مشاهدة النسخة كاملة : ما معنى أن يكون المرء سلفيا ؟



محمّد محمّد المحب
31-01-2012, 22:13
ما معنى أن يكون المرء سلفيا ؟


المعلوم أن التّوصيف بالسّلفي انتسابا إلى الذّات قد بات أقرب إلى المنبزة منه إلى المحمدة، ولعلّ مصدر التنابز هو إمّا التّحريف أو المحاكاة، أي ما ينتج عن صورتين كاريكاتوريتين: واحدة للأصالة والثّانية للمعاصرة، وهما صورتان تجسّدان معا معركة بين أصوليّة تقليديّة ماضويّة، وأخرى ليبراليّة ((حداثيّة)) تجسّد ماضي الغرب، من حيث إنّ الغرب أصبح الآن في مرحلة ما بعد الحداثة، فجوهر الأصوليتين إذن هو التّطابق في الموقف من الدّين والدّنيا على نحو يتبادل التّنافي بفعل توثين الحاصل من الوجود توثينا يلغي منه كلّ ممكن، ليحول دون فاعليّة التّحرر من الإخلاد إلى الأرض.

والفرق الوحيد بين هاتين السّلفيتين هو أنّ أصحاب السّلفيّة اللّيبراليّة يقلّدون ما يتصوّرون مستقبلا رغم كونه قد صار ماضيا عند أصحابه، علما أنّ الحيّ من كلّ فعل تاريخيّ لا يقبل التّقليد، بل لا بدّ من إبداع ما هو من نوعه مع امتناع أن يكون مطابقا إلاّ في أفعال القردة،: لكن الفريقان كلاهما يحاكي نموذجا ميّتا بعيدا عن أن يتحصّل بالنّسج على منواله إبداع، وبذلك يكون في الدّرك الأسفل من المحاكاة، وكلّ الصّراع بين الصّفين المتعلّق بالموقف من زمانيّة التّاريخ الحيّ يجد علّته في تجاهل حقيقة القبلتين كمحدّد يعرضه القرآن الكريم بوصفه منطق التاريخ الإنسانيّ: الحاضر الدّائم،

فالقبلة الأولى ترمز إلى توجّه القرآن في القصّ الإخباريّ إلى الماضي لنقد الأحداث والأحاديث بمنطق واجب الحدوث الذي يخضع لسنن قابلة للعلم تمكّن من امتحان التّحريف بما يطبق عليها القرآن الكريم من منهج في التّصديق والهيمنة. والقبلة الثانية ترمز إلى توجّه القرآن في الإنشاء الأمثوليّ إلى المستقبل نقدا للأحاديث والأحداث بمنطق ممكن الحدوث، الذي يخضع لسنن قابلة للإنجاز تمكّن من تأسيس الاجتهاد والجهاد من أجل تحقيق القيم السامية في التاريخ الفعليّ.

وإنّ الجمع بين القبلتين معا في نفس اللّحظة كما حدث يوم تغيير قبلة الصّلاة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام هو المعنى العميق للسّلفيّة من حيث هي السّنن الحيّ والدّائم والجامع بين هذه الأبعاد الأربعة في الحاضر الذي هو أصلها جميعا: (بعدي الماضي حدثا وحديثا، وبعدي المستقبل حديثا وحدثا). تلك هي السّلفيّة السّويّة من حيث هي إبداع دائم بشرط الاستثناء من الخسر بالاجتهاد النّظريّ وهو الإيمان والتّواصي بالحقّ، والجهاد عملا وهو العمل الصّالح والتّواصي بالصّبر، الله المستعان

نقلا عن أبي يعرب المرزوقي بتصرّف