مشاهدة النسخة كاملة : هل العدل والإحسان خارج التغطية ؟



عادل محسن
30-04-2012, 16:52
هل العدل والإحسان خارج التغطية ؟


يبدو أن جماعة العدل والإحسان خارج التغطية هذه الأيام، فكأن هذا الجدل الدائر حول مجموعة من القضايا الساخنة وهذه المعارك الطاحنة في الأوساط الاجتماعية والسياسية والإعلامية لا تعني العدلاويين في شيء، وكأنهم يعيشون في زمان غير الزمان أو مكان غير المكان. ويمكن رصد هذا الخروج عن التغطية أو "الغيبة الصغرى"مؤخرا، من خلال ثلاثة أحداث متتالية شغلت المغاربة على مدى أسبوعين، لكن الجماعة تجاهلتها كليا ولم تتطرق لها لا من قريب ولا من بعيد، لا في موقعها الرسمي والمواقع الملحقة، ولا في بيانات وبلاغات مؤسسات الجماعة، ولا حتى في تصريحات قيادييها* الذين تعودنا حضورهم الإعلامي في كل مناسبة:

1- قضية آمنة الفيلالي الطفلة التي انتحرت، وما أثارته من نقاش حول تزويج القاصرات وتقنين سن الزواج.
2- معركة "كناش التحملات" التي فجرها وزير الاتصال مصطفى الخلفي.
3- قضية التطبيع مع الكيان الصهيوني الذي عرف تصاعدا في الآونة الأخيرة، وعرف أشكالا متعددة اقتصادية وسياسية ورياضية.

ومثل هذا الغياب أو التجاهل المقصود مستغرب من جماعة تعتبر أكبر فصيل معارض في المغرب بقاعدته الجماهيرية الواسعة ومشروعه التغييري من جهة، ومن جهة ثانية لأن المطلع على وثائقها التأسيسية، يعلم أنها تمتلك إجابات وافية وضافية في القضايا المطروحة:

- ففي موضوع المرأة تعتبر قراءتها من أنضج القراءات الإسلامية وأكثرها عمقا وتقدمية، ويكفي أن تنتج لنا هذه المدرسة مناضلة بحجم الأستاذة نادية ياسين.

- وفي مجال الإعلام فرغم أن الجماعة من أكبر المحاصرين في الإعلام العمومي المغربي بكل فروعه، فهي تدعو في كل مناسبة إلى الحرية والحرفية والموضوعية والحياد والشفافية والرسالية والأخلاقية، ومن قرأ موقفها بمناسبة اليوم الوطني للإعلام* يدرك حجم إلمامها بملف الإعلام في المغرب والإصلاحات اللازمة له:"وبهذه المناسبة لابد أن نذكر أيضا بموقفنا المبدئي المتمثل في أننا ضد سياسة تكميم الأفواه، وأننا ضد مصادرة الرأي الحر وأننا ضد تمييع العمل الإعلامي واختراقه، بمجموعة من الأقلام المأجورة والمرتزقة المشبوهة. وأننا ضد تصفية الحسابات، وبدون شك إننا مع إصلاح شامل للواقع الإعلامي ببلدنا من أهم أسسه :

1. توفير مناخ من حرية الرأي والتعبير، ورفع سيف فصول القانون الجنائي عن رقاب الإعلاميين.
2. تأهيل المقاولة الإعلامية والرفع من مهنيتها في مجالي التسيير الإداري والتدبير المالي.
3. تحصين المهنة أكثر وحمايتها من المرتزقين والمتطفلين.
4. الرفع من كفاءة العاملين في القطاع، عن طريق التكوين المستمر والدورات التدريبية في المجالات (علوم المهنة وتقنياتها / القانوني والحقوقي / التقني واستعمال وسائط الاتصال)
5. تحسين الوضعية المالية والمعنوية للمهنيين وتنظيم القطاع.
6. تعزيز وحدة الصف الإعلامي، والابتعاد عن المهاترات والمعارك الشخصية.
7. التخفف من عباءة الحزبي والحد من سيطرة لوبيات الإشهار والدعم المالي لصالح ما هو مهني وحرفي.

أما بخصوص التطبيع فالموضوع حسمته الجماعة في أدبياتها ومواقفها وتصريحاتها وتكفي مسيرة التضامن الأخيرة، وللمزيد من التأكيد يمكن الرجوع إلى افتتاحية الموقع الرسمي بتاريخ 30 شتنبر 2009 بعنوان "لائحة سوداء للمطبعين" هل لا يملك من ينظم هذه اللقاءات مع "إسرائيليين" حسا سياسيا وإنسانيا فيراعي، على الأقل، الظرفية الحساسة التي تمر منها القضية الفلسطينية ....لأنه حينها يتصرف بدون مراعاة وازع أو ضمير......وأول خطوة في هذا الباب وضع لائحة سوداء تتضمن أسماء كل من يخطو أية خطوة تطبيعية ونشرها على أوسع نطاق ليتأكد للجميع أن هؤلاء ليسوا مغاربة وإن حملوا الاسم والجنسية وبطاقة التعريف لأن المواطنة أكبر من لقب أو بطاقة"

هذا بالإضافة إلى أن المتابعين للشأن السياسي يهمهم معرفة آرائه في مثل هذه القضايا التفصيلية أي الإعلام/ المرأة /العلاقات مع الكيان الصهيوني، وهنا نتحدث عن الموقف السياسي لا الرأي الفكري والثقافي الموجود في كتابات الأستاذ عبد السلام ياسين وأدبيات الجماعة منذ عقود.

ونحن هنا أمام مجموعة من الاحتمالات التي قد تفسر هذا الغياب:

1. أن الجماعة مشغولة بترتيب بيتها الداخلي بعد تسرب إشاعات للإعلام عن مرض مرشدها، وهذا أيضا احتمال مستبعد لسببين أولا لأن الجماعة قائمة على مؤسسات نشيطة محددة التخصصات، وبالتالي فإن الانشغال لا يبرر غياب مؤسستها التواصل والإعلام، وثانيا لأن هذا الجدل المثار حول فترة ما بعد الأستاذ ياسين –متعه الله بالصحة والعافية وأطال في عمره**- جدل مفتعل لأن من اطلع على قوة مؤسسات الجماعة ومتانة بنائها التنظيمي والديمقراطية الداخلية يعرف كيف تسير الأمور.

2. أن الجماعة آثرت الابتعاد عن الضيق بتعبير أعضائها، وأرادت عدم الدخول في حرج مع حكومة ابن كيران باتخاذها موقفا محايدا من القضايا المثارة، فلا هي أيدت ولا هي عارضت، وهو احتمال مستبعد بدليل الرسالة التي وجهتها قيادة الجماعة إلى حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح بعد تنصيب الحكومة مباشرة.

3. أن الجماعة اختارت العودة إلى خيار الصمت القديم والانغلاق الذي انتهجته لسنوات بعد أن أنهكتها المشاركة القوية في مسيرات 20 فبراير، لكن هذا الاحتمال لا يصمد كثيرا في الحجاج بدليل المسيرة المليونية التي نظمتها في 25 من مارس وكانت حديث العدو والصديق، وبدليل التغيرات الكبرى التي شهدها الواقع وعرفتها الجماعة، فالتواصل والانفتاح صار ضرورة وحقا للأعضاء وللمتتبعين. وكل تنظيم ينتهج الانغلاق فهو يختار الانتحار

4. . أن الجماعة اعتبرت هذه القضايا معارك جانبية يراد لها أن تشغل الناس عن معركتهم الحقيقية ضد الاستبداد والفساد، وأنها محاولة للإلهاء ولاستنفاذ الجهود وإنهاك المعارضين في معارك خاوية، خاصة أن هذا هو نهج المخزن في هذا البلد تاريخيا، وبالتالي فهي لم ترد الانسياق مع المنساقين والسقوط في مصيدة المخزن.

وأيا كانت الأسباب والمبررات فمن حقنا كمغاربة أن نعرف موقف الجماعة من مثل هذه القضايا المصيرية، خاصة وأنها تبشرنا بمشروع تغييري وبديل سياسي شامل، ولأنها ترفع شعار الوضوح منذ تأسيسها في بدايات الثمانينات، ولأنها أعلنت أنها من الشعب وإليه، وأكدت ذلك بالتحامها الأسطوري مع جماهير الشعب المغربي، على مدى شهور في الشارع خلال حراك 20 فبراير.

ذ إسماعيل العلوي
السبت 28 أبريل 2012

********
*على الأقل إلى حدود كتابة هذا المقال.
**افتتاحية الموقع الرسمي "اليوم الوطني للإعلام كل عام وانتم بخير" 17/11/2009
***اعتبر أن الأستاذ عبد السلام ياسين أكبر من جماعة العدل والإحسان، وليس من حقها أن تحتكر علمه وجهاده واجتهاده فهو ملك للأمة الإسلامية جمعاء.