مشاهدة النسخة كاملة : رشحات البال لما في صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من الأنوار:



عمرسعيدالحسني
03-09-2011, 09:27
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد و على آله و صحبه و بعد
-تذكير:
يستاثر أهل الله تعالى عبر الأجيال بفهوم سنية في الفهم و الإستنباط ، وفي معاجة النفس بالتربية و التزكية ، و في مراقبة الروح و معرفة ما يخالجها من الطوارئ و النوازل. و للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم حضور نوراني في مذكراتهم ، لذلك تجد اساليب و عبارات فاضت بها أرواح علية وجدت في المعين النبوي ذاك الفهم و الرشد و الحكمة و الصلاح ، و كيف لا تربو هذه القلوب و هي ترتع في رياض الرحمة و البركة و المدد ، والرافة و النور فهو صلى الله عليه النور الممتد و الجوهر الفرد صلى الله عليه وسلم ، أرحم الخلق بالخلق و الداعي ألى الله بالحق بالأذن و التأييد و السلطان .
وبين أيدينا نموذج من الصلوات التي حوت على معان جليلة و أذواق سنية في التعلق بالجناب النبوي العالى بالله يقول صاحبها : ( اللهم اطو لساني بالصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم ، حتى يكون لي في كل نفس بقدر ذرات العوالم كلها ألسنة اصلي بها على النبي صلى الله عليه وسلم بكل لغات خلقك ، من العرش الى الفرش ومن بدء البدء ألى ما لا نهاية لكمال الله و بقائه ن حتى أنغمس في أنواره صلى الله عليه وسلم فأكون نورا روحانيا كليا استمد منه العلم و الفهم و الحكمة و الرشد و صلاح أمر الدنيا و الآخرة فصل اللهم على هذا النبي الأمي الزكي صلاتك الدائمة الأبدية الأزلية و على آله وصحبه وسلم).
لا شك أن الحقائق الربانية تفيض على العبد الطالب لوجه الله تعالى ، بمجرد ما يتخذ من الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم وردا ، بل و توجها خالصا مستحضرا الجناب العالي بالله جناب النبوة ، وتزداد قابليته للترقي عند و قوفه على معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم.
و الحقيقة الآدمية في الإيجاد و اللإمداد و الإستمداد و الإستحضار متعلقة بالحب المفرط بل الفناء الكامل في ذكره صلى الله عليه وسلم و الصلاة عليه ، فلا يفلح من يفلح الا من اتخذ من الآية الكريمة الآمرة المخبرة للمؤمنين بأن الله تعالى و ملائكته عليهم السلام لا يفترون عن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، فأن كان الحضرة الألهية ثم الحضرة الملائكية تصلي عليه صلى الله عليه وسلم فما موقعك في وجودك الآدمي ثم كينونتك في سرب الصالحين ثم تشوفك لمقامات الأولياء المقربين ، و أنت عاجز عن أدراك الصلاة عليه صلى الله عليه و سلم الصلاة الحقيقة.؟
1.مقدمة:
من لم يجد الحضور النبوي في كل شيء لم يفلح ؟
من لم يدرك الحضور النبوي في الكون من العرش الى الفرش الى ما لا نهاية لم يفلح؟
كانت الكلمات التي أذكرها في هذه المشاركة اليتيمة الفقير صاحبها الى نظرة نبوية رحيمة اشد وطئا علي و أنا أقرئها في كتاب الأبريز و كتاب رشحات الحياة للأمام الهروي ، ثم لشروحات الولي الصالح سيدي محمد مرون دفين مدينة تطوان على الصلاة المشيشية ، ينبه فيها السالك الى أمر عظيم يغفل عليه بعض المريدين ، كيف أصلي على الحبيب صلى الله عليه و سلم.؟
لم قال صاحب الصلاة : اللهم اطو ؟
وهو يشير ألى معنى الطي في الذكر و الغيبة عن اللفظ و الوقوف العددي ثم الحضور المكاني ، ثم الفيض الزماني عند الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم بل و حتى عنذ ذكر الله تعالى ؟
كيف يكون العدد موافقا للحضور في زمان و مكان معين فيسري نور الصلاة في الجسد و القلب و الروح ثم يملأ المكان ، ثم يقف الزمان عند ذكر أشرف الخلق ليستمر في ديمومته و أبديته يتباهى و يتفاني بل يملأ الكون بانواره ، فيوافق الذكر ذكر الحبيب صلى الله عليه وسلم فتكون رشحات الحياة الحقيقية تسري في أوصال العبد و مشاشه ، يطهر النور النبوي العقل فيشرق بالحكمة ، ثم الفهم بمعنى الرحمة ، ثم تكون الإرادة الرشيدة مقرونة بالعمل الصالح على المنهاج و الطريقة النبوية في كل شيء في كلية الأمر و جزئياته ، فتستقيم الخطى على الهدي النبوي.
الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم في أمرها الخاص و العام ، الفردي و الجماعي قضية القضايا بل لب وجودنا ، ما خلقنا ألا لنصلي عليه صلى الله عليه وسلم ، فهي من العبادات التي أمرنا الله بها ، و جعل قابليات و استعدادات العباد متفاوتة.
ليس بعد هذه الحقيقة حقيقة سوى أننا رغم فعل الصلاة و مدامتنا عليه نظل عاجزين عن أدراك كنه الصلاة التي أخبر الله بها خلقه.
الصلاة المستمرة الأبدية الدائمة عليه صلى الله عليه وسلم.
يجد بعض الحمقى ممن يعبدون النص و ليس خالق النص و مبلغ النص صلى الله عليه وسلم تغاليا في مدح الفقراء المساكين الوالهين بالجلال النبوي ، فيرى الحقيقة المحمدية التي يتغنون بها بل و يتفانون في التعلق بها شرك ، كيف يكون الحضور النبوي في الكون ، و كيف يتحسسه العبد ، ويتصل به و يسمر به و يتلذذ بالمشاهدات النبوية و يستمد من الجناب النبوي لذيذ الخطاب ، و خصوصية الفهم ، و معاني الرشد ، و أنوار الحكمة.؟ كيف سيفهم عنك أنك ترى النبي صلى الله عليه وسلم حيا و أنه حي في كل زمان و مكان ، حاضر ظاهر باطن في كل شيء ، يستمد منه الكون كل الخير و النعمة و الفضل و الحب و الرحمة؟
اسال الله تعالى أن يرحمنا آمين.

عمرسعيدالحسني
03-09-2011, 09:28
2.حقائق و إشارات :
للغفلة حيز كبير في حياة الإنسان لضعفه و انكساره أمام دواعي النفس و الهوى و الشيطان. و تزداد حبائلها إن لم يكن له في يومه حبل متين يشد به عضده و يهيأه للحضرة مهما كانت غفلته.
و لخلافته عن الله تعالى شرف نيابة و مناط تكليف.فكيف يتخلص العبد من هذه الغفلة ؟ و تسمو روحه للري من مناهل الحضرة النبوية و حقائقها النورانية؟.
ترى غالبية الأفكار التي انبثقت من الفكر الحر و العقل المعاشي أن الإنسان مجرد وجود همل أو حلقة و آداة أنتاج ، و في المناهج النفسية قواة مدركة و أحاسيس لا تستحق الكبت بل التنمية و التطوير.وهلم جرا.
ولم يكن الإنسان في الوحي شيئامذكورا ، إلى أن تكرم الله عليه و أحب أن يعرف و يعبد فخلقه من نطفة أمشاج يبتليه فجعله سميعا بصيرا.!! و كان في وجوده عبد حامل للمنتقضات ، مستأثر ا عن باقي المخلوقات في أنانية فريدة معنى النيابة بأيجابياتها و سلبياتها.
الخلافة عن الله معنى خاص ، و للعبد الغير المذكور وظيفة و تكليف ثم حمل للأمانة.للأنانية حضور خاص في الإنسان ، لكنها تتلاشى و تندثر بمجرد ما يقوم العبد بفعل الحمد ، حمد الله على نعمه ، ثم حمد لله أن جعل الله من الوحي بابا بل وسيلة إتصال الأرض بالسماء.
أ.عبد يوحى إليه :
أصبح الوحي مجرد كلمة ثراثية ، ليس لها وقع و لا معنى . تجد في التصانيف الأكاديمية كلمة الوحي رديف الصرع ، أو الأمراض العصابية ، أو الخيالات الوهمية المتعلقة بتلباتي و الباراسيكولوجيا لا غير. النبي مجرد رجل عاش و مات اختلط عليه الوهم بالواقع و الخيال بالحقيقة ، فكانت كلماته غامضة عن رب يعبد و شريعة تنزل وأقوام سذج تتبع. في حين الوحي أمر عظيم و ليس بالهين.
و في صراعات الأجيال المؤمنة ، تجد بعض طوائف من المسلمين عن حسن نية ، أن تعظيم و تقديس جناب النبوة و تعظيمها و تسييدها شرك و فعل مشين ، صرح أحد الفاعلين في الحركات الأسلامية ، أن محمد صلى الله عليه وسلم رسول قد خلت من قبله الرسل ، و أن لكل زمان رجال ، الرجل اختنق بسبب تدخل لأحد المشاركين مستشهدا بالكلمة المشهورة لأحد المستشرقين ، لو كام محمد نضيف صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا لحل مشاكل العالم وهو يحتسي كاسا من القهوة! ، أختنق غفر الله لنا و له ، وهو في أحدى مشاركاته في مجلة يسارية مغربية يصف من يرى محمد صلى الله عليه وسلم يقظة مخبول و مجنون يستحق دخول المارستان ؟ و في فكره التجديدي يضع علامات استفهام حول حضور مميز للمجددين ، ويصفها بالخرافات ، ويدعو لمجتمع المؤسسات ، و قراءة لثراثنا التربوي و التاريخي بمعايير عقلية ؟
عندما أقر أ في كتاب الله قوله تعالى : ( و النجم إذا هوى ، ما ضل صاحبكم و ماغوى ، و ما ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى ، علمه شديد القوى ، ذو مرة و استوى ، وهو بالأفق الأعلى ، ثم دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى ، فأوحى إلى عبده ما أوحى،ما كذب الفؤاد ما رأى ) النجم آ 1 إلى 11. ما ذا أفهم ؟ و ماذا أتلقى من حقائق ؟

يقول الشيخ عبد السلام في فقرة من فقرا كتابه محنة العقل المسلم حول معنى الوحي : (ما هو الوحي ؟
جذبت عناية الله السابقة عبده محمدا صلى الله عليه وسلم إلى ميقات نزول الوحي عليه، لما بلغ الأربعين من عمره حبب إليه الاعتزال والتحنث (وهو التعبد). فكان يخرج إلى غار حراء الليالي ذوات العدد يتزود لذلك.
روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها أن الوحي فاجأه في الغار. فجاء الملك جبريل عليه السلام فقال له : اقرأ. قال صلى الله عليه وسلم : "فقلت ما أنا بقارئ". فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد". ثم غطه الثانية والثالثة. ثم قال له : ﴿اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم﴾ (سورة العلق، الآيات : 1-5).
قالت عائشة رضي الله عنها : "فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده. فقال لخديجة : زملوني، زملوني ! حتى ذهب عنه الروع. فقال لخديجة -وأخبرها الخبر- لقد خشيت على نفسي !
"فقالت خديحة : كلا ! أبشر ! فوالله لا يخزيك الله أبدا ! إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق".
فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي -وهو ابن عم خديجة أخي أبيها- وكان امرء تنصر في الجاهلية. وكان يكتب الكتاب العبراني. فكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب وكان شيخا كبيرا قد عمي.
فقالت خديجة : يا ابن عم ! اسمع من ابن أخيك. فقال له ورقة : يا ابن أخي ! ما ذا ترى ؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى.
فقال له ورقة : هذا الناموس الذي نزل الله على موسى. يا ليتني فيها جدعا ! ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك !
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أو مخرجي هم ؟ ! "
قال : نعم ! لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي. وإن يدركني يومك حيا أنصرك نصرا مؤزرا".
هكذا نزل الوحي على رجل ما كان له علم بالناموس الذي ينزله الله على من يشاء من عباده.
ما كان يعلم، فلذلك فزع من رؤية رجل غريب يخاطبه ويغطه (أي يضمه بشدة) ويطلب إليه أمرا ليس له به عهد وهو الأمي.
لم يكن فيلسوفا متطلعا إلى ميتافيزيقا. لا ولا قارئا مثقفا مطلعا على تاريخ الأنبياء.
إنما كان رجلا منصرفا إلى شأنه في تجارته وأسرته وقرابته كما ينصرف الناس، حتى استيقظت الفطرة في قلبه. فرفع بصر قلبه إلى الأفق الأعلى، إلى أفق السؤال المفتقر. فجاءه الجواب الخاص الذي ينزله الله على صفوة خلقه، وهم رسله وأنبياؤه عليهم السلام.
سردنا كيف نزل الوحي. وليس الكيف والحدث جوابا عن عنوان هذه الفقرة الذي يطلب تفسير ماهية الوحي.
ما هو الوحي ؟
يستطيع كل أن يجيب بما عنده من تخرص أو استنتاج أو تعريف لغوي.
فالمحلل النفسي المستشرق يستجمع آلات صناعته ليستدل على أن الرجل كان صادقا في الإخبار عن الحدث. لكنه، مثل غيره ممن يعانون من الذهان وانفصام الشخصية خاطبته أشباح هلوساته.
وقال المعاصر الذي كذب وتولى بعد أن فكر وقدر وعبس وبسر : ﴿إن هذا إلا سحر يوثر، إن هذا إلا قول البشر﴾.
وقال آخرون ممن صموا عن سماع النداء : مجنون، كذاب، أفاك.
وقال اللغوي : الوحي الإشارة السريعة.
وقال الله عز وجل : ﴿وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أويرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء. إنه علي حكيم﴾ (سورة الشورى، الآية : 48).
فالوحي كلام يكلم الله به عباده المصطفين إما للاهتداء في حد ذواتهم، فتلك النبوءة، وإما يصطفيهم سبحانه لحمل رسالته لمن يشاء من خلقه، وتلك رسالة الرسل عليهم السلام، وقوامها النبوءة.
يوحي سبحانه إلى أنبيائه ورسله بالكلام القدسي كما أوحى إلى موسى عليه السلام، أو يرسل أمينه على وحيه جبريل عليه السلام فيوحي بإذنه ما يشاء.
ويوحي سبحانه إلى عامة المستجيبين للرسل بواسطة الرسل عليهم السلام كما قال تعالى : ﴿وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة﴾ (سورة الأنبياء، الآية : 72).
ويوحي إلهاما كما قال عز وجل عن النحل : ﴿وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا﴾ (سورة النحل، الآيتان : 68-69).
ويوحي سبحانه إلى عمار السماوات من الملائكة كما قال عز وجل : ﴿وأوحى في كل سماء أمرها﴾ (سورة فصلت، الآية : 11).
ويوحي إلى الملائكة أمره العزيز في المواقف الخاصة كما أوحى إليهم سبحانه في واقعة بدر : ﴿إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا، سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب. فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان﴾ (سورة الأنفال، الآية : 12).
وأوحى سبحانه إلهاما إلى أم موسى عناية منه سبحانه بوليدها السعيد : ﴿وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني. إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين﴾ (سورة القصص، الآية : 6).
ويوحي سبحانه ببشرى في المنام للسعداء من المومنين كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الوحي ارتفع من بعده وبقيت لأمته المبشرات وهي جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة.
فاجأه الوحي صلى الله عليه وسلم وأفزعه، لأنه لم يكن ينتظر الحدث الجلل. كما قال الله عز وجل يخاطبه فيما بعد : ﴿وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك﴾ (سورة القصص، الآية : 86) وقوله عز من قائل : ﴿ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان. ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا﴾ (سورة الشورى، الآية : 49).
جاءه الوحي صلى الله عليه وسلم. كلمه ربه بواسطة الملك الكريم. وأمره بالقراءة إذ القراءة مفتاح العلم. وعلمه الجواب الإجمالي عن السؤال الفطري الذي يلح على القلوب السليمة وتعمى عنه وتجهله وتتجاهله الفطر المريضة.
﴿اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق﴾ (سورة العلق، الآيتان : 1-2).
في أول جملة كلم بها الحق سبحانه خاتم أنبيائه وتاج رسله، جاء الجواب بأن الله هو الخالق لا الأصنام، ولا الأبوان، ولا الطبيعة، ولا السلحفاة الماكرة في جزر الجلاباجوس تكيف أعضاءها لتتلاءم خلقتها مع البيئة المحيطة.
وفي ثاني جملة إخبار بأصل خلق الإنسان في أحشاء ظلمة البطن، علقة ثم خلقا بعد خلق حتى يستوي الجسم ويخرج إلى الوجود الخارجي لغزا على نفسه إلا أن تتداركه العناية الإلاهية فيصغي.
وحمل صلى الله عليه وسلم الرسالة إلى العالمين مبدأها الأول معرفة الخالق وتوحيده وعبادته.
جاءت الرسالة إلى الأرض لينشأ لها دعاة وحملة ينصرون الرسول ويجاهدون إلى جنبه. واختار العلي الحكيم سبحانه أمة أمية فارغة من كل علم، قليلة البضاعة من مكتسبات الحضارة، قبائل متفرقة تظهر إحدى معجزات الرسول المبعوث في جمع كلمتها، جاهلة سرعان ما تتعلم لتكون بعد فترة وجيزة أستاذة العالم.
كانت العرب في جاهليتها تعبد أصناما، لكل قبيلة وفخذ وأسرة صنمها المفضل. يصنع المتواضعون آلهتهم من خشب منحوت أو حجر منصوب أو خبز يأكلونه عند الحاجة. ويستورد عسلية القوم أصنامهم من الشام وأطراف الشام المتحضرة المتقنة للفنون الهانستية التي احتلت بثقافتها تخوم بلاد العرب منذ غزوات الإسكندر المقدوني.
وحي يتلى على قوم أميين بهرتهم بلاغته، وأعجزهم بيانه وهم بلغاء العرب وفصحاؤها، فكان الوحي وإعجازه وتحديه الذي لم يرفعه منهم رافع أظهر المعجزات. ومعجزات أخرى كثيرة ظهرت تأييدا إلهيا على يد الرسول كما تظهر على أيدي رسل الله عليهم سلام الله.
وحي يحمله رجل عرف بالأمانة والصدق والشرف.
ومعجزات خارقات مثل شق القمر. وقوم أميون قريبون من الفطرة مجردون من الحمولة الحضارية الثقيلة التي تغلف الإنسان في أردان مادته ومصنوعاته ومنحوتاته الصنمية الحجرية أو الفكرية الفلسفية.
قوم مع ذلك لبعضهم على بعض سيادة، وامتيازات ورئاسات ومصالح.
وعودي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوتل. ونهض معه النهضة العظيمة التي نقرأها في السيرة قوم سمعوا واستجابوا.
وصحب الوحي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مراحل جهاده. في الأحداث الكبرى مثل مسراه ومعرجه الشريف حين ناجاه ربه سبحانه منه إليه. وفي غزواته الحاسمة مثل بدر وأحد والفتح وحنين والعسرة.
وصحبه الوحي صلى الله عليه وسلم يفصل له ولأمته ما فرض الله عليها وما أحل وما حرم. ويبشر وينذر.
كان الوحي في مكة لمدة ثلاث عشرة سنة يركز انتباه المؤمنين والمؤمنات على التوحيد وعلى الآخرة. ثم كان جل ما تناوله بعد ذلك الحث على الجهاد، وضرب الأمثال بصبر الرسل وجهادهم، وتوجيه المسلمين في المواقف التي يحار فيها الرأي، وأحكام التشريع.
لم يقص الوحي العقل المعاشي المدبر للشؤون الحياتية. بل نصبه أميرا في مجالاته المشتركة بين البشر عندما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصار في مسألة تأبير النخل : "أنتم أعلم بأمور دنياكم".
ولم يعتقل الوحي العقل المدبر المبتكر اليقظ المتفاعل مع الأحداث يعرف الضار من النافع، والأليق من المخطئ.
لذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستشير أصحابه ويستطلع رأيهم ويتوسط في خلافاتهم فيما يرجع للرأى والحرب والرحلة والمنزل والقسمة. مستهديا هو وهم بالوحي واقفين عند نصه وروحه، مجتهدين في التطبيق حسب الاستطاعة والمقدار الموفي بالغرض، وحسب الزمان والمكان.
وتنوعت طرق نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة يشاهدون ويعيشون مع الوحي والموحى إليه في وقائع يومية تأكدوا فيها من صدق الصادق الأمين وازدادوا إيمانا على إيمان.
قال تعالى : ﴿وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا. فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون. وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون﴾ (سورة التوبة، الآية : 126).
كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم الهيبة العظيمة في قلوب أصحابه رضي الله عنهم. بشريته واصلة بينه وبينهم، يشاركهم في المطعم والملبس والمسكن والسراء والضراء والمرض والصحة والفقر والغنى. وكان الوحي واصلا بينه وبين القدس.
كان الواسطة صلى الله عليه وسلم. وتلك نموذجيته التي أخبر عنها قوله تعالى : ﴿قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد﴾ (سورة الكهف، الآية : 105).
وتلتقي البشرية المحمدية مع الوحي، فيسأله الصحابي الحارث بن هشام : "يار سول الله ! كيف يأتيك الوحي ؟ فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشده علي، فيفصم عني وقد وعيت ما قال، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني. فأعي ما يقول".
ومرات زارهم الأمين جبريل عليه السلام على صورة دحية رجل يعرفونه، فيحسبون أنه من يعرفون، حتى يخبرهم صلى الله عليه وسلم أنه جبريل جاءهم يعلمهم دينهم.
كانوا يعرفون من تغير بشريته صلى الله عليه وسلم متى ينزل عليه الوحي. فيقول عبادة بن الصامت رضي الله عنه : "كان نبي الله إذا أنزل عليه كرب وتربد له وجهه". وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم إذا أنزل عليه الوحي "غمض عينيه، وتربد وجهه".
كان الوحي حدثا يوميا وأمرا معروفا وظاهرة مألوفة.). مقتبس عن كتاب محنة العقل المسلم بين سيادة الوحي و سيطرة الهوى، الشيخ عبد السلام ياسين.
قال الله تعالى يخاطب حبيبه صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ، صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ﴾ [2]. روح من الله إلى رسول الله. نور محمول إلينا، باق بين ظهرانينا. به فقط يستنير لنا المنهاج، الصراط المستقيم، صراط الله الذي له ما في السماوات من غيب نؤمن به، وما في الأرض من حقائق محرقة تصطلي الأمة بنارها. والله ورسوله الملجأ. فأين نذهب؟ كل المذاهب الضالة جربت فينا ففتكت بنا. ونور الله بين أيدينا. يا للهلكة! هلكة من يتحدث عن محمد العبقري بطل القومية. قال تعالى يخاطب أمثال هؤلاء: ﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى، وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [3]. عبد يوحى إليه. والوحي والرسالة مناط الإيمان كله. لذلك يركز وَثنيو القومية وأساتذتهم من المستشرقين هجومهم على الوحي والرسالة ليتعتعوا المسلمين عن يقينهم بأن الرسول مبعوث مأمور من لدن خالق الأرض والسماء، خالق الإنسان ومصيره من الدنيا للآخرة. وبنعوت خبيثة كالعبقرية والبطولة يحاولون أن يمحوا وجه العبد الذي فزع لما باغته الوحي ورأى جبريل، ثم استأنس، ثم تلقى القرآن، ثم دعا قومه، ثم أوذي في الله فصبر، ثم ربى وجاهد، وهدى الله به العالم إلى يوم القيامة. عبد لا يشرع من عنده، وإن خطط فتطبيقا للوحي يصحبه التوفيق الإلهي. وإن حمل السلاح فاستجابة للأمر الإلهي. وإن قال فبالله، وإن تحرك فبإذنه، وإن غضب فله، وإن أحب ففيه. عبد رباني إلهي. عبد يوحى إليه.
كان القرآن ينزل طريا مواكبا للمسيرة التاريخية موجها لها. هو العلم، وهو المنهاج، وهو البرنامج، وهو النور الهادي إلى صراط الله. وكانت نظرة العبد الرسول صلى الله عليه وسلم ونظرة أصحابه مجتمعة لا تشتت فيها. لم يكن القرآن تراثا يحتل حيزا من الفكر ورفوفا من المكتبة، بل كان هو الفهم، وهو العلم، وهو الحياة. كان تناقض صارخ بين أحوال الجاهلية وبين ما يدعو إليه القرآن. فنهض أهل القرآن. خرقوا كل سياج يصد عن سبيل الله. حطموا المنكر وغيروا الواقع حتى يستقيم على ما يأمر به الله. كانت وحدة مشخصة في العبد الصادق الرسول، ممثلة في كلمة الله الموحى بها، ماثلة في جماعة هي جيل القرآن كما يقول سيد قطب رحمه الله.
لم تكن الحياة أشتاتا ونتفا في سلوك أهل القرآن. الحياة والموت، الدنيا والآخرة، العابد والمعبود، كانت جميعا يلفها في عقيدة التوحيد والرسالة والملائكة والبعث والقدر شرعة واحدة. يسير بها في صراط الله منهاج واحد. لم تكن العاطفة في واد والعقل تائها في التحليل الفلسفي. كان الإنسان جميعا. نحن أشتات اليوم. فمعنى اتباعنا المنهاج النبوي أن نجتمع عقلا وعاطفة، ماضيا وحاضرا ومصيرا، دينا ودنيا وآخرة، أفرادا على بينة من هويتهم وعبوديتهم لله ومسؤوليتهم أمامه، وجماعة على بينة من مصيرها التاريخي فيها استعداد وقدرة على الجهاد. بالقرآن انكشف لجيل القرآن ما في النفس البشرية والكيان البشري الكلي من أسرار كانت غامضة حتى علمهم إياها الوحي. وبه ارتفع عن أعينهم التناقض الظاهر العقلاني بين الإنسان والإنسان، بين الإنسان والجماعة، بين البشر والكون. بالقرآن ابتنيت نفوس مؤمنة، ومجتمع مؤمن، وحركة في العالم إيمانية. بالقرآن عرف أهل القرآن الله عز وجل، وبه استناروا في سلوكهم النفسي ومعراجهم الروحي في معارج الإيمان. وبالقرآن كانوا القوة التي حطمت باطل الشرك، وبه أقاموا العدل.) من كتاب القرآن و النبوة ، نفس المؤلف.
و لعل القارئ يجد نوعا من الإستغراب حول هذه المعاني ، وما علاقتها بالوحي ؟
لعلنا نجهل في ضمائرنا ، و لا تتحسسه عقولنا معنى الوحي ، و للوحي حضور ماثل أمامنا عبر الأزمان لا تكذبه الحقائق التاريخية و لا العلمية . فإن كنا عاجزين عن إدراك ما نحن فيه من النعمة ، نعمة أن أرسل الله ألينا أحب خلقه صلى الله عليه وسلم يوحي لإليه ليعلمنا ؟ فكيف سنتعلم منه كيف نصلي عليه صلى الله عليه و سلم.؟
من كلمة من ؟ من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا ! صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهل عند الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم يصلي علينا الله عشرا ؟ هل كلنا حقا ؟.
في اشارة من ، دعوة الى البحث و التقصي ، سرعان ما تكتشف أن صلاتنا مجرد لقلقة لسان ، و رغم ذالك فهي رحمة ، حاشاه صلى الله عليه وسلم أن يغفل عنك و أنت مغفل ساه تفكر في الضيعة ، و الرحلة ، و الجاه ، و أنت تصلي عليه صلى الله عليه و سلم ، وهو برغم ذالك بك رؤوف رحيم.!
تجد في كتاب دلائل الخيرات كلمة ، هي بحق مفتاح لأدراك الصلاة ، عبارة نيابة عنا ؟
نسال الله تعالى أن يرحمنا آمين.

عمرسعيدالحسني
03-09-2011, 09:31
ب. العبد الجامع :
تجد في مذكرات أهل الله تعالى ، كلمات جامعة مانعة تشير الى فهم خاص ، و استنباط فريد. غير أن هذه المصطلحات لفظا لا أصل لها في القرآن و السنة ، بل أجتهد أهل الطريق في وضعها مع سند مماثل في الأصلين.
يقول الشيخ الأكبر ابن عربي قدس الله سره في الصلاة الأكبرية : ( ...وارض اللهم عن خليفته في هذا الزمان ، من جنس عالم الأنسان ، الروح المتجسد و الفرذج المتعدد ، حجة الله في الأقضية ، وعمدة الله في الأمضية.
محل نظر الله من خلقه ، منفذا أحكامه بينهم بصدقه ، الممد للعوالم بروحانيته ، المفيض عليهم من نور نورانيته ، من خلقه الله على صورته ، و أشهده أرواح ملائكته ، وخصصه الله في هذا الزمان ليكون للعالمين أمان.
فهو قطب دائرة الوجود، ومحل السمع و الشهود.
فلا تتحرك ذرة في الكون ألا بأذنه ، و لاتسكن إلا بعلمه.
لأنه مظهر الحق ، ومعدن الصدق .
اللهم بلغ سلامي إليه و أوقفني بين يديه.
و أفض علي من ممده ، واحرسني بعدده ، و انفخ في من روحه كي أحيى بروحه ، لأشهد حقيقتي على التفصيل ، و أعلم منها القليل و الكثير، و أرى العوالم الغيبية تتجلى بصوري الروحانية ، فأكون مع الله آله ، بين أفعاله و صفاته ، ليس لي من الأمر شيء معلوم و لاجزء مقسوم .فأعبده في جميع الأحوال بل بحول ذي الجلال و الإكرام.يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه ،
اجمعني به و عليه و فيه......).
كيف يدعو الشيخ الأكبر و يتضرع و يستعطف مولاه في لقاء الخليفة ؟
وهو من هو ملأت الدنيا تصانيفه ، و فاحت أذواقه ، وتدفقت معارفه.
من هو الخليفة ؟ صاحب المدد و البركة و الفيض ، الممد للعوالم بالأنوار ، القائم بالوراثة النبوية مصالح العباد و الخلائق.
من تتحرك الدنيا و تقعد بقعوده اشارة الى النصرة و القوة و التاييد ، ممن كان لهم حضور استثنائي في تاريخ المسلمين .
في الصلاة الأكبرية إفشاء للسر و هتك للستر ، لكن في عمق تعابيرها دعوة للتفكر و التبصر.
تبدأ رحلة العبد الجامع لفضائل التربية و العلم ، بالنفخ في ظلمات ثلاث فيستوي رشيدا ممكنا قائما على قدم جناب النبوة مستعدا لتحمل أعباء الرسالة و الدعوة ومهنة التمريض و التزكية.
فتجتمع الأمة على فضله و يناوئه من يناوئه لكنه منصور بالله.
في القرآن إشارة الى الهاد ، و المنيب ، والولي المرشد ، والرباني ، و الصديق و الولي.
وهي كلمات توحي بنفس المعنى و ان أختلفت الفهوم، غلى وجود رجل رباني دال على الله ، عبد جامع للعلم و الفهم و الحكمة و الرشد و صلاح أمر الدنيا و الآخرة.
وهذا ماأشارت أليه الصلاة التي نحوم حول معانيها قبل أن نشرع في شرحها.
.....( حتى أنغمس في أنواره صلى الله عليه وسلم ، فأكون نورا روحانيا كليا.....) كيف ينغمس العبد الطالب لوجه الله تعالى في أنوار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أن لم يكن له شيخ كأمام للصلاة.
يقول الشيخ عبد السلام ياسين في هذا المعنى العامة العامة يقصدون الشيخ للتبرك به، يسألونه الدعاء في حاجة مريض أو غائب أو رزق. وقد يصادف أن تقضى تلك الحاجات والمزورُ كذّاب دجّال استدراجا من الله عز وجل وخذلانا. وقد يكون المقصودُ ممن قال الله فيهم: "ولئن سألني لأعطينّه"[1]. فيكون الزائر مغبونا أشد الغبن إذا أوقفه الله على باب من أبوابه فلم يسأل إلا عافية الأولاد وسراح السجين وإدرار الرزق.
من المشايخ من له حظ من الولاية لا يؤهله لأكثر من إشمام جلسائه وأصحابه رائحة الرائحة، فمهما كان باعث المريد القاصد عاليا فالغنيمة لا تعدو قبضة من الخير في درجة التقوى والاستقامة. ومن المشايخ بحارٌ زخارةٌ بالأنوار، مفتوح لهم الباب، يجذبون القاصد ويرفعونه ويرقونه ولو جاء بباعث دونٍ. ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
كما أن هنالك درجات في سمو باعث المريد ودُنوهِّ، فهنالك أيضا درجات في أهلية الشيخ. والأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف كما قرأنا في الحديث. وحظوظ العباد من الله تعالى ومما يؤدي إلى معرفته جل وعلا من لقاء الرجال الواصلين الموصلين قدَر مقدور وكتاب مكتوب. اللهم مُنَّ علينا بمعرفتك ومعرفة أحبابك.
يشترك العامة المتبرِّكون والمريدون الصّادقون في ميلهم إلى الغلوِّ في الشيخ، خاصَّة إن كان من أصحاب الكرامات الظاهرة والبراهين الساطعة والهداية والتيسير. وينبري علماء الشريعة رضي الله عنهم، حراسُ الحدود، ليدفعـوا بلاء الغلوِّ غيرةً منهم على مقام النبوة والإلهية أن يزاحما، وخوفا منهم أن يؤديَ الغلوّ إلى الشرك والعياذ بالله. لذا نجد الفطاحل من أمثال ابن تيمية يعترف بمقام المشيخة، لكن يهون من شأنه إلى حد ما. فالشيخ المربي عنده بمثابة إمام الصلاة يَجوز الاستغناء عنه إن صمم المصلّي أن يضيع أجر الخمس وعشرين ضعفا الموعودة لصلاة الجماعة خلف الإمام. فاعتراف ابن تيمية رحمه الله بالمشايخ وإعطاؤه إياهم مرتبة إمام الصلاة شيء لا يُستهان به. وهو حكم شبيه بفتوى ابن خلدون في الحالات التي يُطلب فيها ابتغاء الشيخ دون أن يكون ابتغاؤه شرطا ضروريا، حسب الباعث والمراد.
قال شيخ الإسلام: "والشيوخ الذين يُقتدى بهم يدلون عليه (أي على الله جل جلاله)، ويرشدون إليه، بمنزلة الأئمة في الصلاة(...)، وبمنزلة الدليل الذي للحاج، يدلهم على البيت وهو وَهُمْ جميعا يحجون إلى البيت، ليس لهم من الإلهية نصيب، بل من جعل لهم شيئا من ذلك فهو من جنس اليهود والنصارى الذين قال الله في حقهم: )اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ( (سورة التوبة، الآية: 31)"[2].
ويسرد جزاه الله خيرا، صيغ الاسثغاثة بالأحياء والأموات الفاشية في العامة ليشدد النكير عليها. وهذه ذريعة خليقٌ بكل صادق أن يتجند لسدِّها.
نستمع الآن إلى أهل الفن ماذا يقولون في المشيخة. واحد من أحبائهم، اللاحقين بهم إن شاء الله، هو عز الدين بن عبد السلام. له معهم "قدر مشترك" أوفى من قدر شيخ الإسلام الذي عاب عليه معاصروه أنه "لم يتأدب بشيخ". فمعرفة سلطان العلماء الشافعي المنفتح بالمشيخة وأنوارِها أدقّ من معرفة الفاضل الحنبلي الفارس المتصدي للبدع. وكلاهما مفخرة للمسلمين.
قال ابن عبد السلام: "اعلم أن الخلق كلهم أطفال في حجر تربية الحق سبحانه يُغذِّي كل واحد من خلقه على قدر احتمال معرفته. فغذاء الرجال لا يصلح للأطفال، ومراكب الأبطال لا تصلح للبطّال. ألا ترى أن الطفل لمّا لم يُطِق تناول الخبز واللحم، أطعمته حاضنته فوصل إليه (الغذاء الذي يتضمنه الخبز واللحم) بواسطة اللبن ولو أطعم ذلك مجردا لمات. ومن هنا يقال: من لا شيخ له لا قبلة له، ومن لا شيخ له فالشيطان شيخه"[3].
الشيخ إذن أكثر من إمام الصلاة، بل هو قبلة وحاضنة مُغذية.
فإذا جئنا إلى أساتذة الفن وجهابذته وجدنا المعرفة الأكمل بما هو الشيخ، لأن من يتكلم عن حال واتصاف ليس كمن يراقب من خارج الأسوار عن بعد أو قرب ويصف ما لحظته عيناه من ظواهر الأمور. ولئن كان سلطان العلماء طفلا أرضعته أثداء المشايخ السخيّة لمّا جاء طالبا راغبا، فإن أمثال الشيخ عبد القادر والشيخ الرفاعي قدس الله سرهما هم المغذون والأئمة والقبلة، قبلة القلوب والحب، لا قبلة العبادة والصلاة.
قال الشيخ أحمد الرفاعي: "عليكم أي سادة بذكر الله! فإن الذكر مغناطيس الوصل، وحبلُ القُرب. من ذكر الله طاب بالله. ومن طاب بالله وصل إلى الله. ذكر الله يَثْبُتُ في القلب ببركة الصحبة. المرء على دين خليله. عليكم بنا ! صُحْبَتُنَا تَرياقٌ مجرّب، والبعد عنّا سم قاتل. أيْ محجوب! تزعم أنك اكتفيت عنا بعلمك! ما الفائدة من علم بلا عمل؟ ما الفائدة من عمل بلا إخلاص؟(...) من ينهض بك إلى العمل؟ من يُداويك من سم الرياء؟ من يدلك على الطريق القويم بعد الإخلاص؟ ) فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ( (سورة النحل، الآية: 43).. هكذا أنبأنا العليم الخبير"[4].
إنك يا غافل لا تقرأ إشهار رجل يدعو الناس إلى نفسه، إنما تقرأ نصيحة عالم عَدْلٍ يمحض جلساءه الوصية، ويوصي مَن بَعْدَ زمانه من الصادقين بأن الدواء والترياق هو الصحبة والذكر. الذكر والصحبة. "والبعد عنا سم قاتل". نعم والله ولو حَيِيتَ حياة العافية في بدنك وظاهر إسلامك! هل طبت بالله كما طابوا؟ هل وصلت كما وصلوا؟ اسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون.
من وراء الخبرة و"المعاناة" التي وصفها ابن خلدون أمْرٌ زائد، رحمة خاصة يجعلها الله في قلوب أصفيائه، ويجعل طريق امتصاصها إقبال المريد بصدق، وتعلقه بشيخه كما يتعلق الرضيع بأمه، بمحبة وجوعة وشوق.
كان سلوك القرون الأولى سلوك مجاهدة ورياضة لها قواعدها ورجالها كما وصف كلَّ ذلك القشيري في رسالته والغزالي في إحيائه. والشيخ في سلوك المجاهدة مُرشد وصاحب في الطريق وخبير بالعلل وبركة وقدوة. بعد أن أظهر الله كبار المشايخ مثل الجيلاني والرفاعي والشاذلي من بعدهم أصبح السلوك شيئا فشيئا عن طريق الشكر. المجاهدة مُكَابَدَةٌ وصبر وصمت وعزلة وصوم وذكر وهم في الخلوات، حتى كان من المشايخ من يمنع مريده من مخالطة أحدٍ عدا شيخه. وطريق الشكر أيسر وأقرب، للشيخ و"مغناطيسيته" وبركته فيها الغناء الأول.
ونرجو من كرم من له الفضل والمنة والرحمة سبحانه أن يتصل مدد السالكين فيما يستقبلنا من زمان بحضرة النبوة فيكون السلوك جهاديا عفويا جامعا مانعا رائعا كما كان في عهد الصحابة وهم في حضن خير البرية صلى الله عليه وسلم.
أنت يا من يعتز بعلمه، ولا عمل، فإن كان عمل فلا إخلاص، أيُّ شيء بيدك تريد أن تخرِق به سدود ما بينك وبين ربك مما صنعته غفلتك ورياؤك؟ معك إبرةٌ! اسمع الجيلاني ناصِحَكَ: "يا هَوَس! تغفل! ائتوا البيوت من أبوابها، من أبواب شيوخ الفناء الذين فنوا في طاعة الله عز وجل. صاروا معانيَ، صاروا جليسي بيت القرب. صاروا أضياف الملك يُغْدى عليهم بطَبَقٍ ويراح عليهم بآخر. وتُغَيَّر أنواع الخِلَع (الأوسمة بلسان العصر)، ويَطوف بهم مملكتَه، أراضيَه وسماواتِه، أسراره ومعرفتَه. أنت من وراء حائط عرضه فرسَخٌ، ومعك إبرة. كيف لك أن تثقُبَ! القوم إذا وصلوا إلى ذلك الحائط فتح لهم ألف باب، كل باب منها يدعوهم للدخول إليه"[5].
واسمعه يقول: "هذه الطريق لا تُسْلَكُ مع النفس والهوى(...)، هذا شيء لا يجيء بِعَجَلَتِكَ. يحتاج إلى حبال ورجال وصبر ومعاناة ومجاهدة. وأن تصحب بعض ملوك المعرفة حتى يدلك ويعرِّفك ويحمل عنك ثِقلك. تمشي في ركابه، فإذا تَعِبتَ أمر بحملك، أو أردفك خلفَه، إن كنت محبا أردفك خلفه، وإن كنت محبوبا أركبك في سَرْجه وركب هو خلفك. من ذاق هذا فقد عرفه. القعود مع أهل الأهليّة نعمة ومع الأغيار المكذبين نقمة"[6].
اللهم من علينا برحمتك العظمى، واحمل عنا الأثقال، ويسر لهذه الأمة من الرّجال من يفتح للجهاد ألف باب لا كَإِبَرِ المكذبين.
قال محب حضرتهم:
لِيَكْفِكُمُ ما فيكمُ من جـوىً ألقى فمهـلا بنا مهـلا ورِفقـا بنا رِفقـا
وحُـرمةِ وُدّي لا سئمـت هـواكـم ولا رُمتُ لي منه فَكاكـا ولا عتقـا
سأزجـر قلبا رام في الـحب سَلوة وأهجره إن لم يـمت فيكمُ عشقـا

وقال متيم في هواهم:
ما نـاح في أعلـى الغصـون هـزار إلا تشــوقـت لتــلك الديــارْ
ولا سـرى مـن نحـوكم بــارقٌ إلا وأجـريت الدمــوع الغــزارْ
وا أسفــي أيـن زمـان الحِـمـى وأين هـاتيـك الليـالي القصــارْ؟
وا حرّ قلبي فمتى نلتقي؟ وتنطفي مـن داخــل القـلـب نــارْ؟
وأنظــرُ الأحـبـاب قـد واصـلـوا ويأخـذ الوصل من الهجـر ثــارْ
أقـول للنفـس أبـشــري باللقــا قد واصـل الحِـبُّ وقـرّ القــرارْ

وقلت زادني الله قربا لجنابه ورزقني محبته ومحبة أحبابه:
وا أسفي على زمـن مضــى حَسرتَا فرَّطتُ! والعُمرُ طارْ
بالَّله ضُمُّــوني لجَـمْـعِــكُــمُ أهلَ الصَّفـا فما لنا منْ قــرارْ
تُبــتُ لِـرَبّي فــأنــا ضــارِعٌ إليه يرحـمُ دمــوعي الغــزَارْ




[1] كما جاء في الحديث القدسي المذكور آنفا.
[2] الفتاوي ج 11 ص 499.
[3] بين الشريعة والحقيقة ص 29.
[4] البرهان المؤيد ص 43.
[5] الفتح الرباني ص 37.
[6] نفس المصدر ص 24. ) كتاب الإحسان.
و للصلاة على النبي صلى الله عليه دور كبير بل ترياق مجرب في الدلالة على صاحب الوقت ، أو الولي المربي . و قد ذكر أهل الله تعالى في مذكراتهم التربوية كيف كان المريد يرى في شيخه وراثة النبوة ، فيمتثل له بالأدب و الصحبة و الذلة و الطاعة في ما أمر.
