مشاهدة النسخة كاملة : بين الدولة الدينية والدولة المدنية -تأصيل المصطلح أولا



توفيق
11-04-2011, 19:27
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بين الدولة الدينية والدولة المدنية -تأصيل المصطلح أولا

15 فبراير 2011
بقلم الدكتور أبو مروان أحد الإخوان المسلمين في مصر

بعد نجاح الثورة المصرية فى تغيير الأوضاع فى مصر أعلم أنه سيظهر على السطح حوارات كثيرة وجدل حول الفقه السياسى للحركات الإسلامية وعلى رأسها بالقطع الإخوان المسلمين وأول سؤال الدولة الدينية والمدنية ؟ أول طرق حل الخلاف هو توضيح الصورة الذهنية للدولة الدينية والدولة المدنية بين الإسلاميين والعلمانيين هذه مقالة للدكتور رفيق حبيب وهو يؤصل جيدا لهذه المسألة فلنقرأ ما كتبه
مصطلح الدولة الدينية تمت صياغته لإخافة الناس من الحركة الإسلامية رغم أن التعبير باللغة العربية لا يعني سوى الدولة التي تستند لمرجعية الدين، في مقابل الدولة غير الدينية التي لا تستند لمرجعية الدين.

ولكن تم إلحاق تعبير الدولة الدينية بمعنى الدولة الثيوقراطية، والتي تقوم على الحكم بالحق الإلهي المطلق، حيث يزعم الحاكم أنه يحكم نيابة عن الله، وأنه مفوض منه والدولة الدينية بهذا المعنى لا توجد أصلا في الإسلام، وهي نموذج غريب على الخبرة التاريخية الإسلامية لذا أصبح مصطلح الدولة الدينية محملا بمعاني لا تحتملها اللغة، ولا ترتبط بالمشروع الإسلامي ولكن تم صياغة هذا المصطلح لتكوين صورة سلبية يتم إلصاقها بالمشروع الإسلامي، حتى يحاصر بمعان سلبية، وتدخل الحركات الإسلامية في دائرة الدفاع عن مشروعها.

وقصد أيضا من هذا المصطلح، اتهام الحركات الإسلامية بأن ممارستها السياسية سوف تماثل الدولة القائمة على الحكم بالحق الإلهي أو التفويض الإلهي، حتى يتكون لدى الناس أو بعضهم، أن تلك الدولة تمثل نوعا من الاستبداد باسم الدين ويتم تصوير الحركات الإسلامية، على أنها تريد فرض الاستبداد باسم الدين وهنا يلاحظ أن بعض الخطابات العلمانية المستترة، تحاول فصل الإسلام عن الحركة الإسلامية، حتى تستطيع إدانة الحركة الإسلامية، دون إدانة الدين نفسه فيتصور بعض الناس أن الحركات الإسلامية، لن تطبق قواعد الدين، بل سوف تفرض رؤيتها على الناس، وتعتبر نفسها مفوضة من الله بالحكم.
وهنا يشاع تصور أن الحركة الإسلامية سوف تفرض حكمها على الناس، ولن تأتي باختيارهم، ولن تصل للسلطة بناء على تفويض شعبي، بل سوف تعتبر نفسها مفوضة من الله، فيحق لها الوصول إلى السلطة بأي طريقة، وفرض حكمها على الناس.
وفي المقابل نجد أن الأنظمة القائمة، وكل المشاريع العلمانية فرضت على الناس، ولم تكن باختيارهم كما أن بعض النخب العلمانية تحاول حصر العمل السياسي في الاتجاهات العلمانية، ومنع التيار الإسلامي من العمل السياسي، حتى تصبح هي البديل المتاح أمام الناس وكل التصرفات العلمانية، تلجأ إلى فرض واقع سياسي على المجتمعات بدعم غربي، أي إن معظم المشاريع العلمانية تلجأ إلى شكل من الوصاية على الناس، وفرض العلمانية بأدوات الاستبداد.
لذا فالمشروع العلماني الذي يطبق في مجتمع غير علماني، هو في الواقع يمثل الدولة المستبدة، حيث إنه يقوم على فرض وصاية نخب علمانية بدعم خارجي ولكن مصطلح الدولة الدينية، يحاول إلصاق تهمة الاستبداد بكل الحركات الإسلامية.
وبقدر ما تنجح تلك الحملة في تصوير الحركة الإسلامية، بأنها حركات تريد الاستبداد باسم الدين تفقد الحركة الإسلامية تأييد جزء من المؤمنين بفكرتها، فيصبح المؤيدون للحركة أقل من المؤيدين للفكرة وتجبر الحركات الإسلامية التي تعمل في المجال السياسي، على شرح فكرتها للرد على تلك الشبهات. وهنا يظهر مصطلح الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية، حيث يشرح هذا المصطلح طبيعة الدولة وأنها مدنية وليست دينية، وتقوم على المرجعية الإسلامية. فأصبح من الضروري تجنب القول إن الدولة الإسلامية دولة دينية، بعد أن تم تشويه تعبير الدولة الدينية، رغم أن هذا التشويه ليس من صميم التعبير نفسه.
ثم أصبح لزاما على العاملين في المجال السياسي الإسلامي، التأكيد على أنهم مع الدولة المدنية، وكأن الدولة المدنية هي شرط له توصيف محدد، وعليهم قبوله رغم أن كل دولة هي دولة مدنية، عدا الدولة العسكرية، والتي تقوم على حكم الجيش ولكن مصطلح الدولة المدنية، ولأنه فرض على الساحة في كتابات النخب العلمانية، وأصبح معيارا تواجه به الحركة الإسلامية، تحول بالنسبة للنخب العلمانية، إلى شرط تضعه وتعرفه وتحرسه، ثم تقيس موقف الحركة الإسلامية على تعريفها لهذا المصطلح، حتى ترى ما إذا كان من الممكن أن تعطي الحركة الإسلامية صك الاعتراف بفكرتها عن الدولة مدنية أم لا.
ولأن تعبير الدولة المدنية إيجابي، لذا يتم تسويقه بين الناس، وتحويله إلى أداة اتهام للحركة الإسلامية. والملاحظ أن تعريف الدولة المدنية غير واضح في كتابات النخب العلمانية، ولكن المدقق يكتشف أن هذه النخب تتكلم في الواقع عن الدولة العلمانية وليس عن الدولة المدنية ومصطلح الدولة المدنية ليس مصطلحا متعارفاً عليه، ويمكن أن يكون التوصيف الأقرب له، أن الدولة المدنية هي التي تعبر عن المجتمع وتكون وكيلة له وتستند لقيمه، ويختار فيها المجتمع حكامه وممثليه ويعزلهم ويحاسبهم، وبهذا التعريف تصبح الدولة المدنية مطابقة لمعظم الاتجاهات السياسية الإسلامية.
ولكن مفهوم الدولة المدنية لدى النخب العلمانية يتوسع للعديد من المفاهيم الأخرى، والتي تلحق فكرة الدولة المدنية بالمرجعية العلمانية.

ولأن الكثير من السجال بين التيارات السياسية ليس مباشرا، بل يعتمد على المراوغة، لذا يتم تشكيل مصطلح الدولة الدينية وفي مقابله مصطلح الدولة المدنية، حتى يفتح باب الجدل المستمر بين النخب العلمانية والحركة الإسلامية، وهو جدل لا ينتهي لأن المصطلحات لا يحدد لها معنى واضح. ثم يتم إلحاق عدد من المصطلحات بمصطلح الدولة المدنية، مثل المساواة والمواطنة وحقوق الإنسان، وهي تعبيرات إيجابية، ويمكن أن يكون لها معان متعددة، ولكن يتم توصيف تلك المصطلحات بالمعنى السائد في السياسة الغربية، مما يسمح ضمنا بتمرير معان علمانية داخل هذه المصطلحات الإيجابية، مع البعد عن عنوان العلمانية.
والملاحظ أن الحركة السياسية الإسلامية، تؤكد من جانبها على أن فكرتها تشمل تلك المعاني الإيجابية، وتحاول التأكيد على معنى تلك المصطلحات مرتبط برؤيتها الإسلامية، وليس بالمعنى الشائع في الأدبيات الغربية، في محاولة للرد على الاتهامات المتكررة، والتي تهدف لتشويه صورتها. ولكن تلك المعركة كان لها أثر سلبي على التيار الإسلامي، لأنها أبعدت العديد من فصائل التيار الإسلامي عن العمل السياسي، والتي تريد ممارسة السياسة بخطاب يقوم على المصطلح الإسلامي التاريخي، ولا تريد قبول ما يفرض في الساحة السياسية من مصطلحات.
وفي ظل هذه الظروف أصبحت بعض التيارات الإسلامية ترى أن المجال السياسي يفرض عليها شروطا، وقد تؤدي تلك الشروط لتنازلات، فتظهر الاتجاهات التي ترفض العمل السياسي، وفي نفس الوقت تظهر الاتجاهات التي تحمل السلاح في وجه الدولة، وترفض أي ممارسة سياسية سلمية. وهو ما يزيد من شدة الاختلافات داخل الساحة الإسلامية، ويفرق بين الحركات الإسلامية، ويجعل مواقفها من العمل السياسي، كافية لمنع التنسيق والتعاون بينها.

وتكتمل تلك الصورة من خلال موقف بعض الأطراف الإسلامية، والتي تحاول التكيف مع الشروط المفروضة من قبل النظم العلمانية والنخب العلمانية، لأن هذه الشروط مدعومة ومحمية غربيا. وتبدأ سلسلة من محاولات التكيف المؤقت أو النهائي مع الشروط السياسية المستمدة من النموذج الغربي العلماني، مما يؤدي إلى تعددية في الخطاب الإسلامي، ليست نابعة من تعدديته الداخلية، ولكن نابعة من الحصار المفروض عليه، وحرب الشعارات والمقولات التي تشن عليه.
وهو ما ينتج عنه تغييب نسبي للملامح الأساسية للمشروع الإسلامي، وتغييب أيضا للغته الخاصة ومصطلحه الخاص، مما يؤثر على قدرته على حشد الجماهير، لأنه يفقد أحيانا قدرته على طرح شعارات خاصة به، تمكنه من توصيل فكرته إلى الناس من غير تشويه متعمد لفكرته وشعاره. فالمشكلة التي تواجه الحركة الإسلامية، ليست في معرفة الناس بحقيقة تلك الحركات، ولكن في الصورة المشوهة عنها التي تبثها آلة الدعاية العلمانية.