مشاهدة النسخة كاملة : خبر جديد مائدة حوارية حول الاعتقال السياسي بالمغرب



عادل محسن
03-11-2010, 23:17
الدكتوران "محمد الزاوي" و"بلقاسم الزقاقي" في حوار حي حول تجربة الاعتقال السياسي

الدكتوران "محمد الزاوي" و"بلقاسم الزقاقي"

نظم موقع الجماعة نت حوارا حيا، مفتوحا للزوار، مع الدكتوران "محمد الزاوي" و"بلقاسم الزقاقي" ممثلان لمعتقلي العدل والإحسان الإثني عشر المفرج عنهم، يوم الأربعاء 3 نونبر 2010.

التجربة السجنية في مدرسة يوسف وأسرارها وسياق الاعتقال وخلفية الملف وثبات المعتقلين وجديدهم بعد الإفراج وغيرها من المواضيع، كانت على مائدة الحوار بين زوار الموقع وضيفيه العزيزين.


مائدة حوارية حول الاعتقال السياسي بالمغرب


الاعتقال السياسي في المغرب إلى أين

و بمناسبة الذكرى الأولى للإفراج عن معتقلي جماعة العدل والإحسان، نظم موقع الجماعة مائدة حوارية فكرية/سياسية حول الموضوع بعنوان: الاعتقال السياسي في المغرب إلى أين؟ يوم الأربعاء 2010/11/03.



طالع نص الحوارين في المشاركات التالية .

عادل محسن
03-11-2010, 23:46
الموضوع : الدكتوران "محمد الزاوي" و"بلقاسم الزقاقي" في حوار حي حول تجربة الاعتقال السياسي



الضيوف : الدكتوران "محمد الزاوي" و"بلقاسم الزقاقي":
التاريخ : 2010/11/03
التوقيت : من الساعة 14 و30 دقيقة إلى الساعة 17 و00 دقيقة بتوقيت كرينتش
ترحب إدارة موقع Aljamaa.net بضيفيها الكريمين الدكتوران "محمد الزاوي" و"بلقاسم التنوري" وزوارها الأفاضل، وتعلن عن انطلاق الحوار.

المشارك : أحمد
السؤال : ما هي أسباب اعتقالكم، ولهذه المدة الطويلة؟
الجواب :الدكتور بلقاسم الزقاقي: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمين وآله وصحبه أجمعين.

تحل هذه الذكرى، ذكرى السنة الأولى للإفراج عن معتقلي العدل والإحسان بعد أن عانق هؤلاء الإخوة الذين قضوا زهرة شبابهم وراء القضبان ظلما وجورا، ونشكر بهذه المناسبة موقع العدل والإحسان على إتاحته هذه الفرصة لأخوين من هؤلاء المعتقلين ليعبروا عما عانوه من انتهاك لحقوقهم ومصادرة لحرياتهم، هذا الموقع المناضل الذي واكب مسيرة اعتقالنا بصبر وجلد فكان له الدور الرائد في تحسيس الناس بمعاناتنا وتبليغهم الكلمة الصادقة الصادعة بالحق غير المستسلمة لكيد الظالمين وتربص الماكرين فلهم من الإخوة المفرج عنهم بالغ الشكر والتحية.

وجوابا عن سؤالك، أخي الكريم، الذي يتعلق بأسباب اعتقالنا فلا بد من الإشارة للسياق التاريخي لهذا الاعتقال فقد جاء اعتقالنا في واقع سياسي طبع بقمعه للآراء المعارضة لسياساته ونهجه في الحكم وتسيير شؤون البلاد في وقت برزت فيه جماعة العدل والإحسان قوة جديدة تسعى لتغيير ما بالأمة من وهن وضعف، هذه القوة التي عكسها فصيلها الطلابي وحركتها القوية في الشارع السياسي في مناسبات عدة لما ساهمت الجماعة في تأطير مسيرات التضامن مع قضايا الأمة في العراق وفلسطين وأفغانستان وبطبيعة الحال داخل بلدنا تهمما بقضايا شعبنا المستضعف الذي عانى من تعسف الحاكمين والمسؤولين، جاء اعتقالنا كذلك تزامنا مع مسلسل الدولة لاحتواء المعارضة والإعداد للتناوب المزعوم كما عرف اليسار الماركسي طريقه نحو العمل القانوني خصوصا بعد إطلاق سراح بعض رموزه وفتح المجال الإعلامي والجمعوي أمامه. أما على المستوى الإقليمي فقد عاشت الجارة الجزائر حركة سياسية خاصة بسبب الانفتاح السياسي وبروز القوة الإسلامية ممثلة في الجبهة الإسلامية للإنقاذ.

ودوليا سيادة الخطاب المناهض للإرهاب وإجماع أغلب الدول على محاربتهم والوقوف ضد من يتزعمونه. فهناك إذن أسباب مباشرة وغير مباشرة لاعتقالنا تطرقنا لبعض الأسباب غير المباشرة أما المباشرة تكمن في بروز الفصيل الجديد لطلبة العدل والإحسان كفصيل قوي داخل الساحة الجامعية وبدأ يتمتع بجماهيرية ملفتة في مقابل تراجع الفصائل الأخرى التي كانت منشغلة في مسلسلات التطاحن فيما بينها، هذا الظهور القوي شكل خطرا على اليسار والدولة معا فكانت الخطة أن تتم مواجهة طلبة العدل والإحسان بشتى الوسائل ورفع "الحظر الظلامي" عن أوطم، كما عبر رموز اليسار. هذه بصفة عامة الأسباب الأساسية التي كانت وراء اعتقالنا وقد تكون هناك أسباب خفية يعلمها متخذو القرار في بلادنا.

وقد لفقت لهؤلاء الإخوة تهم باطلة لتسويغ تغييبهم وراء القضبان لسنين طويلة امتدت إلى عشرين سنة لكل واحد منهم.

المشارك : Noureddine Ifnouzne ، طالب
السؤال :السلام عليكم ورحمة الله.ما هو السر وراء ثباتكم في السجون المغربية، والجميع يعلم حالها ومرارة العيش فيها، إضافة إلى التعذيب الذي لاقيتموه من الجلاد؟
كيف استقبلتم قرارات هيأة الإنصاف والمصالحة، وهل سبق لها الاتصال بكم؟
وشكرا.
الجواب : الدكتور محمد الزاوي: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وسلم تسليما.
قبل الإجابة عن هذا السؤال لابد من الإشارة إلى أمرين هامين؛ الأمر الأول أن أتقدم بالشكر الجزيل إلى جميع أعضاء جماعة العدل والإحسان بقيادتها وبمؤسساتها وبجميع قطاعاتها على ما أسدوا إلينا من دعم وتثبيت في محنتنا، ولا أجد ما أصف به هذا الدعم وهذا التثبيت إلا أبياتا لسيدنا علي كرم الله وجهه يقول فيها:

إن أخاك الحق من كان معك ** ومن يضر نفسه لينفعك
ومن إذا ما ريب الزمان صدعك ** شتت فيك شمله ليجمعك
هذه الأبيات تصف وصفا دقيقا ما تلقيناه من إخواننا وأخواتنا في جماعة العدل والإحسان من مدد وحسن مواساة لنا ولعائلاتنا،دون أن ننسى جميع الفعاليات الحقوقية وذوي المروءات والفضلاء الذين واسونا في محنتنا.

الأمر الثاني ونحن نستحضر يوم خروجنا من المعتقل فلابد أن نشير إلى أن هذا اليوم يعتبر بالنسبة لنا يوم فرح بالله تعالى وفرح بفضله ورحمته أن اصطفانا من بين أفراد جماعتنا لهذا البلاء فانقلبنا بفضل الله ومنته إلى أهلنا وذوينا وجماعتنا دون أن نبدل أو نغير، كما أن يوم 1 نونبر 2009 سيبقى يوم تتويج لجماعة العدل والإحسان بحيث يشهد لها بعمق خطها التربوي والتعليمي ونجاعة مشروعها التغييري ففي محضنها تلقينا دروس المدافعة للباطل دون أن نخاف لومة لائم ومن قيادتها الربانية تشربنا معاني الرجولة الإيمانية الإحسانية، كما أن هذا اليوم هو يوم إدانة للظالمين المفسدين لبلدنا الحبيب الذين اختاروا اتباع منطق القمع والحصار والعداء في تعاملهم مع القوى الحية والحركات الصادقة في هذا البلد فهذا اليوم وغيره من أيام البطش والنكال ستبقى وصمة عار في جبين كل من طغى وتجبر وآثر الحياة الدنيا على الآخرة.

استحضار هذا اليوم هو استحضار للمآسي التي تجرع مرارتها واكتوى بلظاها أطياف واسعة من أبناء المغرب الشرفاء في سنوات الرصاص.

جوابا على سؤالك، أخي الكريم، أقول إن السر وراء ثباتنا في السجن يكمن في عدة أسباب؛ أولها وقبل كل شيء هو من الله عز وجل قال سبحانه في محكم آياته: "ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا" فالتثبيت من الله عز وجل، والأمر الآخر يكمن في الدعم اللامحدود اللامشروط من قبل جماعتنا لنا مما جعلنا نشعر أننا لسنا في الاعتقال وحدنا بل خلفنا قلوب المؤمنين وأرواحهم وأقلامهم وبذلوا كل ما يملكون في تبني ملفنا ودعمه ودعم قضيتنا ماديا ومعنويا، ينضاف كذلك إلى هذه الأسباب المشروع التجديدي الذي تحمله جماعتنا وخاصة في بعده التربوي فهو يحمل كل عناصر التثبيت والصمود واليقين في موعود الله ففي السجن تتهاوى كل الأمداد فلا يبقى أمام الإنسان إلا أن يطرق باب الله تعالى بأنامل الافتقار والانكسار طالبا العون والتوفيق فهذه الأسباب إجمالا، هناك أسباب أخرى مكملة لهذه الأسباب وهو تفرغ الإخوة لحفظ كتاب الله عز وجل وللتحصيل العلمي ولذكر الله عز وجل فقك كان كل هذا سلوة لنا وأنسا لنا في وحشتنا وغربتنا.

فالابتلاء تشريف للعبد من حيث كونه قدر إلهي واختيار رباني ينضم بموجبه المبتلى إلى موكب الأنبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين الذين ابتلوا فصبروا واحتسبوا، قال الله عز وجل "ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا فلا مبدل لكلمات الله" فالبلاء سنة الرسل وطريق للاجتباء والاصطفاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل"، كما أن الابتلاء تكليف باعتبار أن يكون المبتلى في مستوى ما يقتضيه الموقف من صبر وثبات وعزة وإباء فعلى محك البلاء يبرز الربانيون وتبرز الدعاوي الصادقة من الكاذبة والحركات الجادة القاصدة في سيرها من الحركات المتخبطة خبط عشواء، هكذا اعتبرنا اتبلاءنا بهاته المضامين فكان الله عز وجل عونا لنا وسندا ومددا.

أما بالنسبة للتعذيب الذي لاقيناه من الجلاد فقد لاقينا كل أصناف التعذيب؛ الجسدي والمعنوي والنفسي (الطيارة، الفلقة، الصعق بالكهرباء، الحرمان من النوم، التهديد بالقتل، التهديد بالاغتصاب...).

أما عن السؤال المتعلق بشق الإنصاف والمصالحة فأهم ما يمكن الإشارة إليه حول هذه الهيئة هو الخلل المهم الذي شاب تأسيسها وهو عدم استقلاليتها عن الجهات الرسمية فجاءت توصياتها وقراراتها منقوصة في كثير من الجوانب المتعلقة بالاختطاف والانتهاكات الجسيمة وجبر الضرر، زعمت هذه الهيئة أنها ستعالج ماضي الانتهاكات وتضع حدا له إلا أن كثيرا من ذلك لم يتحقق بحيث هناك ملفات لا تزال مفتوحة إلى اليوم كملف كثير من المعتقلين الإسلاميين والملف المعروف بقضية المهدي بنبركة، كما أن كثيرا من الانتهاكات والاختطافات قد استجدت بعد التاريخ الذي حددته هاته الهيئة لتوقف عنده ماضي الانتهاكات ومن أبرز التجاوزات التي وقعت فيها هاته الهيئة هو تعاملها الضيق مع ملفات اعتقال أعضاء جماعة العدل والإحسان فهي لم تعمل على طي هذا الملف وإنصاف من خرقت حقوقهم وانتهكت حرماتهم ولم يسبق لنا اتصال بهذه الهيئة لا من جانبنا ولا جانبها.

