشاهدة و داعي الفهم يدعو الى الزيادة و داعي العقل يدعو الى المذاق و داعي العلم يدعو الى السماع و داعي المعرفة يدعو الى الروح والراحة و داعي التوكل يدعو الى الثقة و داعي الخوف يدعو الى الارتفاع و داعي الرجاء يدعو الى الطمأنينة و داعي المحبة يدعو الى الشوق و داعي الشوق يدعو الى الوله و داعي الوله يدعو الى الله خاب من لم يكن له داعية من هذه الدواعي أولئك من الذي أهملوا في مفارز التحيروممن لا يبالى الله بهم



و من ديوانه ايضا

الله يعلم ما في النفس جارحـــــة الا وذكرك فيها نيل ما فيهـــــــــــا
ولا تنفست الا كنت في نفســـــي تجري بك الروح مني في مجاريها
إذ كانت العين مذ فارقتها نظرت الى سواك فخانتها مآقيهــــــــــــــــا
او كانـــــت النفس بعد البعد آلفة خلفا عداك فلا نالت أمانيهـــــــــــــا


و غيره من رقائق الحلاج التي كثيرا ما تجاهلها خصومه و فضلوا تداول رمزياته او شطحاته و الموجودة عند الكثير من غيره من الصوفية و التي ظاهرها كفر و الحاد



رغم ان ديوانه هو ديوان حب الهي متميز جدا لا يصدر ابدا الا عن متوله بالله قريب منه


والله ما طلعـــت شمس ولا غربـــت إلا وحبك مقرون بأنفاســـــــــــــــــي
ولا خلوت الى قوم أحدثهـــــــــــــم والا وأنت حديثي بين جلاســــــــــــي
ولا ذكرتك محزونا ولا فرحـــــــــا إلا وأنت بقلبي بين وسواســـــــــــــي
ولا هممت بشرب الماء من عطــش إلا رأيت خيالا منك في الكاســــــــــي
و لو قدرت على الاتيان جئتكــــــــم سعيا على الوجه أو مشيا على الراسي
مالي وللناس كم يلحقوني سفهــــــا ديني لنفسي ودين الناس للناس

محبة العدل والإحسان
02-08-2010, 16:26
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


أسأل الله أن يحصنك بالقرآن
ويبعد عنك الشيطان
وييسر لك من الأعمال ما يقربك فيها إلى عليين
وأن يصب عليك من نفحات الإيمان وعافية الأبدان ورضا الرحمن
ويجعل لقيانا في أعالي الجنان

قابض على الجمر
04-08-2010, 20:47
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


أسأل الله أن يحصنك بالقرآن
ويبعد عنك الشيطان
وييسر لك من الأعمال ما يقربك فيها إلى عليين
وأن يصب عليك من نفحات الإيمان وعافية الأبدان ورضا الرحمن
ويجعل لقيانا في أعالي الجنان

اللهم امين
بارك الله فيك اختي على الدعوات الطيبات أسال الله عزوجل أن يعطيك بالمثل وأكثر