مشاهدة النسخة كاملة : أبي حي...



أم آلآء
15-12-2012, 11:45
بسم الله الرحمن الرحيم

أبي حي...

بلغني الخبر كجلمود صخر حُط من عل. بلغني مثل صاعقة مدوية تزلزل الأركان. توقف الزمن لبرهة في مخيلتي. استرجعت ودعوت. نزلت العبرات صامتة تبكي طودا شامخا وقمة عالية في مجال الفكر والدعوة والجهاد والتربية والسلوك، تبكي قامة من القامات العظمى التي رُزأت بفقدها الأمة جمعاء. تزاحمت في ذهني صور وجهه المشرق الباش المستبشر.

تذكرت ذلك المشهد العجيب حين نُعي رسول الله صلى الله عليه وسلم. لم يستوعب الخبر الكثيرون حتى إن سيدنا عمر رضي الله عنه عزم على ضرب من أعادها، فوقف سيدنا الصديق حب حبي معلنا "من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت".

"إنك ميت وإنهم ميتون" سنة حتمية في الخلائق ماضية إلى أن نلقاه. ولكن هي موتة وموته.

هي موتة رجل أفنى العمر في الدعوة والجهاد ومحاربة الاستبداد، والتربية والتوجيه والإرشاد، لم يبرك سبيلا يجمع الناس على الخير إلا سلكه، ولم يدع طريقا تؤلف القلوب على محبة الله تعالى ورسول الله صلى الله عليه وسلم ومحابهما إلا دعا إليه.

بدأ غريبا بين الغرباء، وحيدا يدعو ويسدد، فهدى الله على يديه أقواما دلهم على الله، جمعهم عليه، علمهم بصغار الأمور قبل كبارها، رباهم، وجههم إلى التهمم بالهم الأخروي الفردي سلوكا، وبالهم العدلي الجماعي محجة حتى شكلوا قوة بانية مستمرة بإذن الله المنعم الوهاب.

شعار العدل والإحسان شعار قرآني، ومائدة العدل والإحسان مائدة قرآنية ممدودة إلى قيام الساعة. هي قوة فاعلة بأبنائها وبناتها، بثوابتها، بوضوح خطها، بنصاعة منهاجها، بمؤسساتها وكوادرها وطبيعة تنظيمها. هي قوة فاعلة معا وبعدا بتوفيق ربها جل وعلا.

هي قوة متماسكة منسجمة منجمعة على الله، مبلغة لأمره، داعية إلى طريقه بالرحمة والرفق والموعظة الحسنة.

هي مدرسة قرآنية متنقلة عبر الأجيال، هكذا أرادها مرشدها أن تكون.

لم يكن مرشد العدل والإحسان، رحمه الله، مدرسة فكرية فحسب تؤسس وتنظر، بل كان مدرسة عملية تربط القول بالفعل والحال بالمقال والدنيا بالآخرة.

أنظر إلى هذه الأعداد المتراصة، وهذه الفئات المحبة، وتلك الجموع المتدفقة، وأردد بملء فمي: أبي حي. وإن كان الجسد الطيب الطاهر النقي ينعم بلقاء الله القائل: "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة".

فيا أيتها السواعد البانية، ويا أيتها القلوب المتشوفة الصافية المتآخية، ويا أيتها الهمم الوقادة الراقية: أبي حي ما دامت دعوته قائمة وسيرته مستمرة وحصاد جهوده ظاهرا.
حقوق النشر محفوظة لموقع أخوات الآخرة
نادية بلغازي