مشاهدة النسخة كاملة : التعليم الأولي بالمغرب وتكافؤ الفرص



توفيق
09-09-2011, 23:12
بقلم: عبد المجيد الخطيب
التعليم الأولي بالمغرب وتكافؤ الفرص

يحل علينا في هذه الأيام موسم دراسي جديد، يستأنف فيه التلاميذ دراستهم بعد انقضاء عطلة الصيف. ويتزامن هذا الموسم مع السنة الثالثة والأخيرة من مدة تنزيل البرنامج الاستعجالي الذي رصد له ميزانية ضخمة لتنفيذ مشاريعه الخمسة والعشرين التي اعتبرت بمثابة خارطة طريق لتسريع الإصلاح الذي فشل قبل متم عشرية التعليم (2000-2010)، حيث اعتبرت المسألة التعليمية خلالها أولوية ثانية بعد الوحدة الترابية. وإذا كان الخطاب الرسمي –كعادته- يتحدث عن تحقيق إنجازات كبرى في مجال التعليم، مدعما ذلك بأرقام ومعطيات تكون في غالب الأحيان كمية، فإن الواقع الذي لا يرتفع ولا ينحجب بالأرقام، يكشف الأعطاب الكبرى التي لا يزال يتخبط فيها التعليم في بلادنا. واقع لا يُتحدث عنه بصراحة وبوضوح في حينه، وإنما ينتظر الجميع صدور تقارير لتصنفنا في أراذل الرتب، فنندم ولات ساعة مندم بعد أن تضيع منا الفرص، ونتخلف عن الركب الذي ترتفع سرعته يوما عن يوم.

من أهم الأعطاب التي تعاني منها منظومتنا التربوية، عدم استفادة جميع التلاميذ من تعليم أولي يمكنهم من التفوق في مسارهم الدراسي دون فشل أو انقطاع عن الدراسة. فقد أثبتت الدراسات أن المتعلمين الذين لا يستفيدون من التعليم الأولي في الغالب يتعثرون في مسارهم الدراسي، ولا يحصلون على درجات عليا أثناء تقويمهم. كما تتفق جل النظريات التربوية على أن هذه المرحلة العمرية للطفل (4-6 سنوات) تعد مرحلة حاسمة في تشكل شخصية الإنسان عاطفيا وعقليا وسلوكيا، وأنه كلما تم توفير أجواء وظروف تربوية تتناسب مع احتياجات الطفل في هذه المرحلة، فسيكون لذلك انعكاس على حياته كاملة. ولهذا السبب، نجد الدول المتقدمة تولي عناية قصوى لهذا النوع من التعليم، حيث يتم تعميمه على جميع التلاميذ، ويتم إسناد تدريس أطفال هذه المرحلة في الغالب لذوي الخبرات العالية في مجال علم النفس حتى لا يتم تشويه مواطني المستقبل.

في معرض جواب الوزارة المكلفة بقطاع التربية والتعليم على سؤال شفهي حول تعميم التعليم الأولي بمجلس النواب يوم الأربعاء 29 يونيو 2011[1] جاء ما يلي: ".. الميثاق راهن على مساهمة الجماعات المحلية في تعميم التعليم الأولي، إلا أن هذا الشرط لم يتحقق، ومن ثمة تعذر تحقيق هذا الهدف الطموح المتمثل في تعميم التعليم الأولي. ولتدارك هذا التأخر، وعلى الرغم من أن الوزارة تركز أساسا على تحقيق تعميم التعليم الإلزامي من 6 إلى 15 سنة، فإن البرنامج الاستعجالي لم يهمل التعليم الأولي وخصص له مشروعا ضمن مشاريعه 25 يهدف إلى إرساء نموذج مغربي عصري للتعليم الأولي.." .

يبدو جليا أن الخطاب الرسمي يقر بعدم تحقيق رهان من رهانات الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وأن قضية حساسة مثل التعليم الأولي اعتمدت فيها الوزارة على مساهمة الجماعات المحلية التي في الغالب يتم تسييرها من طرف مجالس تفتقر للخبرة في الميدان، مع وجود تعقيدات قانونية تحول دون صرف ميزانية الجماعة في استثمارات تهم قطاع التعليم. كما أن الوزارة من خلال هذا التصريح لا تعتبر التعليم الأولي إلزاميا بحكم وجود قانون حدد إلزامية التعليم بين 6 سنوات و15 سنة، في تعارض مع ما جاء في الميثاق الوطني للتربية والتكوين.

وهكذا، ستنطلق الدراسة هذا الموسم، وستستقبل مدارسنا – كعادتها – تلاميذ جددا معظمهم لم يستفيدوا من تعليم أولي مناسب، خاصة بالعالم القروي الذي ينعدم فيه هذا النوع من التعليم، إذا استثنينا الكتاتيب القرآنية وبعض المبادرات التي غالبا ما تبوء بالفشل لغياب الشروط الضرورية لنجاحها. ورغم أن الميثاق اعتبر سنتي التعليم الأولي جزءا من التعليم الابتدائي، ونص على ضرورة "استفادة جميع أطفال البلد من هذا التعليم في أفق 2004" [2]، وأن البرنامج الاستعجالي خصص لذلك مشروعا وميزانية، إلا أن هذا الرهان لا يزال بعيد المنال، وأن الواقع يظهر أن معظم التلاميذ الجدد سيواجهون صعوبات كبيرة أثناء دراستهم، خاصة وأن البرامج والمناهج يتم تنزيلها بشكل لا يراعي هذه الفوارق والظروف، وإنما تعمم على جميع المدارس وفق توزيع سنوي وجدولة زمنية تخضع للمراقبة من طرف الإدارة. مما يجعل أبناء المغاربة في نقط انطلاق مختلفة، يُضرب فيها مبدأ تكافؤ الفرص عُرض الحائط، على اعتبار أن هناك فئة مجتمعية محظوظة اجتماعيا يستفيد أبناؤها من التعليم الأولي ومن دعم الأسرة المادي والمعنوي بحكم إمكاناتها المادية والمعرفية. وبهذا تكون مدرستنا تلعب دور "الحفاظ والمحفوظية" و"إعادة إنتاج" نفس الوضع، حيث يبقى أبناء الفقراء يشغلون وظائف متواضعة الأجر والمكانة الاجتماعية نتيجة ضعف تعليمهم.

تاريخ النشر: الجمعة 9 شتنبر/أيلول 2011
[1] www.men.gov.ma
[2] الميثاق الوطني للتربية والتكوين.

توفيق
10-09-2011, 01:01
http://hh7.net/Sep/10/hh7.net_13156055011.jpg