مشاهدة النسخة كاملة : مناظرة بين السيف و القلم



chahid2007
03-08-2006, 14:11
السيف و القلم


فقال السيف: بسم الله والله أكبر: "نصر من الله وفتح قريب". لكل باغ مصرع، وللصائل بالعدوان مهلك لا ينجو منه ولا ينجع؛ وفاتح باب الشر يغلق به، وقادح زند الحرب يحرق بلهبه؛ أقول بموجب استدلالك، وأوجب الاعتراض عليك في مقالك: نعم أقسم الله تعالى بالقلم ولست بذلك، وكان أول مخلوق ولست المعني بما هنالك؛ إن ذلك لمعنى يكل فهمك عن إدراكه، ويضل نجمك أن يسري في أفلاكه؛ وأنت وإن ذكرت في التنزيل، وتمسكت في الامتنان بك في قوله:"علم بالقلم" بشبهة التفضيل؛ فقد حرم الله تعالى تعلم خطك على رسوله، وحرمك من مس أنامله الشريفة ما يؤسىعلى فوته ويسر بحصوله، لكني قد نلت في هذه الرتبة أسنى المقاصد، فشهدت معه من الوقائع ما لم تشاهد، وحلاني من كفه شرفاً لا يزول حليه أبداً، وقمت بنصره في كل معترك: وسل حنيناً وسل بدراً وسل أحداً?????????????????????!!!؛ ذكر الله تعالى في القرآن الكريم جنسي الذي أنا نوعه الأكبر، ونبه على ما فيه من المنافع التي هي من نفعك أعم وأشهر، وما اجتمع فيه من عظيمي الشدة والبأس، فقال تقدست عظمته:"وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس". على أنك لو اعتبرت جنسي القصب والحديد، وعرفت الكليل منهما والجليد، لتحققت تسلط الحديد عليك قطاً وبرياً، وتحكمه فيك أمراً ونهياً.

فقال القلم: فررت من الشريعة وعدلها، وعولت على الطبيعة وجهلها، فافتخرت بحيفك وعدوانك، واعتمدت في الفضل على تعديك وطغيانك، فملت إلى الظلم الذي هو إليك أقرب، وغلب عليك طبعك في الجور: و"الطبع أغلب"؛ فلا فتنة إلا وأنت أساسها، ولا غارة إلا وأنت رأسها، ولا شر إلا وأنت فاتح بابه، ولا حرب إلا وأنت واصل أسبابه؛ تؤكد مواقع الجفاء، وتكدر أوقات الصفاء، وتؤثر القساوة، وتؤثر العداوة؛ أما أنا فالحق مذهبي، والصدق مركبي، والعدل شيمتي، وحلية الفضل زينتي؛ إن حكمت أقسطت، وإن استحفظت حفظت وما فرطت؛ لا أفشي سراً يريد صاحبه كتمه، ولا أكتم علماً يبتغي متعلمه علمه؛ مع عموم الحاجة إلي، والافتقار إلى علمي والاكتساب مما لدي؛ أدير في القرطاس كاسات خمري فأزري بالمزامير وأزهرأ بالمزاهر، وأنفث فيه سحر بياني فألعب بالألباب وأستجلب الخواطر، وأنفذ جيوش سطوري على بعد فأهزم العساكر:

فلكم يفل الجيش وهو عرموم**** والبيض ما سلت من الأعماد!

فقال السيف: أطلت الغيبة، وجئت بالخيبة، وسكت ألفاً، ونطقت خلفاً.

السيف أصدق أنباء من الكتب **** في حده الحد بين الجد واللعب

إن نجادي لحلية للعواتق، ومصاحبتي آمنة من البوائق؛ ما تقلدني عاتق إلا بات عزيزاً، ولا توسدني ساعد إلا كنت له حرزاً حريزاً؛ أمري المطاع وقولي المستمع، ورأيي المصوب وحكمي المتبع؛ لم أزل للنصر مفتاحاً، وللظلام مصباحاً، وللعز قائداً، وللعداة ذائداً؛ فأنى لك بمساجلتي، ومقاومتي في الفخر ومنافرتي؟؛ مع عري "جسمك" ونحافة بدنك، وإسراع تلافك وقصر زمنك، وبخس أثمانك على بعد وطنك، وما أنت عليه من جرى دمعك، وضيق ذرعك، وتفرق جمعك، وقصر باعك، وقلة اتباعك.

فقال القلم: مهلاً أيها المساجل، وعلى رسلك أيها المغالب والمناضل؛ لقد أفحشت مقالاً، ونمقت محالاً، فغادرتك سبل الإصابة، وخرجت عن جادت الإنابة، وسؤت سمعاً فأسأت جابة؛ إني لمبارك الطلعة وسيمها، شريف النفس كريمها، آخذ بالفضائل من جميع جهاتها، مستوف للممادح بسائر صفاتها؛ فطائري ميمون، وغولي مأمون، وعطائي غير ممنون؛ أصل وتقطع، وأعطي وتمنع، وتفرق وأجمع؛ وإن ازدراءك بي من الكبر المنهي عنه، وغضك عني من العجب المستعاذ منه؛ ومن حقر شيئاً قتله، ومن استهان بفضائل فضله؛ وإني وإن صغر جرمي فإني لكبير الفعال، وإن نحف بدني فإني لشديد البأس عند النزال؛ وإن عري جسمي فكم كسوت عارياً، وإن جرى دمعي فكم أرويت ظامياً، وإن ضاق ذرعي فإني بسعة المجال مشهور، وإن قصر باعي فكم أطلقت أسيراً وأنا في سجن الدواة مأسور؛ إذا امتطيت طرسي، وتدرعت نقسي، وتقلدت خمسي، وجاشت على الأعداء نفسي:

رأيت جليلاً شأنه وهو مرهـف*** ضنى وسمينا خطبه وهو ناحل!
صبح الأعشى
القلقشندي

islam
03-08-2006, 17:32
مشاركة قيمة اخي الشهيد جعلها الله في ميزان حسناتك