مشاهدة النسخة كاملة : المغرب : مرشحو برنامج «النهب» الانتخابي



عادل محسن
16-09-2011, 01:21
مرشحو برنامج «النهب» الانتخابي


دخلت الأحزاب السياسية سباق المسافات الطويلة في أفق خوض غمار الانتخابات المقبلة، وانطلقت الاستعدادات على قدم وساق بين مختلف مكونات المشهد السياسي، لأن هذه الانتخابات يراهن عليها الكثيرون، البعض لأنه يرى فيها فرصة لدخول الحكومة، والبعض الآخر لأنه يراها مناسبة للبقاء فيها. ولكن ما يحصل اليوم هو نفسه الذي كان حاصلا منذ خمسين عاما..

أحزاب تتكاثر وبرامج متشابهة وخطابات مكرورة حول الإصلاح والتغيير ورغبة في الحكم ولعبة سياسية، تـُدعى المعارضة، تقوم بها أطراف بسبب فشلها في الحصول على موقع في الحكومة، لأن الطبيعة تكره الفراغ، ثم تأتي نفس الأحزاب قبيل الانتخابات لكي تلبس نفس الزي لأن المغاربة ينسون، وتمطرنا بالآمال المنعشة حول الإصلاح، لكن بعد خراب الهيكل، كما يقولون.

اليوم هناك دستور جديد صادق عليه الشعب المغربي في يوليوز الماضي، ترجم إرادة الدولة في الإنصات لنبض الشارع المغربي الذي خرج يطالب بالإصلاحات ومحاربة الفساد والتسول بالسياسة لدى فئة من النخبة في بلدنا، بدل أن تشمر عن سواعدها وتشتغل، غير أن سقف النقاش حول الإصلاحات حصر في الترسانة القانونية المرتبطة بالانتخابات والتحضير لها، والحال أن هذا النقاش ظل يتكرر كل أربع أو خمس سنوات في المغرب، أي في كل محطة انتخابية، ولا جديد فيه، هذا في الوقت الذي يقال لنا فيه إن المغرب دخل مرحلة جديدة مغايرة تماما بعد دستور يوليوز الماضي، وكأن المشكلة في الدستور فقط وليست في العقليات وفي طريقة العمل، مع أن الكثيرين كانوا ينتقدون غياب التطبيق بالنسبة إلى الدستور السابق، بل وكتبت جريدة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قبل حوالي ثلاث سنوات أن المشكلة ليست في الدستور بل في تنفيذه، ولكن الهيئات السياسية اليوم تحاول التحلل من مسؤولياتها في الإصلاح كما لو أن الدستور الجديد جاء ومعه أرجل يمشي بها.

وفي الوقت الذي دخلنا فيه مرحلة الدستور الجديد، لا زالت نفس العقليات التي كانت سائدة في السابق هي الموجودة اليوم في الساحة السياسية، نفس الخطابات الاستهلاكية والازدواجية لدى الأحزاب المشاركة في الحكومة.

وما يخشاه المغاربة اليوم ـ الذين باتوا أكثر وعيا بسبب الحراك الشعبي والعدوى العربية ـ هو أن يتم إفراز برلمان جديد ومجالس جماعية بنفس الوجوه، لأن العديد من المجالس الجماعية شهدت وجوها حزبية دخلت الانتخابات ببرنامج انتخابي يتكون من مطلب واحد: النهب، وقد نجحت في تطبيق برنامجها الذي وعدت به، وعليها الآن أن تترك مكانها للذين سيعملون، وهذا يضع الكرة في ملعب الأحزاب السياسية.

إذا كانت هذه الأحزاب غير قادرة على أن تقدم مرشحين نزهاء ولديهم بعض الغيرة على هذا البلد، فيجب أن تحل نفسها بكل جرأة، لأن الاستمرار في إعادة إنتاج نفس المرشحين من أصحاب برنامج النهب سوف يؤدي بالبلاد إلى أكثر من السكتة القلبية التي حذر منها الملك الراحل الحسن الثاني، فهذه المرة سيؤدي ذلك إلى المرض الخبيث الذي يعرفه كل واحد.

ولا يمكن فهم كيف أن وزارة الداخلية اليوم أصبحت أكثر حرصا على إنجاح الإصلاحات، وهي التي كانت تتلقى أقوى الضربات من الأحزاب السياسية، لأنه عندما تتحول وزارة الداخلية إلى ناصح أمين لهذه الأحزاب بعدم ترشيح أشخاص معروفين بالفساد لدى الشارع المغربي، فإن ذلك يطرح سؤالا أخلاقيا خطيرا على هذه الأحزاب التي عجزت عن إدخال الربيع الديمقراطي إلى أجهزتها وتطهير صفوفها من المفسدين.

ويبدو أن هذه الأحزاب التي كانت تكيل السب لوزارة الداخلية تعلمت منها أشياء كثيرة، من بينها تقليدها في اتخاذ أعوان لها، حيث أصبحت لها هي أيضا فئة اسمها الأعيان.

المغرب في حاجة إلى ثقافة سياسية جديدة إذا أردنا الإقلاع، ثقافة لا تتعايش مع الفساد وتسميه بالاسم، ومستعدة لقبول التداول على السلطة، بما في ذلك داخل الأحزاب السياسية لأن قيادة الحزب سلطة، وتعزيز حرية الصحافة والرأي، لأنه لا يعقل أن يوجد الفساد وتخنق الصحافة؛ لكن عندما ينتهي الفساد، آنذاك يمكن للصحافة أن تعود إلى البيت، ولا يمكن أن يتم تثبيت المناخ السياسي الجديد الذي يريده المغرب مع إبقاء سيف الاعتقال مشهرا فوق رؤوس الصحافيين، لأن اعتقال رشيد نيني، مدير جريدة «المساء»، لا يخدم هذا المناخ، كما يسيء إلى صورة المغرب في الخارج.



إدريس الكنبوري