وهنا معنى خطير نسال الله تعالى أن يرفعه الله من أهل الإستبداد التربوي ، أن يكون المريد في يد شيخه كالميت في يد الغسال. وهي مقولة خطيرة استغلها أحفاد الشيخ الطينيون في استعباد الخلق لشهواتهم الشخصية خصوصا بعد انتقال الولي المربي الى الله ، فيرث ابنه العصى و الخرقة و التسبيح ، مع مصائب أخرى يستغلها فإذا به يدل على الشيطان و يعبده و ليس الله ، وكم من طريقة ماتت و تلاشت بموت مربيها.
نسأل الله تعالى أن يرحمنا آمين.

عمرسعيدالحسني
03-09-2011, 09:32
.رشحات البال لما في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من الأنوار : ج.الإمداد
في الصلاة الأكبرية للإمام ابن عربي قدس الله سره ، كلمة مانعة جامعة تدل على وظيفة الخليفة ، الإمداد .
" الممد للعوالم بروحانيته " ، وهي أشارة تهتك سترا لطيفا حول الولي وماله من الكرامات الحسية و المعنوية ، وحول هذه الإشارات الغير المفهومة عند البعض، الملغومة عند آخرين اشد عنادا ، كان من خطأ أهل الله تعالى ، أن دونوا في كتبهم و مذكراتهم بعض هذه الكرامات ، حتى اعتقد البعض أن الولي رجل مقدس معصوم انتفت عليه صفة البشرية و نقائصها.و في نفس الوقت ، نجد بعض اهل الله تعالى يمنعون العوام من قراءة كتب أهل الله تعالى ، وتداول مصطلحاتهم ، و مذاكرة أحوالهم السنية.
نجد في الصلاة المشيشية عبارتي الواسطة و الموسوط، يلخصان معنى الأمداد و في نفس الوقت فعل الأستمداد الذ ي سنتحدث عليه في الفقرة التالية.
الواسطة مولانا رسول الله ، و الموسوط هو العبد المتوجه للحضرة النبوية طلبا للوجود القلبي ثم الإمداد الروحي.
يقول الولي محمد مرون في شرحه للصلاة المشيشية في هذا المعنى :
(.....معناه أنه اصل وجود كل شيء ، وكل كائن متعلق و متصل به ، و أنه المحيط بإحاطة معالم الأزلية في البطون و الظهور.
باطن الأشياء فيها سر الله تعالى ، و ظاهرها فيه سر سيدنا محمد ، ففي كل شيء ترى الله تعالى و ترى النبي ، أي في كل شيء سر الله تعالى و ترى النور المحمدي . قال الله تعالى : " أو من كان ميتا و أحيينه و جعلنا له نورا يمشي به في الناس" فأحييناه بسر الله تعالى و " جعلنا له نورا " أي النور المحمدي .آ 122 سورة الأنعام
باطن الإنسان هو سر الله تعالى الذي هو القلب الذي هو بيت الرب ، و ظاهر الإنسان هو النور المحمدي الذي هو العلم و المعرفة و العقل و الذكاء و الفهم و الإلهام و البصيرة ونور البصر.....الخ.
في كل شيء ترى الله تعالى وترى النبي صلى الله عليه و سلم ، قال الشيخ مولاي العربي الدرقاوي رضي الله عنه : ( وقد أكرمني ربي سبحانه في ابتداء أمري في حال شبابي و نحن إذ ذاك بفاس عام 1182 إذ كنت لانرى في نفسي و لا في كل شيء إلا الله تعالى لكن بنفس ما نرى الله تعالى ، نرى النبي ، و بنفس مانراه صلى الله تعالى عليه و آله وسلم نرى الله تعالى).
نعمتان يتقلب فيهما الإنسان : نعمة الإيجاد و نعمة الإمداد. نعمة الإيجاد هي سر الله تعالى ، و نعمة الإمداد هي النور المحمدي .قال رسول الله : " الله يعطي و أنا أقسم" ،الله يعطي : هذه نعمة الإيجاد. و أنا أقسم : هذه نعمة الإمداد.
نعمة الإيجاد : تيسير الأشياء كلها و تهيؤها.
نعمة الإمداد : التوفيق و التأييد و الرضى و التسليم و الحضور و المراقبة....الخ.
الشجلرة لها أصلها و أغصانها و أوراقها و ثمارها و أزهارها.من أصل الشجرة إلى أغصانها هذا سر الله ، و أما النور المحمدي فهي الأوراق و الثمار و الأزهار.) ص 53،54 من كتاب شموس الأنوار و معادن الأسرار للشيخ العارف بالله محمد المرون.
النبأ العظيم نبأ الموت ، و النبأ الأعظم ما مدى استعدادك و قابليتك لحمل أسرار الله تعالى المودعة فيك تكرما و رحمة و تشريفا.
لعل القارئ لهذه الفقرات ، لم يفهم ما معنى الإمداد المشار إليه في الصلاة الأكبرية ، و التي عبر عنه آخرون كالصلاة التي سنشرحها لا حقا " حتى أنغنس في انواره".
كلمة الممدد تعني ما يقوم به الولي العارف الوارث الغوث الختم القطب من التصرفات الكونية بإذن الله تعالى وو تأثيره في الكون بهمته ، هذه ثم نجد أمداده للسلكين الطالبين بالأنوار بفعل مهمام التربية و التزكية و التمريض، و الثالثة في اختياره لمن ينوب عليه و يحمل معه هم خذمة خلق الله تعال.
هذا المفهوم ، نضعه في أطاره ما أخبر به الأولياء من أعاجيب ، تظل كما هي ، لكننا نصحح مفهوما خاصا بالأمر ، و أن التصرف الحقيقي هو التغيير بالتأدب مع السنة النبوية ، و السنة الألهية الكونية دون طلب الكرامة. وهذا من أدب الكمل ، كما أن التصرف يقصد به غالبا حمل هم خلق الله تعالى و خذمتهم و رعاية مصالحه ليس إلا.
يقول الشيخ عبد السلام ياسين في الأمر في كتاب الإحسان : ( المعجزة للنبي والكرامة للولي. المعجزة هي "كل أمر خارق للعادة يظهر على يد مدعي النبوة عند تحدي المنكرين له، على وجه يبين صدق دعواه". هكذا عرفها علماؤنا. أما الكرامة فخارقة يظهرها الله على يد عبد مستقيم. أما إذا ظهرت الخارقة على يد كافر فاسق فهي ما يسمى بالاستدْراج.
روى الشيخان عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "ما من نبي من الأنبياء إلا أعطي من الآيات ما مثلُه آمن عليه البشر. وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي. فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة".
المعجزة آية صدق النبي، يصحب ظهورَها تحدي المنكرين وجُحودُهم للنبي، وتأتي المعجزة بِبيانها لتعضد مقالة النبي. وأعظم معجزات سيدنا محمد القرآن، تحدَّى الله عز وجل العرب والعجم والجن والإنس أن يأتوا بعشر سور من مثله، بل بسورة واحدة فعجزوا. القرآن معجزة خالدة إلى يوم القيامة، شاهدة بصدق الدعوة المحمدية، متجددة بتجدد تلاوته وحلاوته وإخباره بالمغيبات والأكوان وأسرار النفس البشرية. وما أوتيه النبيون قبل البعثة المحمدية آيات خارقة تبهر الحاضرين فيومنون بالنبي ويصدقونه في زمانهم ثم تنتهي.
ولقد أوتي رسول الله من الآيات الكونية الكثير، حتى عد العلماء نحو ألف معجزة مثل انشقاق القمر، والمعراج والإسراء، وتكثير الطعام، وتسبيح الحصا، وإبراء المرضى، ونبع الماء من بين الأصابع الكريمة، والإخبار بما كان وما يكون. وواجب المسلم أن يصدق بالمعجزات.
كما أن أصلا من أصول أهل السنة والجماعة التصديقُ بكرامة الأولياء، لايكذب بالكرامة إلا جاحد معاند، أو جاهل بدينه. والكرامات أنواع منها المكاشفات، والقدرة والتأثير في الكون، وهو ما يسميه أهل الله التصريف، أو الفعل بالهمة.
وقد كان للصحابة رضي الله عنهم كرامات كثيرة روتها لنا الأخبار الصحيحة. منها تكثير طعام أضياف أبي بكر الصديق، ومنها نزول الملائكة على أسيد بن حضير رضي الله عنه مثل السُّرُج عند قراءته سورة الكهف، ومنها تسليم الملائكة على عمران بن حصين ومصافحتُهم له، ومنها تسبيح الصحفة التي كان يأكل منها أبو الدرداء وسلمان، ومنها السراج الذي ظهر وأنار طريق عباد بن بشر وأسيد بن حضير في ليلة مظلمة، ومنها إتيان خبيب بن عدي بالعنب من الغيب عندما كان أسيرا بمكة في يد المشركين. وغير هذا كثير.
وكان للتابعين رضي الله عنهم كرامات كثيرة. غير أن ظهور الكرامات في هذه الأمة تكاثر في العهود التالية حتى أصبح "مثل المطر" حسب تعبير ابن تيمية. ذلك أن المعجزة والكرامة مؤيدات من الله عز وجل لعباده تدفعهم إلى الإيمان وتقويهم. كان إيمان أهل القرون الفاضلة الأولى قويا فكانت الكرامات فيهم لا داعي لها، فلما ضعف إيمان الأجيال اللاحقة، وأظلمت القلوب، وعميت البصائر لِفُشُوِّ البدع والضلالات أظهر الله على يد أوليائه من الكرامات ما لا يعد ولا يحصى. الكرامة تأييد من الله عز وجل للعبد الصالح الذي ظهرت على يده وتأييد لمن شهده. أما الولي الراسخ الكامل فلا يحتاج إلى ظهور الخوارق ليزداد إيمانا.
سئل الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه ما سبب قلة كرامات الصحابة بالإضافة إلى ما جاء بعدهم من الأولياء فأجاب بأن أولئك كان إيمانهم قويا فما احتاجوا إلى زيادة يقوى بها إيمانهم. وغيرهم ضعيف الإيمان في عصره فاحتيج إلى تقويته بإظهار الكرامة. ومثله قول الإمام السهروردي: "وخرق العادة إنما يكاشَف به لموضع ضَعْف يقين المكاشَف رحمة من الله تعالى لعباده العبّاد ثوابا معجلا، فوق هؤلاء قوم ارتفعت الحجب عن قلوبهم".
يتوق الطالب الضعيف إلى آية تظْهَر له ليتيقن من أمره، وقد يدعو ربه في ذلك فيبتلى بالإجابة أو بعدمها. يبتلى بالإجابة لأن الكرامة، وهي عطاء، قد تُلهي عن المُعطي فتكون سببا لتوقف السالك وحجابا له عن ربه. ويبتلى بعدم الإجابة ليعلم الله من يخافه بالغيب.
العبودية تقتضي من طالب الحق مريد وجه الله أن يعبد ربه ويتقرب إليه وهو في غاية الاعتراف بالضعف والتبري من الحول والقوة.طلب الكرامة يقدح في نية السالك، لأن ظهورها على يده يُكسبه سمعة وصولة، وقد تعجبه نفسه فيتهاون في الاستقامة التي هي الكرامة الكبرى.
