مشاهدة النسخة كاملة : صفقة رابحة.. من يشتري؟



أم آلآء
21-01-2013, 21:49
صفقة رابحة.. من يشتري؟





أ.د. صلاح الدين سلطان

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا رسول الله –صلى الله عليه وسلمء وبعد..

إخواني وأخواتي في الله ء عز وجل ء أحبتنا في الله ء تبارك وتعالى ء ما أطيب القرآن، عندما يخرج من قلبٍ تشعر بأنه يفسر القرآن، جزى الله أخانا الكريم على هذه القراءة الندية.



وكان في ذهني موضوع، لكني سأتحدث عن الآيات التي قرأها الأخ الكريم في الركعة الأولى، وهي آيات من سورة التوبة، وفي أواخر سورة التوبة يعقد الله –سبحانه وتعالىء صفقة مع المؤمنين، هذه الصفقة فيها بائع ومشتري، فيها سلعة، وفيها ثمن، وعادة الناس عندما تدخل في صفقات كبيرة، تحتاج إلى ضمان يضمن جودة السلعة محل التعاقد؛ لذلك احتوت هذه الصفقة على كل الضمانات الربانية.



فالمشتري هو الله (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى)، سيدنا عبد الله بن عباس يقول: من آمن فقد باع، فالتعبير بلفظ الماضي، تمت الصفقة، فإذا آمنت فقد بعت لله نفسك ومالك: (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) وسيأتي التفصيل في صفات المؤمنين، في تسع صفات واضحة تمامًا، فالذي يريد أن يقدم لله يجب أن يستوفي هذه الصفات، فالله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بمواصفات تسع، قادمة، فهذه السلعة التي تقدمها إلى الله ء النفس والمال ء لا تحجب شيئًا عن الله، والجود بالمال، جود فيه مكرمة، والجود بالنفس أقصى غاية الجود.



فلا تقل أجود بمالي دون نفسي، ولا بنفسي دون مالي، إنما هو جود بكل ما يملك الإنسان، وعندما يشتري منك الله ءعز وجلء، فما هو الثمن؟ ماذا سيعطيك؟ الجنة، (بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ).



بيعة العقبة

ولذلك الصحابة في ليلة بيعة العقبة الكبرى، مجلس التأسيس لدولة الإسلام كانت ليلة 13 من ذي الحجة، والمكان في منى، عند جمرة العقبة الكبرى، جاء وفد من المدينة عددهم ستة وسبعون رجلا وامرأتان، وتقابلوا مع الرسول ء صلى الله عليه وسلمء والرسول اصطحب معه العباس، وبدأ الحوار، ماذا يريد منهم النبي ء صلى الله عليه وسلمء؟ وماذا يجب عليهم أن يفعلوا؟.



قالوا: جاهزون نبايعك يا رسول الله، وهنا وقف سيدنا ابن الهيثم بن تيهان، وفي رواية أسعد بن زرارة، قال: لا أحد يبايع النبي، والناس قد مدوا أيديهم، مسألة عجيبة، الناس مدت يدها، وأحد الصحابة يقول: لا تبايعوا.



قالوا: ماذا يا أسعد؟ نحن فهمنا الرسول يريد منا ستة أشياء: العهد على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى إثرة علينا، وألا ننازع الأمر أهله، وأن نحمي أي أن نمنع أن ندافع عن هذا الدين، كما ندفع عن أزواجنا وأهلنا وأولادنا، وأموالنا.



نحن فهمنا الموضوع، قال سيدنا أسعد: والله لأن بياعتموه ليُقتلن أشرافكم، ولتنهكن أموالكم، ولتجتمعن عليكم العرب فترميكم عن قوس واحدة، فإن رأيتم أنكم خاذلوه، فمن الآن، وإلا فبايعوه، فالذي نفسي بيده إنها لنعم البيعة.



قالوا: نحن فهمنا وعلى هذا بايعنا، ولكنهم سألوا رسول الله سؤالا واحد، قالوا: يا رسول الله نحن مستعدون لهذه التضحيات كلها، النفس والمال سوف نبيعهم لله، يقتل الأشراف، تنهك الأموال، كل الناس تجتمع علينا وسنقف وقفة رجال، لكن نحن نريد الثمن ماذا سيكون؟، قالوا: ما لنا إن فعلنا ذلك؟



قال لهم النبي ء صلى الله عليه وسلمء: الجنة، ولا شيء غيرها، فقالوا أمط عنا يدك يا أسعد، مد يدك يا رسول الله، والله لا نقيل ولا نستقيل أبدًا، لن نتراجع عن هذه الصفقة، وسندافع عن هذا الدين، ونبيع كل شيء لله ءعز وجلء وقد صدقوا، صدقوا مع الله، صدقوا مع رسول الله ءصلى الله عليه وسلمء فالصفقة هي الجنة، ورسول الله ء صلى الله عليه وسلمء يقول: "ألا إن سلع الله غالية، إلا إن سلعة الله هي الجنة".



