مشاهدة النسخة كاملة : المخابرات الصهيونية وحرب الانترنت!



نسيم
13-07-2006, 23:55
قبل ثلاثة أعوام، حين نزل إلى السوق في الولايات المتحدة الأميركية كتاب "حرب المخابرات"، قوبل بالكثير من التعتيم، ربما لأن كاتبه "توماس ج.ر.هارفر" كان واحدا من ضباط المخابرات الذين عايشوا الحرب الباردة بكل تفاصيلها الرهيبة، ولأنه ـ وهذا الأهم ـ انقلب ضد الحزب الجمهوري الأميركي معتبرا إياه حزبا جاهزا لإدارة الحرب فقط، ولإغراق أميركا في كراهية العالم لها، كما قال في حوار مع جريدة اللوموند الفرنسية بعد سنة من ذلك التاريخ..‏‏

لم يكن الحديث عن حرب المخابرات شيئا هلاميا ولا من نسج الخيال، وحتى أفلام هوليود تحاول إيهام العالم أن جيمس بوند الأميركي المميز لن يجد من يقهره، ولكنها أيضا فشلت في إقناع الناس بأن جيمس بوند رجل مسالم ومحب للخير، هو الذي لا يمكنه العيش في غير المياه العكرة!‏‏

عالم المخابرات بكل غموضه، وأسراره صار مكشوفا إلى حد كبير اليوم، ليس لأن العالم أصبح قرية صغيرة، بل لأن "الجوسسة" أخذت في النهاية وضعا مختلفا، بحيث أن الحصول على المعلومة لم يعد صعبا، وبالتالي الوصول إلى من يمد الآخر بالمعلومة لم يعد مستحيلا، لأن انفتاح الناس على "الشبكة المعلوماتية" (الانترنت) جعلهم من حيث لا يدرون جاهزين لأن يصبحوا عملاء وخونة أيضا، تسيرهم أجهزة خبيرة كي يفعلوا ما تطلبه منهم، وكي تأخذ منهم ما تشاء من المعلومات مهما بدت صغيرة وغير مهمة وأحيانا تافهة، إلا أنها تظل بالنسبة لتلك الأجهزة، في غاية الأهمية وعاكسة للسلوك النفسي والفكري والاجتماعي والاقتصادي لأي مجتمع، بالخصوص المجتمعات التي توصف بـ "الحساسة"، ونعني بها تلك التي تعيش صراعا سياسيا أو عسكريا مباشرا مع الدول الأخرى، بالخصوص مع الولايات الأميركية و"إسرائيل"..‏‏

في آب/ أغسطس سنة 2003، نشرت مجلة "لوسوار البلجيكية" ملفا عن "جواسيس الانترنت" وهم في الحقيقة ليسوا أولئك الذين يخترقون البريد فحسب، بل هم أولئك الذين يجلسون لساعات، في غرف الشات (المحادثة المباشرة) ينتظرون دخول أي متحدث يمكنه أن "يصبح" صديقا جيدا لهم.‏‏

الصداقة هنا لا تحمل أي معنى للقيمة ولا مكان للمبدأ فيها، بل هي صداقة من نوع آخر، يعرف خبراء الانترنت أنها ستصطاد كل الشباب المراهق الذي يحب أن يتكلم في الأشياء الممنوعة، في الجنس وفي السياسة أيضا. فالذين يدخلون إلى غرف الشات يفعلون ذلك بحثا عن فتاة أو امرأة "متحررة" تستطيع أن تحكي وتتكلم وتناقش بكل حرية معهم، ولا يهم من تكون تلك المرأة، مكانها، هويتها، جنسيتها و... أهدافها. المهم أن ساعة من المحادثة "الحرة" تتطور إلى تبادل لصور غير أخلاقية، وإلى تبادل لأرقام الهاتف الجوال أحيانا، بحيث تقيم الفتاة بالضرورة في دولة "محايدة" استراتيجيا، وهذه النقطة في غاية الأهمية بالنسبة لأجهزة المخابرات كي لا تثير أدنى شبهة.. صورة الفتاة يجب أن تكون مغرية، ولا يهم أيضا إن كانت صورتها الحقيقية أم لا، المهم أن الشاب/ الضحية سيكون مأخوذا بأشياء أخرى، وبالتالي يتم التأثير عليه عبرها.. هكذا يقول "باسكال شانتي" من المعهد الفرنسي للتقنيات المعلوماتية، فهو خبير في مجال الانترنت، ومؤلف كتاب "هؤلاء الذين لا يعرفون"، وهو الكتاب الذي كان مشهدا آخر عن العملاء "غير العارفين" والذين يتم إدخالهم في لعبة "الحوار" بكل إغراءاته، حتى الوصول إلى الحديث الأخطر!‏‏

ليس هذا فقط، بل في السياق نفسه، نشرت مجلة" لومجازين ديسرائيل" الصادرة في فرنسا أن "الانفتاح على العالم لم يعد يكلف "إسرائيل" كما في السابق فيما يخص جلب المعلومات، بحيث يكفي الدخول إلى مواقع الشات لتعرف كل شيء!".‏‏

ما هي مواقع الشات تلك؟‏‏

سؤال طرحناه على "جيرالد نيرو" (أستاذ في كلية علم النفس بجامعة بروفانس الفرنسية، وصاحب كتاب: مخاطر الانترنت)، أجابنا قائلا: "من الصعب تعريف مواقع الشات أو كما تسمى عموما بمواقع المحادثة والاستمتاع.. المحادثة من منظور الشخص الذي يستعمل الانترنت هي فسحة من الحوار الذي لا تتدخل فيه الموانع ولا التابوهات، يجد الشخص نفسه يدخل إلى مواقع معينة باسم مستعار، وهو الأمر الذي يجعله يحس بالأمان كثيرا كون البيانات التي يقدمها للدخول غير حقيقية، ولكنه ينسى أن ما سيقوله أثناء الحديث هو الذي سيكون حقيقيا لأنه سيكون بين أيدي أشخاص خبراء في مجال الكلام، يعرفون كيف يسألون وكيف يحصلون على المعلومة، وكيف يديرون الحوار وكيف ومتى يوقفونه أيضا، ببساطة هي شبكة مختصة ومتكونة من اختصاصيين أيضا، في علم الحديث، وعلى درجة كبيرة من الدهاء أيضا..".‏‏

مواقع الشات هي المواقع الأسهل، وأي شخص يمكنه أن يدخل إلى أي غرفة محادثة يرغبها، باسم مستعار يتخفى وراءه ليعبر عن رأيه ويدردش لمدة ساعة على الأقل، قد تصل إلى خمس ساعات متتالية حسب تقدير مجلة "لومجازين ديسرائيل" التي ذكرت أن ـ حسب "موشي ميخائيل" ضابط سابق في الموساد ـ الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و25 سنة هم الأكثر إقبالا على مواقع المحادثة، لأنهم أكثر رغبة في التغيير، ووقتهم أكبر من مشاغلهم، وبالتالي يعتبرون المحادثة المباشرة أفضل طريقة لإفراغ ما في القلب من هموم يعتبرها المراهق مصيرية، كإحساسه بالكبت الاجتماعي الذي يتحول إلى رغبة في الكلام الذي يصل أحيانا حد "الإساءة" لدولته وحكومته، وهو ما يشكل نحو 66% من نماذج الحوار.‏‏

المواقع هي نفسها تقريبا، الأكثر شهرة، مثل مواقع الصداقة ومواقع المحادثة الـ"حرة" التي تحتوي على غرف محددة كالغرف غير الأخلاقية والسياسية والثقافية والفكرية، إذ تجد في كل من تلك الغرف ضابطا منتظرا، له القدرة على الصبر وعلى إدارة الحوار بشكل عادي وبسيط. يرمز إلى نفسه عادة برمز يلفت الانتباه، وبالتالي يذكر أنه "امرأة" ليتم الاتصال به، ولهذا يصير الاتصال ممكنا، والأهم أن الضابط يجيد بداية الحوار الذي يجعل الطرف الآخر يقع في الفخ، عبر إغرائه مباشرة بعبارات يعرف جيدا تأثيرها عليه، خاصة إن كان مستخدم الانترنت دخل إلى تلك المواقع بحثا عن الصور غير الأخلاقية!‏‏

الصحفي الفرنسي "روجيه أرود" اهتم عن قرب بتلك المواقع قبل أن يصدر كتابه "كلمات في غرفة" الذي كشف من خلاله الدور الخفي والمزدوج للعديد من المواقع، بالخصوص مواقع المحادثة المباشرة، والشبهات التي تحوم حولها باعتبارها أنها ـ كما ذكر في بداية كتابه ـ تنشط من دول توجد فيها "إسرائيل" بكثرة، مثل قبرص، واليونان، وفرنسا، والولايات الأميركية وبريطانيا.. بالإضافة إلى دول من أوروبا الشرقية سابقا، بلغات كثيرة ومنها اللغة العربية التي تستقطب اليوم العديد من الشباب، وبالتالي تبدو مواقع المحادثة العربية فخا سهلا جدا، لأن الذين ينشطون خلف الكواليس يعرفون جيدا ماذا يريد المشترك العربي.. "فالمشترك العربي، الشاب، والمراهق عموما يبحث عن التسلية والحوار السهل، متجاوزا التابوهات والممنوعات"، لهذا تبدو تلك المواقع مثالية بالنسبة إليه بالخصوص حين صارت لها صفحات عربية.‏‏