كان رسول الله يسأله المشركون الآيات والخوارق فيجيب بما يعلِّمه الله من آداب العبودية. )قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ( (سورة الأنعام، الآية: 50). )وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعاً أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً( (سورة الإسراء، الآيات: 90-93). )يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي( (سورة الأعراف، الآية: 187).
المعجزة والكرامة لحظة استثنائية في حياة النبي والولي، ما هي الأصل. الأصل إثبات الأسباب التي جعلها الله في الكون. ولو شاء الله لأنزل ملائكة رسلا، ولو شاء لأنزل من السماء آية فظلت أعناق البشر لها خاضعين. فالدعوة يبلغها نبي، أو يرعاها ويجددها ولي، مناطٌ للامتحان الإلهي الذي يميز به سبحانه الخبيث من الطيب. قاعدة الامتحان العادةُ لا خرقها. وقد جهّل الله سبحانه المشركين ووصفهم بالظلم، والظلم هو وضع الأشياء في غير مواضعها، لما قالوا: )مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلاَ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً( (سورة الفرقان، الآيتان: 7-8).
وقد خيِّر النبي بين أن يكون نبيا ملكا أو نبيا عبدا فاختار أن يكون نبيا عبدا بقاء على أصل العبودية. وعرض عليه ملك الجبال، بأمر من الله تعالى، عند رجوعه من الطائف أن يطبق الأخشبين على مشركي مكة فامتنع. وكان عليه الصلاة والسلام مستجاب الدعوة، فلو شاء لقضيت حوائجه دون سبب ظاهر، لكنه كان يشبع ويجوع، وينتصر جنوده تارة ويُهزمون أخرى، وينتظر اكتمال العناصر السببية ليبدأ حركته، ويدبر حسب مجاري العادة ليكون قدوة للمسلمين في التعبد بما وضعه الله من ناموس في الكون. لم يضعه سبحانه عبثا ليتخطاه الناس، ولا يرفعه لحظة من لحظات تاريخ البشر إلا ليكون استثناء الرفع تأكيدا لأصل الإثبات.
الأصل تكسُّب العباد، ومعاناتهم للحاجة والضرورة، وتحملهم لضروب الامتحان والبلاء والقهر المفروض على بني البشر أجمعين. لو كان خرق العادة قاعدة ولم يكن رخصة واستثناء لبطلت الرسالة وبطل العمل وبطل الجهاد وبطلت الحكمة التي من أجلها خلق الله الدنيا والآخرة، والسماء والأرض،والموت والحياة.
الكرامات التي تظهر على يد الأولياء أنواع.منها ما هو من قبيل العلم والمكاشفة "بأن يسمع العبد ما لا يسمعه غيره، وتارة بأن يرى ما لا يراه غيره يقظة ومناما. وتارة بأن يعلم ما لا يعلمه غيره وحيا وإلهاما، أو إنزالَ علم ضروري، أو فراسةً صادقة، ويُسمى كشفا ومكاشفة أي كشف له عنه"[1].
هذا كلام ابن تيمية رحمه الله، وله القدم الراسخ في هذه الأمور واطلاع واسع، ومشاركة فعلية، فقد كان من المكاشفين كما سنقرأ إن شاء الله في فصل مقبل. ومعذور ابن الجوزي الذي قال عن المكاشفة إنها "كلام فارغ". وهل يشهد الإنسان الزور إن لم يكن معه من التصديق ما يتلقى به الشهادات المتواترة؟
ومن أنواع الكرامة ما هو من "باب القدرة" كما يقول ابن تيمية: "وهو التأثير، وقد يكون همة وصدقا ودعوة مستجـابة. وقد يكون من فعل الله الذي لا تأثير له فيه بحال، مثل هلاك عدوه بغير أثر منه كقوله: "من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة" و"إني لأثْأر لأوليائي كما يثأَر الليث الحرِبُ". ومثل تذليل النفوس له ومحبتها إياه"[2].
قال أبو علي الجوزجانيّ: "كن طالب الاستقامة لا طالب الكرامة. فإن نفسك متحركة في طلب الكرامة، وربك يطلب منك الاستقامة".
قال الإمام السهروردي: "وهذا الذي ذكره الجوزجاني أصل كبير في الباب، وسر غفل عن حقيقته كثير من أهل السلوك والطلب. وذلك أن المجتهدين والمتعبدين سمعوا بسِيَر الصالحين المتقدمين وما مُنحوا به من الكرامات وخوارق العادات، فأبداً نفوسهم لا تزال تتطلع إلى شيء من ذلك، ويحبون أن يرزقوا شيئا من ذلك. ولعل أحدهم يبقى منكسر القلب، متهِما لنفسه في صحة عمله حيث لم يُكشف بشيء من ذلك. ولو علموا سر ذلك لهان عليهم الأمر فيه. فيعلم أن الله سبحانه وتعالى قد يفتح على بعض المجتهدين الصادقين من ذلك بابا. والحكمة فيه أن يزداد بما يرى من خوارق العادات وآثار القدرة يقينا فيقوى عزمه على الزهد في الدنيا والخروج من دواعي الهوى. وقد يكون بعض عباده يكاشف بِصِرْفِ اليقين، ويُرفع عن قلبه الحجاب.ومن كوشف بصِرف اليقين استغنى بذلك عن رؤية خرق العادات، لأن المراد منها كان حصول اليقين، وقد حصل اليقين. فلو كوشف هذا المرزوق صِرف اليقين بشيء من ذلك ما ازداد يقينا"[3].
يخاف الكمل من الأولياء أن تظهر عليهم الخوارق غِيرةً على جناب الحق سبحانه أن تُنسَبَ القدرة إلى أحد غيره. الكمال في العبودية، ومظهرها ضعف العبد وفقره وانقهاره. إلا أن يكون لله عز وجل حكمة في إظهار الخوارق على يد الكامل من حيث لا يطلب، فذلك لا يقدح في رتبته.
قال الإمام الرفاعي قدس الله روحه: "أيْ أخي! أخاف عليك من الفرح بالكرامة وإظهارها. الأولياء يستترون من الكرامة كاستتار المرأة من دم الحيض. أي أخي! الكرامة عزيزة بالنسبة إلى المُكرِم، ليست بشيء بالنسبة لنا. لأن هذا الإكرام لما ورد من باب الكريم عظُم وعزَّ، وتلقته القلوب بالإجلال. ولما تحول لفظ النسبة إلى العبد هان الأمر، واستتر الكامل من هذه النسبة التي تَحَوَّلَ أمرها من باب قديم إلى باب حادث خيفة استحسان النسبة الثانية، فإن قبولها سم قاتل. كلنا عار إلا من كساه، كلنا جائع إلا من أطعمه، كلنا ضال إلا من هداه، ليس للعاقل إلا قرع باب الكريم في الشدة والرخاء"[4].
[1] فتاوي ابن تيمية ج 11 ص 313.
[2] نفس المصدر ص 314.
[3] عوارف المعارف ج 1 ص 241.

عمرسعيدالحسني
03-09-2011, 09:33
رشحات البال لما في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من الأنوار : د، الإستمداد
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد و على آله وصحبه ، وبعد
أ .تمهيد:
تستقيم اللأفكار في العقل ، و تستحكم في الإنسان أن كان الفكر خليطا من المذاهب و صراعات من التيارات.
لكن العقل المؤمن لا يعرف وجهة غير وجهة واحدة وهو الوحي.و يستمد من القلب المرحوم بالله ، دقائق الفهم.و يبقى من لا استمداد له حيرانا كالكلب يلهث فمرة مع دواعي الفطرة ، و تارة أخرى مع هواه الأصم الأبكم ، وتارة مع زواجر الحق لا يستيقظ من غفلته إلا بعد أن يفتح الله عليه أبواب كل شيء ، فيختلط عليه الحق مع الباطل ، فينجذب برحمة الله تعالى الى الحق و أهله.
كتب الشيخ سعيد حوى في كتبه التربوية عن صرخة ، بل عن هم و حرقة عن الفيض و المدد المستمد من الشيوخ الكمل عبر التاريخ ، وجاء من بعده يستقصي الأمر ، و يبحث و يتحسس الحق الذي ظل ساريا بالمدد الفردي و الجماعي ، في الدوائر التربوية المغلقة و المفتوحة.و كان السؤال : اين أجد المستمد منه ؟ اين الولي ، أين المفرد ، أين الدال على الله ؟.
" الشيخ كأمام للصلاة؟" ، بل النبي صلى الله عليه وسلك كإمام للصلاة!.
كيف أصلي وراء ه صلى الله عليه وسلم وأتأدب معه ، فلا أركع حتى يركع ، و لا أسجد حتى يسجد ، و لاأقرأ حتى يقرأ ؟الأستمداد بحسب البعض هو استحضار الحضرة النبوية في كل عبادة .
سمعت ممن تذوقوا الأمر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم في حياته البرزخية متفرغ لعبادة الله تعالى ، منشغل بأمر أمته ، في تربية نوابه صلى الله عليه وسلم ، ذاكر لله تعالى لا يفتر عن ذكره ، فمن أراد الخير كل الخير جعله كأمام للصلاة ، وتوجه إليه ، مستمطرا العزيز الغفار أن يوافق لسانه لسانه و ذكره ذكره و استغفاره استغفاره ، فإن وافق كان القبول و الرضى من الحضرتين الحضرة الإلهية و الحضرة النبوية .!.
كنت أن تكون هذه الفقرات خاتمة لمقدمة ، لكنها صارت مقدمة لموضوع ، كان البخل الذي لقيناه في بعض الدوائر التربوية ، و الشح في التوجيه و النصيحة ، وسمها إن شئت الأنانية وحب النفس ، من دواعي قصم الظهور ، وطرد الطالبين لوجه الله بصدق ، لكن ليس بهوى الوجهين المتصدرين للتربية عن دون علم ، سببا للبحث لمدة عشر سنوات في معنى كيف أتوجه الى الحضرة النبوية عبر الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ؟.
أقسم الله تعالى في سورة البلد ، بحرمة البلد الحرام ، ثم بحرمة حضور النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم ببركة أبراهيم و أولاد ه عليهما السلام ، أن حقيقة الإنسان الأولى و الأخيرة أنه في كبد.
وقبل أن نلج باب الكبد ، يقول مولانا عبد القادر الجزائري حول حقيقة الإنسان الكامل ما يلي : ( و في الخبر أن الله خلق آدم على صورته ، فالعارف خليفة الله ، و الخليفة لا بد أن يكون ظاهرا بصورة مستخلفه ، وهي أسماؤه و صفاته .وإذا نقصه شيء من الصفات فقد نقصه من الخلافة بقدرها .و العارفون متفاوتون في هذا. و الظاهر بالصفات و الأسماء على الكمال ، هو الخليفة الكامل و لا يكون إلا واحدا في كل زمان ، وهو الأنسان الكامل. و الآنية الفريدة بالنسبة لجميع المخلوقات.فأشار الجنيد رضي الله عنه إلى أن العارف لا يعرف أنه عارف.و أن المعرفة نعته ، إلا إذا ظهر متخلقا متحققا بالأسماء و الصفات الإلهية. أعني الصفات و الأسماء التي يمكن الظهور بها في عالم الدنيا.و أما صفات الربوبية ، فأن أدب الموطن ، و هي الدار الدنيا ، يقضي بعدم الظهور بذالك من أجل حكم الحصر و القيد على صورة العارف الظاهرة المسماة عبدا لمقتضياته الذاتية اللازمة لصورته الناقصة لئلا يلزم التناقض بين حاله و مقاله.وذالك ليس من الكمال فكتمه لأوصاف الربوبية هو الكمال.) المواقف الروحية ج1/ص 66.
فرحلة الكبد المحتمة على الإنسان هو البحث عن الكمال. فحقيقته أي الإنسان النهوض من عوامل الشح و البخل و الأنانية التي جبلت عليه نفسه ، ثم كبده و شقاءه في الدنيا بالعمل ، من أجل الثمرة المرجوة الكمال القلبي العقلي أو أن شئت الكمال الإنساني ، و لا يستمد هذا الكمال إلا من حضرته صلى الله عليه وسلم لا غير..
يقول الشبيخ عبد السلام ياسين في كتابه مقدمات في المنهاج في طريق ابن آدم يتربص شيطان الجن الذي أبى السجود لآدم وحلف ليغوين بني آدم أجمعين إلا عباد اللّه المخلصين. خلق أقره اللّه عز وجل حين خاطب إبليس قائلا: "واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم"[1]. أعلمنا اللّه عز وجل أن الشيطان عدو لنا، وعلمنا كيف نتخذه عدوا، وكيف نستعيذ باللّه منه.
الشيطان له مأوى في داخل كياننا، له عش، له حلفاء. تخبث النفس حين لا تتزكى ولا تتطهر، فيجد الشيطان فيها ركنا ممهدا، أو تنجس بالكفر والنفاق فكلها ظلام وكلها مملكة إبليس، ويحالف الشيطان نوازع الشهوانية والغضبية العدوانية الأنانية في الإنسان، ويستغلها ليمارس أشغاله.
وهكذا يفتتن الإنسان من داخله بنفسه ونوازعها، وبالشيطان ونزغاته، يلتئم الصوتان ويتمازجان. ويفتتن الإنسان من خارجه، يفتنه الإنسان من بني جنسه، ويفتنه السلطان كما سنذكر بعد قليل إن شاء اللّه تعالى. وتفتنه الطبيعة باستعصائها على جهوده، وتلهيه معاناتها عما هو بصدده.
المجموع يكون الفتنة بمفهومها القرآني، البلاء كما جاء في بعض الآيات. الحياة الدنيا كلها ممر لفتنة الإنسان واختباره، أي لامتحانه. قال اللّه تعالى: "الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا"[2].
نضع هذه النبذة القصيرة عن الفتنة بمفهومها القرآني جوابا عن السؤال الذي يطرحه العقل البشري: فيم كل هذا العناء؟ ولماذا الخلاف في الأرض، والحرمان والجوع؟ ولنا رجوع إن شاء اللّه تعالى، ولنتحدث عن الفتن بصيغة الجمع بالمفهوم النبوي.
بعد الشيطان فتنة الإنسان بأخيه الإنسان، صدام أنانيات، صدام عادات، صدام ذهنيات، تنافس على الرزق، خصام على المصالح.
ذلك النداء الإلهي الذي يدعوك لاقتحام العقبة قدم لك صورة كاملة عن العقبة كما قدم لك واجبك تجاه الامتناع الاجتماعي، وهو مقاومة كل مايستعبد الرقبة من تسلط مباشر أومضايقة ظالمة في الرزق، وقدم لك صورة واضحة ضمنيا عن الامتناع السياسي حين نصح لك بالانضمام للجماعة والتحزب للّه عز وجل معها لتتعاون مع المؤمنين على ممارسة الصبر وممارسة المرحمة. الصبر لمقاومة التسلط الخارجي والمرحمة لتكون لحمة التراحم والتآخي بين أفراد الجماعة المؤمنة آصرة قوة وضمان حرية لا يستطيع الفرد أن ينتزعها من السلطان.
لا حرية للإنسان إلا داخل تضامن اجتماعي يقيه طغيان الفئة المناهضة، أو طغيان الدولة.
النداء الإلهي للاقتحام لن يصل إلى سمعك بتاتا، أو لن تسمعه بالوضوح الكافي، إن كنت غارقا في الفتنة. ثم لن تستطيع تلبيته إن كانت الفتنة جاثمة في نفسك، في حياتك اليومية، في وضعيتك الاجتماعية السياسية الاقتصادية. ووجود الفتنة المتعددة الوجوه، فتنة الشيطان والإنسان والسلطان عامل إحياء، فلولا الفتنة لكانت الحياة الدنيا ركودا، ولما كان أي معنى ولا أية ضرورة للجهاد، ولا للعمل أي حق في أن يوصف بالصلاح، ولا للجزاء في الدار الآخرة مكان. لو كانت الدنيا جنة، والناس ملائكة، لم يكن معنى ولا وجود ولا داع للحرية واقتحام العقبة إليها، إذ لا وجود عندئذ لعقبة أساسا. ) فقرة الشيطان و الأنسان و السلطان، مقدمات في المنهاج.
نسال الله أن يرحمنا آمين

عمرسعيدالحسني
03-09-2011, 09:35
.رشحات البال في ما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من الأنوار : د.الإستمداد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، اللهم صلى على سيدنا محمد و على آله و صحبه ، وبعد
يلعب السلطان في حياة السالك دورا مهما في تحديد وجهته و قصده ، فإما أن يكون مفتقرا ذليلا لسلطان خالقه ، متقلبا في قبضته لا يرى في وجوده سوى ذلك الأفتقار الدائم لرحمة الله تعالى ، و الشغف للقاءه و الوقوف في بابه ، فيتحكم فيه سلطان الشوق ، و ترد عليه بواده الإشارات تدله على الطريق.
و إما يستأثر به الالسلطان الأبليسي فإذا به يتنكب عن الطريق و يستدرج في متاهات الهوى و النفس و الشيطان.
لا تكاد تجد فيمن يسير على طريق الحق من يدلك بصدق عن سر السلوك إلا القليل، و غالبا ما يضع المربي و ليده على شفا الطريق ، ثم يدله على العمل السني ، و الإلتزام الوقتي المكاني ، ثم يتركه في منازلاته نفسه ، إلى أن تلوح علامات الإرادة .بمعنى أصح ، المريد و المراد.أو وحدة الذكر و الذاكر والمذكور، أحاط الله تعالى في سابق علمه على أن العبد الجامع الدال عليه ، يذكر ربه لا يفتر عنه ، فإن غفل جائت عناية الله به أن قم و استيقظ و تنبه فالطريق من هنا ، و الرحمة الجامعة لفضائل القرب و الزلفى أسها : متابعة الحبيب صلى الله عليه وسلم في كل شيء.
1.نور المراد :
يقول ابن عربي رحمه الله في كتابه الفتوحات المكية : (.......أعلموا أن المراد في اصطلاح القوم هو المجذوب عن إرادته مع تهيؤ الأمور له ، فهو يجاوز الرسوم و المقامات من غير مشقة بل بالتذاذ و حلاوة و طيب نفس تهون عليه الصعاب و شدائد الأمور.)ص 513/م2.
من أجل الأستمدادات من الجناب النبوي الشريف ، أنجذاب العبد إلى المرد ، ويقصد به إرادة وجه الله مع وجود سبق العناية ، أو التهييئ عن طريق ملازمة الحضرة النبوية ، توجها تضمحل في الرسوم و المقامات و العبارات و الإصطلاحات.بمعنى حضور قلبي في كل حين ألى المراد العالي.
وقد ألح أهل الله تعالى على هذا الأمر في مذكراتهم ، وو ضعوا للمراد ونوره أي المجذوب أحكاما و أحوالا سيجت بلجام الشريعة فلا يقبل منه إلا ما كان في حضوره العقلي ن لاغير. وتترك شطحاته لحين الصحو و اندثار السكر عنه.
و أجل ما يجده هذا العبد ، هو الحضور السني المشرق في العقل و الجسد و الروح ، فتصير ذاته تتقلب في الأقتداء لا تزيغ منه ، وهذا أرفع المقامات يلا شك، أن يمون الحبيب صلى الله عليه وسلم حاضرا في كل فعل .
يقول الشيخ عبد السلام ياسين حول سياج علم الشريعة قائلا : (إن المتقدسين بالعزلة عن دنس الدنيا، المتنزهين عن مخالطة الغافلين، الذاكرين الله كثيرا في الخلوات، كانوا عرضة للخطإ والزيغ من جهات لا يتعرض لها عامة الناس. كانت لهم أذواق تلْطُف أن يُلِمّ بها الخيال، أو يحوم حول حماها كثيف المقال. والأذواق والكشف تخطئ كما يخطئ الرأي، بل يجد الشيطان والهوى منهما مدخلا ليستحوذا على هواجس النفس ويكدرا خواطر القلب. لذا كان مُعوَّل أئمة الصوفية على سياج الشريعة يحوطون به تلامذتهم، ويذكِّرون ويبصِّرون. إذ لا عاصم من الزيغ العامد والخطإ غير الراشد إلا معيار التقوى وتعليم الهدى. وما زال أئمة التربية يوصون بحفظ الشرع والوقوف عند الأمر والنهي تلامذتهم المُقدمين على خوض لُجّة الرياضات وسلوك فجاج الخلوات.
كان أبو سعيد الخراز يقول: "كل باطن يخالفه ظاهر فهو باطل". ويقول الإمام الجنيد: "علمنا هذا مشتبك بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم". ويقول: "سمعت أبا سليمان الداراني يقول :ربما تقع في نفسي النكتَةُ من نُكتِ القوم (يعني الذوق من أذواقهم) أياماً، فلا أقبل منها إلا بشاهدين عدلين: الكتابِ والسنةِ". ويقول أبو يزيد البسطامي: "لو نظرتم إلى رجل أُعطِيَ من الكرامات حتى يرتفع في الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود". ويقول سري السقَطِيُّ: "من ادعى باطن علم ينقض ظاهر حكم فهو غالط". ويقول أبو بكر الشفاف: "من ضيع حدود الأمر والنهي في الظاهر حرم مشاهدة القلب في الباطن". ويقول الجريري: "أمْرُنا هذا مجموع كله على فضل واحد، وهو أن تلزم قلبك المراقبة ويكون العلم على ظاهرك قائما". ويقول أبو جعفر: "من لم يَزِن أقواله وأفعاله وأحواله بالكتاب والسنة ولم يتهم خاطره فلا تعُدَّه في ديوان الرِّجال".) كتاب الإحسان.
لا ينفع السكر و دقائق فهومه صاحبه إن لم يقف عند الشرع!.
لا يستقيم العبد على جادة الأمر و صلاحه إن لم يكن كتوما لأسرار الطريق ، يقول الشيخ في نفس الكتاب ، في فقرة الإرادة و الهمة و العزم : (قال شيخ الإسلام ابن القيم في تفصيل الإرادات والهمم: "لذّة كل أحد على حسب قدْره وهمته وشرف نفسه. فأشرف الناس نفسا، وأعلاهم همة، وأرفعهم قدرا، من لذّته في معرفة الله، ومحبته، والشوق إلى لقائه، والتودد إليه بما يحبه ويرضاه. فلذته في إقْباله عليه، وعكوف همته عليه. ودون ذلك مراتب لا يحصيها إلا الله، حتى تنتهي إلى من لذته في أخس الأشياء من القاذورات والفواحش في كل شيء من الكلام والفعال والأشغَال"[1].
وصنف الإمام الغزالي إرادات الناس وتعلُّقَها بالمطلوبات والمحبوبات، من لعب الأطفال، يرى الأطفال أن اللعب أعظم اللذات، إلى لذة البطن والفرج عند الكبير، إلى لذة العلم في عمر النضج، إلى لذة الرئاسة لمن نَالَهَا بالسيف أو القلم. ويشير الغزّالي من طَرْف خَفِيٍّ إلى قصته حين زهد في الرئاسة وخرج يبحث عن الدليل إلى الله فسخر منه الساخرون. قال: "وكما أن الصبي يضحك على من يترك اللعب ويشتغل بملاعبة النساء وطلب الرئاسة، فكذلك الرؤساء يضحكون على من يترك الرئاسة ويشتغل عنها بمعرفة الله تعالى. والعارفون يقولون: )إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ) ".(سورة هود، الآيتان: 38–39)
من الإرادات من زادُها العَوَز، ومن الهمم مَن طبعها الخَوَرُ. كان لأمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز نفس تواقة عالية. قال لمولاه مزاحم وقد تعجب مزاحم من زهد مولاه الذي كان في شبابه متوسعا في المعايش فلما ولي أمر المسلمين ضرب لمن بعده مثلا خالدا : "ويحك يا مزاحم! لا يكثرن عليك شيء صنعته لله، فإن لي نفسا توّاقة، لم تَتُقْ إلى منزلة فنالتها إلا تاقت إلى ماهو أرفع منها، حتى بلغت اليوم المنزلة التي ما بعدها منزلة. وإنها اليوم قد تاقت إلى الجنة".
هذا التوقان المجيد إلى الجنة حُداءٌ تترنم به النفوس الطيبة. وهناك التوقان الأعظم، الشوق إلى رب الجنة والنار، والسعي إليه والعجلة إليه على أجنحة الهمم الطيارة. ما تحدث ابن عبد العزيز عن هذه المرتبة، وكانوا في القرون الثلاثة الفاضلة كتومين لمواجيدهم وأشواقهم. ولله همم أولياء الله الذين حَدَوْنا وتحدّونا بالإخبار عن إراداتهم الشامخة ومطالبهم السامية. جزاهم الله عنا أفضل الجزاء، فسروا لنا بمثالهم وقصة حياتهم معاني القرآن حين ينادي "سابقوا"، "سارعوا"، ومعاني "من تقرب إلي شبرا تقربت إليه باعا" الوارد في الحديث القدسي. همم صوارم! ).كتاب الأحسان ج/2.
نسأل الله تعالى أن يرحمنا آمين
.في نور المريد :
غالبا ما يقصد أهل الله تعالى بالمريد المنقطع إلى الله تعالى المؤثر جناب الله الساعي في محاب الله ومراضيه ، و قد يطلقونها بإزاء المتجرد عن أرادته ، و أعظم مراتب المريد عندهم و عند لمحققين أن يكون نافذ الإرادة لا عن كشف ، فأن كان عن كشف فليس بمريد و إنما هو عالم بما يكون ، هكذا يحدد الشيخ الأكبر قدس الله سره معنى كلمة المريد.
و يقصد بنور المريد ، ذلك القصد السني ، و الفعل السني ، كيف يكون قدم المريد على قدم الحبيب صلى الله عليه وسلم ؟.
كيف يستمد منه العلم ؟
والفهم و الحكمة و الرشد؟
يتجرد القلب للمنى ، و يستمد منه العقل ذالك النور المستمد ، فيكون حاضرا ظاهرا في كل دقائق النور النبوي ، لا يرى غيره.في حركاته و سكناته، في خلواته و جلواته.
منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ، ما من آية في القرآن إلا وكانت في دلالاتها القريبة أو البعيدة ، إلا و تدل على النبي صلى الله عليه وسلم.ما من توجيه رباني إلا و كانت فيه دعوة صريحة إلى الصحبة ، و دلالة على المعنى الغائي للإنسان ، الأستمداد و الأمتداد؟
يمتد النور النبوي من الفرش الى العرش ، ومن العرش إلى الفرش ، في انقطاع تام عن الغافلين ، لكنه في اتصال دائم مع من تشربوا معنى الصلاة ، الصلاة التي هي غيب في لفظها و فهمها وكنهها ، منها يكون الأستمداد ؟ لكن كيف يستمد العبد من نور ها أن لم يمن له امتداد ، بمعنى كيف أصلي على النبي صلى الله عليه وسلمه ، لتنطبع في روحي صورته الخيالية في خيالي المنفصل ، ثم تكون في قلبي خيالا متصلا بنورها الأصلي؟.
يقول الشيخ الأكبر في كتابه الفتوحات حول الهمة : ( ...نريد بباطن المعتقد كون الله هو الفاعل للأشياء لا أثر فيها لهمة مخلوق و لا لسبب ظاهر و لاباطن ، لعلمه بأن الأسباب أنما جعلها الله ابتلاء لتمييز من يقف عندها ممن لا يرى وقوع الفعل إلا بها ممن لايرى ذالك، و يرى فعل الله من ورائها عندها لابها.
اعلم أن الهمة يطلقها القوم بأزاء تجريد القلب للمنى ، و يطلقونها بإزاء أول صدق المريد ،، و يطلقونها بإزاء جمع الهمم بصفاء الإلهام فيقولون :
الهمة على تلاث مراتب : همة تنبه ، همة إرادة ، وهمة حقيقة.) الفتوحات المكية ، ص 515، ج2.

يستطرد أهل الله تعالى في استنباط حقائقهم من الحضور النبوي ، في صلاتهم الممتدة المستمده من جماله صلى الله عليه وسلم ، وتختلف من ولي لآخر ، كالنحل تسلك سبل ربها ذللا ، فتختلف العبارات و الصيغ والمعاني ، لكنها تظل كالعسل المصفى ، شراب فيه شفاء للناس.
للمريد والمراد و لعين المراد وجهة ، نور الصحبة، وهي من الأسس الجلية في فهم أهل الله تعالى لمعراجهم الروحي.
كلهم خذام الحوزة النبوية ، صلى الله عليه وسلم ، وعلى العباد الذين اصطفاهم لتلك المهمة، يسقط التنازع عن لقب الخليفة و الوارث و الكامل و المتبع و المقدم تلقائيا أن تحسس الخصوصية ، التي غالبا يبالغ فيها المريد ، ويستحيي منها أدب الخاذم الراجي للقبول خوفا من سلب الخذمة.
وغالبا ما يتحسس الذكي اللبيب منهم في تنبيهه للمريد والفقراء بضرورة احترام بركات غيره، لكن هي زلة لا محيص منها ، ان يحب الوريد شيخه الى درجة الجنون .فإن جاءه إنذار نبوي ، أو تنبيه ممن يوليه الأمتداد و الأستمداد و دوام الإستحضار ، ثقل عليه الأمر ، وكأنه جبل يندك صعقا لهول ما يتلقاه.
نسأل الله أن يرحمنا آمين.
3.في نور الصحبة :
في الخطاب القرآني ، إشارة في سورة البلد ،إلى حرمة البلد الحرام و حرمة من يطئ الأرض الحرام صلى الله عليه وسلم ، وحرمة من ولد من صلب أبراهيم عليه و السلام ، وذريته التي حلت و مكتث في البلد الآمن ببركة دعائه عليه السلام.
مامن عبادة إلا و تجتمع فيها عناصر المكان و الوقت و النبع أو المعين الذي أرتشف منه المدد الفائض.
الوقوف الزماني ، و الوقوف المكاني ، ثم الوقوف القلبي استعدادا للثمرة المرجوة ، فكيف يكون حضوري في الوقت مرهونا بقصدي المكان بتقصي القبلة ، ثم أين أضع قلبي ومن أهبه له استعدادي ، لأكون محلا للنور ؟ ثم كيف أقف في هذه الحضرات مستعطفا المولى جلاله ، بأن يوفق لساني تمام الموافقة للذكر النبوي الذي لا ينقطع في عالم البرزخ؟.
أيكون ذكري لذكره صلى الله عليه وسلم فاستشعر أنه الذاكر الحقيقي وأنا المتبع راجي القبول؟
أم أكون الذاكر الغافل عن ما يفعل و لا يستشعر مدده من الحضرة النبوية؟.
في نور الصحبة ، و في حياضها يكون الولي المربي حاضرا ينبه لهذا الأمر ، يسمع المريد الإتباع فيجرده عن المعنى و يبقى اللفظ.
وما وراء اللفظ ، أمر آخر ، ومابع الإستحضار شيء أجل؟.
أنك غائب عن نفسك حاضر به ، وأنك شاهد على شهوده قبل أن يرتد إليه بصرك في لقاءه اليومي ؟ صلى الله عليه وسلم يتعهدك إن علمت حقيقة أن ذكرك مجرد فعل لسان ، لكن في عمق الأمر أنت ذليل تطلب العطف لعله يسدد ذكرك ، فيوافق فعلك فعله صلى الله عليه وسلم ، فتحضر في حضوره ، وتنعم في رحمته و رأفته فتكون في حوزته صلى الله عليه مصاحبا فعلا وقولا ، وذكرا.
ومن الأولياء من يتذلل في حضرته صلى الله عليه وسلم لكيلا ينقطع مدده ، فيكون ذله منا وعطاءا من الله ، وتعهدا من الجمال النبوي صلى الله عليه وسلم.
ومن الأولياء من يتخذ من العبارة النبوية ملاذه الأول و الأخير ، فلا يلتفت عنها ليجد حقا أن الأيام كلها أعياد ، مادام يصلي عليه صلى الله عليه وسلم ، ليدخل مع الله تعالى وملائكته و الكون كله في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم التي لا تنقطع أبد الدهر.
و لضعف العباد في الإقتداء بالسنة النبوية فعلا و قولا و علما وعملا ، ولرأفة الله بنا ، و لنصحه صلى الله عليه وسلم جعل الله تعالى الصلاة عليه صلى الله وسلم مأوى الضعفاء و المساكين و الحائرين الذين لايقوون على مشاق الطريق ، فكان الأمر الإلهي في سورة الأحزاب إخبارا وأمرا ، صلوا عليه ايها المؤنمون ،وحتلى لو صليتم فإنكم لا تعلمون كنه الصلاة و حقيقتها ، ولجاه هذا النبي صلى الله عليه وسلم ، أتكرم بدعائكم عليكم فأكون من أصلي عليه صلى الله عليه وسلم ، لعلمي بمقامه و قدره العظيم الغائب عنكم؟.
رحمة وأي رحمة و عطاء أي عطاء؟.
لكن البخل اليومي ، سمة الخاص و العام؟ نسأل الله العافية.

زيد الخير
03-09-2011, 22:23
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزاك الله خيرا أخي الحبيب على الكلام الطيب و النفيس، نفعنا الله بكلام أهل الله و سلك بنا سبيلهم.
اللهم صل على سيدنا محمد ما ذكرك و ذكره الذاكرون و غفل عن ذكرك و ذكره الغافلون

مصطفي الاحمدي
21-09-2011, 19:47
مشكووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووووور