مشاهدة النسخة كاملة : مسرحية الشاعر و الجحيم تاليف حامد الزبيدي



محمد حسين سعيد بور
24-03-2011, 20:46
تحيةطيبة ألقيها عليكم اخواني واحبابي

اصدقائي ورفاقي

أنثر عليكم تحيتي الطيبة المحملة بالورود والزهور والمعطرة برائحة المسك والعود

انثر عليكم هذه التحية الطيبة في هذا اليوم الكريم

واقدم لكم هذا الموضوع

مسرحية

الشاعر والجحيم

تأليف/ حامد الزبيدي

مسرحية ذات فصل واحد

الشخصيات:

- صبر

- الشحاذ 1

- الشحاذ 2

- مالك الدار

- المحقق

- الجلاد

- الزوجة

- الموظف 1

- الموظف 2

- مدير المستشفى.



(المشهد الأول)

المنظر: حي سكني، ساحة كبيرة، أبواب بيوت ومحلات مطلة عليها، المكان يوحي بحي شعبي قديم، ضياء خافت، صبر يدور حول نفسه وسط المسرح كالتائه، صوت المؤذن، ينادي إلى صلاة الفجر.

صبر: (يتساءل بدهشة وغرابة) هل عدت أنا أم لم أعد؟ الشيء الوحيد الذي أعرفه.. أنني لا أعرف أي شيء.. أيعقل! بعد الرحلة الطويلة.. أرجع إلى المكان نفسه الذي ولدت فيه.. المكان الذي زُرعت فيه طفولتي.. أحقيقة رجعت إلى أمي وأبي وزوجتي هل تحطمت أشرعة السقام وانتهت رحلة العذاب؟ أنا أعتقد بأنها ذرت في الرياح، وأمطرت السماء بذوراً مشرقةً.. كأنني ولدت تواً من جديد.. سأعوض لهم ما راح من حياتهم.. كم بكت أمي، كم أرق أبي وكم تأوهت في الليل زوجتي.. وأنا هناك في عالمٍ كأنه العالم السفلي.. في دهاليز السجون والزنزانات الانفرادية ، ثمانية عشر عاماً وأنا أقاسي من آلام شتى.. كنت أصرخ بأعلى الصوت.

(يجسد اللحظة التي كان يقاسيها،رياح قوية باردة زمازم رعد، برق خاطف مصحوب بعواء الذئاب ونباح الكلاب وصهيل الخيل ..تكظين يا ليلة عوه..ملفاي ولد مهنا، وكظت ليلة عوه) وأخذت معها شبابي.. عمري.. ثم رمتني في طريق موحشة (صوت من خارج المسرح).

الشحاذ1: عطايا قليلة.. تدفع عنك بلايا كثيرة. (يدخل الشحاذ1 يقترب منه) لله يا محسنين.. لله يا محسنين. (يستدير صبر نحو حقيبته الجلدية ثم يخرج رزمة اوراق نقدية، يعطيه ورقة ثم يرجع ما في يده إلى الحقيبة) هاك.. خذ يا رجل … عسى الله يفتحها بوجهي ويدفع عني البلايا.

الشحاذ1: ان هذا لا يضيع عند الله. (صوت آخر خارج المسرح)

الشحاذ2: أيها الناس.. أيها الناس.. إنني جائع.. إنني جائع. (صبر يصيخ السمع إلى الصوت، الشحاذ1 يلتقط الحقيبة ويختفي خلسة)

صبر: يبدو إنني في حلم مزعج.. كابوس مريع.. أو نزلت في حي غير حينا (يتفحص المكان) لا أصدق ما ترى عيناي.. الحي مليء بالشحاذين؟ ماذا سترى لو طلعت الشمس؟

الشحاذ2: (يقترب منه) أعطني مما أعطاك الله.

