مشاهدة النسخة كاملة : فـإذا عيناه تذرفـان



أم آلآء
17-11-2011, 19:12
هل تحب أن تتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم


فـإذا عيناه تذرفـان (*)

عن عبد الله بن مسعود قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : «اقرأ عليَّ، قلت: يا رسول الله آقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: نعم، فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا } (النسـاء/41).

قال: حسبك الآن، فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان»

****

كان النبى صلى الله عليه وسلم فى رمضان وفى غار حراء حيث كان يتعبد، فنزل عليه الوحى بأول آية صافحت قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم : { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } (العلق/1ء5).

ومنذ هذه اللحظة والنبى صلى الله عليه وسلم يتلقى من أخيه جبريل عليه السلام أو يستمع للقرآن من المهرة بتلاوته من الصحابة رضى الله عنهم أو يروح ويغدو معلمًا وهاديًا بالقرآن.

فأما عن تلقيه صلى الله عليه وسلم للقرآن، فكان فى لحظات متبتلة وقورة، وكان الصحابة رضى الله عنهم يسمعون فيها دويًّا كدوى النحل عند وجه الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكانت تعتريه صلى الله عليه وسلم حالة من الخشوع والاستغراق، وكان النبى صلى الله عليه وسلم حريصًا على ترديد كل حرف وكل كلمة وراء سيدنا جبريل عليه السلام ولقد بث الله سبحانه وتعالى الطمأنينة فى قلب رسوله صلى الله عليه وسلم بشأن ما يتنزل على قلبه من وحى، فلا يعجل به، قال تعالى:

{ لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} (القيامة/16ء19) .

كما أكد الله سبحانه وتعالى لنبيه أن ما يتنزل عليه من الآيات محفوظ فى صدره بقدرة الله، قال تعالى: {سَنُقْرِؤُكَ فَلا تَنسَى } (الأعلى/6).

و «لا» هنا نافية، وليست ناهية، فالمعنى: سنقرئك قراءة من حسنها وبركتها أنك لا يمكن أن تنسى بعدها أبدًا.

وقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يحب أن يستمع للقرآن من عاشق القرآن عبدالله بن مسعود رضى الله عنه ، ولقد طلب منه صلى الله عليه وسلم يومًا أن يقرأ عليه. فقرأ ابن مسعود من سورة النساء حتى بلغ قوله تعالى: { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا } (النساء/41).

فبكى النبى صلى الله عليه وسلم وسال دمعه، وقال: «أمسك يا ابن مسعود» كانوا يقرأون لله، ويستمعون لله، كانوا يقرأون تخشعًا وتعبدًا، وليس مباهاة ولا شهرة، ولا طلبًا لدنيا ولا مال؛ ولذلك نفع الله بقراءتهم، وكانت تصل إلى القلوب وحسبنا أن نتدبر كيف فتح مصعب بن عمير المدينة، لقد فتحها بالقرآن الكريم.

وفى مرة أخرى يستمع النبى صلى الله عليه وسلم إلى صاحب الصوت الندِىِّ الملائكى أبِى موسى الأشعرى، وهو يرتل الآيات، ويثْبُتُ النبى صلى الله عليه وسلم فى مكانه، ويستمع إلى هذا الصوت العذب وهو يشدو بالآيات، فلما انتهى أبو موسى من القراءة أخبره بعض الصحابة بما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم من استماعه لتلاوته واستحسانه لها، حتى إنه صلى الله عليه وسلم قال عنه:

«لقد أعطى أبو موسى مزامير داود» ([1]).

فقال أبو موسى: والله لو علمت أنه صلى الله عليه وسلم يسمعنى لحبرته له تحبيرًا؛ أى: لزدت فى تحسين تلاوتى وتجويدها، وكان النبى صلى الله عليه وسلم يتلقى الآيات، ويستمع إليها ويعلمها، ويُرغِّب فى ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم :

«خيركم من تعلم القرآن وعلمه» ([2]).

ومن ذلك أنه كان يجمع الأمة على القرآن.. ومنه ما كان من شأن القراأت القرآنية التى تراعى العادات النطقية فى لهجة كل قبيلة مثل الإمالة ونحوها.

وكان صلى الله عليه وسلم يقول: «نزل القرآن على سبعة أحرف على أى حرف قرأتم فقد أصبتم، فلا تتماروا فيه فإن المراء فيه كفر» ([3]).

وأما عن تعليم أحكامه فكثير، ومن ذلك لما قرأت السيدة عائشة رضى الله عنها قول الله تعالى:{ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ } (المؤمنون/60).

قالت: يا رسول الله هل هو الرجل يزنى ويسرق ويفعل المعاصى، ويخاف إذا رجع إلى ربه أن يعاقبه الله عليها؟

فصحَّح النبى وأرشد إلى الصواب، فقال صلى الله عليه وسلم : «لا يا عائشة، إنما هو الرجل يصوم ويصلى ويفعل الخيرات ويخاف إذا رجع إلى ربه ألا يتقبل الله منه ذلك، يا عائشة { أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } (المؤمنون/61) ([4]).

وهكذا كان النبى صلى الله عليه وسلم مع القرآن، حتى صار صلى الله عليه وسلم قرآنًا يمشى على الأرض، فكل حاله تطبيق عملى لآيات القرآن.





(*) أخرجه البخارى في صحيحه، كتاب فضائل القرآن، باب قول المقرئ للقارئ: حسبك (4763)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين، باب فضل استماع القرآن وطلب القراءة من حافظه للاستماع (1903) بنحوه.


([1]) أخرجه مسند أحمد، (2/354)، (8631)، قال شعيب الأرنؤوط: صحيح وهذا إسناد حسن.


([2]) أخرجه البخارى، باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه (6/236).


([3]) أخرجه النسائى (الافتتاح ب/26)، وأحمد (2/232، 5/114)، قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح.


([4]) أخرجه الترمذى فى سننه، كتاب تفسير القرآن، باب سورة المؤمنون، (3175).[/center][/color][/size][/font]