مشاهدة النسخة كاملة : خبر حصري الانتخابات بالمغرب.. ثبات في الوظائف وتغير في السمات



عادل محسن
07-10-2011, 19:01
في إصدار جديد له .. د.محمد منار يسائل الانتخابات المغربية

http://www.aljamaa.net/ar/imagesDB/48298_large.jpg

صدر في الآونة الأخيرة للباحث المختص في العلوم السياسية الدكتور محمد منار كتابا بعنوان: "الانتخابات بالمغرب.. ثبات في الوظائف وتغير في السمات".

في هذا الكتاب الأول للدكتور منار، عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان ومدير قسم الدراسات السياسية والقانونية، والذي صدر عن دار أبي رقراق للطباعة والنشر، تطرق للعملية الانتخابية المغربية بمقاربة شاملة "لا تقتصر فقط على ما هو قانوني أو سياسي بل تشمل أيضا البعد السوسيو ثقافي، ولا تقتصر على مقترب بعينه، وإنما تنهل من مختلف المقتربات التي استعملت إلى حدود الساعة في دراسة الانتخابات بالمغرب" كما جاء في مقدمة الكتاب.


http://www.aljamaa.net/ar/imagesDB/48297_large.JPG

فعلى طول ما يزيد عن 500 صفحة من الحجم الكبير، وبعد أن عرض خلاصات كبرى عن تجربة الانتخابات التشريعية المباشرة في عهد الملك الحسن الثاني وأظهر الوظائف التي أرادها النظام لها، تعمق في رصد وبحث وتحليل الانتخابات التشريعية التي أجريت خلال حكم محمد السادس. وتطرق بنوع من التفصيل الدقيق، غير المسبوق، لتجربتي انتخابات 2002 و2007، مسلطا الضوء على مختلف القضايا الدستورية والسياسية والقانونية والتنظيمية المرتبطة بالتجربتين الانتخابيتين.

وأطر الباحث عمله البحثي هذا بجملة من الأسئلة المحورية التي اشتغل عليها، والمُقارِنة بين انتخابات الحسن الثاني ومحمد السادس، يقول الباحث "إذا كانت انتخابات الملك الحسن الثاني عرفت تزويرا وتوترا دائما، وطعنا مستمرا في نتائجها، فإلى أي حد ستحقق انتخابات الملك محمد السادس قطيعة مع ذلك؟ وهل سيستمر الطعن في نتائج الانتخابات أم سيختفي؟ وإذا انعدمت، أو على الأقل خفت حدة التوتر الانتخابي، فهل تكمن أسباب ذلك فيما تحقق في انتخابات الملك محمد السادس من حرية ونزاهة؟ وإلى أي حد سيحقق الإطار القانوني والتنظيمي الجديد تلك الحرية والنزاهة؟ وهل يكفي التقدم على مستوى نزاهة الانتخابات وشفافيتها في تحقيق انتخابات فعالة؟

بعبارة عامة هل ستشكل انتخابات الملك محمد السادس قطيعة مع انتخابات الملك الحسن الثاني؟ أم ستشكل، رغم تميزها الملحوظ، استمرارا لنفس الاختيار الانتخابي السابق؟ وهل ستؤكد انتخابات2007 نفس الاختيار الانتخابي الذي تم تدشينه في 2002؟ أم ستعيد النظر في بعض جوانب ذلك الاختيار بالنظر إلى ما ظهر من بوادر للاختلال في التجربة الانتخابية السابقة؟ وفي حالة تأكيد نفس الاختيار مع بعض التغييرات الجزئية، فهل سيسهم ذلك في الارتقاء بالعملية الانتخابية؟ أم على العكس من ذلك ستعرف العملية الانتخابية أزمة، خاصة على مستوى رهانها وفعاليتها؟ وإذا كانت أعطاب العملية الانتخابية بالمغرب ستظهر بحدة في انتخابات 7 شتنبر 2007، فما هي هذه الأعطاب بالتحديد؟ وما هي أسبابها وعواملها؟ هل ترتبط تلك الأسباب والعوامل فقط بآليات العملية الانتخابية أم أنها ترتبط بالنسق السياسي والدستوري والسوسيوثقافي الذي تشتغل داخله العملية الانتخابية؟ وما هي بعض المقترحات لتجاوز تلك الأعطاب؟".

وقد خصّ الباحث كل من انتخابات 2002 و2007 بقسم خاص لكل تجربة منهما، وذلك لثلاث اعتبارات أساسية "لتجنب السقوط في نوع من التعميم والتنميط، الذي قد يخفي التطرق إلى بعض التفاصيل القانونية والتنظيمية لكل من التجربتين، والتي قد تكون لها أهمية خاصة؛ ولفسح المجال أمام بحث تفاعلات كل تجربة انتخابية، سواء على المستوى الدستوري أو السياسي أو السوسيوثقافي، الأمر الذي قد يصعب في حالة دمج التجربتين؛ وللمقارنة بين انتخابات 2002 وانتخابات 2007، حتى يمكن معرفة حدود التغيير والتطور، كل ذلك بما يفيد في رصد الثابت والمتغير في المسار الانتخابي، وبحث إشكالية القطيعة أو الاستمرار مع انتخابات الملك الحسن الثاني".

وخلص الدكتور محمد منار إلى أن انتخابات 2002 عرفت متغيرات قانونية وتنظيمية من داخل ثوابت النسق العام، ومن جهتها بقيت انتخابات 2007 وفية لتلك المقاربة القانونية والتنظيمية في التعامل مع الانتخابات، ليؤكد أن الانتخابات تعرف "ثباتا في الوظائف" وإن كانت تشهدا نوعا من "التغير في السمات".

وقدر ترك الكتاب، في هذه الفترة القصيرة التي عرض فيها في الأكشاك، استحسانا لدى العديد من الأوساط البحثية والأكاديمية والسياسية، وأكد الكثير ممن طالعه إلى أنه يشكل إضافة نوعية كبيرة للعمل البحثي الجاد في المسار السياسي عامة وفي المسلسل الانتخابي بشكل خاص.


تاريخ النشر: الجمعة 7 أكتوبر/تشرين الأول 2011

عادل محسن
08-10-2011, 01:19
فيما يلي مقدمة كتاب:"الانتخابات بالمغرب.. ثبات في الوظائف وتغير في السمات"

المقدمة
تشكل الانتخابات التشريعية نوعا من "السلطة" التي يمنحها القانون للمواطنين، الذين يُكونون هيئة الناخبين، والذين يسهمون في الحياة السياسية مباشرة أو عن طريق اختيار ممثلين لهم ، وهي بهذا المعنى تشكل وسيلة بواسطتها يمارس المواطن سيادته الوطنية ، كما تشكل وسيلة التعبير المتميزة التي عن طريقها يعبر أعضاء المجتمع عن آرائهم واختيار من ينوب عنهم في اتخاذ القرارات المتعلقة بتسيير الشؤون العامة . وكل ذلك يجعل للانتخابات التشريعية دورا مؤثرا على الحريات العامة، وعلى نظم الأحزاب السياسية، وعلى سير المؤسسات السياسية، وعلى النظام السياسي برمته .

لذلك فدراسة الانتخابات التشريعية تعد مدخلا لدراسة الحياة السياسية، نظرا لما لمفهوم الانتخابات التشريعية من ارتباط بقضايا ومفاهيم سياسية؛ كالمشاركة السياسية، والثقافة السياسية، والتنشئة السياسية، والتنمية السياسية...ونظرا لارتباط الانتخابات التشريعية بالأحزاب السياسية، التي تعد من أهم الفاعلين السياسيين، ولما يفترض أن تفرزه من سلطة تشريعية وسلطة تنفيذية، بل إن السلطة القضائية هي الأخرى غير بعيدة عن الانتخابات التشريعية، على اعتبار أن هذه الأخيرة هي التي تفرز مؤسسة إنتاج القانون الذي تحتكم إليه السلطة القضائية.

ويمكن الذهاب إلى أبعد من ذلك، إذ أن الانتخابات التشريعية تشكل مرآة للمجتمع بمختلف فئاته؛ إما بصفتهم ناخبين أو مرشحين أو مكلفين بإدارة الانتخابات أو ملاحظين لها.

وتزداد أهمية الانتخابات التشريعية كلما كانت مباشرة، لأنه كلما تقلصت مستويات التفويض، كلما كان ذلك أكثر ضمانا لعدم الانحراف عن إرادة المُفوِّض الأول، لذلك فالانتخابات التشريعية المباشرة تحظى باهتمام خاص في مختلف الدول الديمقراطية.

من هذا المنطلق تكتسي دراسة الانتخابات التشريعية المباشرة بصفة عامة أهمية خاصة، وتزداد هذه الأهمية بحسب سياق تلك الانتخابات والظروف المحيطة بها، كما هو الحال في دراسة انتخابات 27 شتنبر 2002 وانتخابات 7 شتنبر 2007 موضوع هذا البحث .

لقد عرف المغرب في عهد الملك الراحل الحسن الثاني مسلسلا انتخابيا انطلق منذ بداية ستينات القرن الماضي، وعرف أنواعا من الاستشارات الانتخابية. ففيما يرتبط بالانتخابات التشريعية المباشرة، التي هي موضوع بحثنا، فإن أول انتخابات كانت بتاريخ 17 ماي 1963، على أساس دستور 1962 ، وبمشاركة ثلاثة أحزاب رئيسية، هي: حزب الاستقلال، حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وجبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية ، وثاني انتخابات تشريعية مباشرة في عهد الملك الحسن الثاني، كانت سنة 1970، وقد عرفت هذه الانتخابات مقاطعة كل من حزب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية والحزب الديمقراطي لها، وهي حسب بعض الملاحظين تعد الأسوأ في تاريخ الاستحقاقات المغربية ، ثم بعد ذلك كانت الانتخابات التشريعية لـ3 يوليوز 1977 ، وقد شاركت في هذه الانتخابات بعض الأحزاب التي تبنت موقف المقاطعة سابقا ، أما الاتحاد الوطني للقوات الشعبية فإنه ظل متشبثا بخيار المقاطعة، وفي 1984 ستكون الانتخابات التشريعية الرابعة، ومما سيميز هذه الانتخابات تشكيل حكومة وطنية بمشاركة زعماء الأحزاب السياسية للإشراف على الانتخابات، كما سيتميز مجلس النواب المنبثق عنها بضمه للعديد من القيادات السياسية ، وفي 1993 ستكون الانتخابات التشريعية الخامسة، وذلك بعد مراجعة للدستور بموجب استفتاء 4 شتنبر 1992، وقد تميزت هذه الانتخابات بالاهتمام الكبير للملك الراحل الحسن الثاني بها، وتأكيده المتكرر على ضرورة نزاهتها وشفافيتها ، كما تميزت بإحداث اللجنة الوطنية للسهر على الانتخابات ، وأيضا بدعم الدولة المادي للأحزاب السياسية، والسماح لها باستعمال وسائل الإعلام العمومية، السمعية والبصرية، في إطار الحملات الانتخابية ، ويأتي كل ذلك في إطار الإعداد لـ"التناوب التوافقي"، لتكون آخر انتخابات تشريعية مباشرة في عهد الملك الحسن الثاني، تلك التي نظمت سنة 1997 على أساس الدستور الجديد، الذي تمت المصادقة عليه في استفتاء 13 شتنبر 1996، والذي شكل منعطفا هاما في التاريخ السياسي المعاصر للمملكة المغربية، ليس بالنظر إلى مضامينه، ولكن بالنظر إلى تصويت أحزاب المعارضة عليه بـ"نعم". ومن أهم ما ميز هذه الانتخابات أيضا التوقيع على التصريح المشترك بين السلطات العمومية والأحزاب السياسية بتاريخ 28 فبراير 1997.

هذا المسلسل الانتخابي عرف، بالإضافة إلى بعض المميزات التي طبعت الإعداد لمحطاته، مراجعة مستمرة للإطار القانوني والتنظيمي للانتخابات، لكن كل ذلك لم يمنع من اتسامه بالتوتر، بحيث طعنت أحزاب المعارضة في كل هذه التجارب الانتخابية .

وحسب مجموعة من الدراسات والأبحاث، فإن انتخابات الحسن الثاني اتسمت بمجموعة من الاختلالات، بحيث أنها لم تؤد إلى حسم ديمقراطي بين التيارات السياسية، ولكن أدت فقط إلى إضفاء المشروعية على توزيع سابق للمقاعد، وضعه الجهاز الإداري ، كما اتسمت بتراجع في نسبة المشاركة من انتخابات إلى أخرى ، وإذا كانت نسب المشاركة في الانتخابات بالمغرب تبين محدودية الحملات الانتخابية في القيام بالوظيفة التعبوية العامة، فإن رصد الحملات الانتخابية وتتبعها أكد لدى العديد من الباحثين القصور أيضا على مستوى الوظيفة التعبوية الخاصة، "فالحملة الانتخابية المكتوبة لم تصل بعد إلى المستوى المطلوب في النظام السياسي المغربي، فهي لا تطرح إلا أهدافا دعائية بدائية، كاشفة بذلك عن مضمون إيديولوجي ذي مستوى هزيل"، و"الحماس والإطناب يعوضان عادة غياب البرامج الحزبية" ، و"لعبة الشخصيات أهم من لعبة الأحزاب" ، وهي-أي الحملات الانتخابية- "تظل مطبوعة بحضور التقليد فيها سواء من خلال إثارة مرشحين لنسبهم الشريف، أو معاهدتهم -بعد قراءة الفاتحة- لناخبين مغلوب على أمرهم بتقريبهم من المخزن... واستعمالهم "للعار" والضيافات لاستمالة هؤلاء الناخبين" . واتسام المسلسل الانتخابي في عهد الملك الحسن الثاني بهذه السمات يعود إلى مجموعة من العوامل المتضافرة، وهي عوامل ذات أبعاد سياسية ودستورية وسوسيوثقافية. فمن أهم ما يلاحظ على انتخابات الملك الحسن الثاني أنها ظلت تحت الهيمنة الفعلية لوزارة الداخلية، وأن بعض الأجهزة أو المؤسسات، التي وضعت للإشراف على الانتخابات، ظل تأثيرها في أغلب الأحيان محدودا جدا ، وقد كانت هذه الوزارة، في ظل افتقادها للاستقلالية والحياد اللازمين في كل إدارة انتخابية تروم تحقيق النزاهة والشفافية، تتدخل بشكل مباشر في النتائج ونسب المشاركة، بالإضافة إلى استعمالها لبعض أساليب الضبط من خلال الإطار القانوني والتنظيمي للانتخابات، خاصة على مستوى اللوائح الانتخابية والتقسيم الانتخابي، كما أن الإطار السياسي والدستوري للانتخابات كان مطبوعا بعدة خصائص، فإذا كانت الانتخابات لها علاقة وطيدة بالمنظومة الحزبية، فإن مما يلاحظ في التجارب الانتخابية، التي عرفها المغرب في عهد الملك الحسن الثاني، أنه كلما كان هناك موعد للانتخابات إلا وظهرت أحزاب جديدة، وغالبا ما ينبثق الحزب الجديد بعد الانشقاق عن حزب معين ، وفي حالات ناذرة جدا يتشكل من دمج لحزبين صغيرين أو أكثر .

وإذا كان المغرب قد تميز عن الكثير من دول العالم الثالث بإجراء الانتخابات في إطار تعددية حزبية، فإن انبثاق تلك التعددية عن الانشقاقات التي أصبحت تعد الآلية الأسرع والأجدى للانخراط في دوائر النخبة، بدل أن تكون آلية دوران النخب والحراك السياسي محتكمة إلى الديمقراطية الداخلية ، جعل من تلك التعددية نوعا من الانشطارية التي تؤمن للنسق استمراره وتحكمه في قواعد اللعبة، كما جعل منها مجرد تقطيع أفقي للنخبة الحزبية، التي تتفاوض مع المركز حول قدراتها على الاندماج المؤسساتي والسياسي .

إن انتخابات في وسط حزبي هذه سماته لن تكون بكل تأكيد انتخابات حرة ونزيهة وفعالة. كما أن تنظيم الانتخابات في عهد الملك الحسن الثاني ظل في إطار منظومة دستورية ذات خصائص معينة، بحيث لا يشكل تنظيم التداول السلمي على السلطة الوظيفة الأولى للانتخابات، كما هو متعارف على ذلك ديمقراطيا، وإنما تكاد تنحصر وظائف الانتخابات، في عهد الملك الحسن الثاني، في تأكيد سمو المؤسسة الملكية على باقي المؤسسات الدستورية من أحزاب وحكومة وبرلمان، وتتحقق هذه الوظيفة التأكيدية من خلال حصر مجال التنافس الانتخابي في تنفيذ اختيارات حددها الملك، وفي دعم دوره التحكيمي لضبط مآل ذلك "التنافس" الانتخابي. فالدور الأول لانتخابات الملك الحسن الثاني يتمثل في تعيين ممثلين ينفذون اختيارات الأمة، كما حددها "ممثلها الأسمى"، وليس في إفراز أغلبية تحكم بينما الملك يسود. ويبدو أن الفاعلين السياسيين يدركون جيدا ذلك الدور، فهم لا ينازعون في عرض الملك لبرنامج تطبقه الحكومة، كما لا ينفكون عن مؤاخذة بعضهم بعضا بخصوص التقصير في تطبيق التوجيهات الملكية، والمسارعة إلى الإشادة بتلك التوجيهات في الصحف الحزبية للأغلبية والمعارضة، وأحيانا التصريح، وليس التلميح فقط، بأن الحزب في الحكومة لا يطبق برنامجه ، أما عن دعم الدور التحكيمي للملك فيقول "بول شامبرجا" في هذا الصدد: "... برلمانا مكونا من أغلبية من الملكيين وحزب الاستقلال واليسار غير المتطرف إضافة إلى نواب عن الاتحاد المغربي للشغل ونائب أو نائبين شيوعيين سيعبر عن اتجاهات البلاد ويمكن الملك من دوره التحكيمي وقيادة سياسة الأمة..." ، هذه هي الصيغة التي كان معمولا بها في المغرب، مع بعض التغييرات في طبيعة الأغلبية، وليس في ولائها، حيث انتقل محورها من حزب أغلبي يتشكل من مجموعة من الأحزاب الصغرى "جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية" إلى حزب أغلبي من الأعيان المستقلين "التجمع الوطني للأحرار"، فحزب أغلبي عبارة عن تجمع لجمعيات محلية وجهوية "الاتحاد الدستوري"، لتتشكل الأغلبية ابتداءا من التجربة التشريعية لسنة 1997 من مجموعة من الأحزاب في مقدمتها أحزاب المعارضة سابقا.

وبالإضافة إلى تلك الوظيفة التأكيدية، كما عرفتها انتخابات الملك الحسن الثاني، هناك وظيفة إضفائية تتمثل في إضفاء الطابع الديمقراطي على شكل النظام السياسي، حيث سعت المؤسسة الملكية باستمرار إلى تأمين مصدر ثالث لشرعيتها، بالإضافة إلى مصدري الدين والتاريخ، ألا وهو الديمقراطية، بحيث تسعى باستمرار إلى دعم مشروعيتها في ممارسة السلطة بالطابع الديمقراطي من خلال استشارات انتخابية .

وإذا كان بعض الباحثين يرى في تلك الازدواجية، بين تأكيد سمو المؤسسة الملكية وإضفاء الطابع الديمقراطي على شكل الحكم، تقزيما وتقليصا لمدلول الانتخابات، ودفعا في اتجاه معاكس للديمقراطية الليبرالية، فإن المؤسسة الملكية، على عكس ذلك، استفرغت كامل وسعها، وبذلت كل جهدها – على الأقل من الناحية الشكلية– للتكييف بين الديمقراطية والملكية الحاكمة. ولعل هذا ما أقنع باحثا كبيرا، هو صموئيل هانتنتون، ليقول: "أبرز محاولة جرت للجمع بين مصادر السلطة الملكية والعصرية بعد الحرب العالمية الثانية، جرت في المغرب. فبفضل التجربة الاستعمارية، تمكن المغرب من تطوير أحزاب سياسية أكثر أهمية من تلك التي نشأت في معظم الملكيات الحاكمة" . ودور الانتخابات في إضفاء الطابع الديمقراطي على شكل النظام السياسي لا يتمثل فقط في تنظيمها، ولكن أيضا، وأساسا، في فرزها لمؤسسات الدولة العصرية من برلمان وحكومة وما يمكن أن يتفرع عنهما من مؤسسات.

فقد نجح الملك الحسن الثاني في إنشاء مؤسسات سياسية، ترتبط بشكل أو بآخر بالانتخابات، مما يوحي بالشكل العصري والديمقراطي للنظام السياسي، لكن ليس كل ما يلمع ذهبا، فقد سجل العديد من الباحثين شكلية هذه المؤسسات، فهي لا تتمتع بسلط حقيقية، فالبرلمان مشرع ثانوي بعد المشرع الأعظم الذي هو الملك ، والحكومة ليس لها من السلطة التنفيذية إلا مساعدة الملك ، بل إن الدستور المغربي لا يتضمن فصلا أو توزيعا للسلطات سواء كان هذا التوزيع أفقيا أو عموديا، وإنما يتضمن توزيعا للوظائف ليس إلا . ولعل هذا ما جعل "هانتنتون" نفسه يعود ويقول: "هذه المحاولة للجمع بين الحكم الملكي وحكومة برلمانية انتهت بالفشل. وقد أظهرت أحداث لاحقة أن اعتماد الملك على البيروقراطية وعلى قوى الأمة، أخذ في التزايد، وربما يصبح الملك رهينة له" .

وفي مقام ثالث يمكن الحديث عن وظيفة قياسية لانتخابات الملك الحسن الثاني، فحسب مقترب "نصف تنافسية الانتخابات" ، فإن الانتخابات التشريعية بالمغرب لم تكن تنافسية بالكامل، كما أنها لم تكن غير تنافسية بالكامل، فهناك جزء من نتائجها كان يعد مسبقا عبر نظام "الكوطا"، وهناك جزء كان يترك للتنافس كما ذهب إلى ذلك مصطفى السحيمي في دراسته لانتخابات 1984 ، وإذا كان من غير الممكن الحديث عن الوظيفة القياسية في الجزء الأول نظرا لغياب خصيصة التنافس ، فإن الجزء الثاني يجعل من الانتخابات التشريعية المباشرة آلية لقياس قوة الأحزاب السياسية وتجدرها من جهة أولى، وقياس اتجاهات الرأي العام من جهة ثانية. فالنوع الأول من القياس كان غالبا ما يتم بهدف عدم تمكين أي حزب من التجدر التام في منطقة معينة، وقد قدمت بعض الدراسات أمثلة واضحة على ذلك ، أما النوع الثاني من القياس، ورغم ضآلته في الدول المتقدمة، التي لا تنبن ثقافتها السياسية على الأفكار، وإنما على الولاءات التقليدية، فإنه يكون متاحا على مستوى معين، بشكل أو بآخر، في اللحظة الانتخابية. وقد عمل النظام السياسي المغربي باستمرار على استثمار هذا النوع الأخير من القياس، وذلك في محاولات استباقية لتبني بعض الطموحات المجتمعية المنتظرة، وصياغتها صياغة متوازنة، بحيث تكون منسجمة مع النسق السياسي والمجتمعي العام، وفي نفس الآن تؤدي إلى التنفيس وامتصاص الغضب.

والوظيفة الإدماجية هي الأخرى من أهم وظائف الانتخابات في عهد الملك الحسن الثاني، حيث كان السعي دائما إلى إشراك مختلف الفصائل السياسية في الانتخابات، لأن المشاركة في الانتخابات والاندماج في مؤسسات الدولة، وفق تلك الشروط والخصائص المحددة سلفا، يحقق نوعا من الاستقرار والإجماع على سمو المؤسسة الملكية.

يضاف إلى هذه الخصائص السياسية والدستورية خصائص أخرى من طبيعة سوسيوثقافية تمثلت في تفشي الفقر والأمية، وهيمنة ثقافة سياسية تقليدية، لذلك فإن مسار انتخابي من داخل هذا الإطار السياسي والدستوري والسوسيوثقافي، مهما تعددت محطاته، ورغم ما عرفه من تطور على المستوى القانوني والتنظيمي، خاصة بالنظر إلى انتخابات 1997 التي كانت محكومة بدافع تحقيق "التناوب التوافقي"، فإن نتائجه كانت محدودة، بل إن مما سيميزه هو الطعن السياسي في مختلف محطاته.

من هذا المنطلق لنا أن نتساءل إذا كانت انتخابات الملك الحسن الثاني عرفت تزويرا وتوترا دائما، وطعنا مستمرا في نتائجها، فإلى أي حد ستحقق انتخابات الملك محمد السادس قطيعة مع ذلك؟ وهل سيستمر الطعن في نتائج الانتخابات أم سيختفي؟ وإذا انعدمت، أو على الأقل خفت حدة التوتر الانتخابي، فهل تكمن أسباب ذلك فيما تحقق في انتخابات الملك محمد السادس من حرية ونزاهة؟ وإلى أي حد سيحقق الإطار القانوني والتنظيمي الجديد تلك الحرية والنزاهة؟ وهل يكفي التقدم على مستوى نزاهة الانتخابات وشفافيتها في تحقيق انتخابات فعالة؟ بعبارة عامة هل ستشكل انتخابات الملك محمد السادس قطيعة مع انتخابات الملك الحسن الثاني؟ أم ستشكل، رغم تميزها الملحوظ، استمرارا لنفس الاختيار الانتخابي السابق؟

وهل ستؤكد انتخابات2007 نفس الاختيار الانتخابي الذي تم تدشينه في 2002؟ أم ستعيد النظر في بعض جوانب ذلك الاختيار بالنظر إلى ما ظهر من بوادر للاختلال في التجربة الانتخابية السابقة؟ وفي حالة تأكيد نفس الاختيار مع بعض التغييرات الجزئية، فهل سيسهم ذلك في الارتقاء بالعملية الانتخابية؟ أم على العكس من ذلك ستعرف العملية الانتخابية أزمة، خاصة على مستوى رهانها وفعاليتها؟ وإذا كانت أعطاب العملية الانتخابية بالمغرب ستظهر بحدة في انتخابات 7 شتنبر 2007، فما هي هذه الأعطاب بالتحديد؟ وما هي أسبابها وعواملها؟ هل ترتبط تلك الأسباب والعوامل فقط بآليات العملية الانتخابية أم أنها ترتبط بالنسق السياسي والدستوري والسوسيوثقافي الذي تشتغل داخله العملية الانتخابية؟ وما هي بعض المقترحات لتجاوز تلك الأعطاب؟

هذا ما سنحاول معالجته في هذا الكتاب بمقاربة شاملة لا تقتصر فقط على ما هو قانوني أو سياسي بل تشمل أيضا البعد السوسيو ثقافي ، ولا تقتصر على مقترب بعينه، وإنما تنهل من مختلف المقتربات التي استعملت إلى حدود الساعة في دراسة الانتخابات بالمغرب.

ولقد تعمدنا تخصيص كل من انتخابات 2002 و2007 بقسم خاص لكل تجربة منهما، وذلك للاعتبارات التالية:

- لتجنب السقوط في نوع من التعميم والتنميط، الذي قد يخفي التطرق إلى بعض التفاصيل القانونية والتنظيمية لكل من التجربتين، والتي قد تكون لها أهمية خاصة؛

- لفسح المجال أمام بحث تفاعلات كل تجربة انتخابية، سواء على المستوى الدستوري أو السياسي أو السوسيوثقافي، الأمر الذي قد يصعب في حالة دمج التجربتين؛

- للمقارنة بين انتخابات 2002 وانتخابات 2007، حتى يمكن معرفة حدود التغيير والتطور، كل ذلك بما يفيد في رصد الثابت والمتغير في المسار الانتخابي، وبحث إشكالية القطيعة أو الاستمرار مع انتخابات الملك الحسن الثاني.

2011/10/08