مشاهدة النسخة كاملة : بين أويس القرني و عمر بن الخطاب



زيد الخير
27-01-2012, 10:33
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


عمر الفاروق يطلب من أويس أن يستغفر له..

حج عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة ثلاث وعشرين للهجرة، وكان شغله الشاغل في حجه البحث عن تابعي يريد لقاءه، فصعد جبلا وأطل على الحجيج ونادى بأعلى صوته: يا أهل اليمن أفيكم أويس من "مراد"؟ فقام شيخ طويل اللحية، فقال: يا أمير المؤمنين، إنك قد أكثرت السؤال عن أويس هذا، وما فينا أحد اسمه أويس إلا ابن أخ لي يقال له: أويس فأنا عمه، وهو حقير بين أظهرنا، خامل الذكر، وأقل مالا، وأوهن أمرا من أن يُرفع إليك ذكره، فسكت عمر ثم قال: وأين ابن أخيك هذا أهو معنا بالحرم؟ فقال الشيخ: نعم يا أمير المؤمنين، غير أنه في "أراك عرفة" يرعى إبلا لنا.

ركب عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما وأسرعا إلى "أراك عرفة"، فصارا يتخللان الشجر ويبحثان عنه، فوجداه في لباس صوف أبيض يصلي إلى شجرة، راميا ببصره إلى موضع سجوده وملقيا يديه على صدره، والإبل ترعى حوله، فقال عمر لعلي: يا أبا الحسن إن كان في الدنيا أويس القرني فهذا هو وهذه صفته، ثم نزلا وتوجها إليه، فلما سمع أويس حسيسهما أوجز في صلاته ثم تشهد وسلم، فتقدما إليه وقالا له: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، فقال أويس: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فقال عمر: مَن الرجل؟ قال: راعي إبل وأجير للقوم، فقال عمر: ليس عن الرعاية أسألك ولا عن الإجارة، إنما أسألك عن اسمك، فمن أنت يرحمك الله؟ فقال: أنا عبد الله وابن أمته، فقالا: قد علمنا أن كل من في السموات والأرض عبيد لله، وإنا لَنُقْسم عليك إلا أخبرتنا باسمك الذي سمتك به أمك، قال: يا هذان ما تريدان؟ أنا أويس بن عبد الله، فقال عمر: الله أكبر، أرنا شقك الأيسر، فقال: وما حاجتكما إلى ذلك؟ فقال له علي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفك لنا، وقد وجدنا الصفة كما أخبرنا، غير أنه أخبرنا بأن شقك الأيسر فيه لمعة بيضاء كمقدار الدينار أو الدرهم، ونحن نحب أن ننظر إلى ذلك، فكشف لهما عن شقه الأيسر، فلما نظر علي وعمر رضي الله عنهما إلى اللمعة البيضاء ابتدروا أيهما يقبل قبْل صاحبه، وقالا: يا أويس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نقرئك منه السلام، وأمرنا أن نسألك أن تستغفر لنا، فإن رأيت أن تستغفر لنا، فقد أخبرنا بأنك سيد التابعين، وأنك تشفع يوم القيامة في عدد ربيعة ومضر، فبكى أويس بكاء شديدا، ثم قال: عسى أن يكون ذلك غيري، فقال علي كرم الله وجهه: إنا قد تيقنا أنك هو فادع الله لنا، فقال أويس: من أنتما يرحمكما الله؟ فإني قد أخبرتكما بأمري ولا أحب أن يعلم بمكاني أحد من الناس، فقال علي: أما هذا فأمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وأما أنا فعلي بن أبي طالب، فوثب أويس فرحا مستبشرا، فعانقهما وسلم عليهما ورحب بهما، وقال: جزاكما الله عن هذه الأمة خيرا، قالا: وأنت جزاك الله عن نفسك خيرا، ثم قال أويس: وهل مثلي يستغفر لأمثالكما؟ فقالا: نعم، إنا قد احتجنا إلى ذلك منك، فخصنا رحمك الله بدعوة منك حتى نؤمن على دعائك، فرفع أويس رأسه وقال: اللهم إن هذين يذكران أنهما يحباني فيك وقد رأوني، فاغفر لهما وأدخلهما في شفاعة نبيهما محمد صلى الله عليه وسلم، فقال عمر رضي الله عنه مكانك حتى أدخل مكة فآتيك بنفقة من عطائي، وفضل كسوة من ثيابي، فإني أراك رث الحال، هذا المكان ميعاد بيني وبينك غدا، فقال: يا أمير المؤمنين، لا ميعاد بيني وبينك، ولا أعرفك بعد اليوم ولا تعرفني، ما أصنع بالنفقة؟ وما أصنع بالكسوة؟ أما ترى عليَّ إزارا من صوف؟ متى أراني أخلِفه؟ أما ترى نعليَّ مخصوفتين، متى تُراني أبليهما؟ ومعي أربعة دراهم أخذت من رعايتي متى تُراني آكلها؟ يا أمير المؤمنين: إن بين يدي عقبة لا يقطعها إلا كل مخف مهزول، فأخف يا أبا حفص، إن الدنيا غرارة غدارة، زائلة فانية، فمن أمسى وهمته فيها اليوم مد عنقه إلى غد، ومن مد عنقه إلى غد علق قلبه بالجمعة، ومن علق قلبه بالجمعة لم ييأس من الشهر، ويوشك أن يطلب السنة، وأجَله أقرب إليه من أمله، ومن رفض هذه الدنيا أدرك ما يريد غدا من مجاورة الجبار، وجرت من تحت منازله الثمار.

فلما سمع عمر رضي الله عنه كلامه ضرب بدُرَته الأرض ثم نادى بأعلى صوته: ألا ليت عمر لم تلده أمه، ليتها عاقر لم تعالج حملها، ألا من يأخذها بما فيها ولها؟ فقال أويس: يا أمير المؤمنين، خذ أنت ها هنا حتى آخذ أنا ها هنا ( يعني إذهب من هذه الطريق حتى أذهب من الأخرى) ومضى يسوق إبله وعمر وعلي ينظران إليه حتى غاب عنهما.