مشاهدة النسخة كاملة : سيرة المجاهد الملك المظفر اول من احتفل بالمولد النبوي الشريف



المراكشي
03-02-2012, 16:11
بسم الله الرحمن الرحيم


لقد وثق الحافظ السخاوي رحمه الله ان الإحتفال بالمولد الشريف حدث في ازمنة سابقة قد تصل إلى السلف الصالح لكن اول من احتفل بها من الملوك هو الملك المظفر رحمه الله وهو اول من جعلها عادة سنوية و بالغ في ذلك ايما مبالغة و لعل اهم السبب في ذلك هو محاربته للصليبيين

الذين كانو يغيرون على كل المقدسات الإسلامية و منها رسالته صلى الله عيله و سلم لهذا انقل هذا
المقال الطيب عن الملك المظفر حاكم إربل رحمه الله النقل من منتدى الرياحين

أول من أحدث الاحتفال بذكرى المولد النبوي هو الملك المظفر "أبو سعيد كوكبري بن زيد الدين علي بن بكتكين" صاحب إربل، وكان أحد الملوك الأمجاد، وكان يحتفل به احتفالاً هائلاً يحضره الأعيان والعلماء ويدعو إليه الصوفية والفقراء.

فلما ظهر "صلاح الدين الأيوبي" واستقل بمصر، وتطلع إلى قيام دولة واحدة تضم مصر والشام للوقوف أمام الصليبيين وإخراجهم من الإمارات التي أقاموها بالشام وبدأ يعد العدة لهذا الأمر، فانتهز الخلافات التي وقعت في الشام واستولى على "دمشق"، وتطلع إلى غيرها من المدن؛ لتوحيد الصف الإسلامي، غير أن بعض الأمراء كان يدخل في طاعة "صلاح الدين" دون حرب، ومن هؤلاء كان "زين الدين يوسف" أمير إربل، وأخوه "مظفر الدين كُوكُبُوري" أمير حران.

بعد أن انفصل "مظفر الدين" عن "الموصل" ودخل في طاعة صلاح الدين وحكمه انفتح له مجال الجهاد ضد الصليبين، وأصبح من العاملين مع صلاح الدين الذي أعجب به وبشجاعته، وثباته معه في ميادين الجهاد، وتحول الإعجاب إلى توثيق للصلة بين الرجلين، فأقدم صلاح الدين على تزويج أخته "ربيعة خاتون" لمظفر الدين.

وقد شارك "مظفر الدين" في معظم الحروب التي خاضها صلاح الدين ضد الصليبيين بدءًا من فتح "حصن الكرك" سنة (580هـ = 1184م) وكان صاحب هذا الحصن "أرناط" الصليبي كثيرًا ما يتعرض للقوافل التجارية بالسلب والنهب.

وفي معركة "حطين" (583هـ = 1187م) التي حشد لها صلاح الدين ثمانين ألفًا من المجاهدين كان لمظفر الدين مهمة بارزة في تلك المعركة الخالدة؛ فقد تولى قيادة جيوش الموصل والجزيرة، وأبلى في المعركة بلاءً حسنًا

ويذكر له التاريخ أنه هو الذي أوحى بفكرة إحراق الحشائش التي كانت تحيط بأرض المعركة حين وجد الريح في مواجهة الصليبيين تلفح وجوههم، فلما نفذت الفكرة وأضرمت النار في الحشائش حملت الريح الدخان واللهب والحرارة إلى وجوه الصليبيين فشلَّتْ حركتهم عن القتال، وحلت بهم الهزيمة المنكرة.

وكان انتصار المسلمين في هذه المعركة انتصارًا رائعًا فتح الطريق للمسلمين إلى استرداد البلاد الساحلية، ففتحوا طبرية وعكا وقيسارية والناصرة وحيفا، وهيأ لصلاح الدين فرصة تتويج جهاده المتصل باسترداد "بيت المقدس".

تولى مظفر الدين ولاية "إربل" بعد وفاة أخيه "زين الدين يوسف" سنة (586هـ= 1190م)، وهنا يبرز دور آخر له لا يقل روعة وبهاء عن دوره في ميادين القتال والجهاد؛ فهو رجل دولة وإدارة يُعنى بشئون إمارته؛ فيقيم لها المدارس والمستشفيات، ويقوم على نشر العلم وتشجيع العلماء، وينهض بالزراعة والتجارة، ويشارك أهل إمارته أفراحهم، ويحيا حياة بسيطة هي أقرب إلى الزهد والتقشف من حياة التوسط والاكتفاء.

غير أن الذي يثير الإعجاب في نفوسنا هو إقدامه على إقامة مؤسسات اجتماعية لفئات خاصة تحتاج إلى رعاية الدولة وعنايتها قبل أن يجود عليهم أفراد المجتمع بعطفهم ومودتهم، وكان البعض يظن أن هذا من نتاج المدنية الحديثة، فإذا الحقيقة تثبت سبق الدولة الإسلامية إلى هذا النوع من العمل الإنساني منذ عهد "الوليد بن عبد الملك" الخليفة الأموي.

أقام مظفر الدين لذوي العاهات دورًا خاصة بهم؛ خصصت فيها مساكن لهم، وقرر لهم ما يحتاجون إليه كل يوم، وكان يأتي لزيارتهم بنفسه مرتين في الأسبوع؛ يتفقدهم واحدًا واحدًا، ويباسطهم ويمزح معهم، كما أقام دورًا لمن فقدوا آباءهم وليس لهم عائل؛ حيث يجدون فيها كل ما يحتاجون، حتى اللقطاء بنى لهم دارًا، وجعل فيها مرضعات يقمن برعايتهم، ومشرفات ينهضن بتربيتهم، وأنشأ للزمنى وهم المرضى بالجذام دارًا يقيمون فيها، وزودها بكافة الوسائل التي تعينهم على الحياة الكريمة من طعام وشراب وكساء وعلاج، وجعل لكل مريض خادمًا خاصًا به يقوم على رعايته وخدمته.

وتعدى نشاط مظفر الدين إلى خدمة غير أهل بلاده؛ فبنى دارًا للضيافة في إربل لمن يفِد إليها للتجارة أو لقضاء مصلحة، أو للمسافرين الذين يمرون بـ "إربل"؛ حيث يقدم للضيف كل ما يحتاج إليه من طعام وشراب، كما زودت بغرف للنوم، ولم يكتف مظفر الدين بذلك، وإنما كان يقدم للضيف الفقير نفقة تعينه على تمام سفره.

وامتد بره إلى فقراء المسلمين في الحرمين الشريفين: مكة والمدينة؛ فكان يرسل إلى فقرائهما كل سنة غذاء وكساءً ما قيمته ثلاثون ألف دينار توزع عليهم، كما بنى بالمدينتين المقدستين خزانات لخزن ماء المطر، حتى يجد سكانهما الماء طوال العام، وذلك بعد أن رأى احتياجهما إلى الماء وما يجدونه من مشقة في الحصول عليه، خاصة في مواسم الحج.

ورأى المظفر أنه مسئول عن الأسرى الذين يقعون في أيدي الصليبيين؛ فلم يتوان في شراء حريتهم، فكان يرسل نوابه إلى الصليبيين لفداء الأسرى. وقد أُحصي الأسرى الذين خلصهم من الأسر مدة حكمه فبلغوا ستين ألفًا ما بين رجل وامرأة.

ظل مظفر الدين يحكم مدينة إربل نصف قرن من الزمان حتى جاوز عمره الثمانين عامًا، ثم وافاه الأجل في يوم الأربعاء (8 من رمضان 630هـ- 1232م) في إربل، وكانت له وصية أن يدفن بمكة، فلما توجه الركب إليها بجثمان مظفر الدين ليدفن بها حالت أمور دون وصولهم، فرجعوا من الطريق ودفنوه بالكوفة بالقرب من مشهد الإمام عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه