مشاهدة النسخة كاملة : الحكومة تُؤَذِّنُ في مالطا



عادل محسن
16-04-2012, 17:20
الحكومة تُؤَذِّنُ في مالطا


الحكومة تُؤَذِّنُ في مالطايقال: لكل مثل قصة. " كما يقول بعض المؤرخين، أنه خلال انطلاق الحملات الصليبية، استغاث سكان جزيرة مالطا بالعثمانيين الذين تأخروا عن الدفاع عن سكان الجزيرة لانشغالهم بحروب في جبهات أخرى، فشهدت مالطا عمليات تقتيل وتخريب بشعتين واضطر الناجون منهم للهجرة إلا القليل. ولما انتهت الدولة العثمانية من حروبها وجهت قواتها لنجدة الشعب المسلم في جزيرة غدت شبه مهجورة، فرأوا ـ أي العثمانيين ـ أن يرفعوا الأذان، فلم يجبهم سوى رجل واحد قائلا لهم: "لقد أتيتم بعد خراب مالطا.".

و"أذَّن في مالطا" من الأمثال الشعبية المصرية، يقال لمن قام بعمل لا أثر له في الواقع موهما نفسه أنه أنجز عملا كبيرا. والمثل ينطبق على الحكومة عموما، ووزارة الاتصال خصوصا، بتنصيص دفتر تحملات القناة الثانية (2m) على إدراج أذان الصلوات الخمس ونقل صلاتي الجمعة والعيدين. ترى، ما الذي سيتغير بهذا الإجراء إذا حافظت القناة المعلومة على مرجعيتها التغريبية وتوجهها الحداثي الذي يستهدف هوية المجتمع "وأثمر" ـ والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه ـ ثقافة اغتصابية للقيم قبل أن تترجم اغتصابا لشرف المجتمع وبكارة بناته باسم الحريات الفردية؛ ثم تتعالى الأصوات المنددة بتوالي تساقط ضحايا ثقافة الاغتصاب التي رسختها سياسة إعلامية استأصلت قيم الحياء والعفة من النفوس، وأحالت المرأة جسدا وساحة إثارة رخيصة.

لقد خصص التصريح الحكومي حيزا كبيرا ومعتبرا لتثبيت هوية المجتمع المتمثلة في إسلامية الدولة، بل اعتبرته الحكومة إضافة نوعية في برنامجها انسجاما مع مرجعية الحزب القائد للحكومة، وفي هذا السياق تعتبر إدراج الأذان ونقل صلاة الجمعة والعيدين فتحا عظيما لقلعة ظلت مستعصية على الاختراق.

وما أدراك ما 100 يوم:
من الأعراف الديمقراطية، أن تقدم الحكومة حصيلة منجزاتها خلال الثلاثة أشهر الأولى من ولايتها، ودفعا لتهمة التحامل على الحكومة نستحضر مجموعة من الإكراهات التي أثرت على أداء الحكومة، وستؤثر على أي فريق حكومي قرر خوض تجربة تدبير الشأن العام في ظروف شبيهة بالتي تشتغل فيها الحكومة الحالية. ومن هذه الإكراهات:

ـ الإطار الدستوري الذي مركز السلطة في المؤسسة الملكية، وما جاء فضفاضا عائما في الوثيقة الدستورية تكفلت القوانين التنظيمية بتدقيقه ـ قانون تحديد المؤسسات الاستراتيجية نموذجا ـ والتي بمقتضاها همش مجال تدخل الحكومة مقابل بسط المؤسسة الملكية هيمنتها على المؤسسات الحيوية. إجراء اعتبره وزير دولة سابق مؤشرا على عدم ثقة القصر في الحكومة، وحال دون أن تضع يدها على قطاعات حساسة لها وزن كبير على مستوى المصالح الاقتصادية والمالية؛ فصافي أرصدة بعض هذه المؤسسات يعادل 110 مليار درهم، ومعاملات أخرى يتجاوز 50 مليار درهم، ورسملة بعض منها داخل البورصة يتجاوز عشرات المليارات من الدراهم. أما محاولة تبرير التأويل غير الديمقراطي للدستور بالحديث عن تناغم برنامجي القصر والحكومة، فقد استهلك من طرف حكومات خلت دفعت مقابله رصيدها السياسي وأفقدها شعبيتها.

ـ طبيعة المرحلة المشحونة بالاحتقان الاجتماعي الذي أجبر الحكومة على اعتماد مقاربة إنقاذية للحيلولة دون تفاقم الاحتجاجات الاجتماعية، وهو ما جعلها حكومة "إطفاء" واحتواء لبؤر ما تراكم من معضلات وسوء تدبير.

ـ الأزمة العالمية التي أرخت بظلالها على العلاقات التجارية المغربية الأوروبية تحديدا وعلى سيولة الاستثمار الأجنبي، وما سيترتب على ذلك من تراجع في مناصب الشغل.

ـ بلقنة المشهد السياسي فرض تحالفات هشة ومتنافرة إيديولوجيا لن يُفلح الميثاق الشرفي في ضمان التعايش السياسي بين مكونات الحكومة، وهو ما يؤثر سلبا على أدائها، لا سيما في مجال التصدي للفساد. فعلى سبيل المثال: هل يقبل حزب الاستقلال مثلا فتح ملفات فساد قطاع الصحة، وهو ما يعني استهداف شعبية حزب الميزان؟ طبعا، لن يقبل، وإلا سيهدد بالنزول من عربة الائتلاف وفك الارتباط الذي يُفقد الحكومة الأغلبية.

لهذه الأسباب لن يكون أداء الحكومة إلا شكليا، ومن ذلك اعتبار إدراج الأذان ونقل وقائع صلاتي الجمعة والعيدين وبرمجة برنامج ديني أو إثنين في القناة الثانية فتحا مبينا وانتصارا تاريخيا على تيار حداثي استئصالي معاد لهوية المجتمع وقيمه الإسلامية.

حي على الصلاح:
الأذان في اللغة إعلان وإشعار وإعلام، وقرار رفع الأذان في القناة الثانية إشارة لا تخلو من دلالة، غير أنها لن تتجاوز أثر الأذان في مالطا، إن لم تتهيأ البيئة المستقبلة لنداء الصلاح والفلاح ليصطلح إعلامنا العمومي ـ وليس القناة الثانية فقط ـ بما فيه المسموع والمقروء، حيث التجرؤ على القيم تجاوز كل الحدود باسم الانفتاح على قضايا المجتمع.

إن إصلاح الإعلام لا يختزل في تدبير الموارد البشرية للقطاع، ولا في شفافية الصفقات وعقلنة دعم الإنتاجات، بل يجب أن يحسم في رسالة ووظيفة قطاع غاية في التأثير والمركزية في صياغة الوعي وبناء الشخصية انطلاقا من مشروع مجتمعي ينسجم وهوية الشعب.

وبعيدا عن التحليق النظري، نقارن بين مسابقة "استوديو2m" لاكتشاف المواهب الغنائية وبين مسابقة "تجويد القرآن الكريم" التي تعرضها نفس القناة خلال الشهر الفضيل، شهر رمضان. فعلى مستوى اللوجيستيك لا مجال للمقارنة، وعلى مستوى الإعداد، فالمتنافسون في مسابقة تجويد القرآن الكريم يدخلون غمار التنافس بما يمتلكون من كفاءة في التجويد، ولا يستفيدون من احتضان ومصاحبة تطور موهبتهم؛ حتى إذا انتهى التباري وتوج الفائزون عادوا من حيث أتوا فرحين مبتهجين بثناء أعضاء لجنة التحكيم وبشارتها للحاذقين في التجويد بثواب البررة المهرة في تلاوة القرآن الكريم. أما زملاؤهم المشاركون في مسابقة "استوديو2m"، فبعد نجاحهم في اجتياز المرحلة الأولى واختيارهم مترشحين في الدورة، يستفيدون خلال أسابيع قبل بدء التباري من تأطير وتداريب فنية اكتشافا للأصوات وامتلاكا لأبجديات الغناء ومهارات الحضور المؤثر على الخشبة وامتصاصا لحالات التوتر وضغط مواجهة الجمهور، وإخضاع أبدان المشاركين ـ والمشاركات خاصة ـ لعمليات "التشذيب" قبل أن تبدأ أطوار التنافس على اللقب الذي يفتح أبواب الشهرة ويعبد طريق الممارسة بتوفير الأعمال الفنية وتكفل الجهات الممولة بتسويق الموهبة الجديدة.

فشتان بين مسابقة في تجويد القرآن الكريم ومسابقة في فن الغناء: مسابقة تنتهي بإعلان مبلغ زكاة الفطر، ومسابقة تستشرف آفاق الشهرة والتحليق في سماء النجومية. مسابقة عارية من أي سند أو دعم، ومؤطروها ضيوف على القناة غرباء على فضاءاتها. ومسابقة تأتي تتويجا لحصيلة مسلسلات وسهرات وبرامج فنية ومهرجانات دولية. مسابقة تحظى بكل الدعم والرعاية ومؤطروها أبناء الدار وخريجوها. فهل بهذا تحترم القناة مبدأ تكافؤ الفرص وتسعى لتلبية حاجات الجمهور المختلفة بحيادية وموضوعية؟

إن قرار إدراج أذان الصلوات الخمس ونقل وقائع صلاتي الجمعة والعيدين لا أثر لهما في قناة لا تتوانى في النيل من قيم المجتمع ومنظومته الخلقية، نشرا للفحش قولا وفعلا وسلوكا في تواطؤ مكشوف مع جهات نافذة متنفذة وفر لها اعتبار قطاع الإعلام مرئيه ومسموعه جزءا من دار المخزن الدعم، وأكده تصنيف ذات القطاع ضمن المؤسسات الاستراتيجية التي لا تطالها سلطة الحكومة.

لذلك فحديث إصلاح قطاع الإعلام يرجأ كغيره إلى حين توفر الشروط الموضوعية، وحسب وزارة الاتصال أنها أبدت الرغبة في الإصلاح. وحيث إن الأعمال بالنيات، وحيث إنه فوق طاقته لا يلام، يعتبر إدراج أذان الصلوات الخمس خطوة على طريق الإصلاح، في انتظار قرارات حاسمة تدشن عهدا إعلاميا عنوانه الفلاح والصلاح تهذيبا للأخلاق وسموا بالأرواح وصيانة للقيم وتنويرا للأفهام وبناء للوعي السليم واضطلاعا بمهام البناء والتضحية من أجل الصالح العام.


نشر في 12-04-2012
المصطفى سنكـي