مشاهدة النسخة كاملة : حوار صحفي الأستاذ محمد عبادي: التصور التربوي في فكر الإمام عبدالسلام ياسين رحمه الله



عادل محسن
26-07-2013, 17:13
الأستاذ محمد عبادي: التصور التربوي في فكر الإمام عبدالسلام ياسين رحمه الله
http://www.yassine.net/ar/imagesDB/6743_large.jpg

الأستاذ محمد عبادي الأمين العام لجماعة العدل والإحسان، نرحب بكم في موقع الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله، ونشكركم على قبول إجراء هذا الحوار، راجين من الله عز وجل أن يكون فرصة لبسط وتوضيح نظرية مرشد العدل والإحسان في موضوع التربية:

- يؤكد الإمام عبد السلام رحمه الله في جميع مؤلفاته على الأساس التربوي الإحساني في تجديد دين الأمة، فما معنى التربية الإحسانية؟ وما أهمية التربية في بناء الإنسان وإقامة الدين؟

- في البداية أتقدم إلى الإخوة الكرام المشرفين على موقع الإمام عبد السلام ياسين بالشكر الجزيل على ما يبذلونه من جهود في التعريف بالفكر المنهاجي التجديدي الذي هدى الله إليه مرشدنا الحبيب تغمده الله بواسع مغفرته ورحمته. وأصل مباشرة للإجابة على أسئلتكم بشكل مقتضب لأن الإجابة الشافية الجامعة المانعة مبسوطة مفصلة في كتبه رحمه الله.

التربية الإحسانية هي التي ترقي العبد في مقامات الدين ليندرج في سلك المحسنين الذين يحبهم الله ﴿ والله يحب المحسنين ﴾ فيعيش الحضور مع الله والمراقبة له في كل أحواله فينعكس هذا الشعور بالقرب من الله على أقواله وأفعاله إخلاصا وإتقانا، وعلى علاقته بخلق الله رحمة وعطفا وإحسانا.

والتربية الإحسانية هي التي تحافظ على سلامة فطرة الإنسان، وتعصمها من المسخ والتشويه، وتطهرها مما طرأ عليها من اعوجاج وتحريف، وتؤهله لتحقيق العبودية لله تعالى، وتدفعه إلى التعاون مع إخوانه لنشر دين الله، ودين الله كله رحمة وعدل وخير لخلق الله، فأي خلل في التربية يترتب عليه خلل في إقامة دين الله.

- يقول الإمام عبد السلام رحمه الله في كتاب "المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا": "المسلمون في حاجة اليوم إلى اكتشاف المنهاج النبوي"، فما معنى المنهاج النبوي؟ وكيف يتم اكتشافه؟

- المنهاج النبوي هو الطريق الواضح المستقيم الذي سلكه رسول الله صلى الله عليه وسلم في بناء الفرد والجماعة والدولة. المنهاج النبوي هو تطبيق عملي لكتاب الله وسنة رسوله مع مراعاة تغير الظروف والزمان والمكان، ومن الخطأ والمغالطة أن نحصر المنهاج النبوي في حفظ نصوص القرآن والسنة، إذ لا أحد من المسلمين يجادل في قدسية هذه النصوص ولكن بأي فهم وبأي إرادة نطبق هذه النصوص؟ كيف نتقمص هذه النصوص لتجعل منا ورثة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ من السهل أن نكيف سلوكنا الظاهري حسب مقتضيات هذه النصوص، أما أحواله القلبية من خوف وخشية ورجاء وتوكل ويقين وشوق وإنابة، فلا تفيد فيها قراءة النصوص بل تتشرب من القلوب التي ورثتها بالسند المتصل إليه صلى الله عليه وسلم. فالمنهاج النبوي إذاً صحبة وجماعة وذكر وصدق وما تستتبعه من خصال أخرى. وبدون الصحبة الجماعية الجهادية لن تكون معالم المنهاج النبوي مكتملة، والموضوع يحتاج إلى بسط مستفيض لن تتسع له مثل هذه الحوارات.

- من المفاهيم المركزية في التصور التربوي عند الإمام رحمه الله، مفهوم الصحبة. فماذا تعني الصحبة وما علاقتها بالتربية الإيمانية؟ أهي شبيهة بالصحبة الصوفية المختصرة في ثنائية: شيخ ومريد؟

- الصحبة بتعريف مختزل تعني المحبة، فكلما تعمقت هذه المحبة بين الصاحب والمصحوب انصبغت روحانية الصاحب بروحانية المصحوب وتخلق بأخلاقه، فيسمو إيمانه ودينه ليتساوى مع إيمان المصحوب مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: ""المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل"" .
الصحبة الفردية المختصرة في ثنائية شيخ ومريد هي صحبة طارئة ظهرت نتيجة انفصال الدعوة عن الدولة. ونظرا لطول مدة هذا الانفصال النكد منذ تحولت الخلافة إلى ملك عاض إلى اليوم، أصبحت وكأنها هي الأصل في حين أن الأصل هو الصحبة والجماعة كما كان في عهد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، ثم الصحبة في الجماعة كما كان الأمر في عهد الخلافة الراشدة إذ لم يكن هم الخلاص الفردي منفصلا عن هم الأمة، ولم يكن الذكر منفصلا عن الجهاد.

- حث القرآن الكريم والسنة المطهرة المؤمنين والمؤمنات على الإكثار من ذكر الله تعالى، ولهذا جعل الإمام رحمه الله الذكر الخصلة الثانية من الخصال العشر، والشرط الثاني من شروط التربية الإيمانية. فما دلالة ذلك الترتيب، وما جدوى هذا الشرط في بناء الشخصية الإيمانية الإحسانية؟

- الذكر يأتي في المرتبة الأولى إذ لا شيء يعلو عليه، وكل ما شرعه الله من فرائض فإنما شرعه لأجل الذكر. لكن الإمام رحمه الله قدم خصلة الصحبة على خصلة الذكر من باب تقديم الوسيلة على الغاية. فلكي تدخل عالم الذكر تحتاج إلى من يوقظ همتك ومن يحفزك ويشوقك ويرغبك ويذيقك حلاوة الذكر.. وإلا فالنصوص الوافرة في القرآن والسنة المبينة لفضائل الذكر يعرفها الخاص والعام، لكن القليل القليل من يستجيب لها في غياب صحبة الذاكرين. وبالمداومة على الذكر نتبوأ قمة الإيمان، فالإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله.. وبالذكر نعيش بالله ولله ومع الله، فلا يتعلق قلبنا بغير الله. فإن أعطينا أعطينا لله، وإن منعنا منعنا لله، وإن أحببنا أحببنا في الله، وإن أبغضنا أبغضنا في الله، ومن كانت هذه مواصفاته فقد استكمل الإيمان.

- "مجلس النصيحة" من المجالس التربوية التي تعد محضنا مهما لتعميق معاني السلوك الجماعي إلى الله عز وجل. فما طبيعة هذا المجلس؟ وما هي أسسه ومرتكزاته في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟

- مجلس النصيحة مجلس مفتوح في وجه الراغبين في مقامات الإحسان المتشوقين لمعرفته سبحانه وتعالى. وهو مجلس غير ملزم تنظيميا، لأن مسألة الشوق إلى الله رغبة داخلية لا يمكن فرضها على الناس إلا ترغيبا وتحبيبا. ومن أهم فقراته مدارسة كتاب الله والوقوف بين يديه في وقت السحر تعرضا لنفحاته عز وجل. وهذا الاسم مستوحى من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ""الدين النصيحة ..."" . وللنصيحة دلالات لغوية عديدة؛ أهمها الانجماع على الله، وجمع الخير للمنصوح أيا كان. وهذا ما نسعى إليه ونتشوف له.

