مشاهدة النسخة كاملة : مسرحية قضية المواطن صيهود تاليف حامد الزبيدي



محمد حسين سعيد بور
08-09-2011, 20:29
مسرحية قضية المواطن صيهود
تاليف حامد الزبيدي
الشخصية : صيهود رجل في السبعين من العمر / شرطي متقاعد
المشهد الأول
المنظر في عمق المسرح : باب كبير و إلى جانبيه بابان متقابلان في جهة اليسار باب غرفة النوم ، منضدة صغيرة فوقها تلفاز قديم من جهة اليمين باب المطبخ و إلى جانبه مائدة صغيرة مستديرة حولها كرسيان .
يخرج صيهود من غرفة النوم و هو يشد الحزام على بطنه ، موسيقى هادئة يتأمل المكان يبحث على محفظة النقود .
:من المؤكد .. إني سأجن من هذا البيت .. كأن الملائكة و الشياطين فيه – أينما أضع .. الأشياء لا أجدها في الأمكنة التي وضعتها فيها .. لو كان في البيت أطفال .. لقلت إنهم الذين أخذوها أو غيروا أمكنتها .. و لكن ليس لدينا أطفال .. ألف مرة قلت لابني تزوج و أملئ البيت بهم ماذا افعل له ؟ ( يلتفت نحو باب الغرفة ثم يهمس ) انه شاب حرون .. لا ينزل عن بغلته انه معنس .. حتى ابني الوحيد يمشي ضدي ( إلى ابنه الجالس في الغرفة ) حتى متى تبقى قابعا في هذي الظلمة؟.. كسر القيد واخرج إلى النور .. اخرج ( يستمع إلى حديث ابنه ) مع من أتحدث ؟ .. أتحدث مع الشياطين .. أقول .. متى تتزوج و ترحمني من غسل الملابس و أعداد الطعام و لتبضع ؟ها ( يبتعد عن الباب ) انه يخلق أعذار واهية .. غير مقنعة ( يقلد ابنه ) أبتي .. لازلت في بداية الطريق .. أبتي الزواج مكلف .. أبتي اخشي أن تأخذني منك .. و هكذا يقنع نفسه .. أما أنا غير مقتنع بما يقول .. ( يقترب من الباب ) متى تتزوج ؟ متى ؟ ( يستمع إليه ) ها .. نعم .. أنا لا لا .. لقد طارت الأيام من عش عمري .. لا يمكن أن أفكر به ( يقاطعه بتوتر ) لا تكن ملحا .. لقد عاهدت نفسي من ذلك اليوم المشئوم الذي ماتت به أمك الحبيبة .. أن لا أتزوج و أحطم حياتك فقد نذرت حياتي إليك .. أعطيتك حنان الأم و طيبة الأب و قوة الأخ .. و ملئت حياتك مثل ما أنت ملئت حياتي ( يقاطعه ) إذا أردت أن تتحدث عن الزوج .. فليكن لك و ليس لي .. ( يستمع إليه ) نعم .. أوه .. كفى ، كفى ( يقلده بسخرية ) تزوج أبتي .. حينما تتزوج يعود إليك الشباب المفقود .. ( يغير لهجته ) اتركني من هذا الحديث الممل .. يبدو أني انفخ في قربة مثقوبة ( يبتعد عنه ) اقفل الموضوع .. دعني ابحث عن المحفظة ( يفكر ) أين وضعتها ليلة أمس ؟ أظن وضعتها هنا .. لا اعتقد وضعتها هناك و ربما في هذا المكان .. اشك في أمرها .. أبلعتها الشياطين .. أيتها الشياطين .. أين المحفظة ؟ ( يجزع ) حتى الشياطين لا ترد علي ( يلتفت نحو الباب ) .
ابني .. أو لا تعلم .. أين وضعت المحفظة ليلة أمس ؟ ( يستمع أليه ) أي .. هم ... و لم لم تخبرني بذلك ؟ وضعتها فوق التلفاز .. أيها الشيطان الماكر .. منذ نعومة أظافرك .. و أنت هكذا .. ماذا افعل بك ؟ ( ببرود ) قلبي لا يطاوعني على إيذائك .. انه يحبك أكثر من روحي .. أنت لا تعرف هذا الحب و لكن عندما تتزوج و تنجب ، وقتها ستعرف قيمته .. أما ألآن فلا .. ( يتذكر المحفظة ) المحفظة .. التلفاز أين التلفاز ؟ ( يذهب إلى التلفاز ) اقسم بالله دوختني هذي المحفظة ( يلتقطها ثم يخرج بطاقة صغيرة ) بل هذي الهوية .. خمسة و عشرون عاما و أنا ابحث عن صاحبك و حينما وجدته .. تريدين أنت الضياع مني .
أنت ظالمة كصاحبك الذي جعلني أعيش العمر بعذاب الضمير .. خمسة و عشرون عاما و ضميري كالجمر على صدري لا يشتعل و لا ينطفئ ( يشير لا على التعيين إلى احد الجالسين في الصالة ) ماذا فعلت بي ؟ لقد دمرتني دمرتني .. إن نفسي الدنيئة .. هي التي أغوتني على قبول الرشوة و أنا طاوعتها .. و أنت قبضت علي ... تعذبني ليل نهار ( يغير لهجته بصوت أنثوي بشع يجسد شخصية النفس ) .
النفس :صيهود .. ما تقول عن أولئك الذين يأكلون أموال الناس بالباطل و يلعبون بالملايين أين ضمائرهم النائمة ؟ أنت الرجل الوحيد الذي يمتلك ضميرا يقضا ( يغير لهجته .. يتقمص شخصية الضمير )
الضمير باتزان ) اجل أنا يقظ .. و لم اسمح لك بأي سفالة تقومين بها .. أنا لا أنسى ذلك اليوم الأسود الذي طاوعك فيه و جرح كبريائي و غروري .
النفس: ( تدافع دفاعا مريرا ) حقيقة ... انه كان يوما اسود .. ذلك اليوم الذي جمعنا سوية في هذا الجسد
الضمير يمسك يد صيهود ثم يبطحه أرضا ) الست راضية ؟ .. أتريدين أن تسرحي و تمرحي على أهوائك ؟ لا .. لا ( إلى صيهود ) و أنت أيها الشرطي القذر .. هل نسيت ( يقاطعه )
صيهود:لا أني لم أنس ذلك اليوم الذي حطم حياتي .. ( يروي ) ذلك اليوم الذي كنت فيه واقفا في السوق و رأيت اثنين من الشباب يضرب احدهما الآخر .. ( تداعي ) .
( يركض نحوهما ، احدهما يهرب ) قف .. لن تفلت مني .. وا أسفاه .. لقد هرب من قبضتي ( إلى الآخر ) لما تتشاجران في السوق ؟ ماذا تقول ؟ احترم و لا تغلط بي أكثر .. ألا ترى أنني شرطي .. ( يغير لهجته – يروي ) في تلك اللحظة امتشقت الجامعة من حزامي و وضعتها في يديه و هو يرتجف كأنه ورقة يابسة في ريح خريفية ... ( تداعي ) أعطني هويتك .. لا تناقش كل شيء ممكن .. هربت و أخذت الجامعة معك .. وقتها أرمى في الحبس و أنت تنعم بالحرية .. ( بنتوميم .. يأخذ الهوية ) و لكن بهذي الهوية استطيع العثور عليك بسهولة و أودعك إلى السجن ( بنتوميم يسحبه ) هيا سر أمامي .. ( يروي )
و في الطريق المؤدية إلى مركز الشرطة ظل يتوسل بي و قلبي حجر لا يلين .. و بعد أن نفدت جميع توسلاته و تضرعاته ... غير طريقة أسلوبه .. دخل علي من مدخل آخر كماء النار حين يغمر قطعة حديد صدئ ... دس في يدي ورقة نقدية فئة دينار ... رق له قلبي الحجري و ذاب بين أضلعي ( بسخرية ) فاض بالحنين و الطيبة .. ( بندم يشوبه الألم ) لقد تلوثت خدمتي الماضية .. إني لم أتجاسر في يوم على تعاطي الرشوة من أي كان .. و لكن لا احد يصدق بي .. ما من احد ينجو من السنة السوء ( ثائرا على ضمير ) أريد أن اعرف أين كنت وقتها ؟ و في أي كهف مظلم كنت نائم ؟
الضمير :كانت نفسك الدنيئة أقوى مني ...هي التي سيطرة عليك ..أما سمعت ؟ حينما انتفضت عليك وصرخت بك ، صيهود ( يجسد الصراع الذي دار بينهما .. يلاحقه ..يمسكه ..يطوي ذراعيه إلى الخلف )هذا حرام .
صيهود :أتركني ( يحاول الإفلات منه ) أتركني .
الضمير :صيهود ..هذي خيانة عظمى لقدسية واجبك .
صيهود : (يجثو على ركبتيه ) إنها غلطة ،غلطة .
الضمير : (بعتاب مر ) صيهود ..أنت إنسان طيب والإنسان الطيب ، تفوح منه رائحة طيبة مثل المسك .
(يقاطعه)
صيهود :كفى (يفلت منه بصعوبة )كفى ..إن لم تتركني سأجن ،سأجن .
النفس : (بنتوميم تدفع الضمير وتخلص منه صيهود ) أبتعد عنه ..أبتعد عنه ..أتركه وشأنه ...ألا تكفيك سياط الفقر التي جلدته في حياته ..ما الضرر الذي أصابك من أخذ الرشوة ؟هل قامت القيامة ودخلت الجحيم ؟ يا جهنم (تقصد الضمير )دعه يعيش .
صيهود : (يروي ) فتحت قيد الجامعة من يديه ...بعدما أخذت الرشوة منه ...طار مثل العصفور من القفص ..وأنا طرت من الفرح ..( موسيقى راقصة ..يرقص ) ما شعرت يوما بطعم الفرح ..كتلك الساعة ...إنها أحلى ساعات عمري ( يبحث في عينيه حوله ) وبدأت أبحث عن غيره ...يا رب ..يا مجيب الدعاء .. أمنحني مشاجرة أخرى ..ونذر علي سأقوم الليل كله بالتهجد .
(تداعي )
أضربه با لمطوى يا رجل ....وأنت لم واقف هكذا ؟ أضربه بالمدية ..وا أسفاه هربا .
النفس : صهاي ( تهدهده ) إن حظيت بأربع مشاجرات يوميا أنا لعلى يقين ، ستحصل على مال وفير يزيد على مرتبك أضعافا مضاعفة وإن واصلت المسير ...ثق بأخلاقي ..بمدة قصير ة ستكون من الأثرياء ..أغتنم الفرصة ولا تضيعها ..(بحزن ) كفاك كفاف.
صيهود : ( يروي ) كان كلامها نار في حطب يابس ..صرت ذئبا جريحا ..أجري وأجري إلى أن حل بي التعب والإرهاق والجوع القاتل ، يصرخ في بطني ولم أحظ بشيء حتى الغسق ..قررت الذهاب إلى البيت وأنا أفكر بغد أفضل ..غد حتما سيكون الصيد أثمن وحالما وصلت إلى البيت لقيت زوجتي وأبني نائم في حضنها ( يجسد شخصية الزوجة ، إذ تنوح وتبكي وتغني )
الزوجة : (دللول يا الولد يابني دللول ...عدوك عليل وساكن الجول ) ...صيهود أبنك مريض ...إنه في أنفاسه الأخيرة ما بين الحياة والموت ..(تبكي )إنه يحتضر ..يحتضر ياصيهود..أذهب به إلى الطبيب وإلا ستندم ما حييت .
صيهود ): يروي بتوجس وخوف ) نسيت التعب والجوع وماتت فرحت الدينار في قلبي (بنتوميم ،يلتقط أبنه من حضنها ويركض به ،يبحث عن طبيب )وركضت نحو الطريق .. أبحث عن طبيب ..الطبيب الظالم ، عثرت عليه ...بدا لي كحلاق ..جز شعر رأسي بشفرة عمياء ..مزقني ..حيث أخذ مني دينار أجرة المعاينة ودينار ثمن الدواء ..وبهذا خسرت دينارين (يجلس وكأنه في مضيف عربي )يا أخوتي يا كرام ..إن للرشوة رجالا عظاما .. رجالا محظوظين ..أما أنا فلست من العظام ولا من المحظوظين ..أمتلك حظ اسود كله نكد في نكد ...وفي الليل جثم على صدري ذو النكد (يتمدد على الارض وكأنه نائم )
الضمير :صيهود ..صيهود ..ماذا فعلت يا صيهود ؟
صيهود :ها ها (يحول رأسه من جنب إلى جنب ) ها ها .
الضمير :وقعت في شباك نفسك الدنيئة ،صرت مجرما ..خائنا .
( موسيقى رعب ، صراخ ، صدى صراخ )
صيهود : (يستفيق من النوم ، يحاول أن ينهض لكن لم يقدر ..يجفل ثم ينهض كالمجنون ) كف عن مطاردتي ...أتركني ..لقد دمرت راحتي وحطمت استقراري ..يا الهي ،متى ينقشع الظلام ويلوح الضياء ..وأرجع إليه ديناره ؟ إنه سم وأنا شربته .
(يبكي ثم يتحول البكاء إلى ضحكة قوية ثم يروي )
وأخيرا وليس آخرا ..بفضل هذي الهوية استطعت أن أعثر عليه ويا للمصادفة الحلوة ،هو الآخر شرطي مثلي ..لا ليس مثلي في شيء ..أعتقد أنه شرطي وربما نائب عريف وقد يكون عريفا .إن هذا لا يهمني ..المهم رتبتي أعلى من رتبته ..والآن ..الآن سألقنه درسا بليغا في الأخلاق وأرمي عليه الدينار (يلتفت إلى الغرفة فجأة ) ماذا أصابك ؟ماذا تريد ؟ماذا ؟اسمع أنا لا أستطيع الذهاب إلى السوق ..لدي عمل مهم ولا بد من القيام به إنني ذاهب إليه .
إظلام
المشهد الثاني ...
المنظر :باب كبير لمديرية شرطة المحافظة .. تعتليه لوحة .. كتب عليها .
:ـ الشرطة في خدمة الشعب
صيهود واقفا قريبا من الباب يتأمل المكان الذي كان يوما يقف فيه ( موسيقى .. يقرأ اللوحة )
الشر .. الشر ..طه.. طه في خدمة الشعب (يضحك بقوة ) و كذلك .. هل الشعب يقدر هذه الخدمة .. بالتأكيد لا لو كان يقدر لقدروني .. بمجرد أن أحلت على التقاعد .. صرت صفرا على الشمال .. لا يهم ذلك .. ( بفخر و تعال ) إننا خدمنا و رضينا ضمائرنا ( إلى ضميره ) أليس كذلك ؟ ( ينتبه إلى الشرطي الحارس) ما هي رتبته ؟ أم .. هو شرطي .. اجل انه شرطي ( بسخرية ) يبدو انه فخور بنفسه .. لا يعلم من أنا .. كثير من أمثاله كانوا يقفون أمامي كالموتى .. يا للزمن الذي لا يحترم احد . ( يقترب منه ) أ .. أيها الشرطي .. أ .. محدثك رئيس عرفا شرطة متقاعد .. ماذا ؟ أوجز ما أريد ؟ جئت بزيارة لأحد معارفي هنا .. ما اسمه ؟ لقد نسبته ( يظهر له الهوية ) مدون اسمه في هذه الهوية .. ها .. قرأت .. ( يلتقط الهوية منه ) ما صلتي به ؟ وما شأنك أنت ؟ نعم ؟ أأنت شرطي أم محقق ؟ أرجو أن لا تتدخل فيما لا يعنيك .. إن كان موجودا نادي عليه و إن لم يكن ... فالوداع .. ( يدور جسده و يمشي ثم يقف و يلتفت نحو الشرطي ) و لم أقف ؟ ماذا تريد مني ؟ اسمع أيها الشرطي كن واضح معي و لا داعي للف و الدوران . اعلم .. أنت في بطن أمك و أنا كنت أقف هنا مكانك .. ولم اجلس هنا ؟ كي تبدأ التحقيق معي .. عذرا .. عذرا .. أيها الشرطي الطيب لقد أسأت فهمك .. شكرا لحسن ضيافتك ( بنتوميم يجلس على كرسي ) اه أحل بي التعب .. بعد لحظات أقابله و ينتهي كل شيء .. خمسة و عشرون عاما و أنا أبحث عنه ( إلى الشرطي ) أ .. عفوا أيها الشرطي النبيل .. ما هي رتبته ؟ ماذا ( يسقط من الكرسي ) ل لواء شرطة .. مدير شرطة المحافظة ( يفقد توازنه )
النفس : صيهود .. احترم نفسك صيهود .. هذا مدير شرطة و أنت شرطي
صيهود : ( بذهول ) ذلك الشاب الذي كان يرتجف بين يدي مدير شرطة ؟ اللعنة على اليوم الذي ولدت فيه .. حقا كان يوما اسود .. ( يبتعد عن الباب ) ربما بسببي أو بدوافع اجهلها التحق بكلية الشرطة .. أكيد ذهب من اجلي .. طبعا .. تخرج فيها و بدأ يبحث عني ( يتقمص شخصية المدير .. بنتوميم يبحث عنه ) آه لو امسك ذلك الشرطي الحقير .. لربطته في سلاسل من حديد أو أكبل قدميه بأصفاد من نار و أقيد يديه بأنياب الثعابين و اجلده ألف جلدة . ( يضحك ، يفر من مكانه كأنه يخلع من الشخصية ) أحلت على التقاعد قبل أن تظفر بي
النفس : صيهود .. افرض طلب منك الورقة النقدية ذات الطبعة السويسرية من أين تأتي بها ؟
صيهود : ( يمد يده إلى جيبه ) إني احتفظ بمثلها في المحفظة
النفس : صيهود أنت أخذتها منه في السبعين و نحن ألان في مشارف نهاية التسعين
صيهود : وماذا يعني ؟
النفس : دعنا نعيش في أسوا الاحتمالات .. ربما يريد منك فائدة عليها .. من أين تأتي بها ؟ صيهود .. اجل .. اجل .. أنا في حيرة من أمري ،أنا في أتعس حال .. ماذا افعل ؟
الضمير : لا تحتار صيهود .. أعطيه البيت عوضا عن ذلك .
النفس : ونحن أين نذهب .. عيناي صهيو .. فؤادي لا تكن غبيا و ترضى بقوانين التشرد .
الضمير : ارحمني .. ارحمني صيهود إني أتعذب.. أتعذب .
صيهود : و أنا الآخر أتعذب أكثر .. و بحاجة إلى الراحة أكثر منك
النفس : ( تدفع صيهود من الخلف ) اهرب .. اهرب صيهود .
صيهود : لا استطيع الهرب
النفس : ( اشكال الكوك من جوع الصكر )
صيهود : ( كله و حلة و طين و جمالة مطر )
النفس : وجاء حمام القوق بقدميه إلى الصقر ( بتوسل )
صيهود الهزيمة الهزيمة لا مفر منها صهاي إن ظفر بك سينتف ريشك نتفا .. يا ضمير .. يا بعير .. عشرة أمثال ضميرك لا تنقذك منه لا ترميني في التهلكة اهرب يا .. ( يدور كأنه في دوامة )
الضمير : لا تهرب .. أفنيت العمر و أنت تبحث عنه و حينما عثرت عليه تهرب منه
النفس : ( إلى صيهود ) صه .. صه لا أنت و لا شرائطك الأربعة تصمد في وجهه يا مجنون هذا من معدن غير معدنك
الضمير : صيهود أنت أعلى من .. صيهود .. أنت فوق القمم .. بشموخي و كبريائي أنت جبل أشم .. لا تأخذ بكلامها .. إن الذي يسمع كلام نفسه و يمشي وراء أهوائها .. ينتهي نهاية مؤلمة ـ صيهود طلقها و امشي ورائي .. خذ النصح مني و لا تندم أبدا .. ألجمها بإردتك القوية .. إنها تفتقر إلى الأخلاق .
النفس : أية أخلاق تتحدث عنها ؟ إنها مفردة لا تليق بسلوكنا المتحضر .
صيهود : ( يجفل ) لا يمكن .. لا يمكن .. أن ( تقاطعه )
النفس : و لما لا ؟ اقسم بأخلاقي .. إشارة صغيرة منه و تشتغل الهراوات على ظهرك بلا هوادة
صيهود : الهراوات .. الهراوات .. لا يتحملها ظهري ( يحاول الهرب )
الضمير : ( يمنعه ) صيهود أتخشى الهراوات و لا تخشاني أني أأمرك .. أأمرك بالمواجهة ـ و إلا .
النفس : ( تقاطعه ) ( تسحب الضمير من الخلف ) و إلا بماذا ؟ كفاك تهديدا .. كفاك تعذيبا .. خمسة و عشرون عاما و أنت تجلد أعماقه بسياطك
الضمير : صيهود انك لعلى خلق .. اعلم إن الإنسان قليلا ما يصيب و كثيرا ما يخطئ .. و أنت اخطأت و ليس من العدل أن تنجو من العقاب .. و هذا ما جنته نفسك عليك .. تحمل أوزار الدناءة و الخسة التي غرزتك في أوحالها
صيهود : حان الحين لأقف بين يديه و اطهر نفسي من أدران الخطيئة التي ارتكبتها ( ينطلق باتجاه الباب الكبير بقوة يلتفت نحو الشرطي في وسط عتبة الباب ) أنا الذي قررت المواجهة .
المشهد الثالث
غرفة مدير شرطة المحافظة .
المنظر : يفتح الباب قليلا ثم يمد عنقه كاللص .ينظر في الداخل ثم يدخل ببطء و خشوع .
صيهود : سيدي .. سيدي . منذ زمن بعيد و أنا لم أرك من تلك الساعة السوداء التي التقينا بها قبل خمسة و عشرين عاما .. جمعتنا الصدفة بك و كان لقاء و يا له من لقاء .. جعلني اللقاء ابحث عنك ليل نهار في كل الفصول حتى عثرت عليك ( يجفل ،يتراجع إلى الخلف بخوف ) إ إني ( ينتبه إلى نفسه )من أنا ؟ أحقيقة .. من أنا ؟ أنا .. أرجوك .. أتوسل إليك دعني اشرح القضية .. من الذي سمح لي بالدخول ؟ .. أ .. أ.. آهـ .. اهنا .. أنا ( يصمد ثم يردف بقوة ) إني متعطش إلى لقاءك.. لن أتحمل أكثر من ذلك لا أقوى أن أبقى معلقا بين التأنيب و الشعور بالذنب لان بيننا حسابا قديما ولابد من تصفيته .. أرجوك لا تصرخ بوجهي فانا من دون صياح ارتجف خوفا منك .. بحق توسلاتي و سنين عمري أن تسمعني ، و بعد ذلك افعل بي ما تشاء .. أنت حر... اقبل يدك ( ينزل إلى الأسفل تحت المنضدة ) اقبل حذائك .. أحسن مثولي أمامك و تقبل مني اعترافي كي اصرف عني الذنب الذي اقترفته نفسي . ( يصمت ثم يرتفع عن عنقه بمستوى المنضدة )
أمهلني .. أمهلني لا فصح عن الرزية التي تشغل كاهلي .. ( توجه لطمت إلى وجهه ينقلب على ظهره ) آه .. احترم احتراق السنين بوجهي و اشتعال راسي بالشيب ( يركل، يتدحرج ) إن كل ما تفعله بي لهو ارحم من عذاب الضمير .. أنا لست مجنونا .. أنا إنسان ذو ضمير طاهر .. جلبني إليك .. بذمتي دينار أخذته منك رشوة .. إنني مرتش .. مرتش ( بصمت .. يستمع إليه ) إنني مجنون ؟ مجنون .. إن كنت أنا مجنون فدينارك هو السبب .. أنا اعرف انك لست بحاجه إليه .. و لكن أريد براءة ذمتي منه ( يخرج المحفظة من جيبه .. لكنه يدفع إلى الوراء ) ـ مهلا ( يدفع بقوة )
ـ اظلام ـ
المشهد الرابع
نفس المشهد الثاني
.. يوحي بان مجموعة ما تتعرض له أمام الباب الكبير و هو يدافع عن نفسه و لكن دون جدوى .. موسيقى رعب .
يسحب من كل مكان ـ تتمزق ثيابه يدفع ـ يسقط أرضا و هو يتلقى ركلات موجعة توجه إلى وجهه و رأسه و ظهره .. ينتفض عليهم
صيهود : ابتعدوا عني .. ( يخلع حذائه و يبدأ بضرب رأسه ) هكذا .. هكذا ( يتوقف عن الضرب ) لا يليق بكم أن تفعلوا بي هكذا أيها السادة أنا رجل محترم و شريف لم لا تحترموا الشرفاء ؟ ( يلتفت إلى الشرطي الحارس ) لا تقل عني مجنونا .. ها .. و ما شانك أنت أريد اوؤدب ضميري و اسحقه مثلما سحقني و أخزاني ( إلى احد الجالسين في الصالة ) أيها الجالس هناك لا تهمس لجليسك .. إني أعقل منك ( يقلد ضحكته ) بليد متخلف .. صدق بهؤلاء ال .. يا رجل نحن نمثل .. ( يلتفت إلى آخر ) إنني لن أتحدث معك ألا تخجل من نفسك .. ( ينهض ثم يهبط إلى الصالة بين الجمهور )و أنتي لا تقولي عني مجنون .. لا تنكري أني سمعت همساتك لا تنظري لي هكذا .. أحس بان عينيك الجميلتين تقولان عني مجنون ( إلى طفلة في الصالة ) لا تصدقي بهم ...إني لست مجنونا ، اسمعي .. ليقل العالم كله ليتهمني بالجنون إلا أنت .. لماذا ؟ .. لأنني احمل براءتك ( يلتفت إلى احد الجالسين ) ان لم تصمت سأتحدث بكلام لا يليق بك .. لم الإنسان الذي يمتلك الضمير مرفوض ؟.. لم الإنسان الطيب النظيف محارب في كل مكان ؟ .. أيها الناس .. حاولت في حياتي مرة أن اسلك سلوك السيئين فلم استطع .. دعوني أعيش على فطرتي على سجيتي .. إنسان نقي .. نقي ( يترك الصالة و يتجه نحو خشبة المسرح يوحي أن أحدا من الجمهور ـ ضربه بحجارة على رأسه من الخلف . يلتفت إليهم ) منذا الذي ضربني بالحجارة ... أيمتلك ضميرا ؟ .. إن كان لديه ضمير .. بالتأكيد هو .. مثلي رجل مجنون ( يتركهم ويرتقي الخشبة ) من كان مجنون لأصبح مثلي ضميرا
ـ اظلام ـ
تمت