مشاهدة النسخة كاملة : مبادرات العدل والإحسان بين التجاهل والتحامل



عادل محسن
29-09-2010, 00:58
مبادرات العدل والإحسان بين التجاهل والتحامل
مبادرات العدل والإحسان
إسماعيل العلوي
2010/09/29

يرى كثير من خصوم جماعة العدل والإحسان أنها جماعة غائبة عن الساحة، وأنها خارجة عن اللعبة السياسية بسبب عدم قبولها الانخراط في العمل الحزبي وفق شروط النظام المغربي، في حين تؤكد الجماعة بالمقابل على حضورها بقوة في المشهد السياسي المغربي في كل مناسبة وتنفي عن نفسها هذه التهم ولعل آخرها تصريح الأستاذ فتح الله أرسلان الذي نشرته جريدة الصباح مبتورا. والذي قال فيه جوابا عن سؤال حول غياب الجماعة عن اللعبة السياسية :" أولا جماعة العدل والإحسان ليست خارج اللعبة السياسية، مع تحفظي على كلمة "لعبة". الجماعة في صلب العمل السياسي ومن أهم المؤثرين فيه، ولو كنا خارج "اللعبة" فلم كل هذه الحرب علينا بكل ما تكلف الدولة من جهود وأموال وأجهزة مستنفرة"، يرصد المتتبعون حضور الجماعة على ثلاث مستويات:

أولها:
التجذر الشعبي والجماهيري للجماعة في الشارع المغربي من خلال قاعدة أعضائها الواسعة التي لا يملك أحد أرقاما بشأنها لأن الجماعة ترفض الإدلاء بإحصاءات لأسباب أمنية خاصة، لكن أنشطة الجماعة والمسيرات والتظاهرات التي تعرف مشاركة واسعة تؤكد هذا بالإضافة إلى بعض معلومات الدوائر الاستخباراتية الخارجية التي تؤكد هذا المعطى، فقد ذكر الصحفي مصطفى حيران، في صفحته على الفايسبوك خبرا زودته به مصادر مؤكدة، مفاده "أن تأسيس حزب مُوالي للقصر باسم "البام" هي فكرة فرنسية، صاحبها هو الرئيس الفرنسي السابق "جاك شيراك"، حيث كان هذا الأخير قد اطلع على تقارير سرية عن القوة السياسية لجماعة العدل والإحسان، أشارت إلى أنها قريبة من بلوغ رقم مليون منخرط مُنضبط، وبالتالي اقترح على صديقه المستشار الملكي السابق الراحل "مزيان بلفقيه" تأسيس حزب ملكي للوقوف في وجه جماعة عبد السلام ياسين".

ثانيها:
الاختيارات السياسية للجماعة التي تأكد للجميع مع مرور الوقت صحتها وصوابها بشهادة حتى الأستاذ مصطفي الرميد رئيس الفريق النيابي لحزب العدالة والتنمية، فالجماعة منذ وصول الملك محمد السادس إلى الحكم حذرت من الرجوع إلى سنوات الرصاص وأساليب العهد البائد، إن لم يقم العهد الجديد بإدخال إصلاحات ثورية على المنظومة السياسية في المغرب، وبالفعل تكرست رؤية ومخاوف العدل والإحسان بشكل واضح في انتخابات 2007 بتسجيل عزوف كبير عن المشاركة فيها، ولا زالت تتكرس بشكل أكبر بعد مرور عقد من الزمان على انطلاق ما سمي بالعهد الجديد، بتسجيل تراجع كبير على المكتسبات التي حققها المغرب في مجال الحريات العامة وحرية الصحافة وحقوق الإنسان

ثالثها:
القوة الاقتراحية وتعدد المبادرات، ولعل هذه أكبر واجهات الحضور، لكنها للأسف الشديد لا تحظى بنفس الاهتمام من طرف الباحثين والمحللين، فمؤسسات الجماعة تمتلك قدرة فائقة على بلورة وإبداع مبادرات جديدة سياسية وحقوقية في كل مناسبة، وهو أمر يؤشر على حيوية مؤسسات الجماعة الفكرية والتنظيمية ومساحات الحرية التي تنعم بها، حيث يمكن أن نسجل أنه منذ سنة 2007 إلى الآن قدمت الجماعة حوالي ست مبادرات إلى المجتمع السياسي والمدني لكنها لم تحظى بالتجاوب المطلوب ممن يهمهم الأمر. بدء من وثيقة جميعا "من أجل الخلاص" التي صادق عليها المجلس القطري الذي هو أعلى هيئة سياسية داخل العدل والإحسان في دورته الثانية عشرة، بتاريخ-9دجنبر 2007،والتي كانت بمثابة برنامج سياسي واضح المعالم والأهداف ودعوة صريحة لعمل وطني مشترك فقد نصت بالحرف" دَعَوْنَا منذ أزيد من ربع قرن إلى ميثاق، وكررنا الدعوة مرات ولم نمل. ولا تزيدنا الأيام إلا إدراكا أن الخرق أوسع من أوهام الرَّاقعين، وأن الأمر يحتاج إلى كل يد نظيفة. ولم نشك قط أن البلد يزخر بالأيادي النظيفة والنفوس العفيفة رغم مظاهر الخراب التي مهما علت وطغت لن تنسي هذا الشعب المؤمن أن الله على كل شيء قدير".

مرورا بالدعوة إلى مكافحة كافة أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني بوضع لائحة سوداء للمطبعين والدعوة إلى وضع قائمة بأسماء البضائع الصهيونية والشركات المستوردة لها، ثم الدعوة إلى جبهة نقابية توحد العمل النقابي في المغرب الذي يعاني من التفتت والانشطار والحرص على عدم تأسيس إطار نقابي تابع خاص للجماعة، ثم الدعوة الجريئة إلى حوار وطني ومصالحة مع المعتقلين الإسلاميين من رموز تيار السلفية الجهادية بعد رسالتهم الشهيرة، ثم المبادرة الأخيرة التي أطلقت قبل أيام والداعية إلى تحالف وطني لمناهضة التعذيب بعد الأخبار التي تسربت عن وجود معتقلات سرية في المغرب تابعة لوكالة الاستخبارات الأمريكية

وبغض النظر عن الزوايا التي ينظر منها إلى هذه المبادرات من كونها محاولات للمزايدة السياسية على الأحزاب، أو سعي للانفلات من طوق العزلة الذي نجح النظام في ضربه على الجماعة، أو حتى نوع من التنفيس الداخلي، فإن تجاهل مثل هذه المبادرات المتتالية يسبب إحراجا للأحزاب أمام قواعدها وأمام الشعب المغربي، ويشكل دليلا ماديا تضيفه الجماعة إلى ترسانة حججها، على أن الأحزاب اختارت التمترس خلف النظام المخزني وهو ما قاله الناطق الرسمي للجماعة صراحة :" وكثيرون أصبحوا يعلنون صراحة أن ما يشدهم لتلك اللعبة/الدوامة عدم قدرتهم على استشراف أفق مغاير، طبعا لا أتحدث هنا عن آخرين لا يشدهم غير المصالح الخاصة التي تمنعهم عن مجرد التفكير بشكل مغاير، وأيضا الذين تورطوا لدرجة أنهم أصبحوا جزء من الفساد السائد ومن صناعه".

فهل تختار المنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان تجاهل دعوة العدل والإحسان لتشكيل تحالف من أجل مناهضة التعذيب كما فعلت الأحزاب والنقابات مع مبادرات سابقة، أم أنها ستتجاوب إيجابيا مع هذه المبادرة خاصة وأنها صادرة من أكبر قوة سياسية في المغرب أولا، وثانيا لأنها تصب في نفس اتجاه المساعي التي تقوم بها هيئات غير حكومية لإخراج وثيقة مرجعية لإحداث آلية وطنية للوقاية من التعذيب، وثالثا لأن وضع حقوق الإنسان في المغرب ينذر بكارثة حقيقية إن لم تتوحد جهود الجميع لتداركه، فكما قالت الجماعة على موقعها الرسمي"على كافة الغيورين والشرفاء التحالف لمناهضة التعذيب المحلي أو المتعدد الجنسية، والتصدي لجريمة التعذيب أيا كانت أسبابها جنائية أم سياسية. فالتعذيب آفة بشرية ينبغي التصدي لها بحزم. فمناهضة التعذيب ليست مهمة طرف ما وحده، بل هي قضية المغاربة جميعا اليوم وغدا على اختلاف انتماءاتهم وخلفياتهم".