صبر: (يستدير نحو الحقيبة فلا يجدها) الحقيبة! اين الحقيبة؟ لقد سرقت حقيبتي.. سرقت حقيبتي.. (يمسك الشحاذ2) أين الحقيبة يا شحاذ؟

الشحاذ1: (مرتجفاً) وما أدراني .. إنني لم اسرقها ..لم اسرقها (يتركه ثم يتجه صوب الشحاذ1)

صبر: حقيبتي.. سرق الشحاذ حقيبتي.. أين أجده؟( يهرب الشحاذ2 )أين أعثر عليه؟. أين ألقاه؟ (يلتفت إلى الشحاذ2) هل.. لقد هرب الآخر. (يناجي نفسه) ولِمَ أتألم.. أهي السرقة الأولى.. أم إنني مسروقٌ من يوم مولدي.. عليَّ أن أبحث عن بيتنا لربما هو الآخر قد سرق (يستدير صوب البيت) لا أنه لم يسرق.. هذا هو بيتنا (يقترب من العتبة يطرق الباب،يظهر رجل عجوز)

العجوز: لِمَ تطرق الباب بقوة؟ ماذا تريد وقت الفجر؟

صبر: من أنت؟

العجوز: (يغير لهجته) يا له من سؤال غريب.. أنا الذي أسأل وليس أنت.. من أنت؟ وماذا تريد؟ من الذي أرسلك ألي بمثل هذا الوقت؟هيا امض (يغلق الباب بقوة)

صبر: (يتراجع إلى الخلف) هل أخطأت المكان؟ لا إنه بيتنا.. ولكن من هذا العجوز الذي يقطن فيه؟ (يعود ثم يطرق الباب)

العجوز: (من وراء الباب) كفاك ازعاجاً.. أريد أن أنام.. دعني أنام.

صبر: اين ذهب الذين كانوا يقطنون مكانك؟

العجوز: (يظهر) وما شأنك بهم؟

صبر: كيف وما شأني انهم أهلي، أمي وأبي وزوجتي، اين رحلوا.. أين؟

العجوز: (كمن يتذكر شيء) آ.. انت؟ لا لا يمكن.. لا أتصور ذلك.. إنك.. (يقاطعه)

صبر: أجل أنا هو.. صبر.. ولكن من أنت؟ وماذا تفعل في بيتنا؟

العجوز: أنا صديق أبيك.. ألا تتذكرني؟ صاحب متجر الطحين.. لقد اشتريت البيت من أبيك؟ ولكن قل لي لِمَ لم ترسل إليهم رسالة تطمئنهم عن وجودك؟

صبر: حاولت كثيراً ولكن ما استطعت.. لم يسمحوا لي بذلك.. لأنهم وضعوني في سرداب مظلم، كأنه الجحيم.. عشت في ظلم الإنسان للإنسان بلا ذنب ولا جناية.. لحظتها انتابني إحساس بأن الإنسانية أعظم كذبة في العالم.. آمنت بأن من الممكن أن أموت ومن الممكن أن أهزم ولكن لا يمكن أن أيأس ولذا قاومت.. (تداعي)

(يقف صبر أمام المحقق)

المحقق: أليس ما تلوت عليك هو من قريحتك؟ إنها قصيدةٌ (يصمت ثم يردف ) انك أسأت إلينا كثيراً.

صبر: لم اقصد الإساءة كما تعتقد.

المحقق: ليس المهم ما أعتقد.. المهم ألان أن تكتب إلينا وبالإبداع نفسه.

صبر: ثق.. حينما وقفت على الساتر الأمامي .. نسيت الشعر.

المحقق: (يضحك) إن أجمل ما فيكم أيها الشعراء كبرياؤكم الجوفاء وكذبكم.. اسمع (بحدة وتسلط) أنني أأمرك بأن تكتب عنا.. أريد أن تهجو أعداءنا وتمدحنا وتعريهم.. كما كنت هناك.. أن وافقت سنمنحك الحرية.. ستكون طليقا،ً سنعطيك قصراً كبيراً وامرأة جميلة وأجراً كثيراً ،قبل الإجابة.. لا ترتدي ثوب الحماقة والغباء.

صبر: لا يمكن أن أكون ذلك الإنسان الذي أينما علق قبعة قال هذا وطني.

المحقق: لا تتحدث.. بحديث المستعمر.. أنت شاعر.. والشاعر كالعندليب، يصدح على كل غصن يقف عليه فلا تتغابى وتكون من الخاسرين.

صبر: إنني لا أساوم.

المحقق: أيها الغبي.. جنيت على نفسك وستندم كثيراً.

صبر: بالتأكيد إنني لنادم على ما فعلت.. كان الأولى بي أن أقاتل حتى يموت (الشاجور) وأموت معه.

المحقق: (يصفعه على خده) سأجبرك على ما نريد، أجعلك تركع تحت أقدامنا وتكتب ما نشاء.

صبر: (من مكانه، يروي) سجلوا أسمي في سجلات المفقودين وعتموا وجودي عن أعضاء الصليب الأحمر.. وبقيت متنقلاً بين المعتقلات الوحشية والسجون الانفرادية.. تلقيت شتى أنواع التعذيب.. حتى إنني اشتهيت الموت.. كنت أتمنى الموت ولا لحظة تعذيب..

(تــــــــداعي)

(ينتقل إلى بقعة ضوء أخرى، يقف أمام جلاد سادي)

صبر: رفقاً بيَّ يا جلاد.. كفاك تعذيباً.. إنني لا أتحمل الألم.. آه..آه. نفد صبري.. وخرت عزيمتي.. وماتت إرادتي، ألا عميت عيون الموت التي لم تراني.

الجلاد: إياك إياك والتراجع فإنه يهدم حياتي ويلغي كياني ويحرمني من لذة ممارسة طقوس عبادتي بجسدك السماوي.

صبر: قلل من قسوتك معي.

الجلاد: لا أقـدر.. لن أتحمل.. لأن جسدك صومعتي فدعني أتعبد فيه.. أيها الإله العظــيم.

صبر: وهـن جسـدي ،أين الموت؟ ألا يأتي وينقذني منك؟

الجلاد: لن يقدر أن يأخذك مني وأن تمكن سيأخذ كلينا معه.. أتوسل اليك أبعد شبح الموت عنك.

صبر: ألم تتعب؟ ألم تجزع من التعذيب؟

الجلاد: أتعب (بوحشية) أجزع. إني كلما أعذبك أحس بكياني أكثر.. (أنا أعذبك أذن أنا موجود)(يمارس معه أقسى أنواع التعذيب)

زدني صراخاً. زدني ألماً.. إنني أسمع ذلك العزف المقدس الذي يأتي من سماء جسدك.

صبر: آه.. غير صنف التعذيب. لقد تحطمت عظامي (يجثو على ركبتيه راكعاً)

الجلاد: (يضحك بجنون) تألم.. تألم.. فجر جميع آلامك..إنني أحبك أكثر عندما تتألم.. أعبدك حينما تمزقك الآلام.. (يصرخ به) تمزق .. تحطم.. تألم.

(ينهض ثم يعود إلى مكانه.. يروي)

صبر: ثمانية عشر عاماً وأنا أعيش في صنوف التعذيب. تعذيب مكثف على أيدي أمهر الجلادين الساديين.. وفي لحظة، أطلق سراحي من الزنزانة فمات الجلاد.مات

العجوز: (يقاطعه) صبر يبدو عليك التعب والإرهاق.. هلا تفضلت عندي إلى الصباح؟

صبر: لا.. لا أستطيع.. أين هم الآن؟

العجوز: عذراً أن قلت لك ان أمك قد ماتت منذ سنين.

صبر: ماتت أمي؟ (يختنق بصوت متحشرج) ماتت أمي؟ ومنذ متى ماتت أمي؟

العجوز: منذ زمن بعيد.. ارفع رأسك يا رجل.. (كل من عليها فان)

صبر: لن أتحمل بعد قسوة الحياة.

العجوز: إن أباك وزوجتك بانتظارك.

صبر: (ينتبه إليه) أين هما الآن؟

العجوز: يقطنان هناك.. في ذلك القصر الكبير.

صبر: سأذهب إليهما

(المشهد الثاني)

(بقعة ضوء تظهر فيها واجهة أمامية لقصر كبير،صبر يقف أمام زوجته)

صبر: هل نسيتي من أنا؟ (بمرارة) ألا تعرفين هذا الصوت الذي كان يسمعك أحلى الكلام؟ أتتذكرين تلك الأيام التي كنت أهيم بها وأصفك بأجمل الأوصاف.. كنت تبكين فرحاً من كلماتي.. ليس من السهل أن تلغي وجودي من ذاكرتك.

المرأة: قاسيت كثيراً كي أنساك وان أجلو ذكرك من أعماقي.. لأنك رحلت بعيداً عني

صبر: لأجلك رحلت.. ومن أجلك حملت السلاح وقاتلت قتال البواسل .. نذرت حياتي لعينيك، لظفائرك (تقاطعه)

المرأة: (بصوت يشبه البكاء) كفاك تعذيباً .. لقد مات صبر منذ عهد بعيد.. لا تتحدث عن الأموات دع الموتى في قبورهم راقدين.

صبر: لكنني لم أمت.. وإن مت فإني برؤياك بعثت من جديد .. تعالي يا حبيبتي لنكمل الرحلة سوية.

المرأة: لا يمكن (يقاطعها)

صبر: لا تقولي لا .. لا ترفضي.. لأنني قفزت كل الموانع المزروعة بالألغام وطفرت السواتر ومشيت في طريق الموت.. وأنا أحلم بالعودة إليك.. وها إني عدت إليك.

المرأة: ليتك (تبكي) أرجوك إمض.. لا يمكن لنا أن نلتقي.. إمض.. إن كل الذي كان بيننا ضاع ، ضاع ، ومن الحماقة أن نبحث عنه.

صبر: الموت.. الموت وحده هو الذي يفصلني عنك.. هو الذي يجعلني أنساك.. أما سواه فلا.. لأنك ما زلت زوجتي وعلى ذمتي.

المرأة: كلا.. إنني امرأة رجل آخر.. عندما فقدت الأمل والرجاء تزوجت منه .. أرجوك أتوسل اليك ابتعد عني وانسى ما كان بيننا.

صبر: (لا يتحمل الصفعات المتلاحقة، يمسك رأسه.. يختنق، يفقد توازن جسده، يتحرك كالمخمور) أحقيقة ما أنا فيه؟ أم أنا في حلم أو كابوس مريع.. صبراً.. صبراً(يروم الذهاب،لكنه يتذكر أبيه).. أبي.. أ..ين..أ..بي.

المرأة: أتعبه الفراق.. شل جسده.. ماتت أطرفه.. فأدخلته في دار العجزة.

صبر: (يشعر بدوار) متى؟

المرأة: منذ ستة عشر عام أدخلته هناك.

صبر: (يستدير إلى الجانب الآخر ثم يتقيأ.. يستدير إليها) ستندمين..أجل ستندمين في يوم ما. عندما تكونين رماداً أيتها النار الغبية.



(المشهد الثالث)

(بقعة ضوء تظهر فيها غرفة موظف في دار العجزة)

صبر: إنه موجود هنا وأريد أن أراه

الموظف1: لن تراه اليوم .. تعال غداً

صبر: ولِمَ؟

الموظف1: أهو تحقيق؟ ثم من أنت حتى تتحدث معي هكذا؟

صبر: عفواً أيها السيد لأكن ما أكون .. المهم أن أرى أبي.

الموظف1: قلت لك غداً.. أو بعد غد وربما أسبوع، شهر،سنة ويجوز ان تراه في لحظة.

صبر: الآن.. الآن.. ولم لا أراه الآن.. ما المانع؟

الموظف1: لا توجد موانع ولا ألغاز ولا تعتيم.. لأننا نعيش في عهد الوضوح.

صبر: لم أستوعب.. لم أفهم.. إنني في غباء مطبق.

الموظف1: يا غبي ان المرتب الذي أتقاضاه لا يسد رمق أولادي.. بطونهم فارغة وأجسادهم عارية.. هل فهمت؟

صبر: نعم فهمت.. فهمت.. تريد رشوة.. أيها الخائن ألا تخجل؟ ألا تخاف؟

الموظف1: (يقاطعه) ممن أخاف؟ منك.. أنت

صبر: (يقاطعه) بل أنت مجرم

الموظف1: إياك وأن تزيد.. وإن زدت لزاد غضبي عليك.. كيف سمحت لنفسك أن تعتدي على موظف أثناء تأدية واجبه المقدس؟ من دون إنكار.. إنك اعتديت على آلاف مؤلفة ضحّت (بأسلوب خطابي) بدمائها وبحياتها من أجل الحرية (باختصار وازدراء) هيا أغرب عن ناظري.. وإلا أتصل بالجهات المعنية .. تخرجك من هنا مهاناً ذليلاً إلى السجن.

صبر: السجن.. السجن أرحم منك.. أفنيت عمري فيه فلم أجد فيه إنسان أوطأ منك .. أنت أنذل من صبر الذي ألقى بسلاحه على الأرض ورفع يديه معلناً عن جبنه.

الموظف1: (يرجع إلى الخلف خائفاً مرتبكاً) أنت خريج سجون.. (يهمس إليه) أكنت تتاجر بالممنوعات أم مجرم قاتل؟ .. أنت لص وربما محتال قذر.

صبر: أنا رجل مسروق .. هناك.. سرقوا مني أحلى سنين حياتي وهنا.. سرقوا مني كل شيء.. كل شيء، يبدو إنني أعيش في عصر السرقة.

الموظف1: تعيش في عصر السرقة.. في عصر الرقيق.. إن لم تنقّد لن ترى أباك قط ورب الكعبة.

صبر: للمرة الأولى .. أحس بأني إنسان سليب.. ضحية زمن صعب.. لا أستطيع ان أجد نفسي فيه.. أنا بحاجة إلى إنسان ينتشلني من هذا الضياع أو يحررني من هذه الكوابيس.. (يلتفت نحو الموظف1) أناشدك بحق الزنزانات والسجون الانفرادية .. أن تساعدني كي أرى أبي..

الموظف1: أنت إنسان جلف.. غليظ القلب، لا تستحق الشفقة والرحمة.. إنسان ميت الضمير. تحاول ان تقدم لأولادي طبقاً مليئاً بالزنزانات والسجون الانفرادية.. ظالم.. ظالم ، لا تستحق الرحمة والمساعدة.

صبر: (يخلع قميصه ويضعه على المنضدة) خذ هذا القميص اني لا أملك سواه.

الموظف1: لا بأس.. لا بأس.. ما أسم أبيك؟ ومتى دخل إلى هنا؟

صبر: اسمه وهب الواهب، اما تاريخ الدخول فقد قيل لي منذ ستة عشر عاماً جيء به إلى هنا (يبحث في السجلات القديمة، يعثر على السجل يتصفحه)

الموظف1: وجدته.. وجدته. دخل بتأريخ أم (يرفع رأسه) دخل إلى هنا.. ولكنه نقل بعد سنتين إلى مستشفى الأمراض العقلية. هذا ما مدون في السجل .. اذهب إليه ستجده هناك بانتظارك.. إنني آسف

صبر: لا داعي للأسف.. طالما رياح العفونة والفساد تهب من جميع الاتجاهات (يخرج)



(المشهد الرابع)

(بقع الضوء تظهر فيها غرفة المراجعين في مستشفى الأمراض العقلية، يدخل صبر عارياً لا يرتدي سوى لباسه الداخلي الطويل، وفي يده بنطاله )

الموظف2: تفضل ماذا تريد؟

صبر: عفوأ أيها السيد ( يقدم إليه البنطال بشكل رسمي) تفضل خذ البنطال هديةً مني.. مقابل ما ستقدمه الي من خدماتٍ جليلة.

الموظف2: (يشير بإصبعه) ضعه هناك (يضع البنطال على المنضدة) هل أنت تقرأ الكف؟ أم منجم؟ والا كيف عرفت، بأنني أتاجر بالملابس القديمة بعد الدوام.

صبر: ايها السيد أريد أن أرى أبي0

الموظف2: ما أسمه ومتى أحيل الينا؟

صبر: إسمه وهب الواهب ،دخل إلى المستشفى قبل أربعة عشر عاماً.

الموظف2: (ينظر إليه باستخفاف) إنظرني هنيهة ، (وآتيك به قبل أن يرتد طرفك) (يبحث في السجلات القديمة) أنت رجل عاق .. لا تستحق الحياة .. لِمَ لم تأتِ إليه من قبل ؟

صبر: لا داعي للتأنيب دلني عليه

الموظف2: (يتصفح في سجل قديم) خرج من المستشفى منذ اثني عشر عاماً.

صبر: أين ذهب؟

الموظف2: إلى المقبرة.. اذهب إليه.

صبر: لا تكذب علي ولا تتلاعب بمشاعري.. لن أعطيك أكثر.. دعني أراه.

الموظف2: يا سيد يا محترم.. مات أبوك، مات.

صبر: (يفقد توازنه العقلي ثم يبدأ يهجر) من الذي حكم عليه بالموت؟ أنتم؟ . لم قتلتم أبي؟ لم حولتم جسده إلى قطعة بلاستيكية وتاجرتم بها (يتصرف كالطفل) أريد أبي.. أريد أبي.

الموظف2: أنت رجل متزن وعليك ان تفهم بأن أباك مات.

صبر: (لا يعي ما يقول) بلزاك .. بلزاك كيف عاد كودو؟ (يصرخ بعنف) يا ليتني كودو بيكت. يا ليتني كودو بيكت (يدخل مدير المستشفى).

المدير: علام هذا الصراخ؟ ما هذه الفوضى؟ من أنت؟

صبر: (بكبرياء) ألا تعرف من .. أنا.. أيها السائل؟

المدير: (يهمس إلى الموظف) آتني بالموظفين ليأخذانه إلى الداخل (يذهب الموظف) عمن تبحث؟

صبر: أنا أم أنت؟

المدير: أنت .. تفضل أجلس (لا يستجيب إليه) حالاً سيأتي .

صبر: يا للبشاعة.. لم تريد أن تحولني إلى قطعة مطاطية وتقص رأسي بالمشار (يقترب منه مهدداً) إياك إياك أن تفعل ذلك.

المدير: أنت إنسان رائع.

صبر: أنا انسان رائع ..أماه ..زوجتاه.. أبتاه أنا إنسان رائع .(بتأنيب) ولد إجلس (يصرخ بالمدير ، يتقمص شخصية أستاذ جامعي) أنت طالب كسول .. لا فائدة منك (يلتفت إلى النظارة) لنكمل موضوعنا السابق.. العدم .. العدم هو أساس الوجود ، والوجود عدم (يتحرك باتزان ينظر إلى النظارة) سرى بوذا ليلاً إلى عالم العدم.. هبط عند الفجر ، احترق ، اصبح رماداً ، ذرته الرياح فوق المياه .. هكذا تحرر بوذا من الألم .. (يقترب من المدير) إن الإنسان يفكر بالسلم وقلبه مملوء بالدماء (إلى النظارة) لم يتخطى الرؤى التي تسيطر عليه لذا يبقى محدوداً

المدير: (يقاطعه) أمسكوه .

صبر: (يفيق إلى رشده) قفا.. مرة واحدة في حياتي أمسكت فيها ودفعت الثمن غالياً. ولكن الآن لا (يستدير، يهرب، بنتوميم، يركض ببطء. أصوات منبهات سيارات الإسعاف والنجدة تتبعه،يدور حول نفسه ثم يقفز في الهواء كالصقر) لا.

- أظــــلام – انتهت

5/12/002 بعقوبه

تأليف/ حامد الزبيدي


منقووووووووووووووووووووووول تحياتيـــ