محبة العدل والإحسان
10-03-2011, 20:38
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أكرمك الله غاليتي وبارك الله بك وأثابك الجنة
سأضيف بعض التفاسير لهذه الآية العجيبة من نوعها فهي يضرب بها المثل للناس لعلهم يتفكرون
[font="comic sans ms"]تفسير الطبري ..
إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { إنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِ أَنْ يَضْرِب مَثَلًا مَا بَعُوضَة فَمَا فَوْقهَا } قَالَ أَبُو جَعْفَر : اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْمَعْنَى الَّذِي أَنَزَلَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِيهِ هَذِهِ الْآيَة وَفِي تَأْوِيلهَا . فَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا : 461 - حَدَّثَنِي بِهِ مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ ابْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة , عَنْ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَمَا ضَرَبَ اللَّه هَذَيْنِ الْمَثَلَيْنِ لِلْمُنَافِقِينَ , يَعْنِي قَوْله : { مَثَلهمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا } وَقَوْله : { أَوْ كَصَيِّبٍ مِنْ السَّمَاء } الْآيَات الثَّلَاث , قَالَ الْمُنَافِقُونَ : اللَّه أَعَلَى وَأَجَلّ مِنْ أَنْ يَضْرِب هَذِهِ الْأَمْثَال . فَأَنْزَلَ اللَّه { إنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِ أَنْ يَضْرِب مَثَلًا مَا بَعُوضَة } إلَى قَوْله : { أُولَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ } . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 462 - حَدَّثَنِي بِهِ أَحْمَد بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا قُرَاد عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيُّ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس , فِي قَوْله تَعَالَى : { إنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِب مَثَلًا مَا بَعُوضَة فَمَا فَوْقهَا } قَالَ : هَذَا مَثَل ضَرَبَهُ اللَّه لِلدُّنْيَا , إنَّ الْبَعُوضَة تَحْيَا مَا جَاعَتْ , فَإِذَا سَمِنَتْ مَاتَتْ , وَكَذَلِكَ مَثَل هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذِينَ ضَرَبَ اللَّه لَهُمْ هَذَا الْمَثَل فِي الْقُرْآن , إذَا امْتَلَئُوا مِنْ الدُّنْيَا رِيًّا أَخَذَهُمْ اللَّه عِنْد ذَلِكَ . قَالَ : ثُمَّ تَلَا { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَاب كُلّ شَيْء } 6 44 الْآيَة . 463 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْن إبْرَاهِيم , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْحَاق بْن الْحَجَّاج , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس بِنَحْوِهِ , إلَّا أَنَّهُ قَالَ : فَإِذَا خَلَتْ آجَالَهُمْ , وَانْقَطَعَتْ مُدَّتهمْ , صَارُوا كَالْبَعُوضَةِ تَحْيَا مَا جَاعَتْ وَتَمُوت إذَا رَوِيَتْ ; فَكَذَلِكَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ضَرَبَ اللَّه لَهُمْ هَذَا الْمَثَل إذَا امْتَلَئُوا مِنْ الدُّنْيَا رِيًّا أَخَذَهُمْ اللَّه فَأَهْلَكَهُمْ , فَذَلِكَ قَوْله : { حَتَّى إذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَة فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ } 6 44 وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا : 464 - حَدَّثَنَا بِهِ بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ قَوْله : { إنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِب مَثَلًا مَا بَعُوضَة فَمَا فَوْقهَا } أَيْ إنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقّ أَنْ يَذْكُر مِنْهُ شَيْء مَا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ إنَّ اللَّه حِين ذَكَرَ فِي كِتَابه الذُّبَاب وَالْعَنْكَبُوت , قَالَ أَهْل الضَّلَالَة : مَا أَرَادَ اللَّه مِنْ ذِكْر هَذَا ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه : { إنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِب مَثَلًا مَا بَعُوضَة فَمَا فَوْقهَا } . * وَحَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ , قَالَ : لَمَّا ذَكَرَ اللَّه الْعَنْكَبُوت وَالذُّبَاب , قَالَ الْمُشْرِكُونَ : مَا بَال الْعَنْكَبُوت وَالذُّبَاب يُذْكَرَانِ ؟ فَأَنْزَلَ اللَّه : { إنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِب مَثَلًا مَا بَعُوضَة فَمَا فَوْقهَا } وَقَدْ ذَهَبَ كُلّ قَائِل مِمَّنْ ذَكَرْنَا قَوْله فِي هَذِهِ الْآيَة وَفِي الْمَعْنَى الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ مَذْهَبًا , غَيْر أَنَّ أَوْلَى ذَلِكَ بِالصَّوَابِ وَأَشْبَهَهُ بِالْحَقِّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْل ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه جَلَّ ذِكْره أَخْبَرَ عِبَاده أَنَّهُ لَا يَسْتَحْيِ أَنْ يَضْرِب مَثَلًا مَا بَعُوضَة فَمَا فَوْقهَا عَقِيب أَمْثَال قَدْ تَقَدَّمَتْ فِي هَذِهِ السُّورَة ضَرْبهَا لِلْمُنَافِقِينَ دُون الْأَمْثَال الَّتِي ضَرَبَهَا فِي سَائِر السُّوَر غَيْرهَا . فَلَأَنْ يَكُون هَذَا الْقَوْل , أَعْنِي قَوْله : { إنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِب مَثَلًا مَا } جَوَابًا لِنَكِيرِ الْكُفَّار وَالْمُنَافِقِينَ مَا ضَرَبَ لَهُمْ مِنْ الْأَمْثَال فِي هَذِهِ السُّورَة أَحَقّ وَأَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُون ذَلِكَ جَوَابًا لِنَكِيرِهِمْ مَا ضَرَبَ لَهُمْ مِنْ الْأَمْثَال فِي غَيْرهَا مِنْ السُّوَر . فَإِنْ قَالَ قَائِل : إنَّمَا أَوَجَبَ أَنْ يَكُون ذَلِكَ جَوَابًا لِنَكِيرِهِمْ مَا ضَرَبَ مِنْ الْأَمْثَال فِي سَائِر السُّوَر ; لِأَنَّ الْأَمْثَال الَّتِي ضَرَبَهَا اللَّه لَهُمْ وَلِآلِهَتِهِمْ فِي سَائِر السُّوَر أَمْثَال مُوَافَقَة الْمَعْنَى , لَمَّا أَخْبَرَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبهُ مَثَلًا , إذْ كَانَ بَعْضهَا تَمْثِيلًا لِآلِهَتِهِمْ بِالْعَنْكَبُوتِ وَبَعْضهَا تَشْبِيهًا لَهَا فِي الضَّعْف وَالْمَهَانَة بِالذُّبَابِ , وَلَيْسَ ذِكْر شَيْء مِنْ ذَلِكَ بِمَوْجُودٍ فِي هَذِهِ السُّورَة فَيَجُوز أَنْ يُقَال : إنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِب مَثَلًا مَا فَإِنَّ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا ظَنَّ , وَذَلِكَ أَنَّ قَوْل اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { إنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِب مَثَلًا مَا بَعُوضَة فَمَا فَوْقهَا } إنَّمَا هُوَ خَبَر مِنْهُ جَلَّ ذِكْره أَنَّهُ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِب فِي الْحَقّ مِنْ الْأَمْثَال صَغِيرهَا وَكَبِيرهَا ابْتِلَاء بِذَلِكَ عِبَاده وَاخْتِبَارًا مِنْهُ لَهُمْ لِيُمَيِّز بِهِ أَهْل الْإِيمَان وَالتَّصْدِيق بِهِ مِنْ أَهْل الضَّلَال وَالْكُفْر بِهِ , إضْلَالًا مِنْهُ بِهِ لِقَوْمِ وَهِدَايَة مِنْهُ بِهِ لِآخَرِينَ كَمَا : 465 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : { مَثَلًا مَا بَعُوضَة } يَعْنِي الْأَمْثَال صَغِيرهَا وَكَبِيرهَا , يُؤْمِن بِهَا الْمُؤْمِنُونَ , وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقّ مِنْ رَبّهمْ , وَيُهْدِيهِمْ اللَّه بِهَا , وَيَضِلّ بِهَا الْفَاسِقِينَ . يَقُول : يَعْرِفهُ الْمُؤْمِنُونَ فَيُؤْمِنُونَ بِهِ , وَيَعْرِفهُ الْفَاسِقُونَ فَيَكْفُرُونَ بِهِ . * وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ : حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد بِمِثْلِهِ . * وَحَدَّثَنِي الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ مُجَاهِد مِثْله . قَالَ أَبُو جَعْفَر : لَا أَنَّهُ جَلَّ ذِكْره قَصَدَ الْخَبَر عَنْ عَيْن الْبَعُوضَة أَنَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ ضَرْب الْمَثَل بِهَا , وَلَكِنَّ الْبَعُوضَة لَمَّا كَانَتْ أَضْعَف الْخَلْق - كَمَا : 466 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو سُفْيَان , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَةَ , قَالَ : الْبَعُوضَة أَضَعْف مَا خَلَقَ اللَّه 467 - وَحَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُسَيْن , قَالَ : حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ بِنَحْوِهِ . خَصَّهَا اللَّه بِالذِّكْرِ فِي الْقِلَّة , فَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِب أَقَلَّ الْأَمْثَال فِي الْحَقّ وَأَحْقَرهَا وَأَعْلَاهَا إلَى غَيْر نِهَايَة فِي الِارْتِفَاع جَوَابًا مِنْهُ جَلَّ ذِكْره لِمَنْ أَنْكَرَ مِنْ مُنَافِقِي خَلْقه مَا ضَرَبَ لَهُمْ مِنْ الْمَثَل بِمَوْقِدِ النَّار وَالصَّيِّب مِنْ السَّمَاء عَلَى مَا نَعَتَهُمَا بِهِ مِنْ نَعْتهمَا فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : وَأَيْنَ ذِكْر نَكِير الْمُنَافِقِينَ الْأَمْثَال الَّتِي وُصِفَتْ الَّذِي هَذَا الْخَبَر جَوَابه , فَنَعْلَم أَنَّ الْقَوْل فِي ذَلِكَ مَا قُلْت ؟ قِيلَ : الدَّلَالَة عَلَى ذَلِكَ بَيْنهَا جَلَّ ذِكْره فِي قَوْله : { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقّ مِنْ رَبّهمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّه بِهَذَا مَثَلًا } وَإِنَّ الْقَوْم الَّذِينَ ضَرَبَ لَهُمْ الْأَمْثَال فِي الْآيَتَيْنِ الْمُقَدَّمَتَيْنِ , اللَّتَيْنِ مَثَل مَا عَلَيْهِ الْمُنَافِقُونَ مُقِيمُونَ فِيهِمَا بِمُوقِدِ النَّار وَبِالصَّيِّبِ مِنْ السَّمَاء عَلَى مَا وُصِفَ مِنْ ذَلِكَ قَبْل قَوْله { إنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِب مَثَلًا } قَدْ أَنْكَرُوا الْمَثَل وَقَالُوا : { مَاذَا أَرَادَ اللَّه بِهَذَا مَثَلًا } , فَأَوْضَحَ خَطَأ قَيْلهمْ ذَلِكَ , وَقَبَّحَ لَهُمْ مَا نَطَقُوا بِهِ وَأَخْبَرَهُمْ بِحُكْمِهِمْ فِي قَيْلهمْ مَا قَالُوا مِنْهُ , وَأَنَّهُ ضَلَال وَفُسُوق , وَأَنَّ الصَّوَاب وَالْهُدَى مَا قَالَهُ الْمُؤْمِنُونَ دُون مَا قَالُوهُ . وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { إنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِي } فَإِنَّ بَعْض الْمَنْسُوبِينَ إلَى الْمَعْرِفَة بِلُغَةِ الْعَرَب كَانَ يَتَأَوَّل مَعْنَى : { إنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِي } إنَّ اللَّه لَا يَخْشَى أَنْ يَضْرِب مَثَلًا , وَيَسْتَشْهِد عَلَى ذَلِكَ مِنْ قَوْله بِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى : { وَتَخْشَى النَّاس وَاَللَّه أَحَقّ أَنْ تَخْشَاهُ } 33 37 وَيَزْعُم أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : وَتَسْتَحْيِي النَّاس وَاَللَّه أَحَقّ أَنْ تَسْتَحِيهُ ; فَيَقُول : الِاسْتِحْيَاء بِمَعْنَى الْخَشْيَة , وَالْخَشْيَة بِمَعْنَى الِاسْتِحْيَاء وَأَمَّا مَعْنَى قَوْله : { أَنْ يَضْرِب مَثَلًا } فَهُوَ أَنْ يُبَيِّن وَيَصِف , كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : { ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسكُمْ } 30 28 بِمَعْنَى وَصَفَ لَكُمْ , وَكَمَا قَالَ الْكُمَيْت : وَذَلِكَ ضَرْب أَخْمَاس أُرِيدَتْ لِأَسْدَاسٍ عَسَى أَنْ لَا تَكُونَا بِمَعْنَى وَصْف أَخْمَاس . وَالْمَثَل : الشَّبَه , يُقَال : هَذَا مَثَل هَذَا وَمِثْله , كَمَا يُقَال : شَبَهه وَشِبْهه , وَمِنْهُ قَوْل كَعْب بْن زُهَيْر : كَانَتْ مَوَاعِيد عُرْقُوب لَهَا مَثَلًا وَمَا مَوَاعِيدهَا إلَّا الْأَبَاطِيل يَعْنِي شَبَهًا . فَمَعْنَى قَوْله إذَا : { إنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِب مَثَلًا } : إنَّ اللَّه لَا يَخْشَى أَنْ يَصِف شَبَهًا لِمَا شُبِّهَ بِهِ ; وَأَمَّا " مَا " الَّتِي مَعَ " مَثَل " فَإِنَّهَا بِمَعْنَى " الَّذِي " , لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : إنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِب الَّذِي هُوَ بَعُوضَة فِي الصِّغَر وَالْقِلَّة فَمَا فَوْقهَا مَثَلًا . فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل : فَإِنْ كَانَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ كَمَا قُلْت فَمَا وَجْه نَصْب الْبَعُوضَة , وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ تَأْوِيل الْكَلَام عَلَى مَا تَأَوَّلْت : { إنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِب مَثَلًا } الَّذِي هُوَ بَعُوضَة , فَالْبَعُوضَة عَلَى قَوْلك فِي مَحَلّ الرَّفْع , فَأَنَّى أَتَاهَا النَّصْب ؟ قِيلَ : أَتَاهَا النَّصْب مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا أَنَّ مَا لَمَا كَانَتْ فِي مَحَلّ نَصْب بِقَوْلِهِ : { يَضْرِب } وَكَانَتْ الْبَعُوضَة لَهَا صِلَة أُعْرِبَتْ بِتَعْرِيبِهَا فَأُلْزِمَتْ إعْرَابهَا كَمَا قَالَ حَسَّان بْن ثَابِت : وَكَفَى بِنَا فَضْلًا عَلَى مَنْ غَيْرنَا حُبّ النَّبِيّ مُحَمَّد إيَّانَا فَعُرِّبَتْ غَيْر بِإِعْرَابِ " مَنْ " , فَالْعَرَب تَفْعَل ذَلِكَ خَاصَّة فِي " مَنْ " و " مَا " تُعْرِب صِلَاتهمَا بِإِعْرَابِهِمَا لِأَنَّهُمَا يَكُونَانِ مَعْرِفَة أَحْيَانًا وَنَكِرَة أَحْيَانًا . وَأَمَّا الْوَجْه الْآخَر , فَأَنْ يَكُون مَعْنَى الْكَلَام : إنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِب مَثَلًا مَا بَيْن بَعُوضَة إلَى مَا فَوْقهَا , ثُمَّ حَذَفَ ذِكْر " بَيْن " و " إلَى " , إذْ كَانَ فِي نَصْب الْبَعُوضَة وَدُخُول الْفَاء فِي " مَا " الثَّانِيَة دَلَالَة عَلَيْهِمَا , كَمَا قَالَتْ الْعَرَب : " مُطِرْنَا مَا زُبَالَة فَالثَّعْلَبِيَّة " و " لَهُ عِشْرُونَ مَا نَاقَة فَجَمْلًا " وَهِيَ أَحَسَن النَّاس مَا قَرْنًا فَقَدَمًا يَعْنُونَ : مَا بَيْن قَرْنهَا إلَى قَدَمهَا , وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ فِي كُلّ مَا حَسُنَ فِيهِ مِنْ الْكَلَام دُخُول " مَا بَيْن كَذَا إلَى كَذَا " , يَنْصِبُونَ الْأَوَّل وَالثَّانِي لِيَدُلّ النَّصْب فِيهِمَا عَلَى الْمَحْذُوف مِنْ الْكَلَام . فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قَوْله : { مَا بَعُوضَة فَمَا فَوْقهَا } . وَقَدْ زَعَمَ بَعْض أَهْل الْعَرَبِيَّة أَنَّ " مَا " الَّتِي مَعَ الْمَثَل صِلَة فِي الْكَلَام بِمَعْنَى التَّطَوُّل , وَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : إنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِب بَعُوضَة مَثَلًا فَمَا فَوْقهَا . فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيل يَجِب أَنْ تَكُون بَعُوضَة مَنْصُوبَة ب " يَضْرِب " , وَأَنْ تَكُون " مَا " الثَّانِيَة الَّتِي فِي " فَمَا فَوْقهَا " مَعْطُوفَة عَلَى الْبَعُوضَة لَا عَلَى " مَا " . وَأَمَّا تَأْوِيل قَوْله : { فَمَا فَوْقهَا } : فَمَا هُوَ أَعْظَم مِنْهَا عِنْدِي لِمَا ذَكَرْنَا قَبْل مِنْ قَوْل قَتَادَةَ وَابْن جُرَيْجٍ أَنَّ الْبَعُوضَة أَضَعْف خَلْق اللَّه , فَإِذَا كَانَتْ أَضَعْف خَلْق اللَّه فَهِيَ نِهَايَة فِي الْقِلَّة وَالضَّعْف , وَإِذْ كَانَتْ كَذَلِكَ فَلَا شَكَّ أَنَّ مَا فَوْق أَضَعْف الْأَشْيَاء لَا يَكُون إلَّا أَقْوَى مِنْهُ , فَقَدْ يَجِب أَنْ يَكُون الْمَعْنَى عَلَى مَا قَالَاهُ فَمَا فَوْقهَا فِي الْعِظَم وَالْكِبَر , إذْ كَانَتْ الْبَعُوضَة نِهَايَة فِي الضَّعْف وَالْقِلَّة . وَقِيلَ فِي تَأْوِيل قَوْله : { فَمَا فَوْقهَا } فِي الصِّغَر وَالْقِلَّة , كَمَا يُقَال فِي الرَّجُل يَذْكُرهُ الذَّاكِر فَيَصِفهُ بِاللُّؤْمِ وَالشُّحّ , فَيَقُول السَّامِع : نَعَمْ , وَفَوْق ذَاكَ , يَعْنِي فَوْق الَّذِي وُصِفَ فِي الشُّحّ وَاللُّؤْم . وَهَذَا قَوْل خِلَاف تَأْوِيل أَهْل الْعِلْم الَّذِينَ تُرْتَضَى مَعْرِفَتهمْ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآن , فَقَدْ تَبَيَّنَ إذًا بِمَا وَصَفْنَا أَنَّ مَعْنَى الْكَلَام : إنَّ اللَّه لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَصِف شَبَهًا لَمَّا شَبَّهَ بِهِ الَّذِي هُوَ مَا بَيْن بَعُوضَة إلَى مَا فَوْق الْبَعُوضَة . فَأَمَّا تَأْوِيل الْكَلَام لَوْ رُفِعَتْ الْبَعُوضَة فَغَيْر جَائِز فِي مَا إلَّا مَا قُلْنَا مِنْ أَنْ تَكُون اسْمًا لَا صِلَة بِمَعْنَى التَّطَوُّل .
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقّ مِنْ رَبّهمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّه بِهَذَا مَثَلًا } قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْره : { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا } فَأَمَّا الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّه وَرَسُوله . وَقَوْله : { فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقّ مِنْ رَبّهمْ } يَعْنِي فَيَعْرِفُونَ أَنَّ الْمَثَل الَّذِي ضَرَبَهُ اللَّه لَمَا ضَرَبَهُ لَهُ مَثَل . كَمَا . 468 - حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْحَاق بْن الْحَجَّاج قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس : { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقّ مِنْ رَبّهمْ } أَنَّ هَذَا الْمَثَل الْحَقّ مِنْ رَبّهمْ أَنَّهُ كَلَام اللَّه وَمِنْ عِنْده . وَكَمَا : 469 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ , قَوْله : { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقّ مِنْ رَبّهمْ } : أَيْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ كَلَام الرَّحْمَن وَأَنَّهُ الْحَقّ مِنْ اللَّه . { وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّه بِهَذَا مَثَلًا } قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَقَوْله : { وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا } يَعْنِي الَّذِينَ جَحَدُوا آيَات اللَّه وَأَنْكَرُوا مَا عَرَفُوا وَسَتَرُوا مَا عَلِمُوا أَنَّهُ حَقّ . وَذَلِكَ صِفَة الْمُنَافِقِينَ , وَإِيَّاهُمْ عَنَى اللَّه جَلَّ وَعَزَّ وَمَنْ كَانَ مِنْ نُظَرَائِهِمْ وَشُرَكَائِهِمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْل الْكِتَاب وَغَيْرهمْ بِهَذِهِ الْآيَة , فَيَقُولُونَ : مَاذَا أَرَادَ اللَّه بِهَذَا مَثَلًا , كَمَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْل مِنْ الْخَبَر الَّذِي رَوَيْنَاهُ عَنْ مُجَاهِد الَّذِي : 470 - حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّد عَنْ عَمْرو , قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِم , عَنْ عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد : { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقّ مِنْ رَبّهمْ } الْآيَة , قَالَ : يُؤْمِن بِهَا الْمُؤْمِنُونَ , وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقّ مِنْ رَبّهمْ , وَيَهْدِيهِمْ اللَّه بِهَا وَيُضِلّ بِهَا الْفَاسِقُونَ . يَقُول : يَعْرِفهُ الْمُؤْمِنُونَ فَيُؤْمِنُونَ بِهِ , وَيَعْرِفهُ الْفَاسِقُونَ فَيَكْفُرُونَ بِهِ . وَتَأْوِيل قَوْله : { مَاذَا أَرَادَ اللَّه بِهَذَا مَثَلًا } مَا الَّذِي أَرَادَ اللَّه بِهَذَا الْمَثَل مَثَلًا , ف " ذَا " الَّذِي مَعَ " مَا " فِي مَعْنَى " الَّذِي " وَأَرَادَ صِلَته , وَهَذَا إشَارَة إلَى الْمَثَل .
يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { يُضِلّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا } قَالَ أَبُو جَعْفَر : يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ : { يُضِلّ بِهِ كَثِيرًا } يُضِلّ اللَّه بِهِ كَثِيرًا مِنْ خَلْقه وَالْهَاء فِي " بِهِ " مِنْ ذِكْر الْمَثَل . وَهَذَا خَبَر مِنْ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ مُبْتَدَأ , وَمَعْنَى الْكَلَام : أَنَّ اللَّه يُضِلّ بِالْمَثَلِ الَّذِي يَضُرّ بِهِ كَثِيرًا مِنْ أَهْل النِّفَاق وَالْكُفْر . كَمَا : 471 - حَدَّثَنِي مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو بْن حَمَّاد , قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ ابْن عَبَّاس , وَعَنْ مُرَّة , عَنْ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { يُضِلّ بِهِ كَثِيرًا } يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ , { وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا } يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ ; فَيَزِيد هَؤُلَاءِ ضَلَالًا إلَى ضَلَالهمْ لِتَكْذِيبِهِمْ بِمَا قَدْ عَلِمُوهُ حَقًّا يَقِينًا مِنْ الْمَثَل الَّذِي ضَرَبَهُ اللَّه لِمَا ضَرَبَهُ لَهُ وَأَنَّهُ لِمَا ضَرَبَهُ لَهُ مُوَافِق , فَذَلِكَ إضْلَال اللَّه إيَّاهُمْ بِهِ . { وَيَهْدِي بِهِ } يَعْنِي بِالْمَثَلِ كَثِيرًا مِنْ أَهْل الْإِيمَان وَالتَّصْدِيق , فَيَزِيدهُمْ هُدًى إلَى هُدَاهُمْ وَإِيمَانًا إلَى إيمَانهمْ , لِتَصْدِيقِهِمْ بِمَا قَدْ عَلِمُوهُ حَقًّا يَقِينًا أَنَّهُ مُوَافِق مَا ضَرَبَهُ اللَّه لَهُ مَثَلًا وَإِقْرَارهمْ بِهِ , وَذَلِكَ هِدَايَة مِنْ اللَّه لَهُمْ بِهِ . وَقَدْ زَعَمَ بَعْضهمْ أَنَّ ذَلِكَ خَبَر عَنْ الْمُنَافِقِينَ , كَأَنَّهُمْ قَالُوا : مَاذَا أَرَادَ اللَّه بِمَثَلٍ لَا يَعْرِفهُ كُلّ أَحَد يُضِلّ بِهِ هَذَا وَيَهْدِي بِهِ هَذَا . ثُمَّ اُسْتُؤْنِفَ الْكَلَام وَالْخَبَر عَنْ اللَّه فَقَالَ اللَّه : { وَمَا يُضِلّ بِهِ إلَّا الْفَاسِقِينَ } وَفِيمَا فِي سُورَة الْمُدَّثِّر - مِنْ قَوْل اللَّه : { وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّه بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلّ اللَّه مَنْ يَشَاء وَيَهْدِي مَنْ يُشَاء } 74 31 مَا يُنْبِئ عَنْ أَنَّهُ فِي سُورَة الْبَقَرَة كَذَلِكَ مُبْتَدَأ , أَعْنِي قَوْله : { يُضِلّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا }
وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { وَمَا يُضِلّ بِهِ إلَّا الْفَاسِقِينَ } وَتَأْوِيل ذَلِكَ مَا : 472 - حَدَّثَنِي بِهِ مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرو قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاط عَنْ السُّدِّيّ فِي خَبَر ذَكَرَهُ , عَنْ أَبِي مَالِك , وَعَنْ أَبِي صَالِح , عَنْ ابْن عَبَّاس وَعَنْ مُرَّة , عَنْ ابْن مَسْعُود , وَعَنْ نَاس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَمَا يُضِلّ بِهِ إلَّا الْفَاسِقِينَ } : هُمْ الْمُنَافِقُونَ . 473 - وَحَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيد , عَنْ سَعِيد , عَنْ قَتَادَةَ : { وَمَا يُضِلّ بِهِ إلَّا الْفَاسِقِينَ } فَسَقُوا فَأَضَلَّهُمْ اللَّه عَلَى فِسْقهمْ . 474 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ : حَدَّثَنَا إسْحَاق , قَالَ : حَدَّثَنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس : { وَمَا يُضِلّ بِهِ إلَّا الْفَاسِقِينَ } : هُمْ أَهْل النِّفَاق . قَالَ أَبُو جَعْفَر : وَأَصْل الْفِسْق فِي كَلَام الْعَرَب : الْخُرُوج عَنْ الشَّيْء , يُقَال مِنْهُ : فَسَقَتْ الرُّطَبَة , إذَا خَرَجَتْ مِنْ قِشْرهَا ; وَمِنْ ذَلِكَ سُمِّيَتْ الْفَأْرَة فُوَيْسِقَة , لِخُرُوجِهَا عَنْ جُحْرهَا . فَكَذَلِكَ الْمُنَافِق وَالْكَافِر سُمِّيَا فَاسِقَيْنِ لِخُرُوجِهِمَا عَنْ طَاعَة رَبّهمَا , وَلِذَلِكَ قَالَ جَلَّ ذِكْره فِي صِفَة إبْلِيس : { إلَّا إبْلِيس كَانَ مِنْ الْجِنّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْر رَبّه } 18 50 يَعْنِي بِهِ : خَرَجَ عَنْ طَاعَته وَاتِّبَاع أَمْره . كَمَا : 475 - حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا سَلَمَة ة , قَالَ : حَدَّثَنِي ابْن إسْحَاق عَنْ دَاوُد بْن الْحَصِين , عَنْ عِكْرِمَة مَوْلَى ابْن عَبَّاس , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله : { بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } أَيْ بِمَا بَعِدُوا عَنْ أَمْرِي . فَمَعْنَى قَوْله : { وَمَا يُضِلّ بِهِ إلَّا الْفَاسِقِينَ } : وَمَا يُضِلّ اللَّه بِالْمَثَلِ الَّذِي يَضْرِبهُ لِأَهْلِ الضَّلَال وَالنِّفَاق إلَّا الْخَارِجِينَ عَنْ طَاعَته وَالتَّارِكِينَ اتِّبَاع أَمْره مِنْ أَهْل الْكُفْر بِهِ مِنْ أَهْل الْكِتَاب وَأَهْل الضَّلَال مِنْ أَهْل النِّفَاق .
font]