وفي صحيح البخاري: "لموضع سوط أحدكم في الجنة، خير من الدنيا وما فيها"، وفي وصف الحور العين روى الإمام البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض لملأت ما بينهما ريحاً، ولأضاءت ما بينهما، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها".



خطبة الشيطان

فإذا لم نبع لله، سنبيع للشيطان، والشيطان يأتي يوم القيامة يضحك علينا، يقول: (إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ) أي بمنقذكم (وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، هذه خطبة الشيطان على منبر في جهنم، يخاطب الناس الذين التفوا حوله.



أما أهل الإيمان فعندهم صفقة، الله –سبحانه وتعالىء هو الذي يعقدها مباشرة، مع من؟ أصحاب الإيمان الذين توافرت فيهم مواصفات تسعة، والثمن الجنة، السلعة التي تقدمها النفس والمال، والضمان (وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ) أي تجارة لكي تربح وتسير، لابد من ضمان، الضمان هو الله (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا) ، لا أحد يوفي كما يوفي الله ءعز وجلء لعبده.



صفات من يقبلون على هذه الصفقة، أول صفة: "التائبون" ، أن تتعود أن تكون تائبًا إلى الله ء عز وجل ء، والتوبة هذه في كل المراحل، لا تقل أنا لم أفعل شيئا، من ماذا أتوب؟ كلنا ذنوب، ولو تفكرت ستجد كثيرا، فالمطلوب أن يعيش المسلم بقلب صافٍ مع الله سبحانه وتعالى.



الصفة الثانية: (الْعَابِدُونَ)، وبالنية تستطيع أن تجعل حياتك كلها عبادة، الأكل والشرب، والزواج، السعي على الرزق .......



الصفة الثالثة: (الْحَامِدُونَ)، الذي يحمد الله، وإذا أي أسدى إليه أحد معروفًا يشكره "من لم يشكر الناس لم يشكر الله"، اعتاد أن يقول الحمد لله في السراء وفي الضراء، وأن يكون حسن الخلق في التعامل مع الجميع، مع من يبش في وجه، من علمه حرفًا، من أسدى إليه معروفًا، من سقاه شربة ماء، من أطعمه مرة، من أسدى إليه خدمة في أي أمر.



الصفة الرابعة: (السَّائِحُونَ) وأرجح الأقوال ءفيما يبدو ليء هم المتحركون بدعوة الله، الذي يحمل الرسالة ومنتشر بها في الأرض، سياحة بدعوة الله، بالقرآن، بالسنة، "بلغوا عني ولو آية".



الخامسة والسادسة: (الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ)، الذين يصطفون بين المؤمنين، اركعوا مع الراكعين، فلا يكفي أن تصلي الفرض بمفردك.



السابعة والثامنة: (الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ)، لا يرون معروفًا يترك إلا أمروا به، ولا منكر يظهر إلا نهوا عنه.



علماؤنا يقولون: أمرٌ بمعروف إذا ظهر تركه، ونهيٌ عن منكر إذا ظهر فعله.

والمعنى لا تفتش وراء الناس، وتذهب تقلب في حياتهم، ولكن إذا ظهر منكر تذهب تنهى عنه، وإذا ظهر ترك المعروف تأمر به، والأمر بالمعروف هو أرفع منزلة، أرفع من أن تكون ملكًا متوجًا، أو أن تكون أميرًا غنيًّا، أو أن تكون وزيرًا ذا سلطة كبيرة، (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ).



آخر صفة: (وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ)، الحرمات، في الأعراض، القيم، الأخلاق.

وفي الأخير (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ).



إذن من يريد أن ينال هذه الصفقة، ويأخذ الثمن من رب العزة، لا بد أن تتحقق فيه تسع صفات، وهذه الصفات التسع تحتاج إلى أن نعمل جاهدين على أن نتمثلها صادقين، فإذا علم الله ذلك اشترى منا النفس والمال، وأعطانا بها الجنة بإذن الله إنها نعمت الصفقة مع رب العزة سبحانه، فأسرعوا الخطى إلى الله (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ).