مشاهدة النسخة كاملة : همسة في أذن مريض



halima
26-11-2011, 21:18
عدت امرأة مريضة، وأنا التي كنت أحسب أني سأخفف عنها بعض أحمالها وسأضمد جراحها النفسية، فإذا بي لما ولجت غرفتها وجدت امرأة ثابتة شامخة شموخ الجبال الصوامد، وجهها وضاء وإن أخذت منه صفرة المرض بهاءه، عيناها مشعتان مبتهجتان وإن كان قد نال منهما الإعياء والسهر والإرهاق، تعلو ثغرها ابتسامة عريضة استقبلتني بها فخجلت من الحالة التي أقبلت عليها بها ومن نظرة الشفقة الغير مرغوب فيها والتي لم تعد ذات جدوى الآن. قبلت جبينها وقلت لها׃ كيف حالك يا غالية؟فأجابتني مسرعة الحمد لله الحمد لله.فحدثت نفسي قائلة׃ ما سر هذه المرأة التي تعاني من مرض عضال لقد انتشر الورم الخبيث في جسمها كله وأخبرها الأطباء بأن حظها من المعافاة ضئيل لأنه لم يعد ينفع معه أي علاج. وأن ألما حادا ينتابها من حين لآخر لا يطيقه حتى الصخر الأصم ومع ذلك أراها مبتسمة مبتهجة.
في تلك اللحظة، عم الغرفة سكون رهيب خرقته المريضة بسؤالها المفاجئ ما بك ؟ أراك صامتة ساكتة؟أأنت متعجبة؟ فلم أستطع إخفاء ما يجول بخاطري فقلت׃نعم كل العبارات التي كنت أود قولها في هذا المقام لم تعد ذات جدوى فأنت في غنى عنها والحمد لله أنت في أحسن حال، ولربما أنا من يحتاج النصح والتوجيه، فإني كلما سمعت عن مرض عضال إلا وارتعدت فرائصي وانتابني الغم والحزن وأظلمت الدنيا في عيني. أتراني ضعيفة الإيمان أو شخصيتي هشة، قاطعتني مبتسمة لا ضعف في إيمانك ولا هشاشة في شخصيتك، فنحن يا عزيزتي بشر والبشر مجبول على الخوف والعجلة والضعف، وقد وصفنا رب العزة والجبروت بهذه الصفات في كتابه الكريم وهي التي تجعلنا نضطرب إذا نزلت بنا نازلة ولن نكون أكثر تقوى من سيدنا موسى عليه السلام الذي قال عنه رب العزة׃«فخرج منها خائفا يترقب» وفي مقام آخر من القرآن الكريم قال تعالى«إني أخاف أن يقتلون» فهذا نبي الله ونحن نعرف منزلة الأنبياء فهم أقرب الناس إلى الله عز وجل. لكن كلماتها هاته لم تمح اندهاشي من حالها ولم تجب عن تساؤلاتي. فقلت׃ولم لا يبدو عليك الخوف من المرض ولا الضجر منه؟ قالت أنا أيضا كنت أخافه كما يخاف جميع البشر، ولكن شيئا وحيدا طمأنني وجعلني أسعد بمرضي كما يسعد المعافون بمعافاتهم ألا وهو يقيني بأن الله دائما معي ويحبني كما يحب الخلق أجمعين، وما كان سبحانه ليعذبني وهو يحبني، فإنما هو يبتليني ويمتحنني أأصبر أم أضجر؟ وما كان لي أن أضجر وأنا أمته، فإن لم أرض بقضائه فهل لي بأرض تحملني غير أرضه؟ وأي سماء تقلني غير سمائه؟ كم هو ممتع أن يستأنس الإنسان بخالقه ومولاه ويناجيه بلسان الموقن بقدرته العارف به بلسان سيدنا يعقوب عليه السلام الذي قال«إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون» يوسف׃86 فمن يحسب الأمور حسابا ماديا محضا فسيعيب على سيدنا يعقوب انتظار ابنه يوسف لمدة أربعين سنة، لكن الموقن بمولاه والذي يعلم من الله ما لا يعلم غيره فإن رجاءه في مولاه لا ينقطع، وأنا رجائي يا عزيزتي ومرادي أن يرضى عني مولاي ويغفر ذنوبي ويرزقني الصبر والسلوان في مصابي .
استطبت حديثها وبدا لي أنني أنا المريضة حقا وإن كانت هي طريحة الفراش فهي من تعودني وقد خففت عني أحمالي وأضاءت دربي بنور الأمل في مولاي وسيدي الذي لا يتخلى عن عبيده، ثم ودعتها وكلي حيوية ونشاط راجية من المولى عز وجل أن يشفي كل مريض ويرزقه الصبر والثبات آمين آمين والحمد لله رب العالمين.