مشاهدة النسخة كاملة : غلام: لا نريد خطابا تاريخيا وإنما فعلا تاريخيا



arme
18-03-2011, 01:05
غلام: لا نريد خطابا تاريخيا وإنما فعلا تاريخيا

حاوره: نور الدين لشهب

قال الفنان المغربي رشيد غلام أنه بصدد استشارة محام في الاتحاد الأوروبي لرفع قضية منعه من الغناء في المغرب أمام المحافل الدولية، موضحا أن الجمعيات الحقوقية المغربية لم تقدم لقضيته أي دعم أو متابعة.

وكشف غلام في حوار مطول مع "هسبريس" أنه ابتعد عن طريق الفن، لكن الشيخ عبد السلام ياسين أشار عليه بالاستمرار في الغناء، بسبب موهبته الصوتية التي اعتبرها الشيخ ياسين هبة من الله، وغناءه جهادا، سماه مرشد جماعة العدل والإحسان "جهاد النغمة".

وأوضح غلام في الحوار ذاته أنه يساند مطالب حركة 20 فبراير إلى أعلى سقف، مُشيرا إلى مساندته للحركة قبل انطلاقتها ودعمه المستمر لها.

وفي تعليقه على الخطاب الملكي ليوم 9 مارس الجاري، قال غلام أن الشعب المغرب لا يريد خطابا تاريخيا وإنما فعلا تاريخيا يسجّل فيه أن الملك كان من أدوات التغيير وليس من عوائق التغيير.

هذا وكشف غلام لأول مرة أنه رفض شيكا من جهات وصفها بأطراف من النظام، حاولت إغرائه بمبلغ مالي ذكره في الحوار مقابل تخليه عن الانتماء إلى جماعة العدل والإحسان.

ووعدت ذات الجهات المنشد المغربي الممنوع بفتح أبواب الإعلام والمهرجانات أمامه...وأشياء أخرى تكتشفونها عبر الحوار التالي:

مرحبا بالفنان رشيد غلام في حوار مع هسبريس.

بسم الله الرحمن الرحيم، أشكر موقع هسبريس على هذه الاستضافة الكريمة، كما أشكرك أنت شخصيا على مقالك "جون أم غلام" الذي ذكرت فيه مهرجان "موازين".

أشكر مرة أخرى "هسبريس" على الاستضافة، وأبارك لها نجاحها ومتابعتها الحيوية للمتغيرات المغربية والإقليمية وأبارك لها أيضا نزاهتها ونقلها الصريح للوقائع والأحداث كما تقع في الشارع المغربي.

ما هو جديد رشيد غلام على الصعيد الفني؟

بالنسبة لمشاريعي أو الجديد على مستوى الإنتاج، فأنا في طور انجاز عمل ألبوم في اسطنبول في تركيا في اللمسات الأخيرة للإنجاز، كانت لي سهرات في بعض الدول الأوربية، ولا زالت هناك سهرات أخرى في أوربا، آخرها كان في باريس في لا سيكال وسهرة أيضا في بروكسيل في لوبوزار، وكانت ناجحتين كعادة سهراتنا والحمد لله، ويعقبها إن شاء الله سهرات في بعض العواصم الأوربية وأيضا بعض العواصم الشرقية، اقصد اسطنبول بالأساس وفي بعض الدول المجاورة، هذا آخر أعمالي.

أما على الصعيد الوطني، فأنت تعرف كما يعرف الجميع أني لا زلت في طوق الحصار المخزني المضروب علي منذ سنة 2000 الذي يمنع عني التحرك والتعبير والنشاط ويمنع عني الأنفاس أيضا، وهذا هو الوضع، هذا هو جديد رشيد غلام.

ما السبب الحقيقي لمنعك من التواصل مع الجمهور؟

السبب بكل وضوح، سبب سياسي، والمخزن لا يترجم ذلك تصريحا، ولا يحب أن يتحدث عن ذلك، ولم أقابل أحدا منهم يمتلك الشجاعة والقوة ليقول لك بشكل رسمي إنك ممنوع لانتمائك للعدل والإحسان أو لمواقفك الفكرية والثقافية والسياسية..

سبب منعك، هل بسبب انتمائك السياسي كما ذكرت أم أغانيك التي تحمل مواقف سياسية؟

هو منع سياسي محض، لأن الأغاني التي أمارسها ويتفرج عليها الجميع عبر شبكة الانترنيت لا تحتوي على أي خطاب سياسي، أنا دائما أقول هذه الكلام وأعيده: إن الفن أكبر من السياسة، لأن السياسة متغيرات ترتبط بوقائع متحركة، والفن مرتبط بالسيرورة التاريخية بعلاقة الإنسان بالله وبوجوده، وبعلاقته بمعاني الإنسانية العظيمة: الحب والسلام والسعادة والفرح والوجود الإنساني بشكل عام. أما السياسة فلا أغني لها ولا أتغنى بها...

ولو أن لك انتماء سياسيا؟

نعم لي انتماء سياسي.. أنا أنتمي لجماعة دعوية،سياسية، جماعة إسلامية معارضة للنظام السياسي القائم في المغرب، وأحمل نفس أفكارها تماما كما تحملها، ولكن لا أغني في السياسة، ولا أحبذ ذلك كما لا أرى في ذلك تناقضا ولا ضيرا، كما لا أرى للنظام حقا في منعي من ممارسة حقي في التعبير عن حريتي الفنية وحريتي في انتمائي السياسي، وحريتي في التعبير عن مواقفي الصريحة والتي تضمنها لي شرائع الأرض والسماء.

إذن المنع الذي يطالك بسبب انتمائك السياسي فقط ؟

نعم بسبب انتمائي السياسي، وكما قالوا لي في بعض المفاوضات معهم، وكما قالها لي أحدهم بالانجليزية you are the beautiful face، أنت تظهر الوجه الجميل للإسلاميين، وهذا خطأك السي رشيد نحن نقول بأن الإسلاميين ظلاميون ورجعيون ومتخلفون...

هل يمكنك أن تكشف لنا عن الاسم؟

أحد الناس وهم أطراف في النظام قالوها لي عبر مفاوضات قبل الاعتقال وخلال الاعتقال وخارج السجن، وهي على أية حال مفاوضات كالعادة لشراء الذمم، طلبوا مني فقط أن لا أنتمي للحركة الإسلامية، وأن أعلن خروجي من العدل والإحسان، وأن أسهم مع جوقة المسبحين بالمخزن وستفتح لي جميع المهرجانات والآفاق والأجواء، بل وسيعوضونني على سنوات المنع التي طالتني، حتى أنهم سلموني شيكا.

شيك.؟ المبلغ من فضلك؟

يضحك.. نعم شيك وبقي بحوزتي ثلاثة أيام ثم أرجعته لهم، فكما هو معروف فالأنظمة السياسية هذا هو حالها، دائما تضع لك خيارين إما الجزرة أو العصا، إما أن تقبل أو تعاقب، وبعد رفضي للشيك والذي كانت قيمته مائتين وستون مليونا، تم اعتقالي مباشرة وتلفيق تلك التهمة التي باءت بخسارتهم في واقعة الجديدة، وأعقبها منعي من السفر خارج البلد بقرار من وزارة الخارجية، بل وطالبوا من مجموعة من الدول العربية عدم السماح لي بدخولي أراضيها.. والدولتان العربيتان اللتان تفاعلتا مع مذكرة وزير الخارجية هما مصر وتونس كما أخبرني القنصل وأحد الدبلوماسيين المصريين الذي سبق أن تحدث إليه، وسبحان الله هذان النظامان اللذان منعاني سقطا.

هل أنت مستسلم لهذا المنع للتواصل مع جمهورك داخل المغرب؟

أبدا، أنا لست مستلما للمنع، فدائما عندي الجديد، ودائم الحضور في المواقع الفنية خارج المغرب، أنا أكبر من الطوق المخزني الذي يحاول أن يقيم الحواجز بيني وبين جمهوري داخل الوطن، كانت لدي أكثر من 15سهرة في أسطنبول في رمضان الفارط، وتفرج المغاربة على ذلك مباشرة، كما كانت لي حفلات في الشرق وفي أوربا، أنا غنيت مؤخرا في "لاسيكال" وهي أعرق القاعات العريقة في أوربا، وفي اسبانيا وفرنسا كذلك ، ولا زالت لدي عروض أخرى خارج المغرب...

وعلى المستوى المحلي، أقصد داخل المغرب ؟

على المستوى المحلي أنا ممنوع أن أعرض فني للمغاربة كنت أرتب بعد إتمام الألبوم في اسطنبول وصدوره مباشرة، سأباشر سلسلة من الاحتجاجات والوقفات ..

هل استشرت أحد المحامين في الموضوع؟

بطبيعة الحال استشرت محامين مغاربة في الموضوع، كما استشرت محامين من الاتحاد الأوربي، بل أوكلت لمحام في الاتحاد الأوربي لرفع قضيتي في المحافل الدولية، والحمد لله سيظهر اثر ذلك في القريب العاجل، كما قدمت ملفي لجمعيات حقوقية وسيعقب ذلك حملة تضامنية وأشكال نضالية .

مقاطعا.. جمعيات حقوقية مغربية؟

لا.. ليست مغربية، للأسف لم تهتم بقضيتي أي جمعية حقوقية مغربية وهي تعرف كل شيء، ربما بعض الجمعيات الحقوقية ساندتني في قضيتي.. لم أجد أي دعم أو أي شكل من أشكال المتابعة من أي جمعية مغربية، ولكن بعد بداية هذه الحملة سأطلب منهم المشاركة من أجل رفع هذا الحيف والظلم الذي لحقني.

رشيد غلام ربما هو الفنان المغربي الأبرز الذي يتعرض للمنع، لكن هناك فنانين آخرين يتعرضون للمنع مثل أحمد السنوسي (بزيز) وهناك بعض السينمائيين أصبحوا يشتكون من الإقصاء الذي يطالهم..

المنع بشكل متعسف وصريح لا يطال إلا شخصي أنا والفنان بزيز، نحن الاثنان إذا أردنا أن نحيي سهرة في مركب ثقافي او قاعة مسرح لا يسمح لنا، يقال وربما أن بزيز فتحت له الآفاق ويقال انه طلب أشكالا وأشكالا، هو ربما عنده اختيارات أخرى، وربما فتح له المجال ولم يشأ..

لماذا لا ينسق الفنانون المغاربة فيما بينهم للمطالبة بحقوقهم ؟

يا ريث.. ولو أني أرى أنه ليس مطلوبا الآن من الفنانين المغاربة لرفع الحيف المسلط علينا، ولكن ما أريده أنه في إطار هذه الحملة التغييرية التي نطالب فيها بتغيير الاستبداد بشكل جذري وإصلاحي، نريد أيضا تغيير عقلية النظام في الشأن الثقافي، وأهيب بالفنانين بحملة وطنية من أجل سياسة ثقافية جادة وفاعلة تقاوم السفه الموجود .

ألا تنتمي لنقابة مغربية تعنى بالفن، وهناك نقابتان في حدود علمي..

يضحك...النقابتان الموجودتان في المغرب هما أصلا متخاصمتان، كما أنه ليست هناك نقابة ذات مشروع فني متكامل ، أقصى ما حصلوا عليه هو بطاقة فنان تخول بعض الأشياء كتغطية صحية ليست للجميع، ليست هناك نقابة بالمفهوم الحقيقي للنقابة، إذن لمن ترفع هذا الملف المطلبي وتحت أي غطاء مؤسساتي تشتغل، فالمؤسسة المعنية بشأن الفنانين وبشكل إداري، لا يوجد، نحن تسخر منا السفارات والقنصليات حين تريد أن تسافر لأحياء سهرة، تقول لهم وزارة الثقافة، وهذه الوزارة مشرفة فقط على المركبات الثقافية، ليس هناك أي ترتيب إداري يتبع له الفنانون..

في الأسبوع الفائت نظم الفنانون المغاربة وقفة أمام وزارة الثقافة، لماذا لم يشارك فيها الفنان رشيد غلام؟

أولا لم أخبر بها، ثم إن مطالبها بسيطة جدا، تبسيطية، يجب أن نسمي الفيل فيلا والفأر فأرا، فالوزير حميش ربما قد يكون أسوأ وزير ثقافة فعلا، هو مفكر حقيقة ولكن ربما لا يحسن التدبير، فهناك فرق بين الفكر والممارسة الميدانية، وقفتهم علقت مشاكلها على مشجب حميش، وكأنه سبب كساد الثقافة، فالسبب الحقيقي في المغرب هو السياسية الثقافية النابعة من أعلى مستوى هرم في السلطة بالمغرب على جميع المستويات، في المجال الاقتصادي والحقوقي والقانوني وفي جميع المجالات، والشأن الثقافي، فأنت ترى أن جميع المهرجانات العابثة بأموال الشعب والمدجنة لأخلاقياته كلها تحت الرعاية السامية للملك، هذا "جون" الذي تحدث عنه في مقالك " جون أم غلام" شكر الملك عند صعوده المنصة لأنه ضغط من أجل حضوره رغم وجود مطالب من المجتمع المدني ومن البرلمان بإلغاء حضور.فعلى الفنانين أن يسموا الأشياء بمسمياتها، فإذا كان الوزير الأول ليس إلا موظفا ساميا فقط، وكل القرارات تفعل باسم الملك فماذا يفعل دونه وزير الثقافة؟ فوزراء الثقافة ليسوا إلا تأثيث لمجال يجب أن تكون الثقافة وزارة الثقافة حاضرة وينشأ لها وزير، وإلا ما هي السياسة الثقافية العامة للبلد؟ ما هي الأهداف الكبيرة التي ترسمها الدولة للثقافة على المستوى الثقافي للشعب المغربي.. على المستوى التربوي والبيداغوجي والتي على وزارة الثقافة أن تندرج ي سلكها كي تتأسس؟ لا يوجد للدولة هذه الأشياء الواضحة، فوزير الثقافة تحت أي غطاء وأي هدف يشتغل؟ ما هو برنامج وزارة الثقافة وأين هي الأبعاد الفكرية والتربوية والأخلاقية والأيديولوجية، هذه هي المطالب الحقيقة التي يجب على الفنانين المغاربة أن يطالبوا بها، وليس أشياء مادية كفتح مقر هنا وكفالة مادية هناك.. فالإخوان الذين كانوا ضمن الائتلاف منهم أناس فضلاء وأعرفهم مثل السي حسن النفالي وسيدي محمد الدرهم وغيرهم .. ولكن أغلب الآخرين وبصراحة لهم مطالب خبزية إذا توفر له شيء من الحفظ المادي أو رعاية مادية سيسكت عن كل شيء، فالفنانون وإلى زمن قريب كانوا كلهم يندرجون تحت النظام، ويغنون للنظام، ومن أغرب ما خلد لنا التاريخ المغربي القريب وإلى زمن التسعينات من القرن الماضي مقولة الفن في خدمة العرش، لم يكن الفنانون في زمن من الأزمان في خدمة الوطن، كانوا مع السلطان ويغنون للسلطان ويمجدون العرش، ولاحظنا أنه بعد الخطاب الأخير للملك انطلقت أغاني تمجد العرش، وهذه معادلة لا زالت غير مفهومة للمغاربة، فالعرش ليس هو الوطن، فالمغرب شيء والعرش شيء، فالأسرة العلوية تعاقبت على حكم المغرب كما تعاقبت أسر أخرى كما الموحدين والسعديين والمرابطين .. هذه كلها أسر تعاقبت على حكم المغرب، بل اغتصبت السلطة بقهر السيف، اقرأ التاريخ المغربي، فالفنانون اندرجوا في خدمة الأفراد والشخصية المتفردة بالسلطة والمال، ولم يكونوا أبدا في صف الشعب، فالقليل منهم من يتحدث عن السلطة بشكل مغاير، دائما يقعد جانبا او تشغل له بعض الأساليب التي ذكرت.

ورجوعا على الوقفة التي ذكرت، فأنا أهيب بالفنانين أن يكون لهم موقف، أقصد البعض منهم وليس المرتزقة، فالكثير منهم مرتزقة، وأنا أهيب بالفنانين الحقيقيين المثقفين أن يقفوا وقفة حقيقية لأجل مطالب حقيقية، وألا يكونوا بوقا للنظام في زمن التدليس، أن يقولوا الحقيقة أو يصمتوا على الأقل.يجب أن يكون لهم موقف يخلدهم به التاريخ وتذكره لهم الأجيال، لا أن تلعنهم كما لعن أزلام مبارك...

المنع الذي يطالك ربما هو سبب انتقادك للمهرجانات..

مقاطعا.. لا، ليس لأني أمنع منها، عندي موقف من المهرجانات بشكل موضوعي، المهرجانات هي نوع من البهرجة الإعلامية التي ينظمها المغرب،فالمغرب من دول العالم الثالث وربما من العالم المتقدم التي تقام فيها مهرجانات خيالية لا تعكس أبدا حجم المستوى المعيشي للناس، ولا مستوى المغرب في سلم الدول العالمية، فالمغرب يحتل رتبا متقدمة على مستوى الفقر والجهل والفساد و الرشوة، وعلى مستوى التنمية والإنتاج الثقافي والحريات فالمغرب في أسفل السلم، ومع ذلك فنحن الأولون في المهرجانات..

ولكن "الجمهور عايز كدة" كما يقول المصريون؟

هذه من الأشياء المؤسفة..

لماذا مؤسفة والمهرجانات تعرف إقبالا جماهيريا منقطع النظير؟

الشعب المغربي لا أستطيع أن ألومه بالشكل الحالي على المستوى الثقافي والتربوي والأخلاقي، فهذه الكراهية لأنفسنا التي تعشش فيما بيننا هي نتاج لحكم فردي تسلطي حكمنا به الحسن الثاني رحمه الله، تجهيل الشعب وتفقيره وتدجينه هي نتاج لأربعين سنة، وبالمناسبة فالعشرية التي يطلق عليها بعشرية العهد الجديد متورطة فيما يعيشه الشعب المغربي، فتجد أن مهرجان موازين الرباط يحضره أغلب الناس ممن يسكنون في الأحياء الهامشية وأحياء القصدير والكاريانات مع أنهم لا يملكون قوت يومهم يرقضون وسط نفاياتهم..كيف يحلو لهؤلاء المساكين أن يتفرج على مغني أخذ مليار من أموالهم؟

هل يفهم أنك تحسد هذا الفنان الذي أخذ مليار؟

لا.. أبدا، لو أردت لأخذت الفلوس التي أعطوني كي أشارك وأدجن كما دجن غيري... حرام ..

حرام شرعا ؟؟

شرعا وقانونا ودينا وأخلاقا وعقلا وكل شيء، أذكر إحدى المرات قلت في حوار، وأرجو أن يفهم كلامي صحيحا .. كأن الشعب المغربي يكره نفسه في هذه الحالات، كيف يحلو لإنسان ينام طاويا لأن المغاربة أكثر من 40 % منهم تحت خط الجوع، ومع ذلك يرقصون في المهرجانات فكيف يحلو لهم ذلك؟ لمن تقام هذه المهرجانات بالرعاية السامية؟ كيف يحلو لهذا الراعي"السامي" أن يصرف على هذه المهرجانات بهذا البذخ الكبير جدا؟ هذا ترف وسرف وظلم، هذا ما سماه الله سبحانه وتعالى سفها، " ولا تؤتوا أموالكم للسفهاء التي جعل الله لكم فيها قيما" هذا هو السفه، انظر إلى المعطلين؟ فهل هذه الكثرة من المال لا يمكنها أن تخلق مشاريع للشباب؟ مقاولات صغرى مثلا؟ أو دعم صندوق معين للإنعاش؟ والأحياء الفقيرة؟ ألا يمكن للأموال المرصودة للمهرجانات أن تقاوم البطالة أو تغير حيا قصديريا؟ أستغرب للعقلية والتربية النفسية، وأشفق على هذه التربية لأنها نتاج 40 سنة من التدجين .. إنسان يعيش في فقر مدقع وإذا سألته عن المهرجان يجيبك أنه يريد مغنية تشطح أمامه...وتجده يصيح عاش الملك.. غريب، حب المعذب لجلاده هي معادلة غريبة، للأسف.

تتحدث عن الشطيح .. يبدو للبعض أنك تنطلق من مرجعية دينية في نظرتك للفن..

لا أبدا، ليس من موقف إسلامي وحسب، ولكن من خلفية طبيعية لرفض السفه والعبث.. أتحدث بشكل إنساني وأخلاقي، لا يمكن أن نأتي للجياع بمهرجانات غنائية.

فمن باب الاختلاف في الذوق هناك مهرجانات للموسيقى الروحية...

المهرجانات الروحية هي أيضا "أكفس" .. هي أيضا بها السفه الذي تحدثت عنه سالفا، أنا أتحدث عن جميع المهرجانات التي تصرف فيها الأموال الطائلة، كل هذا باطل عقلا وأخلاقا وشرعا ودينا وإنسانيا وما شئت قل ذلك، كل هذا حرام وباطل ولا يصح... حشووومة.

أنت الآن تصرف مواقف سياسية؟

طيب، مواقف سياسية.

ولكن لا أثر لها في اختياراتك الفنية؟

أنا اخترت في الفن الغنائي الذي أسلكه أن يكون التغيير بالأشياء السامية البعيدة عن المتغيرات الواقعية، والأشياء السامية تبعث فينا نفس الإرادات لتغيير الواقع أيضا، فالإنسان حين يعود لهويته الشخصية ينمي حواسه لإدراك ما حوله، ومما يحيط به أيضا، فالنظام ليس بليدا عندما منع رشيد غلام، النظام يفهم جيدا ذلك، فالإنسان حين يرتبط بالمطلق ويرتبط بالقداسة الحقيقية تندثر أمامها قداسات أخرى مزيفة.

طيب، تقول بأنك لا تغني في السياسة المتغيرة، ولكن من ير صفحتك في الفيسبوك يجد أن لك علاقات واسعة مع زعماء المقاومة وأنصارها..

غنيت للمقاومة في جميع الأرض، وغنيت لفلسطين، غنيت في اسطنبول وكان يوجد بطريرك الأرتدوكس الروم إلى جانب مفتي القدس وتفاعلا مع أغنية زهرة المدائن كما شاهد المغاربة مباشرة أو على شبكة الانترنيت.

ولماذا لم تغن للوطن ؟

لا أقول بأني لم أغن للوطن، ولا أقول بأن الوطن لا يهمني، بالعكس، غير أني أجد نفسي في الغناء الذي يوجد فيه الإطلاق أكثر، عندما تصدر ألبوماتي حول المقاومة ستجد أن التعبير عن ذلك كان بشاعرية وبلغة الحب والجمال، وليس باللغة الفكرية الصرفة... فالغناء السياسي يكون غناء فكريا صرفا واضحة عباراته غالبا ما يضيع معها الشكل الجمالي . لكن عندما يعبر عن القضايا السياسية الكبرى بشكل جمالي، وبلغة شاعرية أكثر، سأتغنى بها...

كلامك هذا يدفعنا للحديث عن الالتزام في الأدب والفن عموما... ما موقفك من مفهوم الالتزام الذي شاع أكثر لدى الحركات الماركسية والإسلامية معا؟

لا.. أنا عندي موقف من الكلمات المضافة إلى المفاهيم المطلقة، خذ على سبيل المثال مفهوم الفن، فعندما تضاف الفن إلى الإسلامي، فإضافة كلمة فن إلى كلمة إسلامي ليست دقيقة المائة في المائة كما لو أنك تقول الصدق الإسلامي، ليس هناك صدق إسلامي، فكلمة صدق هي وحدها مفهوم دون حاجة ضرورية لشيء آخر، فالفن بالنسبة لي كقيمة جمالية وأخلاقية وما إلى ذلك من المعاني الموجودة فيه غير محتاج إلى أن تضيف إليه الإسلامية لتسمو به، فالموقف عندي من الكلمات المضافة، وكأن الناس تصوروا أن هناك فنا غير إسلامي على غير ما يستعمل من شكل الفنون الموجودة الآن والتي فيها المجون وغير ذلك، فقالوا هناك فن إسلامي، وهذا غير دقيق طبعا، فالفن عندي هو الشيء الراقي، فكلما نزل التعبير عن السمو والرقي لا يعتبر فنا.. يعتبر نوعا من الإسفاف.

فالإسلاميون في بداية تاريخ الحركة الإسلامية، أضافوا الإسلامية إلى الغناء، والإسلامية إلى الفن، لأنه كان في مقابل ذلك موجود ما يسمى بالفن البروليتاري والفن الماركسي والفن العلماني... ولم تكن لدى بعضهم معرفة معمقة وتصور شمولي واضح للإسلام، ولذلك كانوا يطلقون العبارات على عواهنها دون تمحيص، وأتصور كلمة غناء مثلا كانوا لا يحبون التلفظ بها، لأنه اعتبروها مفهوما وليست كلمة وحسب، والحقيقة ان الغناء كلمة وليست مفهوما، فالنبي صلى الله عليه وسلم نطق فقال: لأنصار قوم يحبون الغناء، أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الإسلاميين سموا الغناء نشيدا...

ونسمع من يقول المنشد رشيد غلام..

يضحك.. آه، نعم ولا يقولون المغني رشيد غلام، لأن كلمة مغني ارتبطت لديهم بالمجون، كما أن الالتزام جاء مرتبطا بالحركات السياسية، فالالتزام السياسي يفرض عليك أن تكون حزبيا، وحتى لدى الحركات الإسلامية نتساءل: ما معنى إنسان ملتزم Engagé ، ما معنى هذا، فالمسلم ليس بحاجة إلى هذه الكلمة، فالتراتبية لدى المسلم موجودة داخل الدين من إسلام وإيمان وإحسان.

ما هي الخلفية الثقافية والتركيبة الفكرية التي شكلت تجربتك الفنية؟

بالنسبة لتركيبتي الثقافية والفنية تستوعب جميع مشارب الفكر الإنساني، وأوشك أني قرأت في جميع مشارب الفكر الإنساني من عقليات.. باستثناء الرياضيات والتقنيات.. أنا مغرم كثيرا وقارئ نهم في جميع مجالات الفكر الإنساني، ومتتبع للتحولات الفكرية ولا سيما في جانبها الروحي، قرأت للتحولات الإنسانية والسجالات وكيف يتقلب الإنسان في بحثه عن الوجود والحياة والخير.. وما ما رافق ذلك من حوارات وسجالات، كما أني أنهل بالأساس من الفكر الإسلامي، لأنني أتبنى الرؤية الإسلامية للإنسان والوجود والحياة والكون والخالق وما بعد ذلك، وبالأخص من الفكر الصوفي وخاصة التجربة الصوفية الروحية للموجود والموجودات، هذه هي القاعدة التي أرتكز عليها.. أي الإنسان كما حدده الموقف الفطري كما هو موجود في الإطار الإسلامي. وأيضا وبما أنني ابن حركة العدل والإحسان ولأنني ربيت على ثديي الصحبة والجماعة، فأنا أنطلق من خلال فكر الأستاذ عبد السلام ياسين ورؤيته للإنسان وللتغيير وللوجود وللفن وللجمال، هذه هي قاعدة ارتكازي الإيديولوجي إذا شئت، أو المنهاجي كما نسميه.

ذكرت الأستاذ عبد السلام ياسين، وددت لو توضح أكثر طبيعة العلاقة بينكما؟

أحب الأستاذ عبد السلام ياسين وأعتبره بمنزلة الوالد، المربي، الحاضن..

مقاطعا.. هنا يتهمك بعض الناس بأنك تقدس الشيخ عبد السلام ياسين ؟

قبل الإجابة عن سؤالك، أقول: بالنسبة لكلمة التقديس، لماذا يقول بعض الناس الملك شخص مقدس؟...

الملاحظ أنك تنفي القداسة عن أي شخص آخر وتمنحها للشيخ عبد السلام ياسين.. هكذا يقول بعض الناس؟

أنا لا أسألك أنت بالضبط، أنا أجد بعض عبارات الناس تقول بأنكم تقدسون عبد السلام ياسين، دعني أتساءل مع هؤلاء، الدستور المغربي يقول بأن الملك مقدس، فما معنى كلمة مقدس في الدستور؟ إذا كانوا يقصدون بكلمة مقدس أنه معبود فهؤلاء مشركون، واضع الدستور وشارحه والمعني بالأمر، وإذا كانوا يقصدون به المنزه واللفظ اللغوي يحتمله القداسة أي الطهر والنزاهة، إذا كانوا يقصدون ذلك، فمن أين جاؤوا بذلك؟ فهل الناس يولدون منزهين فقط لارتباطهم بالسلالة المحمدية وبآل البيت؟ كللنا من آل البيت، فثلثا المغاربة كلهم من آل البيت، فالمغاربة أغلبهم مقدسون على هذا الاعتبار. أما إذا كانوا يعنون بالقداسة مصطلح قانوني دستوري، والمقصود به مقدس، بأنه مقدس لا ينتقد ولا تداس حرمته ولا يقترب من حماه، إذا كان هذا هو المقصود نقول لهم من أين لكم بذلك؟ متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟

أعود وأقول نحن لا نقدس الأستاذ عبد السلام ياسين، جئني بعبارة واحدة موجودة في المنهاج أو في عباراتنا عن تقديس عبد السلام ياسين، بالعكس فنحن نحبه، أنا أحبه وأعتبره بمنزلة الوالد المربي والحاضن.. أعتبره الدليل في مكان مجهول ومظلم ومخيف، فهو بالنسبة لنا دليل.. وبالنسبة لي شخصيا

فالأستاذ عبد السلام ياسين بمنزلة الوالد المعلم المربي الحبيب.. وكل ذلك بشكل وجداني، لم يمل علي أحد أن أحب الأستاذ عبد السلام ياسين، لم يمل علي أحد أن أعظمه في قلبي.. أبدا، كل ذلك بشكل وجداني يفهمه الناس في الثقافة الإسلامية معنى أن تحب المرء وتكون مخاللا له، بمعنى أن تنتمي إلى مدرسته وأن يكون دليلا لك في الطريق.. ومعنى الطريق.. ومعنى الوصال.. ومعنى التوصيل.. هذا مجال آخر، من يقول لي بأني أقدس عبد السلام ياسين، أقول: فإذا كان التقديس المقصود به العبادة، فأعوذ بالله، نحن لا نعبد إلا الله سبحانه وتعالى، أما إذا كان التقديس بمعنى الطهر والتنزيه أو أن نقول بأن هذا منزه من عند الله ومطهر.. نحن لا نقول بهذه العبارات...

طيب، هل وجدت من شخص عبد السلام ياسين تشجيعا في مشوارك الفني؟

الأستاذ عبد السلام ياسين هو من شق لي مشواري، أنا كنت قد انصرفت عن الغناء وابتعدت عن طريق الفن عموما واندمجت في حياة شخصية جديدة بشكل آخر.

تقصد اندماجك في حياة جديدة مع جماعة العدل والإحسان؟

نعم مع الجماعة.. لكن الأستاذ عبد السلام ياسين حفظه الله أشار علي، قال لي هذا الصوت هبة من الله ويجب أن تستعمله في الدعوة إلى الله تعالى وتستعمله في إظهار محاسن الدين ومحبة الله سبحانه وتعالى، وأن تنمي به ،في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، المحبة في قلوب الخلق، فإن ذلك هو جهاد، وسماه بـ "جهاد النغمة"، وأعتبر نفسي مدينا له بكل شيء، لأن لولاه لما رجعت لعالم الفن.

وبسببه أيضا فأنت ممنوع بالمغرب ؟

ليس بسببه، بل هذا حظي منه.

قلت بأن تونس ومصر هما الدولتان اللتان تفاعلتا مع مذكرة وزارة الخارجية في منعك من السفر إليها، كيف تابعت ثورتي الشعبين في كلا البلدين؟

نبدأ أولا بتونس، لأنها كان لها شرف الافتتاح... فطبيعي أن الضغط يولد الانفجار، فالاستبداد والتعسف الذي كان يمارسه بنعلي وجميع الأنظمة الاستبدادية في المنطقة قد ولد انفجار من قبل الشعوب، فما وقع في تونس كان مفاجئا، ودائما شرارة الابتداء والفعل التاريخي الإلهي يكون مفاجئا، يأتي أمر الله تعالى والظالمون لا ينتظرونه ولا يشعرون به. لقد عاشرت الكثير من التوانسة، ورأيت أن الشعب التونسي أبعد الناس عن الثورة والتنديد بالظلم في مقابل التسلط القمعي الظالم لنظام بن علي، فمن يعرف التوانسة يتفاجأ أن شرارة البدء كانت من تونس، وهذا اختيار إلهي نهنئهم عليه، فأعتى نظام قمعي أمام أقل الشعوب انتفاضة في وجه الظلم والباطل يقع ذلك كله، فهذه آية ربانية ولا ريب.

أما مصر فكانت الانتفاضة نتاج حراك طويل من منظمات حقوقية وأحزاب ومكونات المجتمع المدني والمثقفين، كان هناك سجال قوي كان يبشر بأن الشعب المصري سيصل في وقت من الأوقات إلى هذا الانفجار الذي حدث. في مصر عجلت بذلك وسائل الإعلام الحديثة والفضائيات، وخاصة قناة الجزيرة والمراسلون الغربيون بالإضافة إلى الإرادة التي كانت متوفرة عند الشباب بالأساس وصمودهم لصناعة التحول. إن ما وقع في تونس ومصر يرسم تاريخا جديدا للمنطقة العربية، بل يرسم تاريخا جديدا للأمة، فما نراه هو أن الشعوب هي متصدرة الإرادة، هي من تختار مواقف دولها في المشهد السياسي العالمي، وهي من تختار مواقف دولها في قضيتها المركزية فلسطين... مع عهد الشعوب انتهى عهد الاستعمار الثاني إن شئت، أو عهد التدجين الذي كانت تسانده الهيمنة العالمية وتفضله على حساب الحرية والديمقراطية وحقوق الشعوب.

تونس ومصر هما الحكومتان الوحيدتان اللتان تفاعلتا مع مذكرة وزارة الخارجية المغربية التي تمنع من دخولي لترابهما، فعندما ذهبت إلى مصر حققت نجاحا باهرا، مدة شهر فقط غنيت في الأوبرا بالقاهرة وأوبرا الإسكندرية، وقمت بعدة مقابلات تلفزية، وغنيت في ساقية الصاوي التي تغني فيها النخب، ولما عدت من مصر منعني النظام المغربي مباشرة من العودة إليها عن طريق المذكرة المعلومة. أما تونس فكان لي فيها عمل ضخم حيث شاركت في مهرجان قرطاج، وفي السنة الثانية كنت مدرجا في مهرجان قرطاج ومهرجان المدينة، وعندما ذهبت لأمضي العقود مباشرة بعد خروجي من السجن، وجدت أنني

ممنوع من المشاركة، ثم بعد ذلك منعوني حتى من الدخول، أذكر مرة أني تعرضت للاستنطاق في المطار من البوليس التونسي سبع ساعات، ثم بعد ذلك منعت من الدخول إلى تونس بشكل نهائي. كانت عندي أعمال ضخمة مع ممثلين وعندي أوبريت كبير يتعلق بمولانا جلال الدين الرومي كبحث تراثي صوفي قديم عرفاني وإنساني.... لم يتحقق شيء من ذلك بسبب المنع.

وماذا عن صديقك لطفي بوشناق، هل كنت تلتقيه في تونس؟

آه لطفي.. لطفي بوشناق كان يتخوف حتى من مكالمتي في الهاتف داخل تونس، ليس بوشناق وحده بل مجموعة من الفنانين يتخوفون من مكالمتي بالهاتف.

والآن .. ؟

الآن الشعب تحرر، ولكن لطفي كان عندما يأتي للمغرب يهاتفني ويلتقي بي، وكذلك مجموعة من الفنانين الكبار يقابلونني بل ويطلبون ذلك ممن استدعاهم ، ويقولون لهم بأن يخصصوا لهم جلسة مع رشيد غلام كي يلتقوا به، فالفنانون المغاربة كلهم يعرفون مؤهلاتي ومكانتي الفنية ويعرفون قدري في الساحة الفنية الموجودة الآن، بل يعرفون قيمتي في وقمة صوتي وأدائي أمام الأصوات الموجودة، فأكاديمية الفنون المصرية والأوبرا يعرفون رشيد غلام وقدراته، فهذا شيء موجود ومكتوب عندهم. وآخرها أن صباح فخري عندما زار المغرب قال في حواراته مع الصحف بأن عندكم من أفضل الأصوات الموجودة الآن في الغناء العربي هو رشيد غلام، والكل يعرف ذلك، فحتى النظام المخزني المغربي يقول بأنه يعرف قدر رشيد غلام ولكن نقيصته أنه ينتمي لجماعة إسلامية.

وماذا عن موقفك من حركة 20 فبراير؟

أنا مع مطالب حركة 20 فبراير وإلى أعلى السقف، أنا دعمت الحركة بطريقتي، فإذا كانت حركة فيسبوكية كما يسمونها، فأنا كنت معها منذ انطلاقتها، وقبل أن تنطلق كنت معهم، ولا زلت أدعمها، منعني من حضور يوم 20 فبراير من النزول للشارع أنني كانت لدي حفلة في باريس يوم 19 فبراير، وكنت أود الرجوع يوم 20 فبراير ثم العودة مباشرة إلى بروكسيل ولكنني لم أجد تذكرة الطائرة ذلك اليوم، لكن أرسلت من ناب عني فنزلت زوجتي ووالدتي وعائلتي ونابوا عني... أنا مع حركة 20 فبراير ومع التغيير، ومع إسقاط أي شكل من أشكال الاستعباد والظلم والحكم المطلق والشمولية والفردانية.

أنا مع حركة20 فبراير ضد الأبواق المأجورة التي تقول بأن الخطاب الأخير فاق كل التوقعات وتطلعات المطالبين بالتغيير، يعني متى لم يعلق هؤلاء على خطاب ملكي بغير هذا الكلام، في أي خطاب لم تكن نفس التعبئة و"التغريد" و"الهيلالة" ... فهذا دائما موجود في أي خطاب، فليقرأ الناس خطابات العشرية.. فالمغرب متفوق ومتقدم في مصاف كذا وكذا .. ستعطي الدول الأخرى كيف تتعلم الديمقراطية، اقرؤوا عن هذه الأبواق التي مرت على الإنصاف والمصالحة، عن المجلس الاستشاري كذا.. أبواق كلها تسبح وتمجد وتقول خطاب تاريخي.. فإذا كانوا يقصدون به بأنه خطاب تاريخي فهو خطاب تاريخي فعلا.. لأنه يشكل حلقة من حلقات التغيير التي ستفتح حتما. وبالتالي فحتى الصمت فيه هو صمت تاريخي... خطاب بن علي أيضا هو خطاب تاريخي، فعندما قال فهمتكم، فهذا خطاب تاريخي أيضا، وخطاب القدافي المجنون عدو الله هو أيضا خطاب تاريخي.. كفانا من التدجين فإما أن يصطف إلى جانب الحق وتطالب به، وإما أن تصطف إلى جوقة النظام، أنا كتبت مؤخرا في الفيسبوك وقلت: يا أزلام النظام لا تحزنوا فإن مزبلة التاريخ تتسع لكم ولنظامكم.

إن التاريخ كتب على الظالمين كما كتب أيضا على أعوانهم ومن سبح بحمدهم، فالتاريخ سيذكر الأنظمة البائدة الفاسدة التي حكمت قهرا وجورا، وسيذكر أيضا من كان يسبح لها ويمجد ويهلل.

أنا من الناس الذين يقولون بأن الملكية كما هي الآن تشكل عبئا على التغيير، وأود لو أن الملك يصنع فعلا التاريخ مع شعبه، فإذا قرأنا في تاريخ المسلمين فنجد أن بني أمية ولوا الحكم بالسيف وتحكوا على رقاب المسلمين بالسيف، وجاء منهم عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه، وصحح المسار بالشكل الذي كان عليه، في قالب سياسي فأعاد البيعة وأرجع مظالم الناس وأخذ من مال بني أمية وأزلامهم ما أخذوه من الناس، أنا أقترح أيضا أن يصنع الملك مثل ذلك، أن يصنع فعلا تاريخيا ولا نريد خطابا تاريخيا بقياس الزمن، نريد فعلا تاريخيا يصنع تاريخا لهذا الشعب يسجل التاريخ أن الملك كان من أدوات التغيير وليس من عوائق التغيير، فأول شيء بدا به الخطاب هو أنه وضع لك الإطار الذي تشتغل عليه، فإذا طالعت موقف جماعة العدل والإحسان على لسان ناطقها الرسمي، قلنا بأن أكبر عائق للتغيير هو الملكية بشكلها الحالي، الذي هو بالشكل الذي عليه حاليا في جانب أثارات المال والجانب الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والحقوقي.. أنا لا أطالب بالتعنيف ولكن أطالب بالتعقل... نريد تغييرا حقيقيا.

أي شكل للحكم تريد، نظام ملكية برلمانية كما يطالب البعض أم فصل الدين عن السياسة أم ماذا؟

أنا أود شيئا واحدا.. أن تعطى للشعب إرادته وسلطة الفعل في الاختيار والتغيير، أن تعطى للشعب حرية الاختيار والفعل والمتابعة والمحاسبة، وبعد ذلك فأي شكل يختاره الشعب ويكون نابعا من إرادته.

ماذا تقصد بالشعب؟

أقصد بالشعب القوى السياسية الحقيقية وليست التي فبركها المخزن طيلة ما يزيد عن خمسين سنة.

الشعب غير مؤهل بسبب سياسة التجهيل والتدجين والتفقير كما قلت سابقا؟

هناك فاعلون .. وهناك نخب .. وهناك عقلاء.. وهناك أجيال .. فالحراك الموجود على المستوى التربوي والسياسي هو ما تمخضت عنه الحركة الشبابيبة الموجودة الآن والتي تمتلك فعل الإرادة في التغيير، هي الإرادة نفسها موجودة لدى الحركة الإسلامية والحركة اليسارية والجمعيات الحية والنخب المثقفة النزيهة والنخب المعارضة السياسية والتي لها مبادئ أفرزت نوعا من الوعي عند طبقة معينة من الشعب. فالعينة الكبيرة من الشعب التي نزلت في 20 فبراير ليست جاهلة، والطبقة الشعبية التي تعاقب أمام البرلمان في طلبها بحقها ليست جاهلة.. أنا أطالب بالتدريج لأنه سنة الله في الوجود. فإذا كان الملك يريد أن يرعى هذا التغيير فمرحبا. وإذا كان يريد أن يرعى كيف تنتقل السلطة من الفرد إلى المجتمع بشكل صحيح ، رعاية سامية بمعانيها وأهدافها، فأهلا وسهلا.

الخطاب الأخير كان خطوة في هذا الاتجاه ؟

بل كان نوعا من التسويف ومن الضحك على الذقون، فأنت تعلم أن المؤسسة الملكية طيلة هذه السنوات وهي من تختار وهي من تقول بالعهد الجديد، وكل مرة تتحدث عن استقلال القضاء وتقول بأن الحكومة ستتبنى ذلك وستفعل، والآن يقولون بأن الحكومة تتبنى ما ورد في الخطاب والوزير الأول سيكون من الحزب كذا... طالما لا يغير بند إمارة المؤمنين من الدستور لن يتغير أي شيء، طالما يساق أكثر من ثلاثين مليونا لن يغير أي شيء.

هذه المرة سيتم دسترة ما جاء في الخطاب.

ما معنى دسترة هذه الأشياء؟ نحن مثلا جماعة قانونية، والدستور يكفل ذلك ويتحدث عن حرية الانتماء والتعبير، ولكن في الواقع يمنعوننا من ذلك. أنا أرى أنه يجب أن يعاد الدستور من جديد، فهل المغاربة سبق لهم أن استفتوا على الملكية؟ نحن ورثنا الملكية وورثناها، ورثنا الملك رعايا له، ورثنا الملك شخصا مقدسا مسددا هبة جاد الزمان بها، أنا لم أسمع عن والدي وجدي وجده.. لا أحد منهم استفتي عن الملكية ، هل هي قدرنا الأبدي؟ هل هي دين نعبد الله به؟ ونحن نقرأ في التاريخ الإسلامي بل في القرآن ارتباط الملك باغتصاب السلطة وبيعة الإكراه والتوريث المقيت بولاية العهد والظلم والجور و الترف.

سأعطيك مثالا حتى أبين لك أن العهد الجديد الذي هو امتداد للعهد القديم بل هو نفسه بشكل من الأشكال، فولاية العهد القديمة من الحسن الثاني وما قبله رحم الله الجميع، وكما هو موجود في الدواوين السلطانية تكون في أكبر أبناء الملك، وبعد أن يصل الحلم ويكون البلوغ، ثم بعد ذلك ينظر إلى أنبغ أولاده وأفقههم وأذكاهم، وقد يولي أخاه عوض ابنه.

أما محمد السادس ولى ابنه في الأسبوع الأول من ولادته...ولي عهد بخرق "حفاضات" لم ينتظروا حتى من سواه جسما وعقلا ،وهذا لم يكن أبدا في التاريخ السلطاني، كيف يمكن أن نلقن لأبنائنا أنه حين يكبرون سيحكمهم هذا الطفل؟ عندما يكون عدد المغاربة 40 مليونا سيحكمهم فرد واحد بمزاجه، أي دين هذا؟

فالله تعالى يقول في حق النبي صلى الله عليه وسلم وهو لا ينطق عن الهوى " فشاورهم في الأمر" وقال له "وأمرهم شورى بينهم".

لمّا تقول لي إمارة المؤمنين هي السقف والإطار والمقومات والمقدسات هذا نوع من التسفيه ونوع من التدجين أيضا.

توفيق
18-03-2011, 14:23
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مررت عليه كلام رجل حر شكراً على النشر..

حقل
02-10-2011, 12:24
ما فعلته شيء جميل جدا