المشارك : عيسى.م ، موظف
السؤال :السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. اشتقنا إليكم أحبتنا الكرام. والله لن ننساكم، فأسماؤكم محفورة في ذاكرة الفخر والرجولة والصمود، ومبثوثة قي دعاء الرابطة مع أهل الصلاح من الحاضرين والجدود. ما جديد أخباركم العلمية والجهادية... بعد انكسار القيود. ومن منطلق تجربتكم في سجن يوسف ما نصيحتكم وتوجيهاتكم لخلفكم من المعتقلين الجدد؟
أحبكم في الله الذي أسأله أن يجمعنا بكم في الدنيا قريبا وفي دار الخلود.
الجواب : الدكتور محمد الزاوي: أخي الكريم عيسى بخصوص الأخبار العلمية والجهادية فكما تعلم أخي فقد حصل ثمانية إخوة منا على شهادة الدكتوراه مع شواهد أخرى علمية كما أن جميع الإخوة حاصلين على دبلوم الدراسات العليا المعمقة (DESA)، هذا من حيث الشواهد العلمية وتبقى المسيرة العلمية لكل واحد منا مستمرة في تلقي العلم النافع الذي يفتح آفاقا لأمتنا في غد الخلافة على منهاج النبوة إن شاء الله.

وبخصوص عملنا الجهادي في محضن جماعتنا المباركة فقد استأنفنا العمل مع إخواننا مواكبين ومساهمين نسأل الله عز وجل أن يوفقنا ويسدد خطانا.

المشارك : إدريس بكرين ، أستاذ
السؤال :السلام عليكم ورحمة الله. تقبل الله جهادكم وصبركم.
ما هي أصعب اللحظات وأحسنها التي مرت بكم؟ وما هي وضعيتكم الآن في الجماعة والمجتمع؟ بصراحة من فضلكم. الله يحفظكم.
الجواب :الدكتور محمد الزاوي: بخصوص سؤالك أخي إدريس أقول إن أصعب اللحظات التي مرت بنا لحظة نزول سيف الظلم الجائر على رقابنا، وأحسنها هي زيارة والدنا المرشد لنا في السجن بعد رفع الحصار رغم ما تعرض له من منع غير أن الله عز وجل عوضنا بمهاتفة كانت لنا بمثابة البلسم والشفاء.

المشارك : الشريف الإدريسي ، أستاذ باحث
السؤال :بسم الله الرحمان الرحيم
1- أود معرفة سر الثبات والصمود الذي ميزكم عن باقي المعتقلين السياسيين حيث لم يتساقط منكم ولو واحد؟
2- ماذا عن آثار الاعتقال عنكم وعن عائلاتكم؟
3- هل ترون أن الجمهور المتعاطف مع الجماعة قد وفاكم حقكم لا أقصد التنظيم والمؤسسات؟
نسأل الله عز وجل أن يثيبكم في الدنيا والآخرة وأن يتقبلكم من الصالحين آمين.
الجواب :الدكتور بلقاسم الزقاقي: بخصوص السؤال الأول للأخ الإدريسي فقد سبق أن أجبنا عنه. أما بالنسبة للسؤال الثاني المتعلق بآثار الاعتقال علينا وعلى عائلاتنا فنذكر الأخ الكريم بواقع الاعتقال في وطننا، هذا الواقع الكئيب الذي يئن تحت ممارسات وحشية موغلة في الإهانة بالكرامة الإنسانية؛ المعتقل تُصادر حقوقه عند أول خطوة يخطوها داخل السجن بدءا من حرمانه من معرفة حقوقه الطبيعية في هذا المكان الجديد مرورا بعدم تمتيعه بسكن لائق به كإنسان وحرمانه من متابعة وضعه الصحي ومده بالدواء إن هو مرض إلا في حالات لا ترق إلى طموحه ناهيك عن انعدام بيئة صالحة لإتمام تعليم وتثقيف من أراد أن يتعلم وأن يخرج من سراديب الجهل إلى نور العلم، بل إن الإدارة تقتصر في هذا الشأن على أنشطة فلكلورية دعائية من قبيل تنظيم أنشطة تسميها ثقافية وهي أبعد عن ذلك لسيادة أجواء التمييع وإلهاء السجناء عن مشاكلهم الحقيقية التي يرغبون في حلها ويرفعونها إلى المسؤولين في شتى المناسبات.

إن واقع السجون الذي يعرف اكتظاظا مروعا لا أمل في الخروج من أزمته إلا بنهج سياسات جديدة بعيدة عن العقلية الأمنية التي لا ترى في النزيل إلا خطرا يجب تجنبه وإخفاؤه عن أنظار المجتمع، ومن خلال التجربة التي خضناها داخل هذه المعتقلات فقد التقينا بشرائح متنوعة من هؤلاء السجناء منهم من سجن ظلما وكثير منهم عبروا عن إرادتهم تغيير ما بأنفسهم من انحراف ليتحولوا إلى الأفضل إلا أنهم لا يجدون لذلك أعوانا، بل إن الإدارة غالبا ما تشك فيمن تراه عدل عن سلوكه المنحرف إلى طريق الاستقامة والمطالبة بحقوقه الطبيعية والإنسانية والأفظع أن من رجالات إدارات السجون من تورط في شبكات الانحراف من مخدرات وشذوذ، وهذا غيض من فيض من الواقع المتردي الذي تتخبط فيه سجون بلدنا.

ومن فضل الله عزل وجل على معتقلي طلبة العدل والإحسان أن وفقهم إلى الصمود ضد هذا الواقع الذي رغم حرمانهم من أهليهم وإخوانهم وجماعتهم فقد استطاعوا بحمد الله أن يؤسسوا لحياة خاصة بهم يستطيعون فيها أن ينزلوا برامجهم في التحصيل العلمي والمعاشرة الاجتماعية فيما بينهم وتثبيت أواصر المحبة والأخوة والتكاثف والتعاون ونبذ الفرقة التي كثيرا ما حاول خصومنا زرعها في جسمنا إلا أنهم رجعوا من ذلك بحمد الله خاليي الوفاض، كما أنعم الله عز وجل على عائلاتنا الذين بلغ كثير منهم من الكبر عتيا رغم ما لاقوه من صدمة فراق فلذات أكبادهم الذين انتُزعوا منهم بغير وجه حق إلا أنهم لم يشكوا بثهم وحزنهم إلا إلى الله عز وجل متدثرين برداء الصبر واحتساب الأجر عند الله، ولا ننسى أن ندعو الله عز وجل لمن توفي منهم بالرحمة والمغفرة والرضوان.

وجوابا على سؤالك الثالث، أخي الإدريسي، فنحن لا نطلب أجر هذا الاعتقال إلا من الله عز وجل فهو المقدر سبحانه ولا نستشعر أن لنا حقا يجب أن يوفى لكن ومصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "من لم يشكر الناس لم يشكر الله" فإننا نتقدم بشكرنا إلى كثير من الناس أصدقاء وأقرباء ومتعاطفين ساندونا في محنتنا كل بحسب قدرته واستطاعته.

المشارك : ناشيط إبراهيم ، مستخدم
السؤال إخوتي الأفاضل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بعد قرابة عقد من المكث في المدرسة اليوسفية ما هي الدروس التي استفدتموها؟ وكيف استطعتم الاندماج اجتماعيا بسهولة رغم طول مدة الفراق؟
بارك الله فيكم.
الجواب :الدكتور محمد الزاوي: الدروس التي استفدناها من مكثنا طيلة هذه المدة في المدرسة اليوسفية فهي عديدة، نذكر بعضا منها:
1- أن اختيار الله عز وجل لعبده يكون فيه من الخير والفضل ما لا يحسن أن يدركه العبد باختياره لنفسه، فإن لله عز وجل من الحكم في بلائه ما يخفى على العبد، يقول الله عز وجل "والله يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون" فمن تمام ربوبية الله عز وجل أن يكون في تدبيره لعبده خير الدنيا والآخرة؛

2- إن كان هذا على مستوى الأفراد فكذلك على مستوى الجماعات، فإن عناية الله عز وجل ولطفه بالجماعة الصادقة التي تطلب تجديد دين الأمة وإيمانها يبقى مصاحبا لها في سيرها وفي كل خطواتها، الشاهد على ذلك ما تلقته جماعتنا المباركة من تنكيل وحصار وتضييق لم يزدها إلا تألقا في سماء العقول وتجذرا في القلوب وامتدادا بين أفراد الشعب المغربي المستضعف.

أما بخصوص الشق الثاني من السؤال فإن اندماجنا قد تم بسهولة بعد خروجنا من السجن ومرده إلى عدة عوامل أهمها:
1- العامل الذاتي؛ فالخروج من السجن دون مركب نقص هو المدخل الأساس لتيسير عملية الاندماج فما بالك إن كان الاعتقال شارة عزة وفخر.

2- الحصيلة التي خرج بها المعتقل من سجنه؛ فإن كانت الحصيلة محمودة ولدت لديه اطمئنانا بأن تلك الفترة العمرية لم تذهب سدى، وحصيلتنا والحمد لله قد كانت محمودة.

3- العامل الحيوي الآخر الذي سهل علينا عملية الاندماج هو الدعم الذي تلقيناه من عائلاتنا وجماعتنا والذي جعلنا قريبين من الواقع ومواكبين للتغيرات الحاصلة وسط عائلاتنا ومجتمعنا مع الإشارة إلى أن هذه المواكبة تبقى قاصرة بالمقارنة مع ما يعرفه الواقع من تغيرات سريعة على مستوى العلاقات والمعارف وحركة المجتمع.

المشارك : إدريس ، أستاذ
السؤال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تقبل الله منكم إخوتي محنتكم وسجنكم وجعله في ميزان حسناتكم ونفعكم به في يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، أسأل الله العلي القدير أن يثبتنا جميعا في سجن الدنيا.
ما هو الفرق بين السجن الذي عايشتموه والسجن الذي يعيشه المغاربة عموما؟
الجواب : الدكتور محمد الزاوي: أخانا إدريس، الفرق بين السجن الذي عايشناه والسجن الذي يعيشه المغاربة عموما لا يعدو أن يكون فرقا ضئيلا بين السجن الصغير والسجن الكبير، فكما يعلم الجميع أن المغاربة عموما يقبعون جميعا وراء قضبان الاستبداد والظلم والبطالة والتفقير والتجهيل...

المشارك : عبد الرحمن ، طالب باحث
السؤال السلام عليكم، حياكم الله يا رموز الاستثناء في زمن الانحناء.
السؤال الأول: الأحداث التي تتحدثون عنها عن سيرتكم في السجن لا توحي بأنكم ذقتم مرارة السجن. ما قولكم؟
السؤال الثاني: ما هي المساومات التي تعرضتم لها؟

الجواب :الدكتور بلقاسم الزقاقي: أشكر الأخ عبد الرحمن على هذا السؤال. من الناس من يظن لما يقرأ عن تحدثنا عن تثبيت الله إيانا داخل السجن وما أفاضه علينا من نعم وتحصيل علم وحفظ القرآن الكريم أن السجن راحة وفسحة ليس فيها عنت ولكن في واقع الأمر فإن السجن قهر لإرادة الإنسان وإلغاء لإنسانيته، فالله سبحانه وتعالى خلق الناس أحرارا فكيف يستعبدون وقد ولدتهم أمهاتهم أسوياء متحررين من قيود الاعتقال والتغييب والمنافي، الفتنة الحقيقية في هذه الدنيا بصفة عامة أن يفتن الإنسان في دينه ويرجع على عقبه يتنكر لخالقه والحكمة تقتضي أن يخضع لقدر الله وقضائه ليكون مؤمنا حق الإيمان، فالإيمان لا يكمل إلا بالإيمان بالقدر خيره وشره، هذا الإيمان الذي يزرع في القلب السكينة والطمأنينة فهو الذي يجعلك تستهين بعذابات السجن والسجان وتتحول المحنة في حقك إلى منحة لما يفيضه الله عز وجل عليك من أنوار وعطايا.

أما عن المساومات فحدث ولا حرج، فقد أراد المخزن باعتقالنا إمساك ورقة سياسية يضغط بها على جماعتنا المباركة حتى تركع وتخضع وتسبح بحمد الراكعين المطأطئين الرؤوس للجلاد لكن هيهات فقد انكسرت مخططاتهم على صخر ثباتنا وصمودنا الذي رضعنا لبنه في حضن جماعة العدل والإحسان التي لاقت أصنافا من العقبات والأشواك في طريقها الثابت اللاحب، وكم مرة استثنينا من محطات عفو زعموا كونه شاملا ليفرضوا علينا مواقف مذلة نعترف فيها بجرم لم نقترفه في سنوات 1994، 1998، 2004، إلا أن الإخوة المعتقلين والحمد لله أبوا أن يعطوا الدنية من دينهم بل بقوا شامخين رافعي رؤوسهم لا يخضعون للمساومات لأنهم بايعوا الله عز وجل على أن يكونوا أوفياء لدعوة العدل والإحسان التي لن ينطفئ نورها بإذن الله حتى يبلغ مداه.

المشارك : عبد الرحمان قصو ، مصمم معلوماتي
السؤال ما هي الوسائل التي قامت بها جماعة العدل والإحسان من أجل الدفاع عن قضيتكم؟
الجواب : الدكتور بلقاسم الزقاقي: جماعة العدل والإحسان لم تتنكر في يوم من الأيام لأبنائها ومعتقليها، فهي معهم في جميع الأحوال بالمساندة المادية والمعنوية وقد سلكت من أجل ذلك مسالك عدة للتحسيس بقضية معتقليها تعريفا بمظلوميتهم ونضالا من أجل رفع الحيف عنهم والوقوف ضد كل محاولات هضم حقوقهم وإهانة كرامتهم، فتواصلت مع ذوي المروءات والشرفاء وهيئات حقوق الإنسان من أجل خدمة هذه القضية بما يرجع الأمور إلى نصابها فعبأت قبل ذلك جميع أعضائها ومنتسبيها بالوقوف صفا واحدا بجانب الإخوة المعتقلين فكان الإخوة في مستوى التحدي فبذلوا من أوقاتهم وأموالهم بل من دمائهم لما قمعوا في وقفات كثيرة نظموها من أجل الاحتجاج على ما يصيب إخوانهم من ظلم وجور، لجماعتنا ولإخواننا وأخواتنا تحيات الإجلال ومشاعر الشكر على ما أسدوا لنا من معروف.

المشارك : مصعب المسعودي ، تلميذ
السؤال سلام الله عليكم.
كيف استطعتم أن تواصلوا دراستكم بالرغم من ظروف السجن القاسية؟
وهل ما حصلتم عليه من شواهد عليا سيفيدكم في الحصول على وظائف في الدولة التي تحارب جماعتكم بكل الوسائل؟
الجواب :الدكتور بلقاسم الزقاقي: نعم استطعنا، أخي مصعب، أن نواصل دراستنا داخل السجن برغم الظروف الاستثنائية التي كنا نعيشها لكن عزمنا وإرادتنا كانت أقوى في أن نستثمر أوقاتنا فيما ينفع فانكببنا على تتميم دراستنا في مختلف التخصصات التي كنا بدأناها في الجامعة قبل الاعتقال أو ببدإ تخصصات أخرى تسهل متابعتها في واقعنا الجديد، كنا نتوصل بمقررات الدراسة عن طريق ثلة من الإخوة والأخوات الذين كانوا جنودا مجندة في مختلف الجامعات من أجل جمع مقررات الدراسة والاتصال بالأساتذة وإيفادنا بتواريخ الامتحانات التي كنا نجتازها داخل المعتقل بتفوق، وبحمد الله فقد وفق الله عز وجل الإخوة المعتقلين لنيل شهادة الدكتوراه والدراسات المعمقة في القانون والدراسات الإسلامية والشريعة الإسلامية. ومن نعمه العظمى أن من الله عز وجل على كثير منهم بحفظ كتاب الله عز وجل.

وما يفضح مرة أخرى شعارات الدولة الجوفاء المنادية بإدماج السجناء داخل المجتمع وتمتيعهم بكافة حقوقهم بعد أن أثبتوا بعزمهم وإرادتهم تفوقهم العلمي والعملي والأخلاقي، إلا أنها ما تزال سادلة في هدر الحقوق بالنظر إلى امتناعها أو تماطلها في إيجاد مخرج في قضية معتقلي العدل والإحسان المفرج عنهم.

المشارك : يوسف بنبغداد ، طالب جامعي
السؤال بسم الله الرحمان الرحيم. تحية إلى السادة الأفاضل.
1- هل يمكن أن نتحدث أن النظام السياسي المغربي قد فشل تاريخيا في استعماله للاعتقال السياسي كتعبير عن حالة ضعفه في مواجهة معارضيه؟
2- لماذا المجتمع الحقوقي تنكر لقضيتكم ولم يكلف نفسه عناء فضح من كان سببا في نسج خيطها وإظهار الحقيقة للرأي العام الوطني والدولي؟
3- هل يمكن أن نتحدث عن ما أصبح يسمع في شاشات الإعلام بأن النظام السياسي قد أغلق ملف الاعتقال السياسي؟
4- اعتقلتم على خلفية انتمائكم لجماعة دعوية وتهمتكم هي رجال دعوة، ورجل الدعوة هو معرض للابتلاء في ظل حكم الجبر والظلم، كلمة تربوية لرجال الدعوة؟
5- هل يمكن لكم أن تبرزوا لنا جزءا ولو يسيرا من الواقع الأليم للسجون المغربية؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب : الدكتور بلقاسم الزقاقي: 1- يختلف الجواب عن سؤالك الأول باختلاف حساسيات من اعتقل في إطار الاعتقال السياسي، ذلك أن الدولة استعملته كأداة لقهر المعارضين وإخضاعهم لسياساتها ومواقفها، فهناك من ثبت في وجه هذه المساومات ولكن للأسف الكثير اليوم نراهم قد "تمخزنوا" وأصبحوا أداة لحصد المعارضة الإسلامية الجديدة والعبرة بالخواتيم.

2- المجتمع الحقوقي أصناف مختلفة في تعاملها مع قضيتنا منهم من ساندنا واعترف بالطابع السياسي لقضيتنا وهم قلة ومنهم من آثر العصبية الحزبية والاختلاف الإيديولوجي فعمل على تشويه سمعتنا وإلغاء طابعها السياسي، وبهذا الموقف التقى موضوعيا مع مواقف المخزن في إقصائها للمعارضة الجدية ونتمنى أن يرجع هؤلاء إلى صوابهم بالدفاع الحقيقي عن حق الإنسان مهما كان معتقده أو رأيه أو سياسته، فحقوق الإنسان ليس فيها انتقاء وليس فيها تجزيء .

3- النظام السياسي لمم يفلح في ترويج شعار طي صفحة الماضي ولا أدل على ذلك من تجدد الاختطافات، الانتهاكات الجسيمة، والاعتقالات، وقمع الاحتجاجات الاجتماعية في مرحلة جديدة وفي عهد جديد قد يكون في حاجة أن يؤسس لهيئة جديدة للإنصاف والمصالحة تعمل على طي صفحة الحاضر الكئيب وهكذا دواليك إن لم يكن نظامنا صادقا في إنصاف أبنائه وشعبه ورفع الوصاية عنه.

4- محنة الداعي إلى الله عز وجل لا تكمن في سجنه أو قتله أو نفيه بل تكمن في قتل الدعوة التي يعمل لها وإيقافها عن الناس، قد يذهب الصف الأول والثاني وتبقى الدعوة صامدة متمسكة بالعروة الوثقى لا يضرها من خالفها أو قمعها ولا يضرها المخزن على تحركاتها.
5- بالنسبة لهذا السؤال سبق الجواب عنه.

المشارك : إسماعيل ، تقني
السؤال : بسم الله الرحمات الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين. أولا السلام عليكم أحبتنا الكرام وعلى ضيفينا الأعزاء.
1- ما دور الجماعة يعني المرشد عبد السلام ياسين ومجلس الإرشاد وجميع أعضاء الجماعة في ثباتكم وصمودكم أمام كل المغريات وكل الأحداث التي عشتموها داخل المعتقل.
2- كيف كانت علاقتكم بالمكونات السياسية الأخرى داخل المعتقل وكذلك بجميع السجناء.
الله يحفظكم من كل بلاء.
الجواب : الدكتور بلقاسم الزقاقي: الأخ المرشد عبد السلام ياسين قدوة ومثال في صبره وصموده في الدعوة إلى الله عز وجل فقد عانى الاعتقال والحصار لسنين طويلة كان لها الأثر البالغ على جسده إلا أنه لم يستسلم لقمع المخزن بل ظل طودا شامخا ينافح عن الإسلام في هذا الوطن الحبيب الذي عز فيه وجود العلماء الصادقين الصادحين بكلمة الحق ولا يخافون في ذلك لومة لائم والإخوة المعتقلون قد استمدوا الكثير من صبره وجلده واسترشدوا بعلمه ونصائحه طيلة سنوات اعتقالهم ولا يزال حفظه الله في متابعة مستمرة لأحوالهم وقضاياهم لا يكل ولا يمل، وكذلك مجلس إرشادنا الذي لم يبخل علينا بدعواته الصادقة ووقوفه بجانبنا في السراء والضراء بل كل أعضاء جماعتنا كانوا وراءنا بعونهم ودعواتهم فلهم من جزيل الشكر وخالص الامتنان والله نسأل أن يجزيهم خير الجزاء ومن ساندنا من قريب أو بعيد.

المشارك : أبو شيماء ، عامل
السؤال ما هي تجربتكم مع كتاب الله؟ ولكم جزيل الشكر.
الجواب :الدكتور محمد الزاوي: بخصوص تجربتنا مع كتاب الله عز وجل فإنها قد بدأت مع رسالة أخانا المرشد التي جاء فيها "إنكم أحبتي في امتحان الرجولة فكونوا رجالا، لا تخرجوا إلا ومعكم كتاب الله عز وجل حفظا وفهما وعملا".

وقد كانت هذه الكلمات بمثابة المهماز الذي بعث فينا جذوة حفظ كتاب الله عز وجل وجعله ديدن تدبرنا ومحور برامجنا. كما جاء أخي الكريم في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حث وتحفيز لحفظه والعمل به حيث جعله مظنة الخيرية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خيركم من تعلم القرآن وعلمه"، و"أهل القرآن هم أهل الله وخاصته". فهذه الأحاديث وغيرها من آيات كتاب الله عز وجل كفيلة بأن توقظ فينا همة التعلق بكتاب الله عز وجل وجعله غاية كل واحد منا.

المشارك : بسام ، متتبع
السؤال :كيف وجدتم جماعة العدل والإحسان بعد خروجكم من السجن.. وماذا يمكنكم أن تقولوا لأعضائها حول ما يمرون منه الآن من تضييق.
الجواب :الدكتور محمد الزاوي: أخي الكريم بسام بخصوص جماعة العدل والإحسان فقد وجدناها والحمد لله كما عودتنا محضنا تربويا يتألق فيه ربانيون قائمون بالقسط يطلبون الزلفى لدى الله عز وجل، كما وجدناها مدرسة فكرية تنظيمية تضج بالطاقات والكفاءات الذين ينتظرهم غد مشرق في زمن الخلافة على منهاج النبوة إن شاء الله.

نقول لأعضاء جماعتنا اصبروا وصابروا ورابطوا، فبالصبر واليقين في موعود الله تنالوا الإمامة في الدين قال الله عز وجل "وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إمام" وقوله تعالى "وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون".

المشارك : محب
السؤال من الرابح من اعتقالكم ومن الخاسر؟
الجواب :الدكتور محمد الزاوي: الرابح بالدرجة الأولى دعوة الله عز وجل التي يحمل لواءها رجال صادقون بذلوا أعمارهم في سبيل نصرة دين الله عز وجل ومدافعة الباطل غير آبهين بمكر الماكرين وظلمهم، أما الخاسر فهو الظلم وأهله فإن الظلم والاستبداد مقدمة للخراب في الدنيا والخسران في الآخرة.

المشارك : حسن ، طالب
السؤال : اعتقلتم من الجامعة ومن وسط فصيل العدل والإحسان الذي كان في أوج قوته، الآن بعد 89 سنة كيف وجدتم الفصيل الطلابي والحالة الطلابية عموما، وكيف كانت علاقتكم بقضايا الجامعة خلال فترة الاعتقال؟
الجواب :الدكتور محمد الزاوي: كنا مواكبين لمستجدات الجامعة بما يقتضيه وضعنا آنذاك لأننا كنا نعتبر أنفسنا معتقلين في إطار العمل الطلابي.

المشارك : عبد اللطيف ، أستاذ
السؤال : لماذا تمسكتم بمواقفكم وفضلتم السجن على العفو الملكي هل هناك سر ما؟
الجواب :الدكتور محمد الزاوي: السر وراء رفضنا تحرير طلبات العفو هو أننا مظلومون أولا، والمنطق السليم يقتضي عكس ذلك، والأمر الثاني أن طلب العفو يأبى مانحوه إلا أن تتصدره معاني الإذلال وينتهي بإدانة الضحية وتبرئة ذمة الجلاد، ثم إلى متى يبقى المظلوم تحت رحمة الظالم؟ فأين هي مؤسسات الشعب الحقة التي تحصن المجتمع من ثقافة المنة والعطاء وتشيع فيه مقومات الحق والكرامة؟!



ختاما نشكر جميع الإخوة الذين تفضلوا بطرح أسئلتهم ونتمنى أن نكون قد استوفينا عنها معتذرين لمن نكون قد أغفلنا الجواب عن سؤالهم.

ولا يفوتنا في هذه المناسبة أن نتوجه بالتحية الصادقة إلى أحبابنا المعتقلين بسجن عيد قادوس بفاس، إخواننا محمد السليماني، عبد الله بلة، أبو علي المنور، هشام الهواري، عز الدين السليماني، طارق مهلة، وهشام الصباحي الذين كتب الله عز وجل لهم هذا الابتلاء اختيارا منه سبحانه ليجعله رموزا وشموسا يهتدى بها في ظلام هذا البلد الحالك وإنها لحظوة أن جعلهم الله عز وجل ممن يبتلون في سبيله "الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله"، "وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد" فصبرا إخوتنا على ما تلاقونه من ضيق وعنت فإنكم سادتنا مأجورون بإذن المولى سبحانه، والمؤمنون جميعا يتمنى كل واحد منهم أن يفتديكم بروحه ولكن اقتضت قدرة الله عز وجل أن يجعل كل واحد على ثغر "فاصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون"، "ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين" وها هو المخزن الذي تولى كبر اعتقالكم وقمعكم يجني زقوم سياساته الفاشلة سمعة سيئة في المحفل الدولي وتراجعا على مختلف الأصعدة؛ السياسية، الثقافية، والاقتصادية في مقابل ما تربحه جماعتنا المباركة من تعاطف ومساندة وتمكين في واقع هذا الشعب المستضعف الذي طالما انتهكت حقوقه واغتصبت فلله المشتكى.

أيها الإخوة الكرام المثبتين في سجن عين قادوس نحييكم تحية إجلال وإكبار ولعائلاتكم الذين تلقوا قدر الله عز وجل بالتسليم والرضا، نذكركم أحبتي ببشرى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة" أخرجه الترمذي.

فهنيئا لكم أن بوأكم الله عزل وجل مقام الاجتباء والاصطفاء، فالسجن في حقكم ظاهره ابتلاء وامتحان وباطنه فيه الرحمة والنعمة، فكم لله عز وجل من نعم عظمى ومقامات عليا تجنى من قطوف الابتلاء وما وصل من وصل إلى مقامات القرب عند الله عز وجل إلا عبورا على جسر المحنة والابتلاء.

تقبل الله عز وجل منكم صبركم واحتسابكم وأشركنا الله عز وجل معكم في الأجر والثواب. لا تنسونا من خالص دعائكم. رحم الله أبا أخينا عبد الله بلة وآجره الله على مصيبته فلعل اعتقالك يجعله الله عز وجل له ذخرا عنده سبحانه.

بهذا ننهي الحوار الحي مع الدكتورين الفاضلين حول تجربة الاعتقال السياسي لمعتقلي العدل والإحسان الإثني عشر المفرج عنهم.

فشكرا للأستاذين الكريمين، وشكرا لكل من شارك في هذا الحوار. كما نعتذر للزوار الكرام الذين لم نستطع إدراج أسئلتهم بسبب ضيق الوقت.

عادل محسن
25-11-2010, 00:27
مائدة حوارية حول الاعتقال السياسي بالمغرب


بمناسبة الذكرى الأولى للإفراج عن معتقلي جماعة العدل والإحسان، نظم موقع الجماعة مائدة حوارية فكرية/سياسية حول الموضوع بعنوان: الاعتقال السياسي[1] في المغرب إلى أين؟ يوم الأربعاء 2010/11/03.


مائدة حوارية حول الاعتقال السياسي بالمغرب


تقديم
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أولا نرحب بالضيوف الكرام وبالإخوة الحاضرين، كما يسعدنا في موقع الجماعة أن نستضيف في هذه الندوة الفكرية/السياسية، التي تأتي في سياق الندوات الحوارية التي ينظمها الموقع، ثلة من الأساتذة الكرام نحاول من خلال المناقشة معهم أن نقارب موضوع الاعتقال السياسي في المغرب من خلال ثلاثة محاور هي:

الاعتقال السياسي: دلالات المصطلح وتجارب التاريخ.
الاعتقال السياسي: حقائق الواقع وحصيلة الشعارات.
الاعتقال السياسي: حديث في المستقبل.


الضيوف الكرام

الأستاذة هند زروق، منسقة عائلات معتقلي العدل والإحسان بمدينة فاس
- الأخت الأستاذة هند زروق، منسقة عائلات معتقلي العدل والإحسان بمدينة فاس، وزوج الأخ المعتقل السياسي عبد لله بلة عجل الله بالإفراج عن الجميع.

الدكتور مصطفى حسيني، معتقل سياسي سابق
- الأخ الدكتور مصطفى حسيني، معتقل سياسي سابق، عضو المكتب المركزي للهيئة الحقوقية لجماعة العدل والإحسان، ناشط حقوقي.

الدكتور محمد السلمي، عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية
- الأخ الدكتور محمد السلمي، عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية، ومنسق الهيئة الحقوقية للجماعة.


المحور الأول: الاعتقال السياسي، دلالات المصطلح وتجارب التاريخ

سؤال: يعتبر مصطلح "الاعتقال السياسي" أو"المعتقل السياسي" من أحد المصطلحات الغامضة في المجالين الحقوقي والقانوني حيث تتداخل مجموعة من المفاهيم: سجين الرأي/السجين السياسي/المجرم السياسي/الاعتقال التعسفي... هل تتفضلون بإعطاء تعريف ولو مختصر لمصطلح الاعتقال السياسي؟

جواب: د. مصطفى حسيني:
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله وسلم وبارك على حبيبنا محمد المصطفى رحمة للعالمين، وعلى آله وصحابته الطيبين الطاهرين.

في البدء نسأل الله جل وعلا أن يبارك لنا في هذه الندوة التي توافق أياما فاضلة، وموسما من مواسم الخير، يجود الله فيه على عباده، ويتجاوز عن سيئاتهم، ويرفع درجاتهم، ونسأله تعالى أن ييسر للحجيج حجهم، وأن يجعلنا جميعا من المقبولين الفائزين.

كما أتقدم بالشكر إلى موقع الجماعة الذي نظم هذه الندوة التي تتعلق بموضوع في غاية الأهمية، تتعلق بالإنسان وكرامته، وحريته. الإنسان الذي كرمه الله عز وجل، وشرع له حقوقا كبرى مفروضة شرعا وواجبة حكما، وأحاطه بضمانات تحول دون اعتقاله والاعتداء عليه، وانتهاك حرمته، واستخلفه في الأرض، وأمره بعمارتها بالعدل والخير والصلاح، ورغم ذلك نجد من الناس من يسعى جادا لاستعباد إخوته في الإسلام، أو الإنسانية، وتجريدهم من حقوقهم وكرامتهم.

أستغل هذه المناسبة لأحيي كل ضحايا سنوات الرصاص، ضحايا العهد القديم، وضحايا العهد الجديد، وفي مقدمتهم المختطفون السبعة المحتجزون بسجن فاس، وكل الشرفاء من حقوقيين وغيرهم، الذين يسعون إلى وضع حد لظاهرة الاختطاف والاعتقال السياسي.

بخصوص سؤالكم، ليس هناك، حسب علمي، تشريع محلي أو دولي تناول مصطلح الاعتقال السياسي، باستثناء تشريع صدر في العراق بعد الاحتلال، صدر عام 2006 تحت عنوان "قانون مؤسسة السجناء السياسيين"، وهذا التشريع جاء بخلفية إعادة الاعتبار لضحايا نظام صدام حسين، وحاول أن يعرف الاعتقال السياسي، فعرَّف المعتقل السياسي بأنه: كل من سجن بسبب معارضته للنظام البائد في الرأي أو المعتقد أو الانتماء السياسي. وقد ميز المشرع عندهم بين المعتقل السياسي، وهو كل من سجن بسبب آرائه وانتماءاته السياسية ولم يصدر في حقه قرار قضائي، والسجين السياسي، وهو من اعتقل بسبب مبادئه وانتمائه السياسي، وصدر في حقه قرار قضائي.

أما بالنسبة للقوانين المغربية فلم يرد فيها أي تعريف لهذا المصطلح، وإنما ورد فيها إشارة لبعض الجرائم السياسية، ونأخذ كمثال على ذلك ظهير 26 يونيو 1930 الصادر في عهد الحماية، وهو يتعلق بالسجون، تطرق للجنح السياسية، وترتب عنه تخصيص أجنحة خاصة للمعتقلين السياسيين، وإعفائهم من الاشتغال والعمل داخل السجون. وهي نصوص قانونية ألغيت أو عدلت بعد الاستقلال.

وفقهاء القانون هم من عرف المعتقل السياسي، ويمكن تقسيمهم إلى فريقين، فريق اعتمد المعيار الذاتي، وفريق اعتمد المعيار الموضوعي. فالذين أخذوا بالمعيار الموضوعي اعتبروا المعتقل السياسي كل من ارتكب جريمة سياسية كان موضوعها السلطة أو الدولة، بينما الذين اعتمدوا المعيار الذاتي اعتبروا المعتقل السياسي كل من ارتكب جريمة غايتها سياسية بغض النظر عن موضوع الجريمة هل تعلق بالسلطة أم بغيرها، والمشرع المغربي اعتمد الاعتبار الذاتي للتمييز بين الاعتقال السياسي وغيره.وكخلاصة يمكن تعريف المعتقل السياسي بأنه كل من اعتقل بسبب انتمائه أو نشاطه السياسي، أو قناعاته وأفكاره ومبادئه.

د. محمد السلمي:
بسم الله الرحمان الرحيم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه. بدوري أشكر موقع الجماعة على طرح الموضوع في هذه المائدة الحوارية.

في الحقيقة ليست هناك حدود فاصلة واضحة عند الكثيرين ممن يستعملون مصطلحات الاعتقال السياسي، والاعتقال التعسفي، وكذا سجين أو معتقل الرأي، أو السجين السياسي، أو المعتقل السياسي. فقد تتناوب هذه المصطلحات عند البعض للدلالة على نفس المسمى. لكن من أهل الاختصاص من يستعمل لفظة السجين للدلالة على وضع من صدر في حقه السجن بعد حكم قضائي، وينبغي التمييز بين سجناء الحق العام، والسجناء السياسيين. فالسجين السياسي من حكم عليه بالسجن بسبب انتمائه أو مواقفه السياسية. واستعمال لفظة المعتقل تبرز الحيف الذي يلحق من حرم من حريته، سواء بحكم قضائي أو بدونه، في مؤسسة سجنية معروفة، أو سرية...أما معتقل الرأي فهم من حرم من الحرية وأودع السجن بسبب آرائه وأفكاره، وإن لم يقم بممارسة أي فعل سياسي. وسواء كان الاعتقال سياسيا أم اعتقالا بسبب الآراء، مهما كانت التبريرات التي تحاول الأنظمة السياسية التغطية على هذه الأنواع من الاعتقالات، فهي مخالفة للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان. ومن هنا يتبين أن كل اعتقال سياسي، أو بسبب الآراء والأفكار يعتبر اعتقالا تعسفيا، في منظومة حقوق الإنسان، التي تعتبر حرية الرأي، والتعبير، والانتماء السياسي من الحقوق التي يجب على القوانين المحلية أن تضمنها.

* د. مصطفى حسيني:
أود التفصيل أكثر في معتقل الرأي فهو كل من اعتقل بسبب التعبير عن آرائه وأفكاره ومعتقداته، وهذا التعبير قد يكون نشر كتاب، قد يكون تصريح صحفي. و يمكن اعتبار معتقل الرأي جزء من المعتقلين السياسيين، خاصة حينما لا يشوب التعبير أو الانتماء أي عنف، فالمعتقل السياسي اعتقل بسبب انتمائه الحزبي والسياسي وبسبب أفكاره، ومعتقل الرأي اعتقل بسبب التعبير عن هذه الأفكار، والتصريح بآرائه، ففي نهاية المطاف المعتقل السياسي هو معتقل رأي. والدول المستبدة عادة ما تسعى إلى التربص بمعارضيها واعتقالهم تحت ذريعة ارتكابهم لأفعال يعاقب عليها القانون، جنائية كانت، أو مخالفات، أو جنح، بعد تلفيق التهم، محاولة منها لنفي الصبغة السياسية عن هذه الاعتقالات، لكن الحقوقيين والمهتمين يكونون على دراية بهذه الحيل التي قد تنطلي أحيانا على الرأي العام، فهؤلاء الضحايا معتقلون سياسيون، ومعتقلو رأي طالما أن التهم الملفقة، والأحكام التي تليها لا تستند على أي أساس قانوني.وخذ كمثال على ذلك معتقلي العدل والإحسان سابقا، أو ما عرف بملف طلبة وجدة.

سؤال: لكن في بعض الحالات قد ينطلق الشخص من قناعاته وانتمائه السياسي ويرتكب أفعالا مجرمة قانونيا، فهل يندرج ضمن المعتقلين السياسيين؟

جواب: د. مصطفى حسيني:
نعم، هناك من قد تدفعه قناعاته لارتكاب أفعال يجرمها القانون الجاري به العمل، كالإقدام على سرقة الأموال لتمويل الحزب مثلا، أو القيام بأعمال تخريبية أو الاغتيال السياسي، فهذه الأفعال أقيمت بدافع سياسي فهي جرائم سياسية، وفي هذه الحالات فإن الملاحظ أن الحقوقيين والمنظمات الحقوقية تحاول دائما أن تطالب بضمان الحق في المحاكمة العادلة، وتحسين ظروف العيش داخل السجن، وذلك خوفا من انتقام الدولة من الضحايا بسبب أنشطتهم ومواقفهم السياسية السابقة.

لكن هنا لا بد أن ننتبه إلى أمر جد مهم، وهو أن التمييز بين المعتقل السياسي وبين المرتكب لجرائم بدافع سياسي مرفوقة بالعنف والاعتداء أمر في غاية الصعوبة، خاصة في ظل الأنظمة الشمولية المستبدة التي تتربص بمعارضيها، وتلجأ إلى مختلف الأساليب للإيقاع بهم. فيجب أن نحذر كحقوقيين ومتتبعين من أن هذه الأنظمة المستبدة قد تلجأ إلى فبركة ملفات سياسية بتهم جنائية ملفقة، وهو ما يتطلب منا التريث في إصدار الأحكام، والتماس الموقف الصحيح عبر التتبع والدراسة الموضوعية لملفات الضحايا، وهو أمر تكرر معنا كثيرا في جماعة العدل والإحسان.

سؤال: سنرجع للحديث عن جماعة العدل والإحسان بتفصيل، لكن، قبل ذلك، لابد من التوقف عند محطات من تاريخ الاعتقال السياسي بالمغرب؟

جواب:د. محمد سلمي:
بكل تأكيد المغرب له تاريخ عريق مع الاعتقال السياسي. فقد مارسته الأنظمة الحاكمة ضد معارضيها، خاصة أثناء المراحل الانتقالية للحكم من عائلة لأخرى، أو من فرد لآخر داخل نفس العائلة، كما مارسته القبائل أثناء الحروب فيما بينها، ومارسه شيوخ هذه القبائل حتى ضد معارضيهم الداخليين، ومارسه الزعماء السياسيون، (فقد كان للباشا الكلاوي، على سبيل المثال سجن بمنطقة تلوات، يسجن فيه خصومه السياسيين)...ومارسه الاستعمار ضد الأعيان والزعماء السياسيين، والعلماء، وتواصل الاعتقال السياسي في المغرب، بأشكال فظيعة، وداخل معتقلات سرية تنعدم فيها شروط حماية الكرامة الآدمية، والسلامة البدنية والنفسية للمعتقلين. وظلت الدولة تنفي في تصريحات رسمية موثقة وجود هذه المعتقلات، إلى أن انفضح أمر تازمامارت، وأكدز، وقلعة مكونة، ودرب مولاي الشريف... وغيرها.

سؤال: هل يمكن تفصيل الشرائح التي نالها الاعتقال السياسي؟

جواب: د. مصطفى حسيني:
نعم، يمكن أن أشير أنه كان هناك دائما معتقلون سياسيون عبر التاريخ بسبب آرائهم ومواقفهم وأفكارهم، فقد ذاق مرارة الاعتقال أقطاب من الدعاة والعلماء والفقهاء، والكتاب والأدباء، والمفكرين والسياسيين وغيرهم، منهم من قضى فترات طويلة في السجون، ولكن إذا اقتصرنا على بلادنا، وتحدثنا عن تاريخ الاعتقال السياسي منذ الاستقلال الشكلي الذي عرفه المغرب، فيمكن القول بأنه قد كان هناك صراع بين القصر ومعارضيه كجيش التحرير والاتحاد الوطني للقوات الشعبية، كانت هناك تصفية للعديد من عناصر جيش التحرير، كما كانت هناك اعتقالات في صفوف مناضلي وأطر وقياديي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وقد شملت هذه الاعتقالات السياسية جميع التوجهات، وجميع الشرائح الاجتماعية، فعمت اليساري والإسلامي والأمازيغي والصحراوي والسياسي والنقابي، والصحافي والحقوقي، والأستاذ والطالب التلميذ، والعسكري وغيرهم، فكل من عارض تيار الفساد والمفسدين كان مآله الاختطاف والتعذيب والاعتقال، وغيرها من صور الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

وقد ظل الخطاب الرسمي لعقود من الزمن ينفي وجود معتقلين سياسيين بالمغرب، غير أن السلطات أجبرت تحت الضغط الداخلي، والخارجي بالأساس على الاعتراف بالاعتقال السياسي. وكانت السلطة بعد وفاة الراحل الحسن الثاني قد روجت لخطاب القطع مع ماضي الانتهاكات، والانتقال إلى عهد جديد تتصالح فيه السلطة مع القوى المعارضة، غير أن واقع العهد الجديد كذب تلك الشعارات، فعرف العهد الجديد اختطافات بالجملة عقب اعتداءات 16 ماي تلتها محاكمات شكلية أتت على الأخضر واليابس، وشابتها مجموعة من الاعتداءات الجسيمة.

ذة. هند زروق:
بداية أشكركم على إشراككم لنا في فضح زيف الشعارات والأبواق الرسمية التي تدر الرماد على عيون عامة الناس متسلحة بالتعتيم الإعلامي لتتستر على فضائحها وأخطائها الجسيمة النكراء في حق المواطنين والمواطنات.

لقد تفضل الإخوة وفصلوا في تعريف الاعتقال السياسي وأرخوا له ووضعوه في سياقه العام، والمشهد الأخير لا يخرج عن هذا السياق العام بل يزيد من توضيحه وفضحه، فإذا ملف المعتقلين، والمختطفين والمعذبين، السبعة قد فضح على رؤوس الأشهاد ما تتشدق به الآن أبواق الدولة من تجاوز مرحلة انتهاكات حقوق الإنسان وطي صفحة الماضي

فقط أريد أن أضيف أن الاعتقال السياسي والانتهاكات الجسيمة طبعت مختلف مراحل تاريخ المغرب الحديث ومست كافة أطياف المجتمع التي تخرج ولو قيد أنملة عن التوجه الرسمي والخط الأحمر الوهمي الذي رسمته الجهات المعلومة والمجهولة التي تتحكم في رقاب المغاربة عار على تاريخ المغرب ويفترض أن تكون من أحدث هاته الانتهاكات أفراد وأسر ضحايا ملفات قضية خلية بليرج وقضايا السلفية الجهادية وجمعية النصير، وبعض المتظلمين الذين لهم قضايا شخصية وفيها اعتقالات تعسفية واختطاف وتعذيب من أبشع صوره انتهاك عرض سيدة وابنها ذو العشر سنين لمدة تسعة أشهر في مراكز التعذيب السرية، وغيرها من القضايا الكثيرة.

المحور الثاني: الاعتقال السياسي، حقائق الواقع وحصيلة الشعارات

قبل أن ندشن المحور الثاني من النقاش لا بد من الإشارة إلى أننا في هذا المحور آثرنا أن تكون الشهادة ماثلة حية عن حاضر الاعتقال السياسي وعن واقع حقوق الإنسان عموما في المغرب من خلال تجربة معتقلي العدل والإحسان السبعة، التي تنقلها لنا الأخت هند زروق بتفاصيلها لقربها من الموضوع باعتبارها زوج أحد معتقلي فاس، ولاتصالها المباشر بعائلات العديد من المعتقلين الآخرين.

سؤال: نبدأ الأستاذة هند زروق بسؤال عن تقييمكم لواقع الاعتقال السياسي في المغرب انطلاقا من التجربة التي تعيشونها الآن بعد اعتقال زوجك الأستاذ عبد الله بلة؟

جواب: ذة. هند زروق:
يبدو أن الحديث عن الاعتقال السياسي أو بشكل أعم عن واقع حقوق الإنسان في المغرب أوشك أن يتجاوز القدرة على امتلاك معايير مقعدة وعقلانية لتوصيفه وتحليله وعلاجه، نظرا لانقلاب الموازين واستفحال الانتهاكات ومساسها كل أبعاد وامتدادات حقوق الإنسان عقديا وثقافيا وسياسيا واجتماعيا إلى غيره من المجالات ونظرا لتجاوز المنتهكين كل معايير الإنسانية في استباحتهم حقوق وأعراض وأجسام المغاربة أطفالا وشبابا وكهولا... ذكورا وإناثا.

نعم ما عشناه إثر حدث اختطاف أزواجنا يوم 28 يونيو 2010 خير شاهد ودليل على تعنت الأجهزة وصمها الآذان عن أي صوت حق أو صرخة ضحية متظلم. إن تلفيق ملف سياسي لمعتقلي العدل والإحسان الجدد فصل مكشوف من مسرحية التمويه والتعتيم على جماعة العدل والإحسان وفصل من فصول شَغل الرأي العام عن قضايا التغيير والإصلاح الشامل، وهو ما لا يخفى عن كل متتبع لهذا الملف، فالمختطفون السبعة هم أبرياء كل البراءة مما ألصق بهم من تهم تضحك منها وتسخر العقول الراجحة والذمم الطاهرة، وقد ساندتنا ولازالت كل المنظمات والهيآت والمنتديات الحقوقية المحلية والدولية مشكورة على كافة جهودها منذ أول يوم وأكدت على ضرورة متابعة الجناة وتحقيق العدالة. فالانتهاكات لم تمس فقط المعتقلين السبعة بل مست حقوق العائلات خاصة لحظة اقتحام البيوت الذي كان فجر يوم 28 يونيو 2010، وعرف انتهاكات جسيمة تمثل في اقتحام البيوت بدون إذن وترخيص من وكيل الملك وبلباس مدني في الرابعة والنصف صباحا بتوقيت غرينيتش (الخامسة والنصف صباحا بالتوقيت المحلي الصيفي حينها)، جل من اقتحموا البيوت السبعة كانوا مخمورين في استهتار واضح بالمهام المنوطة بمن يفترض فيهم أنهم يمثلون جهاز أمن، القفز على السطوح وكسر للأبواب بوسائل حديدية، وإشهار السلاح في وجه النساء والأطفال، استنطاق طفلة صغيرة لا تتجاوز ثلاثة سنين، العبث بتجهيزات البيوت وبالغرف، نهب أمتعة ذات قيمة علمية (حواسب، أقراص مدمجة، كتب، صور، هواتف، آلات تصوير رقمية وغيرها بل التطاول على صور العائلة وخصوصياتها ودليل أرقام هواتف الأسرة ...)، كما نسجل وندين ما تلا هذه الأحداث من انتهاكات أخرى من ضرب وترويع أمام المحكمة يوم الجلسة الأولى والثانية والخامسة (فاتح يوليوز ـ 13 يوليوز ـ 04 أكتوبر) حرمان زوجي المعتقل عبد الله بلة من حضور جنازة والده ودفنه وهذا الأمر ميسر قانونيا، وغير ذلك من الانتهاكات الكثيرة. هذا ناهيك عن الانتهاكات التي مستهم وهم في السجن.

الوضع الطبيعي لدولة وأمة تنشد الحق والكرامة صدقا لا زيفا يوجب وجود ما يحتكم إليه قانونا ومؤسسات في حال الخروقات والأخطاء للزجر والتقويم وإعادة الاعتبار. لكن بلدنا للأسف الشديد بعيد كل البعد عن هاته الميزة البديهية والمنطقية، وبالتالي يصبح المواطن متضررا ومشلول الحركة أمام من ظلمه يتجاوز شتى أصناف القوانين الوضعية وقبلها الكونية والإلهية ويخرج عن أي إطار يؤطره أو منهج يُرَشّده.

سؤال: الأستاذ السلمي، كيف تقيمون، من جانبكم، واقع الاعتقال السياسي في المغرب الآن؟

جواب: لا شك أن المغرب الآن يمر بظروف خطيرة جدا، ووضع مأساوي لحقوق الإنسان غير مسبوق. بشهادة جهات رسمية عليا أكدت ـ على سبيل المثال ـ وجود تجاوزات في حق من سماهم الإعلام بمعتقلي السلفية الجهادية، يقتضي أن تسرع الجهات المسؤولة عن هذه التجاوزات بالإفراج عنهم، لكنهم لحد الآن وراء القضبان....السقف الحقوقي في المغرب محدود للغاية، ويوشك أن ينهار. فحتى الجمعيات الحقوقية تتلقى بين الفينة والأخرى رسائل مشفرة، وملف جماعة العدل والإحسان من الخطوط الحمراء المرسومة أمام الإعلام، وأمام كل الفاعلين. وقد تحدت هذا الخط بعض الجمعيات الحقوقية المغربية بشجاعة وموقف تسجل لها، لكن حجم معاناة أعضاء الجماعة وما يتعرضون له يوميا في سياق سياسة ممنهجة، يجعل الشعب المغربي قاطبة أمام مسؤولية جسيمة.

سؤال: لكن البعض يقول بأن المغرب قطع مع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان خاصة بعد تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة؟

جواب:د. مصطفى حسيني:
﴿ قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين﴾ ، الواقع ينطق بالمأساة، وضحايا الاختطاف والاعتقال التعسفي في تزايد، بل يمكن القول بأن المغرب في ترد مستمر على مستوى حقوق الإنسان بل على جميع المستويات. وقد شهد على ذلك حتى المشاركين في الحكومة، حيث صرح عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عبد الهادي خيرات بأن "الدولة المغربية تتجه نحو الفاشية، خاصة في ظل غياب ظروف وشروط بناء دولة المؤسسات، وفقدان الأحزاب السياسية لمصداقيتها، وفي ظل وجود برلمان عاجز، وانعدام الأخلاق السياسية" . أشرت سابقا إلى الاستبداد، وهو رديف الاستعباد، لا يمكن لاستبداد يستعبد شعبا أن يسمح له بالاستمتاع بحقوقه وحريته، فالظلم يشمل جميع المجالات ويشمل جميع الطوائف السياسية سواء تعلق الأمر بالإسلاميين أو اليساريين أو الصحراويين أو الأمازيغيين، فكل من أراد أن يقول لا وأن يعبر عن إنسانيته وكرامته ويعلن عن مواقفه الحرة النزيهة يُقاوم ويعتقل ويعذب.
استدراك:... هناك تقارير دولية وعربية تقول إن المغرب يعيش تجربة رائدة في مجال حقوق الإنسان ويعرف مرحلة انتقالية وعدالة انتقالية؟

جواب: د. مصطفى حسيني:
لقد سعت الدولة منذ أمد بعيد إلى تلميع صورتها لدى المنتظم الدولي، محاولة منها لتسويق الوهم وتغليط الرأي العام، مدعية أنها وضعت حدا لماضي الانتهاكات، معلنة أنها ملتزمة بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تصادق عليها في مجال حقوق الإنسان، فلا غرابة أن يشير الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره المقدم لمجلس الأمن عام 2004 حول "سيادة القانون والعدالة الانتقالية في مجتمعات الصراع ومجتمعات ما بعد الصراع"، إلى أن التجربة المغربية في المصالحة هي ضمن التجارب الخمس الأولى من بين ما يزيد عن 30 تجربة. فبالرغم من كل الشعارات التي ترددها الدولة، والتظاهرات المنظمة لأجل إقناع الرأي العام الدولي بتحسن أوضاع حقوق الإنسان في البلاد، فإن الواقع يشهد بخلاف ذلك، وباستمرار ماضي الانتهاكات الجسيمة.

وهذا يتطلب من الحقوقيين والغيورين والشرفاء العمل في صف واحد لفضح هذه الانتهاكات المستمرة.

سؤال: يبدو أن الحديث يجرنا للوقوف عند تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة باعتبارها أحد أهم الواجهات التي يتبجح بها النظام المغربي في حديثه عن حقوق الإنسان، ما هو تقييمكم للتجربة؟

جواب:ذة. هند زروق:
هيئة الإنصاف والمصالحة وما تقوم به من محاولات تلميع صورة المغرب خصوصا وقد شرف أمر تقديم التقرير السنوي للأمم المتحدة في نونبر لا يلغي ولا ينسخ ما ارتكبته أجهزة الدولة والأمن الرعب في حق المغاربة ولا يعفيهم من جرمهم وضرورة متابعتهم، لقد تم تنظيم مسيرة 31 أكتوبر 2010 للتأكيد على ضرورة تفعيل بنود الاتفاقيات والمعاهدات التي وقع عليها المغرب لمناهضة التعذيب والاختطاف وكافة أشكال الانتهاكات.فكل كل من يتتبع حال المغرب في عمومه ويتأمل ويدرس وضعه السياسي والحقوقي سيدرك تمام الإدراك ما يعيشه الناس من تضييق وتحجير على كافة مستويات وأشكال حرياتهم وحقوقهم، سواء منها البسيطة التي تكفل حق الحياة، أو المعقدة التي ترقى بصاحبها إلى مستوى المواطن الواعي الراقي الطموح إلى تحسين وضعه فردا والإسهام في تحسين وضع مجتمعه الصغير والكبير.

سؤال: هل توافقان الأستاذة زروق الرأي؟

جواب: د. مصطفى حسيني:
كما نعلم أن هيئة الإنصاف والمصالحة تأسست في نونبر 2003، وقدمت تقريرها في نونبر 2005. وهي بمثابة لجنة وظيفية للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، والمهمة التي أنيطت بها هي الكشف عن الحقيقة المتعلقة بكل الانتهاكات الجسيمة التي عاشتها البلاد منذ الاستقلال إلى صيف 1999، بهدف تسوية ماضي الانتهاكات، والتأسيس لمرحلة جديدة. ولعدم تكرار ما جرى قدمت الهيئة توصيات في مجال احترام حقوق الإنسان، وجبر الضرر الفردي والجماعي، وإنصاف الضحايا، وبناء الديمقراطية، و دولة الحق والقانون والمؤسسات، وما إلى ذلك من شعارات. وارتكزت مقاربة الهيئة من أجل طي صفحة الماضي على أربعة أسس، منها حق الضحية في التعويض الذي جعلته بمثابة إقرار الدولة بمسؤوليتها عن تجاوزاتها المتعلقة بحقوق الإنسان، ومدخل أساسي للقيام بإصلاحات تمنع تكرار نفس المآسي الماضية، ومراعاة مسألة التضامن المجتمعي لأجل تمويل مسلسل التعويض وجبر الأضرار. وتشمل الانتهاكات موضوع اختصاص الهيئة الاختفاء القسري، وهو اختطاف شخص واحتجازه في مكان سري على أيدي ممثلي السلطة، والاعتقال التعسفي، وهو كل اعتقال مخالف للقانون بسبب ممارسة نشاط سياسي أو نقابي أو جمعوي.

كل هذه الشعارات والمطالب مهمة، لكن مشكل هيئة الإنصاف والمصالحة هو أنها وُلدت ولادة غير طبيعية، جاءت لتخدم مشروع المخزن أكثر من مصلحة المتضررين والضحايا، مع احترامنا لبعض الشرفاء الذين انخرطوا في هذا المسلسل عن حسن نية. فأهم ما جاءت به هذه الهيئة هو مجموعة من التوصيات والمطالب يمكن اختصارها في هدف واحد، هو تسوية ماضي الانتهاكات، وضمان عدم تكرار ما جرى. فهل تم بالفعل تسوية جميع ملفات الماضي الأليم؟ لم يتم الكشف عن حقيقة كل الضحايا كالمهدي بنبركة، وعبد الحق الرويسي وغيرهم كثير، ولم تعتذر الدولة عما ارتكبته من جرائم، ولم تحاسب موظفيها المعتدين.

وهو ما دفع منظمات حقوقية إلى المطالبة بتنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، وبالأخص اعتذار الدولة رسميا وعلنيا، وإصلاح القضاء بما يضمن استقلاليته، وتعديل الدستور واستكمال جبر الضرر الفردي والجماعي، والإدماج الاجتماعي لضحايا الانتهاكات، وغيرها من المطالب المشروعة.

والهيئة للأسف تعثرت منذ بدايتها، فهي لم تتصل بالعديد من الضحايا الإسلاميين، ولا بممثليهم، لأنها ببساطة هيئة تفتقد للاستقلالية، واشتغلت في ضوء تعليمات مخزنية غير راضية عن هؤلاء الضحايا، فكيف يمكن للهيئة أن تعزز مسار المصالحة الوطنية بإشراك كافة مكونات المجتمع السياسية والمدنية لبناء دولة القانون والمؤسسات كما أعلنت على ذلك بينما الدولة غير راضية على بعض هذه المكونات، وتشن عليها حربا شرسة. بل حتى في الفترة التي انتدبت فيها هيئة الإنصاف والمصالحة لدراسة ملفات المتضررين كانت تنتهك حرمات الناس ويعتقلون ويختطفون. فهل تؤسس من جديد هيئة أخرى للإنصاف والمصالحة خاصة بالإسلاميين، وهيئة أخرى خاصة بالأمازيغيين والصحراويين وغيرهم من فئات الشعب للنظر في ملفات الانتهاكات التي واكبت وأعقبت عمل الهيئة مثل ملفات معتقلي العدل والإحسان وغيرها؟

هيئة الإنصاف والمصالحة حاولت أن تجعل المسؤولية مشتركة بين الجلاد والضحية وهذا أمر خطير للغاية، الذين اعتدوا وانتهكوا حرمة الإنسان وعرض الإنسان المغربي في سنوات الرصاص يتقلدون الآن مناصب سامية، فكيف يعقل أن يعوض الضحية بأموال الشعب، بينما يكرم الجلاد بالتوظيف في المناصب السامية والترقيات وغيرها؟ كيف يمكن أن نبرر ونعذر الدولة عما ارتكبته من انتهاكات، ونقول إن هذا التعويض هو بمثابة إقرار الدولة بمسؤولياتها عن الانتهاكات التي ارتكبتها في مجال حقوق الإنسان؟

هيئة الإنصاف أوصت بجبر الضرر الفردي والجماعي، فأعلنت عن مشاريع عادية لا ترقى إلى مستوى الجرائم التي ارتكبتها الدولة في المناطق المتضررة وأهلها، مشاريع هي من واجب الدولة أصلا. ثم أخطر شيء وهو عدم المساءلة ومتابعة المعتدين، بل اعتبر التعويض الذي قدم للضحايا بمثابة اعتذار رسمي من الدولة.

هل توقف ما جرى سابقا؟ فسنوات الرصاص ما زالت مستمرة، ومازال الاختطاف، وزوار الليل عادوا إلى مهمتهم السابقة، إذن فليس هناك تغيير من الناحية الواقعية.

فالأمر فيه مغالطة ويجب أن يصحح، فالواقع الذي نعيشه يوميا والمختطفون السبعة من العدل والإحسان الموجودون في السجن بفاس بدون وجه حق، والمعتقلون السياسيون الستة وغيرهم خير شاهد على الخلل الذي واكب الهيئة منذ ولادتها، وزيف الشعارات المخزنية التي يراد بها تزيين الواجهة.

د. محمد السالمي:
هذه شعارات لا يصدقها حتى الذين يتقاضون الأجور للترويج لها. أما العالم فليس غبيا.بل من الغباء تبذير أموال الشعب في الترويج لهذه السخافات، عوض إنفاقها في معالجة المشاكل الحقيقية للمغاربة. مشاكل الجوع والفقر، وانعدام السكن، والتعليم، والتغطية الصحية، والشغل، والأمن، والحق في العبادة (يطرد الناس من المساجد، ويمنعون من الاعتكاف فيها، وإذا ما اعتكفوا في بيوتهم، اقتحمت عليهم بتهمة التجمعات غير المرخص لها) ينبغي أن يسجل هذا للتاريخ، فإن المسلمين منذ بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام لم يعيشوا لحظة أسوأ من هذه في تدينهم. كان كفار قريش يمنعون أبا بكر رضي الله عنه من قراءة القرآن جهرا في منتدياتهم مخافة أن يستقطب أبنائهم ونسائهم، وكانوا يتهمونه بالانتماء لجماعة محظورة. لكن لم يسبق لمليشياتهم أن اقتحمت عليه بيته، أو منعته من العبادة...

سؤال: إلى أي حد تتفقون مع الانتقادات التي توجهها المنظمات الحقوقية لحصيلة مسلسل الإنصاف والمصالحة؟

جواب: د. محمد السالمي:
هذه المنظمات تنتقد لأنها تلاحظ وترصد تكرار ما جرى بالأمس (وبعضها يصله نصيبه من الانتهاكات والمضايقات)، أما نحن فنعيش ذلك يوميا. فواقع جماعة العدل والإحسان يضفي المصداقية على مواقف هذه الجمعيات. التعذيب متواصل في المغرب، والجلادون في مأمن وحماية...

عندما ستخرج للملأ مذكرات العدل والإحسان، والسلفية الجهادية، والمعتقلين الستة، وطلبة وجدة، والمختطفين السبعة بفاس... سيعلم العالم أن الجمر والرصاص الذي عرفه المغاربة بالأمس، قد اشتعل الآن وبتقنيات متطورة وخطيرة. بالطبع فمعاناة الأطفال والعائلات تتجاوز الوصف، وبها تزداد معاناة المعتقل نفسه. إن الدولة تصنع بهذا أجيالا من الحاقدين على الجناة، ومن يزرع الريح لن يحصد غير العاصفة.

استدراك:تقرير الهيئة يغطي الفترة من 56/99 ليس إلا؟

جواب:د. محمد السالمي:
نعم، وكأن الجهات التي حددت الفترة زمنيا، تقول ضمنيا: "ما بعد هذا التاريخ فمرجأ لجل غير مسمى". لو توقف الداء بالفعل، لقلنا لا بأس، لكن الاستمرار تدل على الغباء، وأقوال العقلاء وأفعالهم ينبغي أن تكون منزهة عن العبث.

سؤال: هل يمكن القول إن دار لقمان ظلت على حالها وأن لاشيء تغير رغم التحولات السياسية التي عرفها المغرب منذ التسعينات انطلاقا من العفو الشامل الذي استُثنِيتم منه؟

جواب: د. محمد السالمي:
اعتبار العفو الملكي، وما بعد سنة 1998، بداية مرحلة جديدة ففيه رأيان. رأي الدولة و"براحيها" "المستفيدين" ماديا من الوضع، القائلين بأن العفو قد جب ما قبله، وأن صفحة الماضي المخجل والمخزي قد طويت، وأن المغاربة أصبحوا ينعمون بحقوق الإنسان، وهو كذب وزور، واجترار لفقدان المصداقية. والرأي الثاني ينطلق من مبدإ التركيز على صنف محدد من الضحايا، موازاة مع موجة الإسلاموفوبيا الدولية. فهناك تواطؤ دولي، وضمانات شبه معلنة للتغاضي عن الانتهاكات إذا كان الضحايا من الإسلاميين، وبصفة أخص من الحركات السلفية. كما أن بعض الفاعلين انساقوا مع الاتجاه الرسمي للدولة بدافع الحسابات السياسية والإيديولوجية التي لا زالت تمنع البعض من امتلاك مؤهلات ومواصفات المدافع عن حقوق الإنسان بصرف النظر عن اختياراته ومواقفه وآرائه.

سؤال:ألا يتمتع المعتقل السياسي بحقوقه؟ أثناء وبعد الاعتقال في المغرب؟

جواب: د. محمد السالمي: في بلاد أخرى ربما.

سؤال: ما هي الحقوق التي يُحرم منها المعتقلون؟

جواب: ذة. هند زروق:
أول الحقوق هو الحق في التطبيب والعلاج، والأمر أكبر من مجرد الحاجة إلى التطبيب والعلاج العادي، ذلك أن مضاعفات التعذيب الذي تعرض له المعتقلون تستلزم رعاية طبية خاصة ودقيقة. وقد عاين وكيل الملك هذه الآثار وأمر بإجراء الخبرة الطبية التي تمت المماطلة فيها عشرة أيام حتى تختفي آثار التعذيب التي عاينتها عائلات المعتقلين بعد ثلاثة أيام من اختطافهم، رغم ما حاولته الفرقة الوطنية من استعمال المراهم لإزالة علامات جريمتهم على أجساد المعتقلين. ولو تمت الخبرة الطبية في وقتها وعلى أصولها كما يقتضي الأمر لظهر من آثار التعذيب على أجساد المعتقلين السبعة ما يندى له الجبين وبالرغم من التماطل فإن تقرير الخبرة الطبية أقر بالتعرض للتعذيب. بعدها لم يخضع المعتقلون للمتابعة الطبية المتخصصة إلا بعد قرابة شهرين من الاعتقال بعد إلحاح طويل من المعتقلين المتضررين والضغط من المنظمات والهيآت الحقوقية الوطنية والدولية والمراسلات المتكررة للمسئولين في وزارة العدل ومديرية السجون وغيرها. وفي أواخر شهر شتنبر وغضون شهر أكتوبر توالت المراسلات من المعتقلين لوكيل الملك من أجل الحصول على أبسط حق هو استئناف زيارة أطباء مختصين لكن دون جدوى إلا بعد شهر من الإلحاح وهل تنتظر السلامة والصحة كل هذا لتشبع رعونة وكبر المسئولين ؟؟؟. والآن كل الإخوة يعانون من مشاكل في السمع والبصر وغيرها من الآلام والمضاعفات بسبب آثار التعذيب الذي تعرضوا له.

لهذا فإننا نحمل من هذا المنبر وغيره المسئولين المتماطلين مسئولية تدهور المعتقلين الصحي وما يترتب عنه.

كما يعاني المعتقلون من حرمانهم من حقهم في مواكبة الإعلام والمستجدات فيما يخص قضيتهم ومتابعة عمل المنظمات الحقوقية، ومن حرمانهم من متابعة تكوينهم الدراسي، كحرمان الأستاذ طارق مهلة من اجتياز الامتحانات في نهاية السنة واستكمال المعادلة بالنسبة للدكتور بوعلي لمنور.

ونسجل التشويش على العائلات والأطفال عند الزيارة بالتفتيش بشكل يتنافى وكرامة الإنسان، ونسجل ما نتعرض له من المراقبة والتجسس والتتبع الدائم أمام بيوتنا وفي تحركاتنا والتضييق علينا وعلى بعضنا في أماكن عمله وعلى أرزاقنا.

سؤال: هل كان للتعذيب مضاعفات على المعتقلين؟

جواب: ذة. هند زروق:
لحد الآن هناك مضاعفات خصوصا على مستوى السمع والبصر اللذين أصيبا باختلالات لدى كل المعتقلين بدون استثناء، وما خفي كان أعظم. فنحن لحد الآن لم نعرف مضاعفات التعذيب على مستوى المخ والأوعية الدموية... فأن تتعرض شبكية العين لثقبين بعد التعذيب أمر واضح الدلالة، وهشام الهواري الذي فقد القدرة على السمع بإحدى أذنيه مع الآلام المتكررة ومضاعفات الأدوية المضادة للتعفن، والحالة خطيرة لدى الدكتور محمد السليماني الذي يعاني بصفة دائمة من التنمل بسبب تختر الدم، ومن النوبات المتكررة، يحتاج بعض المعتقلين لإجراء عمليات علاجية أو جراحية عاجلة.

سؤال:ألا تتعرضون لمضايقات عند زيارة المعتقلين؟

جواب: ذة. هند زروق:
الزيارة متعسرة جدا، فهي محدودة عددا وصفات الزائرين يتم التضييق عليها محصورة على الفروع والأصول والأزواج، بعكس باقي السجناء. ومع الإجراءات المعقدة إن حسبت معادلة إجراءات الإدارة وإخبار وجلب المعتقلين ما بين التاسعة والعاشرة صباحا ثم ضرورة الخروج قبل الحادية عشر والنصف تجد الزيارة لا تتجاوز ساعة واحدة أو ساعة ونصف في أحسن الأحوال. وقد انتزعنا بشق الأنفس زيارة بعض الأطفال بعد عصر الأربعاء بحكم ظروف دراستهم.

سؤال: ما هي الآثار الاجتماعية والنفسية للاعتقال على العائلات؟

جواب:ذة. هند زروق:
ذكرت آنفا كافة الآثار ضمن التضييقات والآثار عقب الاقتحام ومجريات الجلسات والزيارات ومن جملة الآثار الحرمان من وجود الأب في محطات حساسة وأساسية فقد مرت مواسم مهمة مثل العطلة الصيفية التي تعود فيها الأطفال السفر والاستجمام مع الأسرة، و الدخول المدرسي، و مواسم الخير: شهر رمضان وعيد الفطر وعيد الأضحى الذي هو على الأبواب.

كما أن المرحلة العمرية والوظيفة التربوية للمعتقلين ولأسرهم وأزواجهم تتسم بالدقة مما يتطلب وجودهم ومتابعتهم اليومية لتربية فلذات أكبادهم والقيام على شؤونهم. فمن المعتقلين من كان مقبلا على الاستقرار الأسري، ومنهم من هو حديث عهد به، ومنهم حديث عهد بالأبوة ومتطلباتها كحال الأستاذ هشام الصباح الذي رزق مولودة وهو في الاعتقال، والأستاذ هشام الهواري والأستاذ طارق مهلة لهما طفلتان صغيرتان جدا تحتاجان الحضن الأبوي، ومنهم من يمر أولاده بمرحلة المراهقة الحرجة، ومن الأبناء من استقل في حياة أسرية واضطر للسفر من الخارج للاطمئنان والمواساة رغم ظروف الحمل مثل ابنة الدكتور محمد السليماني بل تعرضت للضرب والنزيف إثره يوم 04 أكتوبر 2010.

سؤال: غياب رب الأسرة امتحان عسير إلى أي مدى نجحتم فيه؟

جواب: ذة. هند زروق:
لقد كانت هذه المحنة دافعا للمزيد من ترشيد المسؤوليات في غياب رب الأسرة، ولكن نجاحنا في هذه المسؤولية لا يعني أننا لا نعاني من آثار وأعراض هذا الاعتقال التعسفي الاجتماعية والنفسية، وإرباك جو الأسرة بتغييب عمودها الفقري ظلما وعدوانا ونحن نعتبر هذا في حد ذاته انتهاكا وجريمة تستحق المتابعة. معنوياتنا ومعنويات المعتقلين عالية جدا، فرغم المحنة لا يستطيع أحد أن ينتزع اليقين في الله تعالى من قلوبنا والابتسامة من مُحَيَّانَا. وزياراتنا للإخوة المعتقلين تظللها حرارة العواطف الإيجابية. وقد كانت هذه الأحداث فرصة لكشف الكثير من حقائق منها هذه الانتهاكات في حق الأبرياء من أبناء هذا البلد. ولهذا لن نستنكف عن المطالبة بحقوقنا بالإفراج عن المعتقلين ورد الاعتبار لهم ولعائلاتهم وكل المتضررين.
المحور الثالث: الاعتقال السياسي، حديث في المستقبل

سؤال: أي حديث عن المستقبل يقتضي الحديث عن الحاضر والماضي وتحديد المسؤوليات بشكل واضح وجدي؛ الاعتقال السياسي في المغرب مسؤولية من؟

جواب:د. محمد السلمي:
مسؤولية الدولة، وأجهزتها، ويسأل عنه الآمر بالاعتقال، والقاضي الذي أصدر الحكم، وكل من شارك من قريب أو بعيد في العملية... فهي جريمة منظمة، ويتحمل كل مشارك ضمن الشبكة المتورطة فيها نصيبه من المسؤولية.

سؤال: في هذا الصدد، ما هي الضمانات المناسبة لإصلاح وضعية حقوق الإنسان؟

جواب: د. مصطفى حسيني:
الضمانات هي الإرادة السياسية الصادقة والإصلاح السياسي الحقيقي، والقضاء المستقل الذي لا يخضع للتعليمات العليا، وفتح تحقيق في أي تجاوز يحصل ومعاقبة المتورطين فيه، وتقييد الجهاز القضائي والأمني بالضوابط القانونية، والعمل على توفير شروط المحاكمة العادلة، واتحاد مناضلي حقوق الإنسان من خلال خوض أشكال لمساندة ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان بغض النظر عن مشاربهم وانتماءاتهم السياسية، وفضح الأساليب القمعية التي تنتهجها الدولة.

سؤال:ألا ترون أن هذه الضمانات متوفرة الآن؟

جواب:د. محمد السلمي:
الأمر يحتاج إلى إرادة سياسية، وهي منعدمة في الظروف الحالية. ولاشك أن وراء انعدامها، وكذا وراء الأخطاء التي تحسب على المغرب في المجال الدبلوماسي، والسياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والأمني، وفي تدبير كثير من القضايا والملفات الشائكة غموضا يستدعي طرح سؤال مشروع: أهي أخطاء غير مقصودة؟ أم أن في دواليب صنع القرار من يعمل ضد بلده؟

سؤال: هل المدخل السياسي ضروري للإصلاح الحقوقي في المغرب؟

جواب: د. مصطفى حسيني:
بطبيعة الحال لا يمكن أن يكون هناك إصلاح سواء في القضاء أو الجهاز الأمني أو غيره بدون إصلاح سياسي، ولا بد من إرادة حقيقية للتغيير والتي بدونها لن يتغير الواقع أبدا ولسوف يستمر في التردي والتراجع.

سؤال: هل يمكن القول إن المشكل في التشريعات أن في تطبيق هذه التشريعات؟

جواب:د. مصطفى حسيني:
في نهاية المطاف المشكل ليس في القوانين، أو اللجان، فهيئة الإنصاف والمصالحة هي منتوج مخزني وخدعة سياسية، لماذا؟ لأنه لا يمكن لمنتوج مخزني أن يشتغل إلا في ضوء ما سطره المخزن، فحين أعلنت هيئة الإنصاف والمصالحة عن انتهاء أشغالها وجدت نفسها محاطة بملفات وانتهاكات جديدة حدثت في فترة انتدابها، فالهيئة كانت معتكفة على دراسة الملفات المرتبطة بالانتهاكات الجسيمة للسنوات الفارطة، بينما كانت السلطة في نفس الآن معتكفة على إنجاز نفس انتهاكات الماضي، فكيف سنصدق الهيئة ونثق بهدفها الأساسي المبني على ضمان عدم تكرار ما جرى. كما أن ملفات ضحايا العدل والإحسان لم يشر إليها قط، فقد قضى المرشد العام للجماعة حفظه الله ثلاث سنوات ونصف دون محاكمة، وقضى سيدي محمد العلوي رحمه الله رفقة سيدي الملاخ شفاه الله ستة أشهر في درب مولا شريف، وغيرها من الاختطافات والاعتقالات ذات الطابع التعسفي، ولم تلتفت الهيئة إلى ملف طلبة العدل والإحسان المحكومين بعشرين سنة سجنا نافذا دون سند قانوني، القابعين حينئذ وراء القضبان على الأقل لأجل التواصل مع الضحايا أو ممثليهم، كما أعلنت على ذلك في نظامها الأساسي. وكل هذه الملفات تنتمي للفترة الممتدة بين 1956 و1999 التي تولت الهيئة دراستها والتحقق من الانتهاكات التي ارتكبت خلالها.

سؤال: ألا تكفي مصادقة المغرب على العديد من المواثيق الدولية والاتفاقيات في مجال حقوق الإنسان كضمانة؟

جواب: د. مصطفى حسيني:
إذا تتبعنا القوانين المغربية وحتى الدستور فالمغرب صادق على مواثيق دولية ووقع على اتفاقيات، وقوانين البلاد تنص على احترام هذه المواثيق والالتزام بها، لكن النظام السياسي ضرب بقوانينه ودستوره عرض الحائط ولا يبالي. فالمشكل ليس في القانون كما قلنا بل المشكل في الإرادة السياسية، إذا أردنا أن يكون هناك تغيير لا بد من إرادة سياسية حقيقية تهدف إلى القطيعة مع ماضي الانتهاكات ولا بد من إشراك الجميع وفتح المجال للجميع، هذه هي البوابة والمفتاح للتغيير، أما ما عدا هذا فباستمرار الاستبداد واحتكار السلطة ولغة التعليمات وتجاوز كل القوانين لا يمكن أن تكون تلك الخطوات والتحركات إلا ديكورا وتزيينا للواجهة ومساهمة في الاستبداد في حد ذاته، فإما أن يكون هناك تغييرا حقيقيا وإرادة سياسية للتغيير وإما أن يستمر الأمر على ما هو عليه، بل قد يكون الأمر أخطر من ذلك بحيث يستمر الأمر ويُسوَّق لظاهر مخالف وتُزَيّن الواجهة.

إذا أردنا أن يكون هناك تغيير وإصلاح وبناء المستقبل لا من إيجاد مناخ يسوده العدل وتسوده الثقة وحسن النية. أما في ظل استمرار التعليمات والخطوط الحمراء فلا يمكن أن يكون هناك إصلاح ولا إنصاف ولا مصالحة.

سؤال: يرى البعض أن الاعتقال السياسي في تاريخ المغرب كانت له على الدوام مبرراته وأسبابه؟

جواب: د. محمد السالمي:
لا شيء يمكن أن يبرر الاعتقال السياسي. فهو عنوان لعجز الدولة عن الوفاء بالتزاماتها مع المنتظم الدولي، ومع قوانينها، ومواطنيها. والاستبداد يختار الحل الأسهل، بالقضاء على النخب وإسكاتها بالاعتقالات والانتهاكات..، ومن خلالها يرهب الجماهير، لتحافظ الفئة المستبدة على امتيازاتها، على حساب بؤس البؤساء، وقهر المقهورين. "إذا لن تُقنِع (بضم التاء وكسر النون)، فاقمع" هذا شعار الاستبداد، فالحوار والمناظرة سيفضيان، لا محالة، إلا زوال الاستبداد. ولكي لا يزول، فهو بالقمع يصول ويجول.

سؤال: ألا يكفي إدماج المعتقلين السابقين وتعويض البعض كحسن نية على الرغبة في طي الملف؟

جواب: د. محمد السالمي:
هذه أمور موجودة في الدول التي ترغب في بناء الإنسان، وإعادة تربية وإدماج المجرمين. ونحن في بلادنا نقتبس منها الأسماء والمصلحات للتسويق في الإعلام الذي نحاربه بدوره، ونريده أن يزيد في "التغطية" كلما ازداد الوضع قتامة. الهواة يتخرجون من سجوننا محترفين مدمنين. أما المعتقلون السياسيون فنخبة متنورة على العموم... ولدينا نموذج المعتقلين الإثني عشر من طلبة وجدة، الحاملين للدكتواه والشهادات العليا، وقد مضت على خروجهم من السجن الآن سنة كاملة، فأين الإدماج؟ أين الشعارات؟ ثم إن هناك أضرار لا تجبر، وتعويضها ليس في هذه الدار. وحتى التعويضات التي منحت للبعض وكانت هزيلة (ليس للكل)، وبأي حق تؤخذ من أموال الشعب؟ إنه موضوع كبير جدا، وما ينبغي أن يقال عنه كثير.

سؤال: كيف تنظرون إلى موقف النخب؟ ألا تقوم بدورها اللازم من أجل ترسيخ قيم حقوق الإنسان؟

جواب: د. مصطفى حسيني:
طرف من النخبة استُعْبِدَ ويلزم أن يتحرر من قبضة السلطة التي تتحكم في بعض المثقفين والمفكرين والإعلاميين من خلال توريطها في مشاكل أخلاقية ومالية وما شابه ذلك، لتصبح أداة طيعة لتزيين واجهة النظام والتغطية على جرائمه في حق الإنسان... فالدولة لا تخرق الحقوق لوحدها، بل هي مدعمة بأقلام مرتزقة وأبواق وصحف ومثقفين وغيرهم يتواطؤون معها على هذه الجريمة. وفي المقابل هناك شرفاء وأفاضل يقاومون تيار الفساد والإفساد بشتى الوسائل، منهم حقوقيون ومنظمات حقوقية، ومفكرون، وكتاب، وسياسيون، وغيرهم. وأنا متفائل بمستقبل بلادنا وأمتنا طالما لا يزال هناك رجال ونساء من مختلف المشارب والانتماءات يتألمون لما نزل بالبلاد والعباد من مصائب، ينبغي أن نتحمل جميعا مسؤولياتنا التاريخية، ونعمل للتحرر من الاستبداد الذي جعلنا أمة أسيرة مستعبدة، دون حقوق ولا حرية ولا كرامة. فالنضال ضد الاستبداد هو نضال ضد الاستعباد، والأمة التي لا تشعر كلها أو أكثرها بآلام الاستبداد فهي كما قال عبد الرحمان الكواكبي أمة لا تستحق الحرية. وقد عبر هنا عن قاعدة مهمة من قواعد التغيير،والمجسدة في قوله تعالى: ﴿ إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم﴾ صدق الله العظيم.


عن موقع الجماعة: الثلاثاء 23 نونبر 2010
--------------------------------------------------------
[1] لا بد من التنويه أنه من الصعب حقا الحديث عن الاعتقال السياسي بمعزل عن باقي الانتهاكات الجسيمة الأخرى لحقوق الإنسان كالتعذيب والاختطاف والاختفاء القسري والنفي لأن هذه الانتهاكات قلما تفترق واقعيا.