مشاهدة النسخة كاملة : الدنيا هوس في هوس / ..



توفيق
15-07-2011, 00:50
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الدنيا هوس في هوس / ما أحوجنا أن نجدد صحبتنا للشيخ عبد القادر الجيلاني "رحمه الله"

http://farm7.static.flickr.com/6024/5937654720_e076a44d31_b.jpg

ابك على نفسك!
بسم الله الرحمن الرحيم. )رب ارحمهما كما ربياني صغيرا(. اللهم عافني في جسدي، وعافني في بصري، واجعله الوارث مني. لا إله إلا أنت الحليم الكريم. سبحان الله رب العرش العظيم. والحمد لله رب العالمين.
لم يكن ابن القيم بدْعاً من العلماء في صحبته لشيخ أخذ بيده حتى أراه مطالع الإيمان، وحتى رآى على يده آثاراً عظيمة "محجوبة عن زمرة العميان". وقد رأينا نماذج من سعي العلماء إلى المشايخ الربانيين يجثون أمامهم على الركب.
وما منهم إلا من أخبر عما آتاه الله من الفضل حين "ورد" الكأس الصافية. وقد تركوا لك شهادات مشفقة على شكل نداء لفطرتك يَسْتَنْهِضُونَكَ لتطلب كما طلبوا وترِد كما وردوا. فاجلس معي لأسمِّعك عسى أن تتيقَّظ همتك، وتَنْبعث، وتسير، وتصحب، وتذكر الله، وتحب الله ورسوله، وتبلغ مبالغ الرجال، فأكونَ السعيد بأن أجدك في صحيفتي ونلتقي هناك في رحمته، بمحض فضله وكرمه، إنه سبحانه الكريم.
قالَ لَكَ الشيخ الإمام القدوة مولانا عبد القادر الجيلاني قدس الله سره: "يا غلام!(...) دَأبُ الله عز وجل مع عباده المصطَفَيْنَ المُجْتَبَيْنَ أن يقطعهم عن الكل، ويبْتليهم بأنواع البلايا والآفات والمحن، ويُضيق عليهم الدنيا والآخرة وما تحت العرش إلى الثرى. يُفْني بذلك وجودهم، حتى إذا أفْنى وجودهم أوْجدهم له لا لغيره، أقامهم معه لا مع غيره. يُنشئهم خلقا آخر كما قال عز وجل: ) ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ، فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ( (سورة المؤمنون، الآية: 14). الخلق الأول مشترك (مع سائر بني آدم)، وهذا الخلق مفرد. يفرده عن إخوانه وأبناء جنسه من بني آدم. يغير معناه الأول ويُبَدِّله. يُصَيِّرُ عاليَه سافلَه. يَصِيرُ ربانيا روحانيا"[1].
وخاف عليك شيخ الإسلام ابن القيم أن لا تصدق التحويل الذي يحول الله أولياءه، فقال لك: "وما أظنك تصدق بهذا! وأنه يصير له وجود آخر. وتقول: خيال ووهم! فلا تعجل بإنكار ما لم تُحط بعلمه، فضلا عن ذوق حاله، وأعط القَوْسَ بارِيَها وخلِّ المطايا وحادِيَها"[2].
وقال لك الشيخ عبد القادر قدس الله سره: "ويحك! تدعي أنك منهم! ما علامتهم عندك؟ ما علامة قرب الحق عز وجل ولطفه؟ في أي منزلة أنت عند الحق عز وجل وفي أي مقام؟ ما اسمك وما لقبك في الملكوت الأعلى؟"[3].
وقال: "يا منافق! طهر الله عز وجل الأرض منكَ! ما يكفيك نفاقك حتى تغتاب العلماء والأولياء والصالحين بِأكْل لحومهم! أنت وإخوانك المنافقون مثلُك عن قريب تأكل الديدان ألسنتكم ولحومكم، وتقطعكم وتمزقكم.( … ) لا فلاح لمن لا يُحسن الظن بعباد الله عز وجل وبعباده الصالحين ويتواضع لهم. لِمَ لا تتواضع لهم وهم الرؤساء والأمراء؟ من أنت بالإضافة إليهم؟ الحق عز وجل قد سلم الحل والربط إليهم. بهم تمطر السماء وتُنبت الأرض"[4].
وقال: "يا غلام! تفكر في أمرك!(...) ما أنت صادق ولا صِدّيق ولا مُحب ولا موافق ولا راض ولا عارف! قد ادعيت المعرفة بالله عز وجل: قل لي ما علامة معرفته؟ إيشْ ترى في قلبك من الحُكْم والأنوار؟ ما علامة أولياء الله عز وجل وأبدال أنبيائه؟"[5].
وقال: "هذا العبد الذي وصل إليه( … ) يصير مِطْرَقاً للخلق جَهْبَذاً (أي خبيرا كاشفا للعيوب المبطنة) سفيراً دالاًّ إلى باب الحق عز وجل. فحينئذ يدعى في الملكوت عظيما. ( … ) لا تَهْذِ! أنت تدعي ما ليس لك، وما ليس عندك! أنت نفسُك مُستولِيَةٌ عليك والخلق والدنيا كلها في قلبك! هما في قلبك أكبر من الله عز وجل. أنت خارج عن حدِّ القوم وعدِّهِم. إن أردت الوصول إلى ما أشرتُ إليه فاشتغل بطهارة قلبك( … )، واصبر مع القَدَر، وأخْرج الدنيا من قلبك. وبعد هذا تعال إليَّ حتى أتكلم معك( … ). وقبل هذا فالكلام هَذَيانٌ!"[6].
واقرأ أخي وأختي ولو مرة كتاب "الفتح الرباني" فكله رسالة واحدة، وصية واحدة، من هذا الرجل المبارك الذي أجمعت الأمة على توقيره. وإن كان في الكتاب أحاديث ضعيفة وواهية فإن شيخ المحدثين الإمام أحمد رحمه الله لا يرى بأسا في الاستشهاد بالضعيف في فضائل الأعمال.
وأوصاك الإمام الجليل القدوة الشيخ أحمد الرفاعي قدس الله سره فقال: "أي أخي! أين أنت؟ في أي واد؟ تهيم في وادي وهمك! تَسرح في ميادين قطيعتك! اللهَ اللهَ بك! أحْرِصُ عليك والله أن تنقطع! أخاف عليك أن تخذل!(...) يا أخي لا تَحْرِدْ (لا تهرب) مني إذا انقطعتَ وأنت تظن الوصل، ورأيت أنك عالم وأنت على طائفة من الجهل. فقد فاتك السَّوْمُ، وسبقك القوم، وعمك اللوم"[7].
وترك لك عندي نصيحة أخرى تقول: "أيْ محجوب! تزعم أنك اكتفيت عنا بعلمك! ما الفائدة من علم بلا عمل؟ ما الفائدة بعمل بلا إخلاص؟ الإخلاص على حافة طريق الخطر من ينهض بك إلى العمل؟ من يداويك من سم الرياء؟ من يدلك على الطريق القويم بعد الإخلاص؟"[8].
ووصية أخرى تقول: "أي سادة! أحذركم الدنيا! أحذركم رؤية الأغيار! الأمر صعب، والناقد بصير. إياكم وهذه البطالات! إياكم وهذه الغفلات! إياكم والعوالم! إياكم والمحدثات! اطلبوا الكل بترك الكل. من ترك الكل نال الكل. ومن أراد الكل فاته الكل. كل ما أنتم عليه من الطلب لا يُصلحه إلا تركه والوقوف وراءه. وحِّدوا المطلوب تندَرِجْ تحت توحيدكم كل المطالب. من حصل له الله حصل له كل شيء، ومن فاته الله فاته كل شيء"[9].
إن كان ما قرأته من وصايا الرجال هيج شوقك، فاسمع قوارع الكلام يحاول به أهل الله وخاصته أن يَخِزُوا به همتك وأنَفَتك وخزاتٍ مؤلمة عساك تنهض ولا ترضى بما دون اللحاق بهم ومنافستهم وسبقهم. ولم لا تطلب والله لا يزال وهَّاباً كريما!
رجل من بني آدم طلب فوجد، وسلك فوصل يخاطبك: "يا من باع كل شيء بلا شيء، واشترى لا شيء بكل شيء! قد اشتريت الدنيا بالآخرة، وبعت الآخرة بالدنيا! أنْتَ هَوَسٌ في هَوَس! عَدَم في عدم! جهل في جهل!"[10].
ويخاطبنا وقد هاج عليه إخلاصه قائلا: "إن أردت الفلاح فاصبرْ على مطارق كلامي. إني إذا أخذني جنوني لا أراك! إذا ثار طبع سري، طبع إخلاصي، لا أرى وجهك! وأريد الصلاح وإزالة الخبث عن قلبك، وأطفىء الحريق عن بيتك، وأصون حريمك.(...) أنت كسلان! أنت جويهل! ألَيْكِع! عندك أنك أعْطِيتَ شيئا! كم سَمَّنَتْ الدنيا مثلك وأكلته؟ سمنته بالجاه والكثرة ثم أكلته. لو رأينا فيها خيرا ما سبقتنا! )أَلاَ إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ( (سورة الشورى، الآية: 53)"[11].
ويخاطبنا معاشر الخربين من الباطن بحدَب الحريص المُشفق فيقول: "إذا صفا السر تَعدّى الصفاء إلى القلب والنفْس والجوارح والمأكول والملبوس، وتعدى إلى جميع أحوالك. أولُ ما يَعْمُر داخلُ الدار، فإذا كملت عمارتها خرج إلى عمارة الباب. لا كان ظاهر بلا باطن! لا كان الخلق بلا خالق! لا كان باب بلا دار! لا كان قُفل على خَرِبَة! يا دنيا بلا آخرة! يا خلقا بلا خالق! جميع ما أنت فيه لا ينفعك يوم القيامة"[12].
ويحثنا جَزاه الله خيرا على الإخلاص فيقول: "أنت صنم بلا روح! جِلْدٌ يابس بلا معنى ولا قوة! لا تصلح إلا للنار! عبادتك لا إخلاص فيها؟ فإذاً لا روح فيها! لا تصلح أنت وعبادتك إلا للنار! ما تحتاج تتعب إن لم تُخلص في الأعمال!"[13].
ويقول: "يا أحمق! أنت في قيام وقعود بلا إخلاص. تصلي للناس وتصوم وعيناك إلى أطباق الناس وإلى ما في بيوتهم. أيَا خارجاً عن الأنام! يا منفردا عن وصف الصديقين والربانيين!"[14].
ويقول: "يا غلام! أراك قليل المعرفة بالله عز وجل وبرسوله، قليل المعرفة بأوْلياء الله عز وجل وأبدال أنبيائه وخلفائه في خلقه! أنت خالٍ من معنى! أنت قفص بلا طائر! بيت فارغ خراب! شجرة قد يبست وتناثر ورقها"[15]. أيقصد الشيخ الجليل تحقير أحد من المسلمين؟ حاشا معاذَ الله! إنما هو أسلوب لإيقاظ النائمين.
ما بال القوم يختارون لك من العبارات أنفذَها إلى القلوب؟ ما بالهم لا يملون إخبارك عن العبودية وصفاتها، والألوهية ومُصافاتها، وطريق الولاية وشروطها؟ إنهم لآخرتهم يحرثون. يا هذا! لا تظن أن بهم هما غير الله، والدلالة على الله، وتحبيب العباد إلى الله الذي يفرح بتوبة عبده ذلك الفرح. فهم الحريصون على أن يلتقي قضاء الله لك أيها السعيد، وسابقته الأزلية لك بالحسنى، مع كلمة تسمعها منهم تكون سبب يقظتك وتشميرك فينالوا عن طريقك مثوبة من الله ورضوانا.
هذا واحد ممن أبلى البلاء الحسن في إيصال رسالة الربانية إليك، أسمعك عَذْبَ حديثه بعد أن سمعتك قوارع الجيلاني الكبير. هو ابن القيم الطيب الكريم. يبلّغك على يدي هذه المختارات من هداياه إليك، وارجع إلى كتبه لتقطف مزيدا من الأطايب.
قال رحمه الله، لا يعنيه أن تصدق أو لا تصدق بعد أن بلغ الجهد معك وبلغك: "فلو فُرضت لذات أهل الدنيا بأجمعها حاصلة لرجل، لم يكن لها نسبة إلى لذة جمعية قلبه على الله، وفرحه به، وأنسه بقربه، وشوقه إلى لقائه. وهذا أمر لا يصدق به إلا من ذاقه. فإنما يصدقك من أشرق فيه ما أشرق فيك"[16].
وقال لك رحمه الله عزاءً في ضَيْعتك: "ومن لم يعلم معنى وجوده لله عز وجل والفوز به، فليَحْثُ على رأسه الرماد، وليبك على نفسه!"[17].
وقال يهيب بالقاعدين مثلنا السالكين في ديار الشهوات والغفلات إلى السفر إلى المولى الكريم: "من لم يسافر ولم يخرج عن وطن طبعه ومرباه، وما ألِف عليه أصحابَه وأهلَ زمانه، فَهو بمعزل عن هذا. فإن عرف قدرَه، وكفى الناسَ شره، فهذا يُرجى له السلامة. وإن عدا طَوْرَه، وأنكر ما لم يعرفه، وكذب بما لم يحط به علما، ثم تجاوز إلى تكفير من خالفه، ولم يقلد شيوخه، ويرضى بما رضي هو به لنفسه، فذلك الظالم الجاهل، الذي ما ضر إلا نفسه، ولا أضاع إلا حظه"[18].
إن كنت أخي وأختي ممن يستبعد أن يصرف العقلاء وقتهم وجهدهم في العبث والفراغ، فاصبر معي في الفصول المقبلة حتى أصف لك أحوال الأولياء، وأصف لك طريق الولاية. وإن كنت من الصنف الآخر الذي قرأت عنه في هذه الصفحة، وكان رِضَى رُفقتك وأهلِ زمانك أحبَّ إليك من رضى الله تطلبه مع الطالبين، وكان الإنكار والتنكر أوفق لطبعك من التصديق، وكانت النفرة من كلمة النصيحة ألصق بنفسك وأشهى إليها من الانقياد، فاطو هذا الكتاب وانفض يدك وقل: كلام فارغ! كما قال غيرك، وهذا فراق بيني وبينك.
واعلم من هنا أن ألف كتاب تحفظه لا يتقدم بك شعرة في الطريق إلى الله إن لم تنبثق فيك إرادة ويقظة وهمة وطلب ولم تجد من يسدد خطاك من رجال عصرك. وتكفي كلمة صادق في لحظة صفاء في لقاء شفوي أو مقروء يباركه الله تعالى ليُورَى زَنْدُكَ، وتظلم الدنيا في عينك، لا يقِرُّ لك قرار حتى تضع قدم قلبك في مدارج العقبة لتقتحمها، ولتكون من أهل المناجاة والنجوى، والقرب مع ذوي القربى. كان الله معك!
قال لك وامق محب على لسان حضرة القرب:
لا يُبعِدَنَّــك عَتْبُنا عن بابنـا فالعهــد بـاقٍ والوِدادُ مُصــانُ
فبجاهنا وبِحُسْنِنَا وبلطْفـنــا شاع الحديث وسارت الركبـان
وإذا ذَلَلْــتَ لِعــزِّنـا ذلـت لعــ ــزتك الملــوك وهابك السلطــان
يأيهــا العشــاق دونكـم السبــ ــاق فهذه الشقــراء والميــدان

وقال محب لك في الله يبشرك بالعقبى إن قدرت على الثمن:
يا طـالبـاً للـمعــالي مـهر المعــالي غَـالـي
قـدِّمْ فـأول نـقــد مُعَـجّـلُ الآجــال
ما استعذبَ الموت إلا من ذاق ذَوْقَ الـرجـال
حـَمَـاه دون وصــال حَمَاه حَـدُّ النـصــال
كذا القـصور العـوالي حُفَّتْ بسُمْـرِ العـوالـي
والشـهْـدُ دون جـَـناه لَذْعٌ كـحَــرِّ الـنَبـال

وقلت وأنا الحريص عليك الشفيق:
يَا طالبــا للمـعــالــي تبـغـي لَحَاق الرِّجــال
شـمِّـر بعــزمٍ لِتــرقى لِشـاهقـات العــوالـي
وغالبِ الجُبنَ واهجُـم بمَـاضِيــات النِّصــال




[1] الفتح الرباني ص 51.
[2] مدارج السالكين ج 3 ص 327.
[3] الفتح الرباني ص 58.
[4] نفس المصدر ص 68.
[5] نفس المصدر ص 113.
[6] نفس المصدر ص 261.
[7] البرهان المؤيد ص 75.
[8] نفس المصدر ص 44.
[9] نفس المصدر ص 39.
[10] الشيخ عبد القادر في "الفتح الرباني" ص 105.
[11] الفتح الرباني ص 333.
[12] نفس المصدر ص 111.
[13] نفس المصدر ص 128.
[14] نفس المصدر ص 275.
[15] نفس المصدر ص 79.
[16] مدارج السالكين ج 3 ص 163.
[17] نفس المصدر ج 2 ص 452.
[18] نفس المصدر ج 1 ص 159.

كتاب الإحسان للأستاذ المرشد عبد السلام ياسين

رابط الكتاب : www.yassine.net/ar/document/315.shtml

رابط الفيديو :www.youtube.com/watch?v=1Y7DM1LBcgI&feature=share