مشاهدة النسخة كاملة : مؤشرات الوضع التعليمي بالمغرب



عادل محسن
17-09-2010, 01:20
مؤشرات الوضع التعليمي بالمغرب (1/2)

بقلم: عبد الرحمان بن محمد العطار


1- حقيقة الإقرار بفشل السياسة التعليمية يمكن نعت الموسم الدراسي 2007-2008 بموسم الإقرار الوطني والدولي بكارثية التعليم بالمغرب، ويمكن نعته أيضا بموسم التقارير حول التعليم بامتياز.حيث بدأت هذه التقارير بما تضمنه تقرير نتائج رائز PIRLS-2006(1) (نونبر2007) والذي صنف تلاميذنا في الرتبة ما قبل الأخيرة بمجموع نقط يساوي 323 بعيدا جدا عن المتوسط الدولي الذي يساوي506، نتيجة يمكن الوقوف عند دلالتها وعند نتائج روائز أخرى مثل TIMSS، ... وفي 10 دجنبر 2007 أصدر "المجلس القطري للدائرة السياسية" لجماعة العدل والإحسان وثيقة "جميعا من أجل الخلاص" نبهت إلى الأزمة العامة بالمغرب وإلى هول كارثة التعليم في المغرب، وفي مستهل سنة 2008 تم إصدار تقرير البنك الدولي تحت عنوان: "الطريق غير المسلوك: إصلاح التعليم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" والذي صنف المغرب في المرتبة الرابعة من ذيل لائحة دول المنطقة، ثم تقارير منظمة اليونيسكو الدورية التي تضع الدول العربية برمتها في وضعية المراتب الذيلية بين لائحة دول العالم، وأيضا في فبراير 2008 أصدر المجلس الأعلى للتعليم بلاغ يتضمن الخطوط العامة للتقرير الذي سيصدره خلال أبريل 2008، ويهيئ الرأي العام لأهميته، ولتقبل ما فيه.وصدر التقرير تحت عنوان: "حالة منظومة التربية والتكوين وآفاقها"، وسجل إنجازات المدرسة المغربية، واختلالاتها، ثم تحدث عن مصادر هذه الاختلالات، ليتوجه نحو آفاق إنقاذ هذه المدرسة، وحدد ثلاث مجالات ذات أولوية للعمل: إلزامية التمدرس، وحفز المبادرة والتميز، ومعالجة مشاكل سماها إشكالات أفقية، وضرورة توفير الموارد اللازمة لإنجاح الإصلاح.

وما ميز هذا التقرير كونه حدد مؤشرات رقمية تظهر لأول مرة الاعتراف الرسمي بالوضع الكارثي للمدرسة المغربية، وبفشل تدبيره للشأن التعليمي، الذي أشرف عليه مستشار الملك ومدبر سياسته في مجال التعليم "مزيان بلفقيه"، قبل صياغة "الميثاق الوطني للتربية والتعليم" وبعد إصداره والإشراف على تنفيذ مقتضياته، بكونه مسؤول اللجنة الملكية للتربية والتكوين وبعد ذلك مرحلة تقلده منصب الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للتعليم.

إن الوضع المتردي والخطير لمنظومتنا التعليمية والذي اعترف به رسميا، والأزمة الخانقة التي عاشها ويعيشها قطاع التعليم، كان معروفا من المتتبع للشأن التعليمي (ميدانيا ومن خلال ما ينشر في وسائل الإعلام)، قبل أن تعلنها مجموعة التقارير السابقة، وقد نبهت كثير من الفعاليات إلى خطورة الوضع منذ مدة، بل لم تخل سنة أو مرحلة من مراحل "الإصلاحات" في مغرب "استقلال" من هذه التنبيهات، وكان الصمم أو الاستكبار والادعاء بصوابية "المخططات"، وضرورة انتظار النتائج مع الوقت.

وكثيرا ما كان يزايد المسؤولون في خطاباتهم بضرورة إعطاء الدليل على عدم صحة الطريق الذي يسيرون فيه، في وقت كانوا يحتكرون فيه أرقام الإحصائيات، والنتائج الطامة لتدبيرهم.

إن ابتعاد الأرقام الرسمية عن الواقع بكثير، لم يستطع إخفاء الوضع الكارثي للتعليم، خلال هذه المدة، ولعل هذا الواقع الذي لم تستطع "أرقام الأوراق" أن تخفيه، هو ما جعل السيد المالكي (الوزير السابق) يصرح في لقاء مع مديري الأكاديميات ونواب الأقاليم ويقول: "وأخلص إلى آخر نقطة، وتتعلق بما يجب أن نقوم به في أفق التحضير للدخول التربوي القادم (2006-2007)، ألا وهي التعامل بشفافية مع الأرقام. لا أقول بأنها كاذبة، ولكن تبتعد شيئا ما عن الواقع. فأصبح علينا من الضروري أن نتعامل بشفافية كبيرة مع الأرقام، لأنكم تساهمون في صنعها وصنعها مرتبط بنا جميعا، ويجب أن تعطوا أرقاما تجسد الواقع كما هو. فالأرقام التي تستعمل كمؤشرات في وضع الميزانية وبرامج العمل والمخططات تكون في بعض الأحيان غير مطابقة للواقع، وهذا لا يليق بنا كنساء وورجال تعليم وتربية. فالأرقام يجب أن تكون مرآة صادقة للواقع، أما إذا كانت عكس ذلك فلا يمكن أن نتقدم." (2)

هذا التصريح، يضاف له دخول الوزارة في شراكات وبرامج كثيرة مع عدد من المؤسسات والمنظمات الدولية(3)، رغبة من الوزارة في الاستفادة من أكبر قدر من الدعم والمساعدات المالية الخارجية، "عفوا استفادة المسؤولين بالوزارة منها" (مثل:Apef procadem ; MEDA ; JIKA ; EPT ; MLA& ) جعل هذه الأخيرة تمتلك هي الأخرى أرقام وإحصائيات التعليم الميدانية، وأصبحت الوزارة ملزمة بتسليم تقارير عن وضعية القطاع بأرقامها الواقعية، وبذلك أصبح المسؤولون عن تسيير القطاع مضطرون للإعلان عن فداحة ما اقترفته أيديهم، وأصبح خطابهم يوافق الوضعية الكارثية للتعليم ميدانيا كما يعيشه المغاربة، أو كما يقول المثل "مضطر أخاك لا بطل"

وإن كان هناك من مزية تحسب على هذا الانسياق وراء توجيهات المؤسسات والمنظمات الدولية، فهو اضطرار مسؤولينا للتصريح بكارثية سياسة تدبيرهم وفشلهم، ويكفي أن نورد ما جاء على لسان كاتبة الدولة للتعليم المدرسي في نهاية كلمتها أمام لجنة التعليم والشؤون الاجتماعية لمجلس المستشارين في دجنبر 2007، كاعتراف بما كان يحصل سابقا، حيث قالت: "بحيث صرنا لا نخفي شيئا عن شركائنا وعلى المهتمين بالشأن التربوي، وأعتقد أن هذه الخطوات هي التي يمكن أن تذهب بنا إلى المرحلة الحاسمة لتضمن لنا شروط النجاح."(4)

نعم هناك تصريح واعتراف بفشل السياسة التعليمية وكارثية تدبير المسؤولين، كما سبق وأن اعترف النظام بما اقترفه خلال "سنوات الرصاص" من فظاعات في حق المواطنين.

فهل يمكن للنظام المخزني أن يقدم تعويضات للأجيال ضحايا "السياسات التعليمية" التي ضاعت من خلال ما اقترفه ويقترفه في حقها داخل المدارس المغربية، كما قدم تعويضات للضحايا "سنوات الجمر والرصاص" من خلال ما سمي بـ"هيئة الإنصاف والمصالحة"؟

أما مبدأ محاسبة ومتابعة المسؤولين فهو من المحرمات في أدبيات النظام المخزني.

------------------------------------------------

(1) رائز PIRLS تشرف عليه الجمعية الدولية لتقويم التعلمات المدرسية بكندا (IEA)، شمل 45 دولة من مختلف القارات، ويهتم بمجال القراءة والفهم لدى تلاميذ السنة الرابعة (السن العاشرة تقريبا).
(2) كلمة السيد الوزير أمام السيدة والسادة مديرة ومديري الأكاديميات والسيدات والسادة النائبات والنواب الإقليميين يوم 16 فبراير 2006.
(3) بفعل توصيات الأهداف الإنمائية للأمم المتحدة، وتوصيات منظمة اليونيسكو، وبالضبط توصيات الفريق الرفيع المستوى لمتابعة برنامج التعليم من أجل الجميع.
(4) تقديم مشروع ميزانية 2008 أمام لجنة التعليم والشؤون الثقافية والاجتماعية بمجلس المستشارين، الجمعة 14 دجنبر 2007، إعداد خلية الشؤون البرلمانية.

عادل محسن
17-09-2010, 01:26
مؤشرات الوضع التعليمي بالمغرب (2/2)

بقلم: عبد الرحمان بن محمد العطار


2- جريمة التعليم الأولي في النظام التعليمي المغربي نقف مع التعليم الأولي بحكم أنه مرحلة تمثل البداية الأولى لتعليم أطفالنا، وهي ذات أهمية كبرى بالنسبة لكل منظومة تربوية. وقد وقف الميثاق عند هذا التعليم، وأعلن هدفا محددا هو: "استفادة جميع أطفال البلد من هذا التعليم في أفق 2004" بل أدمجه في سلك أساسي مكون من أربع سنوات (سنتين من التعليم الأولي وسنتين من التعليم الابتدائي).

تقول الوزارة في دليل الدخول المدرسي 2008-2009 في فقرة رصد واقع التعليم الأولي: "رغم التوجه الوطني بتعميم التعليم الأولي فإن عدد الممدرسين لا يعرف تزايدا كفيلا بتحقيق هذا التوجه في المدى المنظور، فقد تم تسجيل 669.365 طفلا خلال الموسم الدراسي 2008-2007 (31.031 منهم بالتعليم العمومي، و223.153 بالوسط القروي)"(1).

ويبين الجدول أسفله نسب تطور التمدرس في التعليم الأولي بين سنة 1999 و2007 (2)

أعداد التلاميذ الممدرسين:
يبين الجدول تراجع نسبة التمدرس في التعليم الأولي بـ14% بين موسم 1999-2000 وموسم2006-2007، وإذا ما أخذت إحصائيات 2007-2008 فإن النسبة تصبح 18%.

إن تعميم التعليم الأولي في تراجع، وأن هدف "استفادة جميع أطفال البلد من هذا التعليم في أفق 2004" في انتكاسة، وأن أفق تحقيقه بعيد جدا وفق هذه السياسة، بل يشير تقرير المجلس الأعلى في الصفحة 57 إلى أن فقط 10% من الأطفال المغاربة هم من يستفيدوا من برنامج تربوي عصري في التعليم الأولي.

ورغم وعي السيد "مزيان بلفقيه" (مستشار ملك البلاد والمكلف بملف التعليم في السياسة الملكية) ومن معه بأهمية هذا التعليم، لم تستطع السياسة التي يوجهها أن تقدم شيء يذكر لفائدته، تقول اللجنة الوطنية للتربية والتكوين (يونيو2005): "لا حاجة لتأكيد أهمية التعليم الأولي، نظرا لتأثيره في النمو السيكو-معرفي للأطفال، وفي تحسين أدائهم المدرسي المستقبلي، وفي التقليص من فوارق التمدرس. تزداد ضرورة هذا النوع من التعليم بالنظر إلى تأثيره في محاربة الإخفاق المدرسي. هو الأمر الذي يسهم في التقليص من كلفة عملية التمدرس. وبالرغم من أهميته ومن التوصيات الملحة للميثاق بشأنه، يظل التعليم الأولي حلقة ضعف في حصيلة إصلاح نظام التربية والتكوين"(3).

إن عدم تعميم تدريس التعليم الأولي، يولد صعوبة في تدريس الفئة التي لم تلج هذا النوع من التعليم بعد ولوجها للمدرسة الابتدائية، ذلك لأن البرامج والكتب المقررة في الابتدائي مبنية على أساس قاعدة أن التلاميذ قد تلقوا تعليما أوليا، الأمر الذي يشكل صعوبة عند المدرسين للملائمة بين مستوى البرامج وزمن التمدرس ومستوى التلاميذ غير الممدرسين في التعليم الأولي وكذلك بين هؤلاء وبين التلاميذ الذين تابعوا دراستهم بالتعليم الأولي.

فإذا كان حوالي 90% من التلاميذ المغاربة لم يتلقوا تعليما أوليا مناسبا -حسب تقرير المجلس الأعلى للتعليم-، فإنهم لن يتمكنوا من مسايرة دروس السنة الأولى ابتدائي لأنهم ينطلقون في الدراسة وفق برامج وكتب غير مناسبة لمستواهم وفي ظروف تتجاوز إمكانياتهم العقلية، وتنتقل عدم مسايرة دروس بالتراكم إلى السنوات الموالية، ويولد ذلك لدى التلميذ شعورا بالإحباط الذي يتزايد مع مرور السنوات، ويصبح وجود التلميذ بالمدرسة عبء عليه، يتحمله فقط لتلبية رغبات الأسرة، حيث لا يحس فيها إلا بالإهانة لعدم تمكنه من فهم الدروس، ناهيك عن العنف الذي قد يتعرض له جراء ذلك.

"ذنب ليس مسؤولا عنه"، ويبذل الطفل كل جهده لمحاولة التدارك، وعندما لا يتمكن يكون مضطرا لمغادرة هذه المدرسة "العذاب".

إذن فمن الطبيعي أن يكون "من بين كل 100 تلميذ يلجون المدرسة 13 فقط منهم يحصلون على الباكالوريا، و10 من هؤلاء كرروا على الأقل سنة"(4)، ومن الطبيعي أن:

- نجد تعثرات في المسار الدراسي لتلاميذنا، وبالتالي ارتفاع كلفة التمدرس،
- نجد المغادرة المبكرة للمدرسة،
- نجد ضعف مستوى اللغوي للتلاميذ بما فيها اللغة العربية (تقرير المجلس الأعلى للتعليم، ص: 40)،
- نجد تدني للمستوى الدراسي،...
ومن الطبيعي أن يصبح تحقيق تعميم التمدرس بالتعليم إلى حدود سن الخامسة عشر أمر صعب المنال، ومن الطبيعي أن يحتل المغرب المراتب الذيلية في تصنيفات الدول كما أقر به مستشار الملك المكلف بالسياسة التعليمية الذي قال: "وضعنا برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في المرتبة 126 من أصل 177 بلدا على صعيد التنمية البشرية، والتعليم المدرسي هو سبب هذا التصنيف"(5).

ومن المؤسف أن نجد نسبة كبيرة من التلاميذ تلج التعليم الإعدادي وهي لا تتقن الكتابة، إذ لا تستطيع أن تكتب جملة على مستوى واحد للسطر، فهي غالبا ما تنحرف هبوطا عن مستوى سطر الورقة.(6)

تصل نسبة مهمة من التلاميذ إلى الإعدادي بهذا المستوى رغم أنهم قضوا ست سنوات من "الدراسة" واجتازوا امتحان الشهادة الابتدائية!!!!.، فأي مصداقية تعطى لهذه الامتحانات الإشهادية؟ وأي مصداقية تعطى لنسبة نجاح تقدر ب 89%.

ومن الأكيد أن غياب التمدرس الأولي ليس هو المسؤول الوحيد عن هذا الوضع، وإنما هناك عوامل أخرى.

فهل ينجح المخطط الاستعجالي لوزارة التربية والتعليم بجعل التعليم الأولي من أولوياته، وتطبيق القانون رقم 04.00 حول إلزامية التعليم من الحد من التبعات الخطيرة لعدم ولوج الأطفال للتعليم الأولي؟

وهل ستنفع توجيهات ومشاريع المجلس الأعلى للتعليم النموذجية الرائدة، بتنسيقه مع مؤسسة محمد السادس من إيقاف هذا النزيف المميت؟

أم ننتظر سنة 2015 التي يريدها المجلس الأعلى للتعليم أن تكون سنة استيعاب 50 % من أطفالنا البالغ عمرهم 4-5 سنوات؟ (تقرير المجلس الأعلى للتعليم، ص: 58).

فرغم "التخطيط" ورغم الاستعجال ورغم الاستنفار، لا يبدو لهدف تعميم التعليم الأولي من أفق، حسب ما ورد.

-------------------------------------------

(1) دليل الدخول المدرسي 2008-2009 الملحق بالمذكرة 60 الصادرة بتاريخ 26 أبريل 2008 في موضوع الإعداد للدخول المدرسي 2008-2009.
(2) تقديم مشروع ميزانية 2008 أمام لجنة التعليم والشؤون الثقافية والاجتماعية بمجلس المستشارين الجمعة 14 دجنبر 2007 ص: 16.
(3) تقرير اللجنة الوطنية للتربية والتعليم، يونيو2005، ص: 20.
(4) مزيان بنفقيه: عن وكالة الأنباء أ.ف.ب، المغرب يحتل المرتبة الأخيرة بين دول المغرب العربي على صعيد التعليم، الاثنين 04 فبراير 2008.
(5) نفسه.
(6) معاينة مباشرة (من خلال الزيارات الصفية التي أنجزها في المؤسسات الإعدادية بحكم مهنة التفتيش التي أزاولها) خصوصا في المؤسسات التي تستقبل تلاميذ المدارس الموجودة في الوسط القروي.