- كان الإمام رحمه الله يلح على ضرورة الجمع بين العدل والإحسان، فكيف يتحقق هذا الجمع بينهما على مستوى الفرد والجماعة والأمة؟

- العدل والإحسان أمران أوجبهما الله على المسلمين في الذكر الحكيم:﴿ إن الله يأمر بالعدل والإحسان﴾ ولن يتحققا إلا بصحبة جماعية جهادية، فالسعي الحثيث والحركة الدؤوب لتقويض الباطل وإقامة العدل في غياب الصحبة لن يفضيا إلى تحقيق الغاية الإحسانية. والصحبة الفردية في غياب مشروع جهادي لن يترتب عليها الإطاحة بالباطل وإقامة العدل، وهذا ما يؤكده الواقع المعيش. فالحركات الإسلامية الساعية إلى استئناف الحياة الإسلامية قلَّ ما تجد في صفوفها من يعيش الحرقة واللوعة والشوق إلى لقاء الله إلا إذا طعمت صفوفها بالعارفين بالله، والحركات الصوفية القائمة على الصحبة الفردية قل أن تجد فيها من يحمل هم الأمة ويترجم هذا الهم إلى برنامج عملي جهادي. وقد أكرم الله عز وجل الإمام المجدد بتأسيس جماعة حاملة لواء العدل والإحسان معاً، ونحن على خطاه -إن شاء الله- نسير.

- هل للمفاهيم التربوية معنى واحد محدد أم أن دلالتها تختلف باختلاف درجة إسلام وإيمان المؤمن؟

- التربية هي النمو والزيادة، وبهذا المعنى يمكن أن نتحدث عن التربية البدنية والعقلية، فيكون لكل مومن حظه من التربية لا شك بقدر اتصافه بالفضائل وتخليه عن الرذائل، ولكن التربية بمفهومها الشامل الجامع المانع هي إيصال الشيء إلى كماله وكمال الإنسان في معرفة ربه وتحقيق العبودية له، وهذا ما يطلق عليه مقام الإحسان. فمن المسلمين من يقنع بمرتبة الإسلام، وأقل منهم من يرتقي إلى مرتبة الإيمان من الدين، وأقل القليل من يتبوأ مرتبة الإحسان.

- كثيرا ما أوصى الأستاذ المرشد رحمه الله المؤمنين والمؤمنات بدعاء الرابطة، فهلا وضحتم للقارئ معنى هذا الدعاء وفضله؟

- ليس هناك دعاء مأثور يسمى دعاء الرابطة، فالاسم مأخوذ من أثر الدعاء وثمرته ونتيجته، فمن شأن دعاء المؤمنين لبعضهم أن يربط بين قلوبهم برباط الحب في الله. أطلق عليه الإمام رحمه الله دعاء الرابطة، واقترح على إخوته أن يخصصوا له وقتا مطولا يستحضرون فيه السلسلة النورانية الممتدة من سيدنا آدم عليه السلام إلى سيدنا عيسى، من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين، وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وذريته وصحابته وأهل بيته والتابعين وأتباع التابعين من القراء والمحدثين والفقهاء والأولياء ممن تحضرهم أسماؤهم. ويندرج في الدعاء طبعا أن يدعو المؤمن لنفسه ولوالديه ولأولاده وأقاربه وجيرانه، ومن تجمعه معهم روابط الأخوة في الله والدعوة إلى الله ومع كافة المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات. ولهذا الدعاء أثر عظيم في تقوية الإيمان وتعميق الصلة الروحية بمن نسبهم الله إليه: "وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين". نسأل الله أن يحشرنا في زمرتهم، ولو لم يكن لهذا الدعاء فضل إلا دعاء الملائكة "ولك مثله" لكفى. والله سبحانه وتعالى أعلى وأعلم.

سيدي محمد عبادي: سعدنا بهذا الحوار العلمي القيم، ونرجو من الله تعالى أن يتقبله منكم، وأن يتغمد الإمام المجدد بالرحمة الواسعة، إنه سبحانه سميع الدعاء

الجمعة 26 يوليوز 2013