وقائع موثقة:‏‏

(مجلة "لاتريبون" الفرنسية عرضت في العدد 213 أن ضابط الاستخبارات الإسرائيلي "أدون وردان" المعروف في الوسط المخابراتي داخل وخارج "إسرائيل" هو نفسه "دانيال دوميليو" الذي أطلق موقع "شباب حر" الذي استقطب أكثر من 10 ملايين زائر في سنة انطلاقته عام 2003، وكان هذا الموقع ـ (الذي توقف فجأة بعد أن كشفت صحيفة الصنداي شخصية مؤسسه) ـ من أهم مواقع التعارف والكتابة الحرة التي يعبر فيها ملايين الشباب عن "غضبهم" من حكوماتهم، وبالتالي كان ثمة ضباط من العديد من الدول الذين "اعتقدوا" أنهم يؤدون مهمة إنسانية بالكشف عن أسرار عسكرية في غاية الخطورة، منها ضباط من كوت ديفوار نشروا وثائق خطيرة عن الوضع الأمني الذي تم استغلاله من قبل المخابرات الإسرائيلية في السنة الماضية لـ"معاقبة فرنسا" على موقفها "السلبي" من الحرب على العراق، يقول "دونالد ماكرو" بالحرف الواحد.. لقد لعب الانترنت المهمة الأخطر على المستوى العسكري، إذ أن مجرد السؤال في حوار عادي عن الوضع السائد في البلد الفلاني لم يعد بريئا، لكن ثمة اختصاصيون يجيدون طرح الأسئلة بتفادي طرحها بشكل مباشر، ولإجبار الطرف الآخر على طرحها.. فقد كانت دولة مثل "إسرائيل" في الستينات والسبعينات تصرف الملايين من الدولارات كرواتب لعملاء تعمل على تدريبهم، وبالتالي على تهيئتهم للأعمال المطلوبة منهم. كان عالم الجواسيس محاطا دائما بنفس الهالة الرهيبة والمخاطر التي نجحت السينما الأميركية في صياغتها. الجاسوس أو العميل هو نفسه الخائن في كل اللغات، هو الشخص الذي يعي أنه يختار الجهة المضادة لأسباب مادية وأحيانا ثأرية، وهؤلاء يفعلون ذلك عن مغامرة وعن سقوط إرادي، لكن الذي يجري أن "العميل" الراهن لا يعرف الدور الذي يقوم به. لا يعرف أنه يخون ويبيع أسرار بلده. لا يعرف أنه ضحية حوار غير بريء، ولا يعرف أن كل كلمة يقولها تمر على عشرات المحللين النفسانيين، وأنه هو في الأخير فأر تجارب في عالم متناقض ومشبوه.‏

لهذا من الصعب جدا تفادي "كارثة الانترنت" يقول أكثر من رأي، من الصعب تفادي "كارثة الشات (الدردشة)" لأنه يبقى هو العالم المغري لملايين من الشباب بالخصوص الذين يبلغون أقل من عشرين سنة، ولهم ثقافة حياتية وفكرية جد محدودة، بحيث لا يهمهم سوى الكلام في أشياء "محظورة" مع شخص يعتقدونه جنسا لطيفا!‏‏

يقول "مايكل هيجل" في مجلة "بون" الألمانية: ما يقال في هذا المجال يبدو حقيقيا جدا، وباعتراف ضباط سابقين في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية مثل (جون دلتون) وضابط الاستخبارات البريطانية المتقاعد (هنري سرلوب) صاحب كتاب "واجهة شاحبة"، وضابط الاستخبارات الإسرائيلية "ميخائيل ماتان"، هؤلاء كتبوا بأنفسهم عن الدور الذي لعبوه في استقطاب عملاء بطرق لم يكونوا ليحلموا بها، أي بجرهم إلى الحوار عبر الانترنت. الغريب في الأمر، يقول "هنري سرلوب" أن مواقع التعارف عبر النت هي التي تستقطب الملايين من الناس عبر العالم. ركن التعارف جلب أطباء وصحافيين مثلما جلب رجال أعمال وموظفين عاديين وأشخاصا عسكريين أيضا، لهذا كانت المواقع المعنية بالتعارف من أكثر المواقع زيارة في أوروبا، وطبعا مفتوحة لاستقطاب شباب من العالم العربي، ومن أميركا اللاتينية.‏‏

الطريقة في غاية السهولة نجدها ببساطة في كتاب "العميل البريء" للكاتب الانجليزي "ادوارد ريتشارسون" قائلا: العميل المثالي هو الأكثر حنقا على نفسه، هو الكاره لذاته، الذي لا يحمل أي هدف محدد، فتلتقيه في حالة شرود، لتقوده إلى عالمك، ولتصقل شخصيته كما تشاء، بأن تصنع منه عميلا مثاليا و"بريئا" لمجرد أنه لا يعرف أنه يقدم لك خدمات كبيرة مقابل أن تكون صديقه!!!!).‏

سهيل
20-07-2006, 13:56
السلام عليكم
جزاك الله خيرا على هذا المقال
أحسنت